في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي، والذي أصبح من أسوأ المشاكل التي تواجه السوريين اليوم، ثمة فوضى وغش في أسواق الأدوات والمستلزمات الكهربائية، نتيجة عدم استقرار سعر الصرف من جهة وموجة الغلاء التي تضرب البلاد بين الحين والآخر بسبب قرارات الحكومة وخاصة تلك المتعلقة بزيادة أسعار المشتقات النفطية.

انقطاع التيار الكهربائي منذ سنوات في سوريا أثّر بشكل كبير على المواطنين. وعلى الرغم من الأعباء التي اعتادوا على تحمّلها، مثل الحرمان من التدفئة الكهربائية الشتوية والطبخ على الأجهزة الكهربائية، إضافة إلى صعوبة الاستحمام، بسبب ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة، إلا أن هناك مشكلة إضافية أخرى زادت من أعبائهم، ألا وهي ارتفاع أسعار بعض الأدوات الكهربائية مثل ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات، إضافة إلى تكاليف أعطال الأجهزة الكهربائية المنزلية، التي أصبحت توصف بـ”الخيالية”، وما يتسبب في عطلها غالبا هو خلل في شدة التيار أثناء انقطاعها.

فوضى في أسواق الكهرباء

أسواق الأدوات الكهربائية هي الأكثر تعرضا لعواصف الغلاء التي لا تهدأ حتى ترتفع مرارا وتكرارا دون رقابة أو محاسبة، خاصة بعد ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء، مما اضطر المواطن للغوص في هذا السوق، واصفا الأسعار بـ”النار” من أصغر قطعة إلى أكبر قطعة فيه، وفق ما أوردته جريدة “تشرين” المحلية يوم أمس الإثنين.

في جولة استطلاعية على سوق الكهرباء بالعاصمة دمشق، هناك فوضى عارمة بالأسعار والكل يبيع على ليلاه دون سعر موحد لنفس القطعة ونفس المصدر والتاجر يشكي سعر الصرف ويكاد المواطن يبكي لما يجده من فوارق سعرية لا يستطيع تحملها رغم اضطراره إلى شراء القطعة، حيث سجلت أسعار البطاريات العادية 7 أمبير سعر 285 ألف ليرة سورية صعودا لبطارية 150 أمبير بسعر 2 مليون ليرة، حتى اللمبات موفرة الطاقة سعر أصغرها 7 آلاف ليرة وأكبرها بسعر 100 ألف ليرة وأكثر.

بدوره، أوضح رئيس “الجمعية الحرفية للأدوات الكهربائية والإلكترونية” هيثم حوراني أن سوق الكهرباء ليس أفضل من بقية الأسواق وارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء الصناعية والتجارية وعلى الأخص سعر الصرف لم يبقِ ثمن أي سلعة على حالها.

ما يجعل الأسعار كاوية كما يصفها المواطن هو تغير سعر الصرف الذي يلعب الدور الرئيسي بتسعير المواد الكهربائية لأن المواد الأولية الداخلة في تصنيعها سواء بمعامل الملفات أو الكابلات سواء نحاس أو ألمنيوم أو حبيبات كلها مستوردة بالقطع الأجنبي، طبقا لحديث حوراني.

كما وأشار حوراني إلى أن سعر النحاس الداخل بصناعة الأسلاك عالمي وبتغيره يتغير السعر وكذلك المواد البلاستيكية والألمنيوم التي تتغير أسعارها من وقت لآخر بشكل متقارب ولهذا يضطر التاجر لرفع الأسعار لأن أغلبها مستورد، مؤكدا أن كل شيء متوافر من القطع الكهربائية وإن لم توجد القطع الأصلية فالبدائل متوافرة، وفقدان القطع كبعض الدارات الإلكترونية مثلا يعود للتجار الذين توقف استيرادهم لهذه القطع لعدم توافر القطع الأجنبي أو لارتفاع الأسعار عالميا وإلا فالمواد متوافرة في بلد المنشأ والحكومة مستعدة لإرسال أي طلبية.

هكذا يبقى المواطن لوحده في مواجهة هذا الغلاء، فأسعار كل شيء في هذه البلاد بات يحتسب بالدولار، ماعدا راتب المواطن يقدر بالليرة السورية وبأدنى المستويات.

شكاوى وضرائب حكومية

في المقابل، يشكو المواطن من الأعطال المتكررة لأجهزته الكهربائية المنزلية بسبب تردد الكهرباء، وبالتالي ارتفاع تكلفة إصلاح هذه الأجهزة، لدرجة أن رسوم الإصلاح تصل تقريبا إلى نصف سعر السلعة، مثل المروحة، والثلاجة، والغسالة، وأجهزة الطباخات بالليزرية.

هنا يبرر حوراني ذلك بالقول إن أجر الحرفي مرتبط بمواكبة الحدث في رفع أسعار جميع السلع، ما يضطره إلى رفع أجره لكي يعيش وهو نفسه يعاني ما يعانيه المواطن، مشيرا إلى أن قطع الصيانة غالية والتكلفة يتحملها المستهلك ولا علاقة للحرفي بذلك.

كما وأشار إلى أن 99 بالمئة من استيراد الجمعية الحرفية للقطع والأجهزة يأتي من الصين ودول جنوب آسيا، بجانب غلاء أجور الشحن، فارتفاع ثمن الحاويات يبدأ من عندهم تبعا للعرض والطلب، منوّها إلى أن المنشآت الحرفية بهذا المجال تعمل بشكل اعتيادي نشط ولم تغلق أي منشأة ومستمرة في عملها رغم كل هذا الغليان الحاصل في الأسعار لمواكبتها حال السوق المتبدل بأسعاره.

من جانبه قال أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة في حديث للصحيفة المحلية، إن أسعار المحروقات ليست لها أيّ انعكاس على أسعار الأدوات الكهربائية إنما تبدلات سعر الصرف وارتفاع التكاليف المالية من ضرائب وجمارك على التجار، هو من أرخى ظله الثقيل على كل السلع وجعل البعض يطرح أجهزة مجهولة المنشأ في الأسواق ودون فاتورة، ولم تعد الشركات كالسابق تمنح فترات ضمان أو كفالة للأجهزة بل تخلت عنها لعدم وجود قطع صيانة تبديلية وعدم توفّر نفقات الاستيراد.

هذا فضلا عن اللجوء للتهريب لأنه الحل الأنسب لهم حتى ولو كانت رديئة وبيعها على مبدأ “من هون لبردى” وهذه القاعدة متداولة بسوق الكهرباء، وأقرَّ حبزة بوجود ارتفاع أسعار لكل ما له علاقة بالقطع الكهربائية والإلكترونية، بسبب سعر الصرف والنفقات الضريبية ورفع سعر الكهرباء، مطالبا بتخفيض الضرائب من وزارة المالية والأرباح من التجار كي تناسب الأسعار دخل المواطن، وإن كان ذلك بعيدا لوجود فجوة ما بين دخل المواطن والواقع المعيشي كما ذكر.

بينما قال مدير حماية المستهلك في دمشق محمد خير البردان إن كل ماركة في السوق معروف من يستوردها ويدخلها البلد حتى ولو كانت بلا بطاقة تعريف، مركزا على ضرورة أن يكون للحائز فاتورة شراء بالمادة محدد عليها سعر الجملة وسعر المستهلك. وهذا ما يشير إلى وجود انفلات بسوق مستلزمات الكهرباء في ظل غياب واضح للرقابة والتموين عليه.

أسعار صيانة الأدوات، والأجهزة الكهربائية التي لا تخضع لأي رقابة من قِبل الجهات المعنية في حكومة دمشق مرتفعةٌ جدا، حيث تتجاوز تكلفة إصلاح براد أو غسالة، 300 ألف ليرة، وسط انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وتدني مستوى الرواتب والمداخيل.

بحسب تقارير محلية سابقة، فإن تكلفة إصلاح ثلاجة، تتجاوز 200 ألف ليرة سورية، والبراد 300 ألف ليرة، ومحرك البراد يُباع وفق سعر الصرف الرائج بـ 330 ألفا، ولوحة غسالة بـ 600 ألف ليرة.

قلة الإقبال

في سياق متّصل، أكد حبزة أن الإقبال على الأجهزة الكهربائية قليل جدا لسوء الواقع الكهربائي، فالمكيف والمروحة لم يعد لهما فائدة في ظل انعدام الكهرباء ولهذا يلجأ البعض للتهريب لرخص ثمنه، مشيرا إلى وجود مخالفات خلال جولاتهم بالسوق كعدم توافر بطاقة منشأ أو بيان تعريف أو معلومات فنية لطريقة التشغيل وورشات صيانة مجانية.

أما فيما يتعلق بألواح الطاقة الشمسية فوصفه حبزة بالخطير جدا لتسببه ببعض الحوادث لعدم وجود كفاءة فنية للتركيب ونوعيات متدنية للألواح المستوردة، وتظهر بعض المشاهدات لألواح الطاقة، عدم وجود مواصفات لها وتركيبها سيء، ما يجعل انقطاع الكهرباء ووصلها يتزامن أحيانا مع عدم فصل الطاقة الشمسية عن الكهرباء فيولد انفجارات خطيرة وإشكالات عديدة.

كما وكشف حبزة عن وجود غش بالكابلات في ظل ارتفاع سعر النحاس باستبداله بالألمنيوم والعازلية المنخفضة حتى إن مآخذ الكهرباء “الفيش” به غش بالحديد بدل النحاس ولهذا ناقليتها منخفضة وترتفع فيها الحرارة فتذوب وتسبب الحرائق فكل ذلك يؤثر على المستهلك وفيه خطورة عالية، مشيرا إلى أن إنتاج القطاع الصناعي الحكومي للكابلات جيد لكن الأسعار مرتفعة وخلال الشهر الفائت ارتفعت أسعار الكابلات ومستلزمات الكهرباء 100 بالمئة.

الحرفي محمد ياسين يعمل في مجال الكهرباء أوضح أن الجميع يعاني من ارتفاع الأسعار كالكابلات التي سعرها أقل من جودتها لأن التجار لم تعد تورِّد نوعيات جيدة بهدف الربح، مبينا أنه اشترى لفة أسلاك 6 مم طول 100 متر كل متر بسعر 25 ألف ليرة ومتر كبل بطارية 35 مم بسعر 45 ألف ليرة، مؤكدا أن الأسعار غير ثابتة تتعلق بالنوعية والجودة، فألواح الطاقة الشمسية أقلها اليوم يكلف 2,5 مليون ليرة باستطاعة 600 واط.

هذا ولو فكر المواطن ذو الدخل المحدود بتركيب منظومة طاقة شمسية “إنفيرتر مع بطارية مع اللوح” لتشغيل إضاءة ليدات وشاحن فقط في بيته فستكلفه بحدود 10 ملايين ليرة وهذا ما لا يقدر عليه عموم المواطنين في ظل ضعف القدرة الشرائية عند الأكثرية.

في السياق، تختلف ساعات تغذية الكهرباء من منطقة لأخرى في عموم المحافظات، فمثلا في دمشق، تصل ساعات التغذية في بعض المناطق مثل الزاهرة الجديدة مسبق الصنع تحديدا والبرامكة والعدوي إلى ثلاث ساعات قطع ويقابلها ثلاث وصل.

بينما التقنين في أغلب المناطق الأخرى هو ساعتين وصل مقابل 4 ساعات قطع، ويتخلل ساعات الوصل انقطاعات متكررة في بعض الأحيان، كما أن بعض الأيام تشهد انقطاعا لخمس ساعات متواصلة مقابل ساعة وصل واحدة.

حال دمشق تعتبر جيدة مقارنة مع أغلب مناطق الريف، حيث تصل ساعات القطع إلى 5 ساعات مقابل ساعة واحدة وصل في أفضل الأحوال، بينما يشتكي سكان بعض القرى والأحياء في النبك وجديدة عرطوز وقطنا، من كثرة الأعطال في الكهرباء إذ تصل ساعات الوصل إلى نصف ساعة فقط مقابل عدد غير محدد من القطع.

أما في محافظات حمص وحماه وحلب، فإن ساعات وصل الكهرباء تتراوح بين نصف ساعة وساعة في أحسن الأحوال مقابل خمس ساعات قطع، كما تشتكي محافظتا حمص وحماه، من الحماية الترددية التي تؤدي إلى فصل التيار بشكل متكرر خلال فترة الوصل، مما يزيد من المعاناة ويؤدي لأعطالٍ في الأجهزة الكهربائية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات