في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها سوريا منذ عشر سنوات، تبرز العديد من المشكلات التي تهدد حياة المواطنين وتؤثر على مستقبلهم. ومن بين هذه المشكلات التي تستحق الانتباه والمتابعة تأتي أزمة حليب الأطفال، التي تعاني منها العديد من الأُسر السورية، وخاصة في العاصمة دمشق؛ ولكن ما هي حقيقة هذه الأزمة، وهل هي فعلا موجودة أم مفتعلة.

حليب الأطفال موجود في سوريا وبانتظار رفع الدعم الكُلي، يشد الانتباه إلى واقع مأساوي يعيشه الأطفال في سوريا، إذ إن مسألة حليب الأطفال ليست مجرد تجربة يومية للبحث عن بضعة عبوات، بل هي قضية تمسّ الحياة والصحة المستقبلية للأجيال الصاعدة. 

ففي وقت تتصاعد فيه الأحداث والتحديات في سوريا، يتجلى تأثير قلة توفّر حليب الأطفال بشكل مؤلم وواضح. حيث تُعد أزمة حليب الأطفال في سوريا واحدة من أخطر الأزمات التي يواجهها السكان، وتفاقم الوضع بشكل كبير مع انقطاع الإمدادات وندرة توفّره مؤخرا. حيث تحولت دمشق إلى ساحة للبحث عن حليب الأطفال، وهذا المشهد المألوف للكثيرين يجسّد حجم التحدي الذي يواجهه الآباء والأمهات يوميا.

الحليب الوحيد المتوافر الإيراني

رحلة البحث عن علبة حليب بدأت من جديد، ولا بوادر لتوفّره في المدى المنظور، وتعتبر هذه الأزمة من أخطر الأزمات بسبب فقدان الأطفال أساس غذائهم من دون وجود أي بديل لهم.

بدت دمشق وكأنها تشهد أزمة حليب الأطفال والتي بدأت تتفاقم بشكل كبير ولاسيما أن معظم الصيدليات تشهد انقطاعا لجميع أنواعه، وذلك في مشهد يتكرر منذ مدة طويلة، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن الأسباب الحقيقة لفقدان المادة. لكن بحسب عدد من الصيادلة في العاصمة أكدوا انقطاع حليب الأطفال وأن الكميات التي تصلهم قليلة جدا ولا تغطي حاجة السوق، لكن ما حصل عليه “الحل نت” هو احتكار التجار للحليب من أجل رفع الدعم عنه.

طبقا لحديث الصيدلي، معتز الرمان، لـ”الحل نت”، فإن الحليب الإيراني المتوافر حاليا هو النوع المجفف الذي يتم تجفيفه بالرش أو التجميد لزيادة مدة صلاحيته وتقليل حجمه ووزنه. وذلك لأن الحليب الإيراني من أهم المواد المدعومة من قبل الحكومة السورية، والتي تصل إلى سوريا عبر شركات إيرانية خاصة أو عبر منظمات إيرانية.

الرمان أشار إلى أنه لولا الحليب الإيراني لكانت أحوال المواطنين بـ”الويل”، وأن هذا الحليب يسد حاجة 30 بالمئة من المستهلكين في سوريا، حيث ترجع أزمة حليب الأطفال في سوريا إلى عدة أسباب، منها احتكار التجار بسبب تذبذب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، وارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية المدعومة من قبل الحكومة.

انتظار رفع الدعم الكُلي

في صيدليات دمشق فُقدت أغلب الأنواع للأعمار من شهر إلى السنة، وأيضا حليب “نان” مقطوع بشكل كامل ولم يتم توزيعه منذ فترة على الصيدليات، وبحسب الرمان، فإن التجار يتعمدون ذلك من أجل الضغط على الحكومة لرفع الدعم كليا عن منتجات حليب الأطفال.

سعر حليب “نان” و”كيكوز” وصل إلى 85 ألف ليرة، أما باقي الأصناف لمن تجاوزت أعمارهم من سنة إلى خمس سنوات فوصلت لأرقام خيالية، فقد بلغ سعر كيس حليب “النيدو” زنة 900 غرام اليوم نحو 190 ألف ليرة وهو غير متوافر، في حين كان سعره منذ شهر 100 ألف ليرة سورية، وكيس “النيدو” 350 غراما أصبح بسعر 12 ألف ليرة سورية، بعد أن كان بـ  7500 ليرة، أما سعر 350 غراما من “حليبنا” فوصل إلى 50 ألفا، وحليب “غودي” و”جينا” كذلك الأمر.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كانت قد حددت في بداية العام حليب “نان” من فئة 1 و 2 للصيدليات بسعر 18800 ليرة، وحليب “كيكوز” بسعر 15300 ليرة، لكن بسبب  صعوبات التحويلات المالية وأجور الشحن على عملية استيراد حليب الأطفال من الخارج لم يلتزم التجار بهذه التسعيرات.

أيضا لم تكن القرارات الأخيرة الصادرة عن الرئيس السوري بشار الأسد، برفع الرواتب مئة بالمئة مُرضية للجميع، ففي ظل هذه الظروف الصعبة، تواجه النساء السوريات تحديات كبيرة في تربية أطفالهن، خاصة فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية، التي تُعد مصدرا مهما للغذاء والحماية والترابط بين الأم والطفل.

الطفل السوري تحت رحمة تجار

حليب الأطفال بات تحت رحمة تجار السوق والذين قاموا بتحويله لتجارة رابحة بالنسبة لهم مستغلّين حاجة الأهل لهذه المادة واستحالة الاستغناء عنها. فالطفل السوري، الذي يجسّد المستقبل والأمل، يجد نفسه اليوم تحت ضغط العديد من العوامل، ومن أبرزها الاقتصاد غير المستقر وتداعياته. وتجار المواد الأساسية يتحكمون بأسعار وتوافر هذه المواد، مما يعرّض الأطفال وأسرهم لظروف صعبة ومحددة تقرر مصيرهم.

في هذا السياق، تتحول حقوق الطفل الأساسية إلى رهانات تجارية، حيث يكون الحصول على الاحتياجات الأساسية كالغذاء والدواء والملابس مرهونا بالأسعار والتوريدات التجارية. وتتجلى تأثيرات هذا المشهد في تدهور الوضع الصحي والتعليمي للأطفال، وقد يؤثر أيضا على النمو الجسمي والنفسي لهم.

إن سيطرة التجار على لقمة عيش الأطفال هي عبارة عن ظاهرة تشير إلى استغلال وانتهاك حقوق الأطفال السوريين من قبل شبكات الاتجار، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، فإن نحو 300 ألف طفل سوري يتعرضون للاستغلال.

الأطفال في سوريا باتوا يواجهون تحديا كبيرا فيما يتعلق بتأمين مستلزماتهم الأساسية، حيث إن هذه المستلزمات ليست في متناول الجميع. وذلك بسبب الظروف القاسية التي يمرّ بها البلد، إذ ترتفع تكاليف هذه المستلزمات يوميا بشكل ملحوظ. وهذا يضع العديد من الأُسر في موقف صعب، حيث يجدون صعوبة في تلبية احتياجات أطفالهم بشكل كافٍ وملائم.

بناء على ما سبق، نجد أن هناك همّاً جديدا يُضاف إلى قائمة هموم السوريين، وهو ضغط الميزانية الكبيرة لتأمين مستلزمات الأطفال. ففي حين يتعين على الأُسر المعيلة والموظفين البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة لتلبية احتياجات أطفالهم، في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهونها، إلا أن غالبية الأهالي يرون أن قرارات الحكومة وغض طرفهم عن احتكار التجار هي السبب في عدم توفير بيئة ملائمة لنمو وتنمية الأطفال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات