عن “مهزلة تبديل الطرابيش” تابع السوريون انتخابات “الائتلاف السوري” المعارض، أمس الثلاثاء، في سلوك بدا تشبّها بتقليد سنّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع رئيس وزرائه السابق دميتري ميدفيديف، الذين كانا يتبادلان كرسي الرئاسة ورئاسة الوزراء في مسرحية “ديمقراطية” ركيكة السيناريو والتمثيل والإخراج. 

رئيس “الائتلاف” السابق سالم المسلط، افتتح الجلسة في دورتها العادية رقم 68، لبدء بالتصويت للرئيس الجديد الذي كانت هويته معروفة لدى غالبية السوريين، خصوصا بعد تسريب إصرار رئيس “الحكومة المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، المقرّب من أنقرة، بأن الجلسة ستُعقد وسيُنتخب هادي البحرة بـ”الصرماية”.

من الواضح أن القرار داخل “الائتلاف” بما يخصّ اختيار القيادة السياسية خاضع بشكل كامل لقرار تركي، وهذا ما كشفته شخصيات معارضة عن كواليس اجتماعات الغُرف المغلقة قبل جلسة الانتخاب، وأيضا رسالة الرئيس السابق له نصر الحريري، الذي عاش المهزلة ذاتها، ما يشير إلى أن هذا الجسم الذي اعتُبر سابقا ممثلٌ المعارضة السورية، بات بلا قيمة سياسية وشعبية، ولكن هل يمكن أن يكون تصاعد الخلافات داخل “الائتلاف” سببا في تقويض جهود المعارضة السورية في التحاور مع دمشق في الجلسة التي من المتوقع عقدُها في عاصمة سلطنة عمان مسقط.

نادٍ سياسي مغلق

لم تكن نعوة الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” أحمد معاذ الخطيب، على منصة “إكس”، شيئا جديدا لدى السوريين، والتي قال فيها “أنعي إلى جميع السوريين: وفاة الائتلاف الذي كان معارضا”، فهذا الجسم الهزيل و المهترئ داخليا وخارجيا، لم يعد يمثّل حتى المعارضين داخل سوريا وخارجها منذ زمن.

ما حدث من اختيار هادي البحرة، رئيسا جديدا للجسم التابع لتركيا، وهيثم رحمة أمينا عاما، وعبد المجيد بركات وديما موسى وعبد الحكيم بشار كنواب للرئيس، إضافة إلى 19 عضوا للهيئة السياسية، كان عبارة عن عجلة أدارتها تركيا بشكل مباشر بعد تسريب رسالة نائبة الرئيس السابقة، ربا حبوش، تساؤلات حول آلية الانتخابات الحالية في “الائتلاف”، عقِب تأجيل الموعد السابق للانتخابات في تموز/يوليو الماضي.

حبوش، انتقدت آلية “التصويت” في الانتخابات التي تنص على أن عشرة أعضاء “مبشرين بالانتخابات”، على حدّ تعبيرها، ينتخبون عن كل أعضاء الائتلاف من إجمالي نحو 80 عضوا، مشيرة إلى أن هذه الآلية فيها خرق واضح لمبادئ الديمقراطية ومناف لحقّ ممارسة التصويت بشكل حُر.

“انتخابات” الائتلاف مؤخرا أثبتت أن هذه المؤسسة بعيدة كل البُعد عن السوريين وهمومهم واحتجاجاتهم وأهدافها، وربما يتبين ذلك من خلال جولة في مواقع التواصل الاجتماعي لرؤية كمية السخط الشعبي السوري تجاه هذه الانتخابات وعملية “إعادة التدوير” التي حصلت.

ليس ذلك فحسب، بل ذهب بعض الأعضاء السابقين في “الائتلاف” إلى القول بأنه أصبح مجرّد فصيل سياسي مرتزق لا يعمل إلا وفقا للمصالح التركية، حيث أشار الحريري في الرسالة التي نشرها الخطيب، إلى تحكم تركيا في شؤون “الائتلاف” وأنّ طريقة تعامل الحلفاء مع مؤسسات المعارضة السورية “لا يليق بها”، لافتا إلى أن مجموعة مهيمنة داخل “الائتلاف” تستأثر بقنوات التواصل مع الخارج وهذه المجموعة من خلال هذه السياسة، مررت معارك تصفية الحسابات وتعزيز النفوذ ومواجهة الخصوم داخل “الائتلاف”.

قبل أن يصبح المسلط رئيسا لـ”الائتلاف” في عام 2021، انتقل أنس العبدة من رئاسة “الائتلاف” إلى رئاسة الهيئة العامة للمفاوضات التي كان يرأسها نصر الحريري ليحلّ محله، رغم عدم إفلاح الحريري في تحقيق أي فائدة مرجوة خلال قيادته لهيئة المفاوضات المعارضة لولايتين متتاليتين، كما أن العبدة لم يستطع تقديم أي جديد خلال رئاسته لـ “الائتلاف”، وهو الأمر الذي اعتاده السوريون، وكان العبدة قد ترأس “الائتلاف” مرتين غير متتاليتين، حيث انتُخب عام 2016 حتى 2017 والمرة الثانية في عام 2019، حتى انتخاب الحريري خلفا له.

وتستمر اللعبة

طبقا لمعلومات من مصادر مفتوحة، فإن الانتخابات لرئاسة “الائتلاف” المعارض كانت مقررة في شهر تموز/يوليو الفائت، إلا أن تأخر التشكيل النهائي للفريق الحكومي والسياسي التركي بعد الانتخابات الرئاسية التركية أجّلت بدورها انتخابات المعارضة السورية.

“الائتلاف” الذي تأسس في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، في العاصمة القطرية الدوحة، وصفته حبوش، بأنه عبارة عن فئة متحكمة يجمعون كل الرئاسات والسلطات والمناصب في الأجسام السياسية الرسمية، يعني مبادئ فصل السلطات وتحديد الصلاحيات لا قيمة لها عندهم وهي مجرد “سفسطة يصدعون رؤوس الآخرين بها”.

ما يزيد الطين بلّة هو فرض هادي البحرة رئيسا، وهو مكلف بمهام متشعبة بين السياسي والتفاوضي والإداري، فهو عضو في الهيئة السياسية التي يُفترض أنها مرجعية “هيئة التفاوض”، وعضو في “هيئة التفاوض” التي يُفترض أنها مرجعية “اللجنة الدستورية”، وعضو في “اللجنة الدستورية” التي يُفترض أنها مرجعية “اللجنة الدستورية” المصغّرة، وعضو في “اللجنة المصغرة” التي يفترض أنها مرجعية رئاستها ورئيس اللجنة الدستورية، وممثل “الائتلاف” في صندوق الائتمان “ليكون سابقة في تاريخ المعارضة والعمل السياسي ويصبح مرجعية المرجعيات، وملك الملوك، والحاكم بأمر الله، وشاهنشاه العمل السياسي في سوريا، فلا رقيب ولا حسيب”، حسب الحريري.

في هذا السياق، عضو تيار “اليسار الثوري” في سوريا، إزار فروان، أوضح لـ”الحل نت”، أن الخلافات والاتهامات الفرض التركي على مستقبل “الائتلاف” أثّرت سلبا على مصداقية وشرعية هذه المؤسسة كممثل للشعب السوري ومطالبه، فقد أدت إلى تفكك وانشقاق بعض أعضاء “الائتلاف” وتخوف آخرين من خسارة دعم تركيا إذا رفضوا انتخاب البحرة. 

كما أدت إلى توتر العلاقات مع بعض الدول الداعمة للمعارضة السورية مثل السعودية والأردن ومصر، وبالإضافة إلى ذلك، فإن انتخاب البحرة يشير إلى تغيير في استراتيجية تركيا تجاه سوريا، حيث تسعى إلى التقارب مع دمشق وروسيا وإيران، مما يهدد مصالح المعارضة والمناطق التي تسيطر عليها.

دعم تركيا لهادي البحرة، وانتخابه، له دلالات سياسية واقتصادية مهمة بحسب فروان، فمن الناحية السياسية، يعكس رغبتها في إنهاء حالة الصراع مع سوريا والانخراط في حوار سياسي يؤدي إلى حلّ سلمي للأزمة بما يتوافق مع منطوقها، كما يُظهر استعداد تركيا للتنسيق مع روسيا وإيران في مسار “أستانا”.

أيضا وجهات النظر المتضاربة داخل المعارضة السورية حول انتخاب هادي البحرة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، قسم يؤيد انتخابه باعتباره شخصية مستقلة ومؤهلة لقيادة المؤسسات المعارضة، وقسم يرفض انتخابه باعتباره نتيجة لضغوط خارجية من تركيا. 

من بين المؤيدين لانتخاب البحرة، نجد رئيس “الحكومة المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، الذي قال إن البحرة هو الشخصية المفروضة بـ”الحذاء” كما تسرّب مؤخرا، بالاضافة إلى بعض الفصائل المسلحة التي تعتبر تابعة كليا لمصطفى وأنقرة، في حين أن المعارضين لانتخاب البحرة، هم من استثنوا من العملية السياسية بقرار تركي، مثل الخطيب والحريري وعدد آخر باتوا خارج الجسم الحالي.

بين مسارَي البندقية والمفاوضات

طبقا لما ذكره الفروان، فإن دور الأصابع الإقليمية والدولية في تقويض قوى المعارضة السورية يمكن تقييمه بأنه دور سلبي ومدمّر، حيث استغلت هذه القوى الأزمة السورية لتحقيق مصالحها وأجنداتها، وتجاهلت مطالب وحقوق الشعب السوري. فقد تدخلت بعض هذه القوى عسكرياً في سوريا، مثل روسيا وإيران و”حزب الله” اللبناني، لدعم دمشق وقمع المعارضة.

فيما دعمت بعضها الآخر فصائل مسلحة عسكرية وأخرى متطرفة، كانت السبب لزعزعة استقرار المناطق شمال البلاد، كما قامت بعض هذه القوى بالتدخل في شؤون المعارضة السورية، مثل تركيا وقطر، لفرض رؤيتها ونفوذها على المؤسسات المعارضة، وكل هذه التدخلات أدّت إلى تشتيت وضعف المعارضة، وزيادة التنافس والصراع بين مكوناتها، وانحرافها عن أهدافها.

انتخاب هادي البحرة رئيساً لـ”الائتلاف” كان يمكن اعتباره خطوة نحو تقوية المعارضة السورية لو لم يتدخل مصطفى ومن خلفه أجهزة الاستخبارات التركية، ولكن الآن سيتبع سياساتٍ تخالف مصلحة الشعب السوري ومطالبه، ويمكن اعتباره تبديلا للطرابيش فقط، ولا يمثل أي تغيير جوهري في مسار الحرية والمعارضة.

علاوة على ذلك، برأي الفروان فإنه لا تأثير محتمل للاحتجاجات والمعارضة الداخلية على مستقبل “الائتلاف”، لأن هذا الجسم الذي لا قيمة حالية له ولن يصلح نفسه ويستجيب لمطالب وانتقادات أعضائه، ومن جهة أخرى يمكن أن يزداد التشظي والانقسام داخل “الائتلاف” ويضعف موقعه كممثل للشعب السوري.

بناءً على هذه العوامل، فإن تصاعد الخلافات داخل “الائتلاف” بنظر المجتمع السوري المعارض هي سببا في تقويض جهود المعارضة السورية في التحاور مع دمشق، لأنه ينعكس على قدرة المعارضة على تقديم رؤية واضحة وموحّدة للحل السياسي في سوريا، ويضعف موقفها أمام الحكومة السورية والقوى الدولية المتدخلة في الأزمة، كما أنه يثير شكوكا حول مدى تمثيلية المعارضة للشعب السوري وشرعيتها كشريك في عملية السلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات