وسط ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية في سوريا، وخاصة المواد الأساسية مثل الحبوب والبقوليات والألبان والأجبان، نتيجة القرارات الحكومية الجائرة الأخيرة، كقرار رفع الأجور والرواتب بنسبة 100 بالمئة، والذي رافقه رفع في أسعار المشتقات النفطية، ارتفعت أسعار الاحتياجات الأساسية للأُسرة السورية بنسب كبيرة تراوحت بين 50 – 100 بالمئة كحد أدنى.

لذلك لم يعد من المبالغة القول إن تحضير وجبة إفطار متكاملة تشمل اللبنة والجبن والبيض والزعتر والزيتون باتت من ذكريات الزمن الجميل عند نسبة كبيرة من الأُسر السورية، حيث إن نسبة كبيرة من السوريين في الداخل كانوا يشترون الحليب والأجبان بالغرامات، ولا يُستبعد اليوم أن تختفي هذه الأكلات الشعبية الشهيرة من موائد السوريين، بعد موجة الغلاء الأخيرة، وسط تدني المداخيل.

الأطباق الشعبية مهددة

أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء تربّعت على قائمة ارتفاع الأسعار، تلتها أسعار الحلويات ثم الأجبان والبيض، وبحسب تقرير أخير لجريدة “قاسيون” المحلية، ارتفعت أسعار اللحوم بحوالي 73.0 بالمئة، حيث قفز سعر الـ 75 غرام منها من 5.700 ليرة سورية في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 9.863 ليرة في النصف الثاني من آب/أغسطس الجاري.

ارتفاع أسعار الأجبان والألبان- “إنترنت”

كما لم تسلم أسعار الحلويات من تلك الزيادات، إذ ارتفعت بنسبة 60.0 بالمئة عن حسابات تموز/يوليو، حيث تجاوزت تكلفة 112 غراما من الحلويات الضرورية للفرد يوميا 8.400 ليرة سورية، بينما كانت 5250 ليرة في تموز/يوليو الماضي. وكذلك الحال بالنسبة للأجبان التي ارتفع سعر 25 غراما منها بنسبة 28.9 بالمئة، من 563 ليرة أول تموز/يوليو، إلى 725 ليرة الآن. بينما ارتفعت تكلفة البيض بمقدار 26.5 بالمئة، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يوميا من حوالي 944 ليرة سورية في تموز/يوليو، إلى 1.194 ليرة.

وفيما يخص أسعار الحليب والألبان والأجبان، فقد سجل سعر كيلو الحليب 5500 ليرة، وكيلو اللبن 800 غرام، 6000 ليرة، وكيلو اللبنة البلدية 38 ألف ليرة، واللبنة العادية بـ 25 ألف ليرة، والجبنة المشللة نحو 60 ألف ليرة سورية، والجبنة البلدية بـ 40 ألف ليرة، مع التذكير بأن هذه الأسعار غير ثابتة وتختلف من منطقة لأخرى لجهة أنها قد تكون أغلى، وقد تزداد مع سعر الصرف، وفق ما أورده تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، يوم أمس الأربعاء.

بالتالي، فإن عزوف الأُسر السورية عن تقنين الغذاء أصبح أكثر احتمالا من أي وقت مضى. على سبيل المثال، لن يتمكن الكثيرون من وضع العديد من الأطباق التي اعتادوا تناولها في فطور الصباح، مثل اللبنة والجبن والبيض والزعتر والزيتون.

الحكومة وراء كل الأزمات

في المقابل، بيّن رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان محي الدين الشعار، أن أسعار الحليب ارتفعت خلال الشهر الأخير بنحو 35- 40 بالمئة، وأن ارتفاعه لا علاقة له بزيادة الرواتب، وإنما يعود لعدة أسباب منها غلاء سعر الأعلاف ما أدى لرفع سعر الحليب، وبسبب التصدير حيث تستجر المعامل حاليا نحو 70 بالمئة من كميات الحليب التي تدخل إلى دمشق، بمعدل 60 طنا يوميا.

الشعار أشار إلى أن رفع أسعار حوامل الطاقة بنحو 200 بالمئة أثّر أيضا على ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار عملية تلقائية، متوقعا المزيد من الارتفاع في أسعار الحليب ومشتقاته في الأيام القادمة، مضيفا أن معامل البوظة توجهت جميعها لاستهلاك الحليب الطازج واستغنت عن الحليب البودرة بسبب ارتفاع سعره بشكل كبير، ما ساهم أيضاً بارتفاع أسعار الحليب.

رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان وصف الإقبال على شراء الحليب ومشتقاته بالضعيف حيث تراجع الاستهلاك بنحو 70 بالمئة.

كما وطالب الشعار بوقف عمليات التصدير لخفض الأسعار في الأسواق، فالكميات المصدرة كبيرة جدا، موضحا بأن عمليات تصدير مشتقات الحليب تتم إلى كلٍّ من الإمارات والعراق والسعودية والكويت.

يبدو من الواضح أن القرارات الحكومية الأخيرة ليست سوى تخبّطا، بل إنها تزيد من أعباء ومعاناة المواطنين المعيشية. وفي وقت سابق حذر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، على إثر قيام الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة من المشتقات النفطية وغيرها.

لعل أبرز السلع المغشوشة التي تجتاح الأسواق السورية مؤخرا، هي منتجات الألبان والأجبان وزيت الزيتون. وظاهرة الغش والاحتيال في الأسواق السورية ليست بجديدة ولكنها في تزايد مستمر، وكلّ ذلك يعود إلى ضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار بالأسواق السورية، والتصدير وسياسة تسعير التوريد التي تتّبعها الجهات المعنية في “وزارة التجارة الداخلية السورية” التي لا تأخذ كل التكاليف بعين الاعتبار ولا سيما غير المرئية.

أشهر الأكلات تنقرض تدريجيا

مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأكلات الشعبية، فقد أصبح “الفطور الجماعي” الذي اعتادت العائلات السورية على تنظيمه يوم الجمعة من كل أسبوع، يشكل عبئا اقتصاديا على السوريين، حيث اتجهت معظم العائلات السورية إلى إلغائه أو على الأقل الاستغناء عن التنوع الذي كان يتمتع به هذا الفطور سابقا.

الارتفاع بالطبع لم يوفّر الأكلات الشعبية التي يلجأ إليها عادة السوريون من أجل الحصول على الغذاء بأقل تكاليف ممكنة، حيث ارتفع سعر قرص الفلافل ثلاثة أضعاف، وبحسب تقرير الصحيفة فإن تحضير وجبة من الفطور بأكلات شعبية خفيفة بات يكلّف نحو 50 ألف ليرة لشراء نصف كيلو فول ومثله مسبحة ونحو 30 قرص فلافل وكمية قليلة من المخلل وتضاف إليها تكلفة الخبز والشاي والسكر.

قرص الفلافل بلغ سعره في الأسواق السورية اليوم 500 ليرة سورية، في وقت أكدت فيه صحيفة “الوطن” أن هذا السعر مرشّح للارتفاع بحسب عدد من أصحاب المحال المختصة ببيع المأكولات الشعبية، وذلك كنتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف إعداد المأكولات بأنواعها.

لم تعد خيارات السوريين في الغذاء مفتوحة، فالنزيف المستمر للرواتب والأجور أمام تكاليف الغذاء، أفضى إلى عدم قدرة السواد الأعظم من السوريين على تأمين الحدود الدنيا من الغذاء لعائلاتهم وأبنائهم.

كذلك، من المواد الأساسية التي يتم استهلاكها بشكل أساسي في المنازل السورية وشهدت ارتفاعات متتالية خلال الفترة الماضية، زيت الزيتون الذي أصبح استهلاكه يشكل عبئا ثقيلا على العائلات السورية، إلا أنها لم تتجه إلى الاستغناء عن هذه المادة، كونها مكون رئيسي في العديد من وجباتهم اليومية، خاصة وأنهم استغنوا عن مواد كثيرة في السابق.

أمّا عن مادة الزعتر التي توصف بأنها “قوت الفقراء” بسبب انخفاض ثمنها، فقد وصل سعر الكيلو منه في أسواق حلب إلى 30 ألف ليرة سورية للنوع الأول و 22 ألف ليرة للنوع التجاري، كذلك شمل ارتفاع الأسعار زيت الزيتون، الذي وصل سعر العبوة منه نحو 600 ألف ليرة سورية وتحوي 16 كيلو غرام.

في مدينة حلب تنتشر العديد من أصناف الزعتر، وذلك بحسب خلطة المواد الداخلة في تصنيعه، حيث تختلف أسعار كل خلطة عن أخرى، ويتراوح سعر الكيلو حاليا بين 25 إلى 35 ألف ليرة سورية، بحسب نوع الخلطة التي يتكون منها.

بحسب مصادر محلية فإن أسعار المواد الداخلة في خلطة الزعتر ارتفعت هي الأخرى خلال الفترة الماضية، حيث وصل سعر كيلو السمسم إلى 30 ألف ليرة سورية، والزعتر الأخضر 25 ألف للكيلو، والسّماق وصل إلى 25 ألف للكيلو، والشمرة واليانسون 20 ألف، والكزبرة 16 ألف، والكمون بلغ 45 ألف، والقضامة 15 ألف والبزر المحمص 30 ألف، والحنطة المحمصة 5 آلاف، فضلا عن ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وأجور العمال وغيرها.

 هذا وبلغت تكلفة المعيشة لأُسرة سورية مكونة من خمسة أفراد 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة، وسط غضب واستياء واضحَين في الشارع السوري، واحتجاجات شعبية واسعة للعديد من المناطق السورية، التي تدلل على مدى تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات