في ظل التضخم الكبير الذي تشهده سوريا وتدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مؤخرا، وما رافقه من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، اشتكى عدد من المواطنين من صعوبة التعامل مع الأوراق النقدية من فئتي 100 و200 ليرة سورية وحتى فئة الـ 500 ليرة، والتي وصلت إلى حد المعاناة، إذ يرفض أصحاب وسائل النقل والبائعين التعامل بهذه العملات بحجة عدم تداولها في الأسواق بسبب تضخم الأسعار.

وشهدت أسعار السلع والمواد الغذائية في سوريا قفزات مهولة خلال الأسابيع القليلة الماضية، متأثرة بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الأولية والمحروقات، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على قيم العملات النقدية السورية، لدرجة أصبح الفئات النقدية من قيمة الـ”100-200-500″ خارج حسابات السوريين، وهو ما سيكون له آثار سلبية لاحقا.

رفض التعامل مع العملات الصغيرة

العديد من سائقي “السرافيس” بدأوا يرفضون نقل الراكب إذا حاول الدفع بالعملات السورية الصغيرة، وإذا استلموها فإنهم يسيئون للراكب وغالبا ما تنتهي القصة بخلاف وشجار بين الطرفين دون حسيب أو رقابة، علما أن المشكلة لا تقتصر على وسائل النقل بل امتدت الظاهرة إلى أغلب المحال التجارية، وفق تقرير لصحيفة “الثورة” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

على سبيل المثال، في محلات الخضار والفواكه يضعون أوزانا إضافية دون إرجاع الباقي للمتسوّق، بحجة عدم وجود هذه الفئات النقدية لديهم، وفي ظل وجود هذه الفئات من العملة لدى معظم المواطنين، يبقى التساؤل، هل ستصبح هذه الفئات حبيسة الأدراج مثل فئة الـ 50 ليرة، وفيما إذا هناك توجّه نحو الجهات المعنية لحل هذه المعضلة.

في أسواق السويداء مثلا البطاطا مسعّرة بنحو 2600 ليرة سورية، إلا أن البائعين يتقاضون 3000 ليرة، بذريعة عدم توافر “الفراطة” لديهم من جراء رفضها كذلك من قِبل تجار الجملة، وقس على ذلك تسعيرة كل المواد. ولسان حال المواطنين يسأل ما فائدة الكسور بأي تسعيرة ما دام تجار الجملة والمفرق يرفضون التعامل بها.

بعض أصحاب المحال التجارية برّروا رفضهم لهذه العملات النقدية بعدم رغبتهم لتكديسها كون معظمها باتت قديمة، وتوجد صعوبة باستبدالها لدى “البنك المركزي السوري”، فضلا عن أن قيمتها لا تساوي شيئا تقريبا اليوم.

رفض التعامل بالأوراق النقدية من فئة الـ 100-200- 500 ليرة من قِبل التجار وأصحاب المحال وسائقي وسائل النقل، يثير استياءً وتذمّرا لدى الكثير من المواطنين، كون ذلك سيشرّع الأبواب أمامهم لاحتساب الكسور لصالحهم، وذلك الأمر سيُبقي هذه العملة التي بحوزتهم دون أي فائدة مادية، وفق العديد من التقارير المحلية السابقة.

“سرقة من جيب المواطن”

العديد من المصادر المحلية، أكدت في وقت سابق لموقع “الحل نت”، حول هذه المعضلة، أن معظم أصحاب المحال التجارية يرفضون التعامل بالعملات النقدية من فئة 100 أو 200 أو 500 ليرة سورية، ويعتبرون أن قيمتها لا تساوي شيئا اليوم، إذ لا تستطيع حتى شراء قطعة “بسكويت أو علكة”.

كما واستدركوا في حديثهم، “عندما نذهب لشراء شيء مثل الشاي الفرط أو بذور عباد الشمس، يقول صاحب المحل إن سعره بضعة آلاف وكسور، وسوف يزيد الكمية حتى لا تحتوي الفاتورة على كسور وفراطات، وبالتالي يزيد مبيعاته هنا، بحجة عدم توافر فئات نقدية من قيمة 100-200-500 ليرة”.

كما وأشاروا إلى أن أصحاب سيارات الأجرة “التكاسي” و”السرافيس” أيضا، بحجة عدم وجود “فراطة” لديهم، لا يعيدون باقي حساب الراكب سواء بقي 100 أو 200 أو حتى 500 ليرة لديهم، والمواطن الذي يكون مستعجلا لا يمكنه الانتظار حتى يعيد له السائق  العملة التي يبدو أنها أصبحت بالفعل دون قيمة. وهكذا يتم استغلال جيب المواطن دون حسيب أو رقيب.

الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، قال إنه يجب أن يكون حجم الكتلة النقدية المحلية الوطنية في أي دولة مساويا تماما لإجمالي قيمة السلع والخدمات التي تنتجها وتقدّمها مختلف الأنشطة ضمن هذه الدولة خلال سنة أي تقسيم سرعة دوران أو عدد مرات تداول العملة سنويا.

كما ونوّه إلى أن “المركزي السوري” يحدد كمية كل فئة بحسب مستوى الأسعار أي بحسب حاجة التداول لها، فإذا كانت ربطة الخبز بـ 25 ليرة ومعظم أسعار المواد الضرورية الأكثر بيعا وشراء في السوق تتراوح ما بين الـ 25 والخمسين والخمس وسبعون والمائة ليرة، فيتم طبع وصك كميات كبيرة من فئات الـ 25 و50 والـ 100 ليرة سورية. أما إذا كان متوسط أسعار مثل هذه المواد هو 200 ليرة فيتم طبع كميات كبيرة نسبيا من فئة الـ 100 والـ 200 وإذا كان متوسط الأسعار هو 12000 فيتم طبع كميات أكبر نسبيا من فئة الـ 200 والـ 5000 وغيرها.

بالنظر إلى ارتفاع متوسط مستوى الأسعار خلال السنوات الأخيرة بسبب التضخم، صارت الحاجة للتداول والاكتناز بالفئات الكبيرة أكبر بكثير من الفترة السابقة. والحاجة إلى الفئات الصغيرة قليلة جدا؛ بل شبه معدومة مثل فئتي الـ 100 و200 ليرة، وهذا هو السبب الذي جعلها غير مرغوبة من قبل البائع أو المستلم، لأن شراء أي غرض يحتاج إلى كميات كبيرة منها، بحسب زعم الخبير الاقتصادي.

من جانبهم، تفاعل الشارع السوري مع هذا التقرير على منصة “الفيسبوك”، وعلّق أحدهم بقوله “شو في الها قيمي إذا ابني بكبها بوجهي بقلي ما بتجيب شي.. كل الشرح الذي قدمه الخبير لا قيمة له، الـ 100 ليرة لا تشتري أي شيء، ولا حتة عرق بقدونس، وخروجها من التداول أفضل من بقائها. ما بدها كل هالسفسطة، يجب طبع فئات على الاقل 100000 و 50000 و 25000 وبلاها هالجدبة، كل دول العالم هيك عم تساوي”.

تداعيات الظاهرة

البعض يرى أن تداعيات عدم التعامل مع الفئات النقدية التي تُعتبر صغيرة من وجهة نظر المتداولين مؤشرٌ خطير جدا، وهذا يعني أن الأسعار سترتفع تباعا لاستغلال هذه الثغرات، ومستوى التضخم سيرتفع يوما بعد يوم. وقد تختفي فئة 100-200-500 من التعاملات قريبا، مثلما اختفت الفئات التالية “10-25-50 ليرة سورية” تقريبا من تداول السوق.

خلال الفترة الماضية انهارت الليرة السورية حتى وصلت لأكثر من 13 ألف ليرة سورية، وراتب الموظف الحكومي في سوريا بات يبلغ اليوم نحو 17 دولارا، أي نحو 250 ألف ليرة سورية، وهو ما سيزيد من الأعباء الاقتصادية على عموم المواطنين.

خلال الفترة الماضية، أعلن “المركزي السوري” عن إصدار فئة نقدية جديدة بقيمة 5000 ليرة سورية، وهذا الإعلان يعكس عدم التزام الحكومة السورية بتحسين الوضع الاقتصادي والنقدي في البلاد، ويشكل خطوة نحو عدم إعادة الثقة في العملة المحلية.

منذ فترة طويلة، تعاني سوريا من تضخم اقتصادي مدمّر، وتراجع قيمة العملة المحلية بشكل ملحوظ. كانت الأوراق النقدية ذات القيمة الصغيرة لا تكفي لتلبية احتياجات المواطنين، وكانت الصعوبات المالية تكاد لا تحتمل. ومع ذلك، فإن الإعلان عن فئة نقدية جديدة بقيمة 5000 ليرة سورية يأتي ليثبت هذا المشهد.

الأمر في سوريا يتعلق بترابط وثيق بين التضخم وضعف العملة؛ فعندما يحدث تضخم في الاقتصاد، يزداد إصدار النقود بشكل متسارع، وبالتالي يزيد العرض النقدي في السوق. ومع زيادة العرض، تنخفض قيمة العملة نسبيا بالمقارنة مع السلع والخدمات المتوفرة، وهذا يؤدي إلى انخفاض قدرة الشراء للمواطنين وتدهور القدرة التنافسية للبلاد على المستوى الدولي.

بحسب ”المكتب المركزي للإحصاء”، ارتفع معدل التضخم بنسبة مهولة، حيث وصلت إلى 3825 بالمئة بين عامي 2011 و2021، تاركا وراءه سلسلة من الشعور بالقلق واليأس بين المواطنين. وهذه الزيادة التي لا يمكن تصورها تشير إلى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير 40 مرة، مما ترك الناس العاديين يصارعون قبضة الضغوط المالية الخانقة.

للتعمّق أكثر في هاوية الفوضى المالية، أصدرت “وزارة المالية السورية” إعلانا ينذر بالخطر، مؤكدة أن التضخم قد خرج عن نطاق السيطرة، حيث ارتفع بنسبة 100 بالمئة في العام الماضي وحده، وهذا يعني أن الأسعار تضاعفت 161 مرة منذ عام 2011.

قبل عام 2011، كان المواطن السوري يشتري فروجة كاملة بـ 125 ليرة سورية فقط وأحيانا أقل، وراتبه كان يصل لنحو 15 ألف ليرة سورية فقط، وكان نصف كيلو بذور عباد الشمس بـ 15 ليرة، إلا أن اليوم باتت كل هذه الفئات النقدية وحتى فئة الـ 200 ليرة التي كانت كافية لشراء مستلزمات طبخة كاملة قبل عام 2011، باتت اليوم تُعتبر كسور و”فراطات” ولا قيمة لها، وهو ما يعني أن التضخم بات يشكل كابوسا يثقل صدور السوريين بعد أن انعكس على الأسعار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة