خلال هذه الأوقات تكثر في الأسواق السورية أنواع كثيرة من الفواكه والخضروات ويكون عليها إقبال كبير من قبل الناس بغرض تموينها لفصلي الشتاء والربيع. ومن هذه الأصناف فواكه الصيف، التي اعتادت العائلات السورية على عقد موعد سنوي مع هذه الفواكه من عنب وتين وتفاح لصناعة المربيات وتخزينها كمؤونة للشتاء “المونة”.

غير أن لهيب أسعار هذه الأصناف، إضافة إلى ارتفاع سعر السكر، سيجعل من صناعة المربيات بعيدة عن تموين السوريين، كما أبعدت “الزعتر واللبنة وحتى المكدوس” عن موائد نسبة كبيرة من العائلات، وبالتالي ستفقد الموائد السورية تدريجيا أحد أشهر الأصناف التي اعتادوا على تناولها، سواء على الفطور أو العشاء.

العزوف عن صناعة المربيات

في السنوات الأخيرة تغيرت الأحوال الاقتصادية للعديد من الأُسر السورية، ومعها تغيرت العادات وأصبحت الفواكه الموسمية سواء الربيعية منها أم الصيفية للفرجة فقط خاصة مع ارتفاع أسعارها، وأضيف إليها هذا الموسم عقبة جديدة وهي ارتفاع سعر كيلو السكر ليتجاوز الـ 16 ألف ليرة سورية.

على الرغم من اقتراب موسم العنب والتين من نهايته، إلا أن سعر كل منهما لا يزال مرتفعا مقارنة بتراجع القوة الشرائية للمستهلك، ويصل كيلو العنب في بعض الأنواع إلى 14 ألف ليرة، وأنواع أخرى تباع بستة آلاف ليرة، علما بأن أفضل سعر سجله الموسم الفائت لم يتجاوز الـ7 آلاف ليرة، وسعر كيلو التين بين 6 – 8 آلاف ليرة في سوق الهال، والتفاح يباع الكيلو أيضا في سوق الهال بين 4 – 6 آلاف ليرة بزيادة 4 آلاف ليرة عن الموسم الماضي، وفق تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء.

في هذا السياق، يقول الشاب علي صاحب بسطة فواكه موسمية في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة دمشق، “الطلب على العنب لصنع المربيات انخفض هذا العام بنسبة 70 بالمئة، وبدأ الناس بشراء كميات قليلة لتناول الطعام فقط، خاصة مع ارتفاع سعر السكر تزامنا مع موسم العنب”.

تأتي هذه الأسعار وسط تراوح رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص ما بين 200- 350 ألف ليرة سورية، أي نحو 25 دولارا، وهو ما يعتبر ضئيلا مقارنة بهذه الأسعار والواقع المعيشي بشكل عام في سوريا، حيث إن هذه الرواتب لا تكاد تكفي لأيام معدودة.

بحسبة بسيطة، فإن تحضير 5 كيلو غرام مربى العنب وحده سيكلف ما يقارب 150 ألف ليرة سورية، إضافة إلى تكلفة السكر والغاز وغيرها من المستلزمات. وهذه التكلفة تعادل أكثر من نصف راتب الموظف الحكومي، وهذا لمربى العنب فقط ولم يتم احتساب باقي تكاليف “المونة”، وبالتالي ليس من المستبعد أن تبعد هذه الأسعار نسبة كبيرة من السوريين من إعداد المربيات هذا العام.

تُعد “المونة” من أساسيات التخزين في كل مطبخ سوري، ومن أشهر المواد التي تُخزّن، هي “المكدوس والمخللات والمربيات واللبنة”. كما يُعتبر التموين في المنازل السورية ثقافة قديمة، تتعلق بأنواع من المأكولات المرتبطة بالتراث السوري، وتقوم على تخزين مواد غذائية موسمية بكميات كبيرة، مثل تجميد الخضار أو تجفيفها أو عصرها بالملح لاستخدامها في فصلي الشتاء والربيع، فالخضار نادرة حينها، وتوضع هذه المواد المخزّنة في مكان مخصص داخل البيت يُسمى “بيت المونة”.

أسباب ارتفاع الفواكه

في المقابل، أرجع عبدالله الشغري، صاحب محل فواكه في سوق الهال بدمشق، أسباب ارتفاع الفواكه الصيفية إلى ارتفاع التكاليف على المزارعين بشكل كبير كما أدت موجات الحر السابقة إلى تضرر المواسم، وبالتالي قلّت كمية الإنتاج وارتفعت الأسعار، مؤكدا بأن تصدير الفواكه له تأثير على ارتفاع الأسعار أيضا.

في حين أسباب ارتفاع أسعار المربيات هذا العام، أكده نائب رئيس جمعية حماية المستهلك ماهر الأزعط من جانبه بأن يعود إلى أن الأسواق يحكمها العرض والطلب.

بالنسبة للفواكه فتستخدم للمربيات أو كفواكه مجففة، وفي ظل غلاء الأجور وارتفاع أسعار المحروقات واليد العاملة إضافة إلى الارتفاع الكبير لسعر السكر، جميعها عوامل ساهمت في ارتفاع أسعار المربيات في الأسواق، وفق الأزعط.

الأمر المدهش في هذا الأمر، أن الأزعط أشار إلى أن معظم المعامل تصنع منتجاتها للسوق الخارجية وليس للاستهلاك المحلي، كون القوة الشرائية للمواطنين معدومة، على الرغم من أن المنتجات المحلية تكون من نصيب المجتمع المحلي قبل الخارج.

كما وبرّر الأزعط سبب هذا الغلاء إلى افتتاح المعامل ذات العلامة التجارية الكبيرة في الدول العربية مثل مصر والأردن، ما أدى إلى انتقال الأيدي العاملة معها.

لكن بذلك ينسي الأزعط أن يعترف بأن رواتب ومداخيل المواطنين الهزيلة ومن ثم ضعف القوة الشرائية وراء تراجع الأسر السورية عن صناعة وإعداد المربيات أو الأصناف الأخرى من المونة التي اعتاد السوريين على صناعتها كل عام في هذه الأوقات.

أشهر الأكلات مهددة

وسط ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية في سوريا، وخاصة المواد الأساسية مثل الحبوب والبقوليات والألبان والأجبان، نتيجة القرارات الحكومية الجائرة الأخيرة، كقرار رفع الأجور والرواتب بنسبة 100 بالمئة، والذي رافقه رفع في أسعار المشتقات النفطية، ارتفعت أسعار الاحتياجات الأساسية للأُسرة السورية بنسب كبيرة تراوحت بين 50 – 100 بالمئة كحد أدنى.

لذلك لم يعد من المبالغة القول إن تحضير وجبة إفطار متكاملة تشمل اللبنة والجبن والبيض والزعتر والزيتون باتت من ذكريات الزمن الجميل عند نسبة كبيرة من الأُسر السورية، حيث إن نسبة كبيرة من السوريين في الداخل كانوا يشترون الحليب والأجبان بالغرامات، ولا يُستبعد اليوم أن تختفي هذه الأكلات الشعبية الشهيرة من موائد السوريين، بعد موجة الغلاء الأخيرة، وسط تدني المداخيل.

أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء تربّعت على قائمة ارتفاع الأسعار، تلتها أسعار الحلويات ثم الأجبان والبيض، وبحسب تقرير أخير لجريدة “قاسيون” المحلية، ارتفعت أسعار اللحوم بحوالي 73.0 بالمئة، حيث قفز سعر الـ 75 غرام منها من 5.700 ليرة سورية في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 9.863 ليرة في النصف الثاني من آب/أغسطس الفائت.

كما لم تسلم أسعار الحلويات من تلك الزيادات، إذ ارتفعت بنسبة 60.0 بالمئة عن حسابات تموز/يوليو، حيث تجاوزت تكلفة 112 غراما من الحلويات الضرورية للفرد يوميا 8.400 ليرة سورية، بينما كانت 5250 ليرة في تموز/يوليو الماضي. وكذلك الحال بالنسبة للأجبان التي ارتفع سعر 25 غراما منها بنسبة 28.9 بالمئة، من 563 ليرة أول تموز/يوليو، إلى 725 ليرة الآن. بينما ارتفعت تكلفة البيض بمقدار 26.5 بالمئة، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يوميا من حوالي 944 ليرة سورية في تموز/يوليو، إلى 1.194 ليرة.

فيما يخص أسعار الحليب والألبان والأجبان، فقد سجل سعر كيلو الحليب 5500 ليرة، وكيلو اللبن 800 غرام، 6000 ليرة، وكيلو اللبنة البلدية 38 ألف ليرة، واللبنة العادية بـ 25 ألف ليرة، والجبنة المشللة نحو 60 ألف ليرة سورية، والجبنة البلدية بـ 40 ألف ليرة، مع التذكير بأن هذه الأسعار غير ثابتة وتختلف من منطقة لأخرى لجهة أنها قد تكون أغلى، وقد تزداد مع سعر الصرف، وفق تقرير محلي مؤخرا.

بالتالي، فإن عزوف الأُسر السورية عن تقنين الغذاء أصبح أكثر احتمالا من أي وقت مضى. على سبيل المثال، لن يتمكن الكثيرون من وضع العديد من الأطباق التي اعتادوا تناولها في فطور الصباح، مثل المربيات واللبنة والجبن والبيض والزعتر والزيتون.

فمع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأكلات الشعبية، فقد أصبح “الفطور الجماعي” الذي اعتادت العائلات السورية على تنظيمه يوم الجمعة من كل أسبوع، يشكل عبئا اقتصاديا على السوريين، حيث اتجهت معظم العائلات السورية إلى إلغائه أو على الأقل الاستغناء عن التنوع الذي كان يتمتع به هذا الفطور سابقا.

أمّا عن مادة الزعتر التي توصف بأنها “قوت الفقراء” بسبب انخفاض ثمنها، فقد وصل سعر الكيلو منه في أسواق حلب إلى نحو 35 ألف ليرة سورية للنوع الأول و 27 ألف ليرة للنوع التجاري، كذلك شمل ارتفاع الأسعار زيت الزيتون، الذي وصل سعر البيدون منه ما بين 1.2-1.3 مليون ليرة سورية.

نتيجة هذا الغلاء، اضطر العديد من العائلات السورية إما الاستغناء عن إعداد “المونة” أو اللجوء إلى طرق بديلة لتوفيرها، كالقروض والجمعيات والحوالات الخارجية، خاصة وأن تكلفة تجهيز مونة “المكدوس” لوحدها وعلى أصولها وبكميات كافية قد تصل إلى مليون ليرة تقريبا.

على الرغم من الزيادة التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد، مؤخرا على رواتب الموظفين، إلا أن  قائمة المؤن المتعلقة بموسم الشتاء تُعد تحدّيا بسبب تأثير الارتفاع الجارف للأسعار على القدرة الشرائية والحياة اليومية للمواطن البسيط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات