في أعقاب قرار حكومة دمشق بزيادة أسعار المشتقات النفطية وعدم إصدار تعرفة جديدة، بالإضافة إلى تدهور الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، رفع سائقو سيارات الأجرة “التكاسي” في عموم المحافظات السورية، وخاصة في العاصمة دمشق، وريفها أجرة الركوب بشكل كبير، وسط استمرار أزمة المواصلات التي يعاني منها الأهالي بشدة.

أسعار طلبات “التكاسي” أصبحت مرتفعة بشكل يصفه المواطنون بـ”الخيالي”، ولهذا ينتظر عامة الناس لفترة طويلة وسائل النقل الجماعي العام مثل “السرافيس” وباصات النقل الداخلي، فخيار استئجار “تكسي” لم يعد أمرا متاحا مثل قبل، نظرا لزيادة الأجور، التي باتت تفوق قدرة معظم الناس، وفي ظل ذلك، ثمة تساؤل ملح حول أجور “التكاسي”، فيما إلى أين سيصل إذا ما تم تعديل التسعيرة الرسمية.

سعر “التوصيلة”

رغم مرور أكثر من عشرين يوما على رفع أسعار المشتقات النفطية ومن ضمنها البنزين، إلا أن لجنة تحديد الأسعار في عموم المحافظات السورية لم تقم حتى الآن بتعديل تعرفة سيارات الأجرة ضمن المحافظات أو المدن أو الأرياف، الأمر الذي أدى إلى فوضى في أسعار سيارات الأجرة. وفي محافظة السويداء مثلا، أي “توصيلة” داخل المدينة مهما كانت المسافة، تقدر بـ 25 ألف ليرة سورية، وفق ما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

عدم تحديد أجور “التكاسي” حتى الآن وإبقائها بسعر مضى عليه أكثر من عام دفع أصحاب السيارات إلى فرض أجور عشوائية وغير عادلة على المواطنين، خاصة بعد ارتفاع أسعار طلبات السيارات مثلا من مدينة السويداء إلى مدينة الشهبا تراوحت بين 90 ألفا و100 ألف ليرة. من مدينة السويداء إلى قرية ذكير ما بين 180 ألفا و200 ألف ليرة، ما أدى إلى مشادات كلامية بين السائقين والمواطنين.

لذلك، طالب الأهالي الجهات الحكومية بالإسراع في تحديد رسوم “التكاسي”، وبالتالي حل الخلاف المستمر منذ أكثر من شهر. ومع ذلك، يعتقد البعض أنه بدون تعديل الأسعار الحكومية، الأجور مرتفعة إلى هذا الحد، فما بالبال إذا تم رفع التسعيرة الرسمية، فإن تكاليف ركوب “التكاسي” ستتضاعف أضعافا مضاعفة، نظرا لارتفاع تكلفة كل شيء، وعدم استقرار الليرة السورية، وغياب الدور الرقابي بشكل عام.

في المقابل أشار عدد من السائقين للصحيفة المحلية إلى أن تسعيرة أجور “تكاسي” الأجرة لم تعدل منذ أكثر من عام وهي ما زالت 3500 ليرة كطلب داخلي ضمن مدينة السويداء، رغم أن أسعار مادة البنزين ارتفعت أكثر من مرة خلال هذه الفترة، ما دفعهم إلى تقاضي أجرة معقولة على حد تعبيرهم، ولاسيما أن ارتفاع أسعار البنزين رافقه ارتفاع أجور الإصلاحات الميكانيكية وقطع الغيار ناهيك بارتفاع أسعار زيوت المحرك والإطارات وغيرها.

الحكومة وراء الأزمات

قرار الحكومة حول رفع أسعار المشتقات النفطية وقرار زيادة الرواتب بنسبة 100 المئة، أحدث فوضى كبيرة في أجور المواصلات، فضلا عن خلق حالة من الإرباك بين المواطنين في سوريا بسبب اضطرارهم لاستخدام “التكاسي” وسيارات النقل الصغيرة بأجور مرتفعة للوصول إلى أعمالهم وأشغالهم.

حيث تراوحت أجرة الراكب من مساكن برزة إلى شارع الثورة بين 2000 و5000 ليرة سورية، في حين طلب أصحاب “التكاسي” مبلغ قدره 24 ألف ليرة سورية من شارع الثورة حتى بداية أوتوستراد المزة، علما أن هذا الرقم للسيارات التي تعمل على توصيل عدة ركاب وليس كطلب خاص، أما أجرة الطلب الواحد فقد تراوحت بين 30 إلى 35 ألف ليرة سورية على الخط نفسه، بحسب موقع “أثر برس” المحلي مؤخرا.

كذلك، وصلت أجرة الراكب الواحد من البرامكة إلى منطقة الجديدة إلى 3500 ليرة سورية ضمن الفانات الصغيرة سعة 8 ركاب، وتراوحت أجرة التنقل بالتكسي بين 40 لـ 50 ألف ليرة سورية. وبحسب هذه يصبح الطلب في دمشق وريفها ذهابا وإيابا بقيمة نصف متوسط الرواتب الجديدة والتي كانت بنحو 150 ألف ليرة وأصبحت بنحو 250 ألف ليرة.

في تفاصيل استطلاع أجرته إذاعة “نينار إف إم” المحلية، مؤخرا في محافظة حلب، تبين أن هناك فوضى في أسعار “التكاسي”، فيما نفى جميع السائقين مَن أجرت الإذاعة المحلية مقابلات معهم، أنهم يعبئون من السوق السوداء، وأشاروا إلى أن سعر ليتر البنزين في السوق السوداء يقارب الـ 20 ألف ليرة سورية.

أثار هذا الاستطلاع موجة انتقادات من الشارع السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب أحدهم “اشتهيت واحد يكون زلمة ويقلن اشتريت حر مع العلم كلهم معبين من السوق السوداء.. الزلمة كان مرضان ومبارحة من 3 أيام عبا من الكازية وبعمرو ما عبا من السوق والزلمة عميطلب الأجرة من المريخ. هه هاد الحكي لأنن خايفين عبقلك ماعبينا حر قسما بالله من سنة لهلق شتهيت وقف تكسي يقلي معبي من الكازية كلو بيحلفلك فراس ولادو معبي حر”.

عند سؤالهم عن تكلفة “توصيلة” عادية داخل مركز مدينة حلب، أجاب جميع أصحاب “التكاسي” أنها تتراوح ما بين 8-12 ألف ليرة سورية، وهو ما يعتبر أجرة غالية. وفي هذا السياق، أشار بعض المتابعين إلى أن أصحاب سيارات الأجرة يتقاضون 20 ألفا، وليس 10 آلاف، مقابل هذه “التوصيلة” البسيطة، لكن السائقين ذكروا هذا المبلغ تحسّبا لأي محاسبة من الجهات الحكومية.

A man fills the tank of a car at a petrol station in Damascus, Syria , February 19, 2017. Picture taken February 19, 2017. REUTERS/Omar Sanadiki

بالتالي فإن فوضى الأسعار في الأسواق العامة سارٍ على قدم وساق، كما يقولون، لكن لا أحد يجرؤ على القول أمام وسائل الإعلام ما هو حقيقي وواقعي، ويفسر البعض حقيقة حصول سائقي “التكاسي” على هذه الأجور على أنها نتيجة ارتفاع تكلفة كل شيء في البلاد، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة وقطع الغيار التي تكلفهم مبالغ كبيرة.

ارتفاع أسعار المحروقات

في المقابل، وللمرة الثانية خلال أسبوعين، رفعت الحكومة أسعار المحروقات في سوريا، موضحة أن أسعار المشتقات النفطية التي صدرت تسعيرتها ليلا، تشمل المشتقات التي تبيعها الشركات الخاصة إلى القطاع الخاص، وليست أسعار الدولة للقطاعات المحددة بالقرارات السابقة.

القرار الذي صدر عن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، تم بموجبه رفع أسعار البنزين “أوكتان 95” والمازوت الحر والفيول والغاز “السائل دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

طبقا للقرار الجديد، أصبح سعر لتر البنزين “أوكتان 95” 14700 ليرة سورية بدلا من 13500، ولتر المازوت الحر 12800 ليرة بدلا من 11550. فيما حددت الوزارة سعر مبيع الفيول بثمانية ملايين و532 ألف و400 ليرة سورية للطن الواحد، والغاز السائل دوكما بسعر عشرة ملايين و40 ألف ليرة سورية للطن الواحد.

الحكومة السورية بعد نشرها للقرار أغلقت التعليقات على صور القرار في صفحتها على موقع “فيسبوك”، فيما فسّره مواطنون بأنه على ما يبدو حفاظا على “هيبة الدولة” من غضب السوريين، لا سيما وأن القرار الذي صدر قبل أسبوعين تسبب بموجة احتجاجات ما تزال مندلعة لليوم التاسع على التوالي.

معظم تعليقات السوريين التي رصدها “الحل نت” كانت تتبلور حول عدم فهم آلية وسياسة الحكومة مع الشعب، خصوصا أن الاحتجاجات على القرار الأخير لم تنتهِ، وربما بعد هذا القرار ستتوسّع الدائرة لتشمل محافظات عديدة غير السويداء ودرعا ودمشق وجبلة.

في سياق متّصل، غالبا ما كانت الآليات التي تقرّها الحكومة السورية بشأن إعادة هيكلة الدعم، أو توزيع المحروقات على المواطنين بأسعار مدعومة، محل جدل واسع في الشارع السوري، فالحلول التي تقدمها الحكومة، فتحت العديد من الأبواب أمام الفساد وسرقة حصة المواطن من المواد الأساسية، في ظل غياب أي رقابة حكومية أو دور جاد للحرص على وصول الدعم لمستحقيه.

منذ سنوات عندما أقرت الحكومة أوّل آلية لتوزيع المواد النفطية على الأهالي بأسعار مدعومة، لا يكاد يمر شهر واحد إلا وتعاني أحد المواد من نقص حاد كالبنزين والغاز وغيرها، فيضطر المواطن إلى شراء المادة بالسعر الحر والذي في العادة ما يكون أعلى من السعر المدعوم بنسبة لا تقل عن 200 بالمئة.

ذلك يأتي في ظل وجود العديد من قضايا الفساد والسرقة، والتي عادة ما تتعامل معها الحكومة بإطلاق الوعود بمحاسبة المسؤولين، أو الإعلان عن تنظيم بعض الضبوط هنا وهناك، من دون وجود أي نتائج ملموسة تنعكس بشكل إيجابي على الأهالي، بل تزداد حدة الأزمة الاقتصادية يوما بعد الآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات