مع اقتراب انتهاء موسم مؤونة الشتاء في سوريا، سجلت الأسواق السورية هذا العام تراجعا ملحوظا في معدلات الإقبال على تموين المواد الغذائية، التي اعتاد السوريون تخزينها بهدف استهلاكها خلال فترة الشتاء، حيث تواجه العائلات السورية خيارات صعبة في ظل الغلاء الذي ضرب أسعار جميع المواد الغذائية مقارنة بمتوسط الدخل الثابت في البلاد.

غير أن ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، لم يكن السبب الرئيسي لعزوف شريحة واسعة من السوريين عن تخزين المواد الغذائية في منازلهم، استعدادا لاستهلاكها في فصل الشتاء، فامتنع الأهالي عن تموين المكدوس والجبنة وغيرها من المواد لأسباب تُضاف إلى الأسباب الاقتصادية.

في وقت ليس ببعيد كان المكدوس من المواد الرئيسية في معظم منازل السوريين، لكن مؤخرا عزفت معظم العائلات السورية عن تموين عبوات المكدوس لأسباب عديدة أبرزها، الارتفاع الجنوني لمكونات هذه الأكلة الشعبية فضلا عن غياب الكهرباء لساعات طويلة يوميا عن المنازل.

غياب الكهرباء يصعّب المهمة

“المواد غالية ومافي براد لتخزينها”، قالت هنادي بصمه جي، وهي أم في عائلة مكونة من ستة أفراد وتعيش في دمشق، مؤكدة أن الغلاء في المواد الغذائية إلى جانب غياب الكهرباء، جعل من تموين بعض المواد أمرا بالغا في الصعوبة، خصوصا تلك التي تحتاج إلى جوّ معتدل كالمكدوس والجبنة.

بصمه جي، أضافت في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “مكونات صنع مواد المونة تتضاعف عدة مرات بشكل سنوي، قد تصل كلفة مونة كمية صغيرة من المكدوس إلى نصف مليون ليرة سورية، إذا ما حسبنا تكلفة كافة المواد من باذنجان وفليفلة وزيت زيتون وجوز، كما أن المكدوس قد يحتاج لتبريد في بعض الأوقات التي تكون فيها درجات الحرارة مرتفعة، حاله حال الجبنة التي لا يمكن تموينها في ظل غياب الكهرباء لمعظم الأوقات”.

عادة ما تكون أسابيع شهري آب/أغسطس، وأيلول/ سبتمبر، هي أسابيع ذروة “المونة”، حيث تنتشر مواد “المونة” في الأسواق السورية، من مكدوس وملوخية وبامياء وكشك ومربيات، وبالطبع فقد قفزت أسعار هذه المواد كغيرها من السلع في الأسواق السورية، الأمر الذي زاد من صعوبة مهمّة “المونة” بالنسبة لمعظم العائلات.

“الحكومة في عالم آخر“.. الأطعمة الشعبية تباع بضعفي تسعيرة التموين بسوريا

مكونة الأكلة الشعبية الشهيرة “المكدوس” شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعارها، إذ يؤكد تقرير لمنصة “غلوبال نيوز” المحلية، أنه “فيما إذا أرادت عائلة  تحضير فقط 40 كيلوغرام، ستكون تكلفة الباذنجان حوالي الـ 250 ألف ليرة سورية، من دون فليفلة حمراء، في وقت سجّل فيه سعر الباذنجان في الأسواق ما بين 4500 – 5000 ليرة للكيلو الواحد، بينما ارتفع سعر كيلو الفليفلة إلى 5000 ليرة سورية، وسعر كيلو الثوم 30 ألف ليرة، ولتر الزيت النباتي بين 28 و 30 ألف ليرة”.

تبريرات حكومية

بدوره برّر أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق عبد الرزاق حبزة، أن ارتفاع أسعار مواد “المونة”، كان متعاّقا بموجات الحر التي شهدتها سوريا خلال فترة فصل الصيف والتي أدت إلى قلة إنتاج الموسم من الباذنجان، وبالتالي قلّة الكميات المتوافرة في الأسواق في ظل الطلب الكبير على المادة، وهذا ينسحب أيضا على الفليفلة الحمراء.

حبزة، أضاف في تصريحات نقلتها المنصة المحلية، “كما أن اضطرار المزارعين لاستخدام مولدات الديزل لضخ المياه من الآبار لسقاية المحصولات الزراعية ومن ضمنها الباذنجان والفليفلة، أيضاً لعبت دوراً في زيادة السعر، ناهيك عن التكاليف الباهظة لعمليات النقل”.

خلال العامين الماضيين، حلَّ موسم المؤونة الشتوية ضيفا ثقيلا على العديد من العائلات في سوريا، ويبدو أن الأمر سيتكرر ولكن بشكل أكبر هذا العام، نتيجة الارتفاعات القياسية في الأسعار التي باتت أكبر من القدرة الشرائية للكثيرين من مجاراتها، وهذا سيدفع البعض إمّا إلى إلغاء صناعة “المونة” نهائيا، أو تقليص مخصصاتهم منها وجعلها ضئيلة جدا، لتقتصر على تموين أهم المواد، مثل “المكدوس والجبنة”.

سُلّم رواتب الموظفين الحكوميين الجديد والعلاوات السنوية، لا تكفي لصناعة كيلو واحد من طبق “المكدوس” السوري، حتى أن بعض الأطباق الشعبية أيضا مثل “اللبنة” باتت تتفوق في بعض الأحيان على رواتب الموظفين الحكوميين، حيث أصبح تكلفة عمل 10 كيلوغرام  لبنة للمونة الشتوية لأسرة مكونة من 5 أشخاص يتجاوز 600 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل سعرها قيمة رواتب الموظف لمدة 3 أشهر وقد يتجاوزها أحيانا.

لذلك، فإن تكلفة مؤونة الشتاء، بعد ارتفاع الأسعار والرواتب، باتت تكلف أكثر من 4 ملايين ليرة سورية، وسط تراوح رواتب الموظفين ما بين 200-260 ألف ليرة سورية. ولهذا يبدو أن القادرينَ على تأمين هذه الإمدادات الغذائية الشتوية هم إمّا الأغنياء والميسورين، أو أولئك الذين يحصلون على حوالات خارجية من أقاربهم أو أصدقائهم في الخارج، على أمل أن يتم إنقاذ موسم مخزونهم الغذائي الشتوي، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتدهور الليرة المستمرَّين، لذلك لا يُستبعد أن ترتفع الأسعار خلال فصل الشتاء عدّة مرات عما هي عليه الآن.

في ظل ارتفاع الأسعار وطول ساعات التقنين الكهربائي، الأمر الذي ضيَّق الخناق على الخيارات هذا العام وأبقاها في حدودها الدنيا، نظرا لأن العوائل لم تعد بمقدورها تخزين المواد مثل “البازلاء والفول والجبنة” وغيرها من المواد في البرادات، خاصة وأن البعض جرب ذلك من قبل ولكن ساعات التقنين الجائرة أفسدت مخزونهم الغذائي في ظرف ساعات قليلة، مما كبّدهم خسائر كبيرة.

غير أن بعض العائلات نجحت في تخزين بعض أصناف “المونة” التي يمكن تخزينها بشكل لا تحتاج فيه إلى درجات حرارة منخفضة كدبس الفليفلة. ويعبّر السوريون عن استيائهم من تعرّض المواد الغذائية في المنازل للتلف، بسبب عدم القدرة على تشغيل البرادات، حيث أكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن الكهرباء قد تغيب لستّ ساعات متواصلة مقابل التغذية مدة نصف ساعة لا غير، أي بمعدل ساعتين يوميا فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات