في حين يواجه الشعب السوري هموما ومشاكل متراكمة، يظهر همّ جديد يُضاف إلى قائمة متنامية من مشاقهم اليومية، إنه همّ البحث عن ميزانية ضخمة لتأمين مستلزمات الأطفال، تلك الأرواح الصغيرة التي تشع بالأمل والبراءة في وجه الظروف الصعبة.

أصبح الطفل، الذي يمثل رمز الأمل والمستقبل، في حاجة ماسة لميزانية خاصة تضمن له حقوقه الأساسية. فلا يكفي الاهتمام بصحته وتغذيته فحسب، بل أصبح يتطلب توفير مستلزماته اليومية التي تشكل أولوية قصوى، من الحفاضات إلى المحارم المعطرة، ومن البودرة إلى العطر، وإلى الأدوية الضرورية مثل المكملات الغذائية ومضادات المغص والإقياء وخافضات الحرارة، فجميعها جزءا لا يتجزأ من حقيبة الطفل.

إلا أن الواقع القاسي يواجه هذه الحاجة الضرورية بتحديات كبيرة. فراتب الوظيفة الحكومية، الذي يُعد مصدر دخل العديد من الأُسر، لا يكفي لتلبية مجمل هذه المستلزمات. فالتكاليف المرتفعة تجبر الأهل على مواجهة خيارات صعبة وتضحيات مؤلمة، وتضعهم أمام تحديات تفوق قدراتهم المالية.

مستلزمات الأطفال في متناول الجميع؟

تربية الأطفال تُصنّف عادة كمنظومة صعبة التحكم، فهي تتطلب تعاطيا خاصا فيما يتعلق بالرعاية والاهتمام بالتنشئة وتوجيه السلوك وتطبيق القواعد الاجتماعية الأخرى. وبالرغم من صعوبة هذه الجوانب، تواجه بعض الأسر تحديات تعجزها عن اجتيازها، وهو ما يدفعها للتردد في إنجاب مولود جديد. ومع ذلك، اتسعت رقعة التحديات في الوقت الحاضر لتشمل الجوانب الاقتصادية وارتفاع التكاليف، حيث تواجه الأُسر صعوبات كبيرة في توفير مستلزمات الأطفال الأساسية.

مستلزمات الأطفال بسوريا ليس في متناول الجميع - إنترنت
مستلزمات الأطفال بسوريا ليس في متناول الجميع – إنترنت

في حوارها مع موقع “أثر برس” المحلي أمس الثلاثاء، تؤكد سحر وهي أم لطفل، أن الأطفال أصبحوا يحتاجون إلى ميزانية مستقلة لتأمين مستلزماتهم الضرورية. مبينة أن راتبها كموظفة حكومية لا يكفي لتلبية احتياجاتهم بشكل شامل، باستثناء مستلزمات الألبسة والغذاء التي تستهلك ميزانية كبيرة بالفعل.

الأطفال في سوريا يواجهون تحديا كبيرا فيما يتعلق بتأمين مستلزماتهم الأساسية، حيث إن هذه المستلزمات ليست في متناول الجميع. وذلك بسبب الظروف القاسية التي تمر بها البلد، إذ ترتفع تكاليف هذه المستلزمات يوميا بشكل ملحوظ. وهذا يضع العديد من الأسر في موقف صعب، حيث يجدون صعوبة في تلبية احتياجات أطفالهم بشكل كافٍ وملائم.

الموارد المالية والاقتصادية والوصول المحدود إلى الخدمات الضرورية يزيد من صعوبة توفير مستلزمات الأطفال، مما يؤثر سلبا على حياتهم ورفاهيتهم. حيث بلغ معدل التضخم بين عامي 2011 و2021 وفقا للكتاب السنوي للمكتب المركزي للإحصاء 3852.29 بالمئة.

أي إن الأسعار تضاعفت بما يقرب من 40 ضعفا، بينما قدرت وزارة المالية في بيانها المالي معدلات التضخم لعام 2022 بـ100.7 بالمئة ولعام 2023 بـ 104.7 بالمئة، وبذلك يكون معدل التضخم بين عامي 2011 و 2023 قد بلغ 16137.32 بالمئة، أي إن الأسعار ازدادت بما يتجاوز 161 مرة بين العامين المذكورين.

مستلزمات النظافة تصل إلى 160 ألف ليرة

تأمين مستلزمات الطفل في سوريا تحولت إلى مهمة صعبة تعترض الأسر بشكل عام. فقد ارتفعت تكاليف تربية الطفل بشكل ملحوظ، حيث يتطلب الأمر توفير حوالي 3 كيلوغرامات من الحفاضات شهريا، بسعر يتراوح حاليا بين 35 إلى 40 ألف ليرة للكيلو الواحد. 

مستلزمات الطفل في سوريا تحولت إلى مهمة صعبة - إنترنت
مستلزمات الطفل في سوريا تحولت إلى مهمة صعبة – إنترنت

بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الأهل شراء مستلزمات أخرى مثل العطور والبودرة والمحارم المعطرة، حيث ينبغي توفير مبلغ إضافي لتلبية هذه الاحتياجات. بشكل عام، يستنزف تأمين مستلزمات النظافة ما يزيد عن 160 ألف ليرة شهريا، بينما تبلغ تكلفة الأدوية الضرورية حوالي 25 ألف ليرة شهريا.

سعر بودرة الأطفال يبلغ حوالي 9 آلاف ليرة، وبودرة الأطفال الطبية بسعر 9500 ليرة. بالإضافة إلى ذلك، يصل سعر العطر إلى 19 ألف ليرة، وشامبو الأطفال بسعة 400 مل يتراوح بين 20 ألف و13 ألف ليرة، وشامبو الأطفال بسعة 200 مل يبلغ سعره حوالي 13 ألف ليرة. 

وبالنسبة للمحارم المعطرة، يتراوح سعرها بين 8 إلى 10 آلاف ليرة، أما الحفاضات فتتراوح بين 18 و20 قطعة بسعر 38 ألف ليرة، وبين 9 و11 قطعة بسعر 20 ألف ليرة، وتختلف الأسعار حسب الحجم والماركة.

أما فيما يتعلق بالأدوية الضرورية والمهمة للأطفال والتي يتم استخدامها يوميا أو بشكل متكرر، فإن الأسعار تتراوح على النحو التالي، حيث يبلغ سعر عبوة الفيتامين السائل حوالي 10 آلاف ليرة لعبوة النقط و12 ألف  ليرة للشراب، بينما يتراوح سعر خافض الحرارة ما بين 5 إلى 6 آلاف ليرة، ويبلغ سعر مضاد الإقياء حوالي 5.500 ليرة، أما مضاد المغص، فيتراوح سعره بين 5 آلاف ويصل إلى أكثر من 18 ألف ليرة.

أما في محلات بيع الجملة ونصف الجملة لمستلزمات النظافة والمحارم، فسجلت سعر عبوة شامبو الأطفال الكبيرة حوالي 20 ألف ليرة، بينما يبلغ سعر العبوة الصغيرة حوالي 10 آلاف ليرة. وتتراوح أسعار المحارم المعطرة بين 6 و12 ألف ليرة، وسعر العطر يتراوح بين 5 و15 ألف ليرة.

المستعمل خيار الأهل

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الأُسر في سوريا، أصبح استخدام المستعمل هو الخيار الشائع الذي يلجأ إليه الأهل لتأمين مستلزمات الأطفال حديثي الولادة. يتعلق الأمر بالحفاضات، والمحارم المعطرة، والملابس، وغيرها من الأغراض الضرورية التي تحتاجها الأطفال في مرحلة النمو الأولى. 

مستلزمات الطفل في سوريا تحولت إلى مهمة صعبة - إنترنت
مستلزمات الطفل في سوريا تحولت إلى مهمة صعبة – إنترنت

هذه الخيارات المنخفضة التكلفة تتيح للأسر القدرة على تلبية احتياجات أطفالهم بشكل مقبول، حيث يكون ثمن المنتجات المستعملة أقل بكثير مقارنة بالمنتجات الجديدة في الأسواق التجارية. على الرغم من تحدياتها، فإن هذه الخيارات تشكل مصدرا هاما للتوفير وتمكن الأهل من توفير مستلزمات الأطفال بشكل يلبي احتياجاتهم الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

خيار الأب الموظف في شراء البضائع المستعملة ليس بيده ولا رغبة منه، فالأسعار التي يراها في الأسواق لا تتناسب مع قدرته الشرائية، حيث أن سعر السرير الخشبي الجديد وصل إلى 300 ألف ليرة سورية، في حين أن كلفة إنجاب طفل في هذه الأيام تعادل خمسة أضعاف راتب الموظف الشهري على الأقل.

بسبب عدم قدرة الأهالي على شراء مستلزمات الأطفال، ذكرت منظمة “اليونيسف” في تقريرها الصادر حديثا، أن أكثر من 609.900 طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم في سوريا، إذ ينجم التقزم عن نقص التغذية المزمن ويسبب أضرارا بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها، ويؤثر ذلك في قدرتهم على التعلم وإنتاجيتهم في مرحلة البلوغ.

تحذير منظمة “اليونيسف” وصل إلى درجة قالت فيها، “إن سوء التغذية الحاد بين الأطفال في ارتفاع مستمر، فقد ارتفع عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة و59 شهرا، والذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 48 بالمئة منذ عام 2021 وحتى 2022”.

بناء على ما سبق، نجد أن هناك همّاً جديدا يضاف إلى قائمة هموم السوريين، وهو ضغط الميزانية الكبيرة لتأمين مستلزمات الأطفال. ففي حين يتعين على الأُسر المعيلة والموظفين البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة لتلبية احتياجات أطفالهم، في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهونها، إلا أن غالبية الأهالي يرون أن قرارات الحكومة هي السبب في عدم توفير بيئة ملائمة لنمو وتنمية الأطفال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات