على إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية الصعبة، دخلت الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوبي سوريا أسبوعها الثالث دون توقف، حيث توافد عدد من المواطنين والمواطنات على ساحة الكرامة مركز المدينة، اليوم الثلاثاء، وسط تمسكهم بمطالبهم.

من الواضح أن الحكومة السورية تجد صعوبة في اللعب على الوتر الطائفي في الجنوب، كون السويداء تابعة لأحد طوائف الأقليات في سوريا، إضافة إلى أن وضع المنطقة نفسها حساس جدا، ويبدو أن تنفيذ عمليات قمع فيها كباقي المناطق السورية، سيضع دمشق أمام معضلة، ربما نتيجةً لوجود تفاهمات إقليمية فيما يتعلق بالجنوب السوري، ولهذا السبب لا تحرّك دمشق ساكنا بشأن الاحتجاجات المستمرة هناك، مراهنة على الوقت وتراجع عزم وهمّة المتظاهرين تدريجيا.

الاحتجاجات في السويداء

تتواصل المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية في السويداء منذ 17 يوما، ووثقت كاميرات الناشطين خروج مظاهرات، اليوم الثلاثاء، في عدد من مدن وبلدات وقرى المحافظة، حيث طالب المشاركون فيها برحيل السلطة السياسية الحاكمة في دمشق، وتنفيذ القرار الأممي رقم 2254، الذي يتضمن بنودا كثيرة أهمها إجراء انتخابات تحت إشراف أممي وإعادة صياغة الدستور وعودة اللاجئين.

خلال الاحتجاجات المستمرة في السويداء، لا يغيب الحضور النسائي اللافت عن الساحة الاحتجاجية، حيث تشارك نساء وفتيات السويداء يوميا في المظاهرات الشعبية، ويهتفن بصوت عالٍ للمطالبة بالتغيير السياسي في البلاد، وفق شبكة “السويداء 24” اليوم الثلاثاء.

هذا وراهن عدد كبير من المتابعين على انخفاض زخم التحركات الاحتجاجية في المحافظة الجنوبية، إلا أن الرياح على ما يبدو جاءت عكس ما تشتهي سفنهم، فالمحافظة التي انتفضت منذ نحو أسبوعين مازال سكانها يتسابقون على تسجيل المواقف الداعمة لاستمرار الاحتجاج..

صباح اليوم وبالرغم من تجاوز أيام الاحتجاج الأسبوعين بدأ المحتجون التوافد باكرا الى ساحة “السير” الكرامة وسط مدينة السويداء، وكان قد سبقهم للساحات محتجون ومحتجّات في مدينة صلخد، فضلا عن ضم مجموعة من أهالي قرية قيصما، حيث نفذوا هناك وقفة صباحية أكدت على دعم مطالب الشارع، وفق تقرير لموقع “الراصد” المهتم بتغطية أخبار السويداء.

هذه التطورات تأتي بعدما تعالت الأصوات منذ الأسبوع الماضي، بمشاركة الآلاف في ساحة الكرامة رافعين شعاراتٍ تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية. وحافظت بعض النقاط على حضورها الدائم مثل القرّيا والثعلة، في حين جدد الشباب والشابات معودهم المسائي وسط ساحة “السير” الكرامة في نشاط يبدو أنه تحول إلى مشهد اعتيادي.

مع استمرار الاحتجاجات، صعّد المتظاهرون من مطالبهم التي بدأت بتحسين الأوضاع المعيشية، للمطالبة برحيل السلطة السياسية الحاكمة في دمشق وتطبيق القرار الأممي 2254، وما لبث المتظاهرون أن أغلقوا مقر “حزب البعث” في السويداء بالشمع الأحمر، وسط أزمة اقتصادية خانقة تعيشها سوريا، فيما تشير “الأمم المتحدة” إلى أن أكثر من 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

مراهنات دمشق

الاحتجاجات وحالة الغضب التي اندلعت في عدة مناطق بسوريا مؤخرا، واستمرارها في السويداء حتى اليوم، ليست فقط بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، بل أيضا بسبب غياب أي أمل بالمستقبل.

إضافة إلى غياب أي تحركات حكومية لتحقيق الاستقرار لحلحلة الأوضاع في البلاد، بل تصدّر قراراتها بشكل دوري وشبه شهري، مما يزيد من إفقار السوريين في الداخل.

يبدو أن دمشق أدركت أن استخدام القمع والعنف المفرط، على غرار عام 2011، لم يعد مجديا، إضافة إلى أن أثمانه باتت مكلفة، وسط تدهور الحكومة السورية على كافة المستويات، وبالتالي سيزيد من هشاشتها، فضلا عن أن ذلك سيضعها في مأزق أمام التقارب العربي الحالي معها.

وضع مناطق الجنوب حساس وتحديدا طابع مدينة السويداء الخاص، فضلا عن أن سلمية الاحتجاجات حتى الآن تركت لها هامشا من الحركة، وبالتالي هذا ما قد جعل دمشق تنتظر وتراهن على الوقت، لتتراجع عزيمة المتظاهرين، وبالتالي تهدأ الاحتجاجات من تلقاء نفسها. لكن ذلك لم يمنعها من انتهاج سياسة الترهيب في مناطق الساحل ودمشق من خلال الاعتقالات وإسكات الأصوات المعارضة، لأن هذه المناطق إذا انفجرت سيكون مستقبل حكومة دمشق في وضع صعب للغاية.

الحقوقي والمحامي السوري مازن درويش يقول في هذا الصدد، إن أعداد المتظاهرين الجمعة بساحة الكرامة في السويداء أكثر من سابقاتها. البعض اعتقد أن حركة المطالب السياسية والاقتصادية في سوريا قد انتهت بعد اتفاقات خفض التصعيد في 2018.

أكبر مظاهرة احتجاجية في السويداء بسوريا- “شبكة السويداء 24”

أما بخصوص عدم قمع قوات الأمن للمتظاهرين، يضيف مازن درويش لـ”فرانس برس“، صحيح أن مساحة الحرية في السويداء أكبر من باقي المناطق. يمكن لي القول إن السويداء معزولة شيئا ما ويمكن أن يستمر التحرك فيها شهورا دون أن يكون مقلقا لدمشق. وحتى في حال توسع رقعة الاحتجاجات، فإن الجميع استخلص العِبر مما حدث في 2011 وسنوات الحرب التي تلتها، وستكون التحركات بشكل مختلف.

هذا ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقرير صُدر يوم السبت الماضي، اعتقال ما لا يقل عن 223 شخصا خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بينهم 57 مدنيا شاركوا في الاحتجاجات، وفق “فرانس برس”.

مراقبة الاحتجاجات عن كثب

خلال الأسابيع الأخيرة، خرجت مظاهرات بمدن سورية أخرى لاسيما بمحافظة درعا، مهد الانتفاضة الشعبية في سوريا سنة 2011، وفق تأكيد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. وشارك عشرات السكان في مظاهرة في بلدة بصرى الشام، مردّدين هتافات مناهضة لحكومة دمشق.

كما وأظهرت صور نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن بعض السكان في محافظة طرطوس الساحلية رفعوا، يوم الخميس الماضي، لافتات صغيرة كُتب عليها “سوريا لنا وماهي لحزب البعث الحاكم” وفي الخلفية صورة الأسد على لوحة إعلانية كبيرة، وفق ما أوردت وكالة “رويترز”.

في سياق متّصل، أعلنت “وزارة الخارجية الأميركية”، يوم الجمعة الماضي، أن الولايات المتحدة تراقب الاحتجاجات في جنوب سوريا، مع تحوّل المظاهرات ضد غلاء المعيشة إلى دعوات للتغيير السياسي. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لموقع “الشرق”، “نراقب الاحتجاجات المستمرة في جنوب سوريا، بما في ذلك السويداء ودرعا”.

المسؤول نوّه إلى أن الولايات المتحدة “تواصل دعم دعوات الشعب السوري من أجل السلام والكرامة والأمن والعدالة، كما تدعم ممارستهم حقوق التجمع السلمي وحرية التعبير.

وأكد على “الهدوء ووقف التصعيد للسماح بحل التوتر مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي”، مشيرا إلى أنه “نحض جميع المعنيين على الامتناع عن العنف، وندين أي استخدام للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”.

المسؤول الأميركي أدان اعتقال مدنيين بسبب ممارستهم حرية التعبير، مشيرا إلى أن واشنطن تواصل مراقبة التقارير المتعلقة بانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في جميع أنحاء سوريا، ودعم جهود المجتمع المدني السوري للقيام بذلك، معتبرا أن الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، يظل الحل الوحيد القابل للتطبيق.

هذا وبثت صفحات محلية خلال الساعات الأخيرة تسجيلات مصورة، تظهر تنظيم مظاهرات صباحية في قلب السويداء، مطالبين برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، كما رفعوا لافتات تندد بفساد الحكومة وعجزها عن التعامل مع الأزمة الاقتصادية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات