لا يزال مسار القرارات الحكومية في سوريا يأخذ منحىً تصاعديا، فبعد قرار زيادة الرواتب والأجور ومن ثم قرار رفع أسعار المشتقات النفطية الذي أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي أكثر مما كان عليه، أصدرت الحكومة في دمشق قرارا آخر بزيادة أسعار الكتب في المدارس والروضات الخاصة بنسبة 100 بالمئة. وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على العملية التعليمية في البلاد.

إن قرار رفع أسعار الكتب المدرسية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار القرطاسية واللوازم المدرسية، سيجبر العديد من الأسر السورية على إخراج أبنائها من المدارس وإلحاقهم بسوق العمل، ما يعني ارتفاعا في التسرّب المدرسي وبالتالي انتشار الأمية في المجتمع السوري، ووسط كل ما يحدث هناك تساؤل ملح يدور حول مستقبل التعليم في سوريا التي تعاني اليوم من أسوأ الأزمات.

الكتب المدرسية

قرار رفع سعر الكتاب المدرسي في المدارس والروضات الخاصة يبدو أنه أصبح أمرا واقعا، وسط غلاء وارتفاع تكاليف التعليم من كل الجوانب، سواء اللوازم المدرسية أو الأقساط أو أجور النقل وما إلى ذلك.

في إطار ذلك، كشف مصدر خاص في المؤسسة العامة للطباعة بدمشق عن أنه تم إصدار القرار رقم 1019/ص1 والقاضي بزيادة نسبة 100 بالمئة على نشرة أسعار الكتب الصادرة بتاريخ 14/8/2022 لكل فاتورة مباعة للمدارس الخاصة، منها مدارس خاصة، وروضات خاصة وحكومية، فضلا عن مدارس خاصة مستولى عليها، وذلك بدءا من تاريخ20/8/2023.

المصدر ذاته أردف لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء إلى أنه تم اتخاذ قرار زيادة أسعار الكتب المدرسية في المدارس الخاصة نتيجة للظروف الاقتصادية الحالية وصعوبة تأمين المواد الأولية الداخلة في عملية الطباعة من ورق وكرتون وأحبار وكحول وغيرها من المواد الأخرى.

إلى جانب صعوبة تأمين الطاقة التي تعمل عليها آلات الطباعة سواء من كهرباء أم مازوت لما تطلبه عملية الطباعة من عمل على مدار الساعة. وكان مدير عام المؤسسة العامة للطباعة علي عبود أكد منذ يومين في تصريح لذات الموقع الإعلامي، أنه تم اتخاذ قرار بعدم زيادة أسعار الكتب المدرسية لكافة المراحل والصفوف الانتقالية، وأن مبيعها سيكون وفق أسعار العام الدراسي الماضي.

أمام هذه القرارات الحكومية التي ترفع السلع والخدمات تلو الأخرى كل يوم تقريبا، لم يعد السوريون يحتملون هذه الأيام الضربات الاقتصادية، في ظل انهيار المستوى المعيشي في البلاد، فرغم زيادة الرواتب التي أعلنت عنها الحكومة السورية مؤخرا، إلا أن الارتفاعات التي رافقت هذه الزيادة جعلتها بلا قيمة أبدا في ميزان دخل المواطن السوري وتكاليف معيشته.

هذا الضغط الذي يعاني منه السوريون جعلهم يسخرون إلى حدٍّ ما من تلك الأرقام “الفلكية” التي باتوا يسمعونها يوميا، لتكاليف السلع والخدمات الأساسية في سوريا، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجات سخرية بعد انتشار الأسعار الجديدة لخدمات المدارس الخاصة في البلاد، فضلا عن الفوضى المنتشرة في قطاع المواصلات.

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، اشتكى السوريون من ارتفاع أقساط المدارس، وروضات الأطفال، التي باتت أجورها تكلّف عشرات ملايين الليرات، الأمر الذي يهدد كثيرا من الأطفال بالحرمان من التعليم، خاصة في ظل تدني خدمات التعليم في المدارس الحكومية المجانية.

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، أفاد مؤخرا بأن بعض الروضات في دمشق تتقاضى ما يقارب 8 ملايين ليرة سورية، يدفعها أولياء الأمور على دفعتين، في الفصل الأول 4 ملايين، وفي الفصل الثاني 4 ملايين، ويتم ذلك بالاتفاق مع إدارة المدرسة.

أما المدارس الخاصة لمراحل الابتدائي والإعدادي والثانوي، فقد تراوحت أقساطها بين أربعة إلى 15 مليون ليرة سورية، في حين أكد تقرير الموقع، أن بعض المدارس النخبوية يصل القسط السنوي فيها، إلى 40 مليون ليرة سورية، وذلك للطلاب حتى الصف التاسع، وقد يتجاوز القسط هذا الرقم للمرحلة الثانوية.

بالتالي فإن التكاليف المترتبة على العملية التعليمية في سوريا، أصبحت مؤخرا تشكل عبئا ثقيلا على ذوي الطلبة، فالتكاليف المرتفعة لم تعد حكرا على الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة، التي أصبحت رسومها السنوية بملايين الليرات، بل شملت مؤخرا حتى الطلبة المسجلين في المدارس الحكومية.

زيادة التسرّب المدرسي

تكاليف التعليم الحكومي ليست بمنأى عن المدارس الخاصة، فنفقاتها باتت تُثقل كاهل نسبة كبيرة من السوريين، خاصة بعد أن أوقفت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، منح قروضٍ للموظفين لشراء المستلزمات المدرسية لأبنائهم.

في حين تستعد الأُسر السورية خلال الفترة الحالية لتوفير احتياجات أبنائها من المستلزمات المدرسية، يستغل التجار وأصحاب المتاجر هذا الموسم في فرض أسعار غير واقعية، مستغلّين بذلك حاجة الناس في شراء هذه السلع، حيث إن أسعار الحقائب المدرسية تعادل راتب موظف حكومي بالكامل، علاوة على باقي المستلزمات، وسط غياب أي دور حكومي من هذه الفوضى الموجودة في الأسواق.

تحدثت السيدة غادة قارووط لصحيفة “تشرين” المحلية، قبل يومين، عن أولادها الأربعة في مراحل تعليمية مختلفة، مؤكدة أنه ليست لديها القدرة المادية على تأمين احتياجاتهم من لباس مدرسي ومستلزمات استئناف السنة الدراسية، حيث وصل سعر “المريول” المدرسي نخب ثانٍ إلى 50 ألفا، أما “بدلة” المرحلة الإعدادية فقد وصل سعرها إلى 150 ألفا والثانوية إلى 200 ألف.

إضافة إلى سعر الحقيبة المدرسية التي وصلت إلى 100 ألف ليرة سورية في حدها الأدنى، بجانب ارتفاع أسعار الأقلام والدفاتر وكل هذا بات من الصعب تأمينه في ظل الغلاء الفاحش، لذلك تقول غادة إنها تسعى لتأمين عملٍ لأبنائها الكبار من أجل مساعدتها في تعليم إخوتهم الصغار، مكتفية بحصول أولادها الكبار على الشهادة الإعدادية، إذ ليست لديها القدرة المادية على تعليم الجميع.

هذا وتشاركها الرأي المواطنة نور عثمان، التي تشير إلى أنها قررت تزويج ابنتها الطالبة في المرحلة الثانوية من أجل توفير مصاريف دراستها لمصلحة إخوتها الأصغر سنّا، بما أن الظروف المعيشية أصبحت ضاغطة جدا، ولا يمكن العيش مع استمرار الأولاد في المدارس والجامعات.

من جانبها، تبدي الباحثة التربوية سوسن السهلي قلقها من أن ارتفاع أسعار التعليم وتكاليف العودة إلى المدرسة من رسوم وقرطاسية ولباس، يعزّزان المخاوف من توسّع التسرب المدرسي والاتجاه إلى سوق العمل، أو التشرد في الشوارع والتسول، الأمر الذي يرهق الأُسر على الرغم من مجانية التعليم في القطاع الحكومي، لكن إذا استمرت الظروف على هذا النحو فمن المتوقع التراجع عن مجانية التعليم، وخاصة مع عدم توفر الورق وارتفاع أسعار طباعة الكتب ووسائل الإيضاح.

التعليم الحكومي ليس مجاني!

بحسب بعض آراء المدرسين، هناك العديد من المستلزمات التي تحتاجها العملية التدريسية والذين يضطرون لجلبها على حسابهم الخاص، مشيرين إلى أن هناك جزءا من خدمات التعليم تتحمله الأسر تحت مسمى نشاط مدرسي، إضافة إلى ما تتحمله من رسوم وقرطاسية وأجور وسائل النقل.

بينما يشير آخرون إلى أن التعليم بدأ يتراجع في سوريا خلال سنوات الحرب بسبب تسرب المدرسين وارتفاع الأسعار، وأن التعليم في شكله الخارجي مازال مجانيا، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك تماما.

حيث لا يدفع الطلاب في المدارس الحكومية مبالغ مرتفعة إلا أنهم يضطرون لدفع هذه الرسوم على دفعات كأقساط لدروس خصوصية، نظرا لتدني مستوى أداء بعض المدرسين وعدم توفر وسائل الإيضاح وشراء كتب مدرسية بدلا من الكتب التالفة التي تسلّمها المدارس للطلاب سنويا بشكل مجاني.

في سياق أرقام تسرب الطلاب من المدارس، كانت “وزارة التربية السورية” قد أعلنت أن نسبة التسرب المدرسي في مرحلة التعليم الإلزامي وصلت العام الماضي إلى 22 بالمئة من إجمالي عدد التلاميذ، بزيادة نحو 50 بالمئة عن العام الذي سبقه، حيث بلغت نسبة التسرب آنذاك، حسب الأرقام الرسمية 12 بالمئة.

فيما تشير “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (يونيسيف) إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 بالمئة من الإناث، متوقعةً أن يكون العدد قد ارتفع بعد جائحة “كوفيد-19″، التي أدت إلى تفاقم تعطل التعليم في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات