يبدو أن مسلسل ارتفاع الأسعار في سوريا لن ينتهي ما دامت أسبابه الحقيقية مستمرة أيضا. وبحسب العديد من الخبراء والتقارير المحلية، فإن رفع “البنك المركزي” السوري، سعر الصرف بشكل شبه يومي وغياب دور الرقابة والتموين، أو إن صحّ القول تقاعسهم تجاه التجار والبائعين في الأسواق يتسبّب في تفلّت الأسعار بهذا الشكل المهول.

فمنذ وصول الليرة السورية لأكثر من 13 ألف ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، والأسعار ترتفع بشكل مستمر ودون توقف في جميع الأسواق السورية، اللافت أن الأسعار ساعية، إذ تتغير كل ساعة وفق سعر الصرف، أي أن السلعة التي تكلّف عشرة آلاف، بعد ساعة واحدة فقط، تغلى أكثر من السعر المذكور.

الأسواق السورية

ارتفاع الأسعار في سوريا مستمر دون أي بوادر بضبط هذه العملية. حيث ازدادت وتيرة الارتفاع بعد رفع سعر المحروقات الأسبوع الفائت، إلى جانب استمرار ارتفاع سعر الصرف من قِبل “المركزي السوري” الذي بلغ 10700 ليرة بنشرة حوالات يوم أمس الأربعاء.

استمرار ارتفاع الأسعار في سوريا

في اللاذقية محافظة اللاذقية بين تكة الثانية والثانية ترتفع الأسعار وفق تقرير لموقع “سناك سوري” المحلي قبل يومين. وعلى سبيل المثال، ارتفاع سعر ليتر الزيت النباتي عصر يوم الثلاثاء إلى 30 ألف ليرة، بعد أن كان يباع  ظهر يوم الخميس الفائت بـ 25 ألف ليرة.

أما  مسحوق الغسيل “2 كغ” ارتفع من 25 ألف ليرة إلى 40 ألف ليرة خلال يومين فقط. بينما سعر سائل الجلي مازال صامدا وبقي على حاله، أي بنحو 10500 ليرة، على عكس كيلو الرز الذي قفز سعره من 18 ألف إلى 22 ألف في أقل من 48 ساعة. وسانده في الارتفاع كيلو السكر الذي حلق عاليا من 15 ألف إلى 18 حتى يوم السبت الماضي.

كما وارتفع سعر كيلو الطحين من 5800 إلى أكثر من 7500 ليرة. والفاصوليا الحب من 27 إلى 35 ألف ليرة. وفي أسواق العاصمة دمشق سجل الكيلو الواحد من مسحوق الغسيل سعر 11000 بعدما كان بسعر 10000، والمحارم “الكلينيكس” تبدأ من سعر 13 ألف حتى سعر 18 ألف بينما كانت تبدأ بسعر 12 ألف، والسكر بات سعر 15 ألف ليرة بعدما كان بـ 12500 ليرة.

من جانب آخر، ثمة حركة ضعيفة في أسواق مدينة حمص، حيث بلغ سعر 400 غرام من اللبنة 17 ألف ليرة سورية، فيما كانت قبل أيام  بسعر 12 ألف ليرة، والرز المصري القصير وصل لسعر 18500 بعد أن كان بسعر 13500. بينما الأرز الهندي سعره وصل حتى الآن لـ 30 ألف، بعدما كان قبل أسبوع بـ 12 ألف. والسكر ارتفع سعره إلى 17 ألف ليرة سورية، بينما كان بـ 12 ألف، وليتر الزيت وصل إلى 30 ألف، في حين كان قبل أيام 20 ألف.

لم تكن الأسعار في ريف دمشق بمنأى عن هذه الفوضى والتغيرات السعرية، فقد وصل سعر كيلو الأرز بالجملة 19 ألف ليرة بينما بالمفرق يبدأ من 22 ألف والسكر سعره بالجملة 14500 ليرة. أما الزيت فسعر الليتر 27 ألف ليرة وكان في السابق بـ 22 ألف ليرة.

أما في أسواق دير الزور وصل سعر ليتر الزيت إلى 20 ألف ليرة. بينما كان سعره يتراوح بين 15-17 ألف ليرة ومسحوق الغسيل 2 كيلو بسعر 40 ألف ليرة بينما كان سابقا بسعر 30 ألف ليرة، ونصف كيلو القهوة قفز من سعر 40 ألف ليرة إلى سعر 68 ألف ليرة.

قرارات الحكومة وراء الغلاء

بعد أن خفض “المركزي السوري” سعر الصرف الرسمي بما يقارب سعر السوق السوداء، رجح خبراء اقتصاديون أن هذه القرارات ستكون لها انعكاسات كبيرة على الأسواق من حيث انزلاق الأسعار وتسعير كل تاجر وبائع حسب مزاجه.

بالتالي مسلسل ارتفاع الأسعار لن يتوقف ما لم تقم الحكومة بوضع سياسات وخطط اقتصادية حقيقية للحد من هذه الفوضى، فإن الأسواق ستكون في حالة تخبط كما هو واضح في عموم الأسواق السورية اليوم، وحالة الغضب العارمة في سوريا اليوم يدلل على مدى تدهور الأوضاع المعيشية من جرّاء هذه القرارات الحكومية الجائرة.

المستفيدون من هذه القرارات، هم بعض الأشخاص الذين يقومون بتحويل الأموال، وهم الأشخاص الذين يتلاعبون بالسعر الموازي للمواد الغذائية كالرز، وينتمون بشكل غير مباشر للحكومة السورية، أي “رجال الدولة”، وأماكنهم ومقراتهم موجودة في مناطق الحكومة السورية ومعروفة، وهم القابضين على الحوالات المالية الخارجية، وبالسعر الموازي.

كما وأشار المصرفي الدكتور علي محمد لموقع “صاحبة الجلالة” في وقت سابق، إلى أن النشرة الخاصة بالجمارك والطيران والتي عادة تعدّل مع أي تغيير في سعر صرف الليرة ضمن نشرة المصارف والحوالات الصادرة من “المركزي السوري”، فهذا يعني ارتفاعا في القيمة، مما يعني صعودا في أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية لكون المستورد سيرفع قيمة بضائعه لتغطية الارتفاع الحاصل في قيمة الرسوم الجمركية، وهو ما يؤثر على أسعار المنتجات المحلية تباعا.

كذلك، رفع الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام رواتب وأجور العاملين في المؤسسات الحكومية بنسبة 100 بالمئة، إضافة لرفع أسعار المشتقات النفطية، له انعكاسات جمّة على الأسعار، فضلا عن الأثر التضخمي وانعكاسه على سعر الصرف.

عدد من المحللين الاقتصاديين في دمشق قالوا إن أسعار المحروقات ارتفعت بنحو 166 بالمئة، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار عموم السلع في الأسواق، بالإضافة إلى أن هذه القرارات الحكومية ستؤدي إلى مزيد من التضخم وانخفاض القوة الشرائية، وزيادة مستوى أسعار كل شيء بنسبة أكبر من نسبة زيادة الرواتب.

 من بين هؤلاء الاقتصاديين، عامر شهدا، الذي رجح أن هذه القرارات ستؤدي إلى رفع أسعار 360 مادة في الأسواق، وأن عملية الإنتاج ستتأثر أيضا نتيجة ارتفاع سعر الفيول، مشددا على أن التضخم سيأكل الوفورات في الموازنة الناتجة عن رفع الدعم بسبب غياب سياسة نقدية مُجدية.

بمعنى أن القرارات الحكومية الأخيرة ليست سوى تخبّطا، بل إنها تزيد من أعباء ومعاناة المواطنين المعيشية. وفي وقت سابق حذر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، على إثر قيام الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة من المشتقات النفطية وغيرها.

غياب الرقابة والتموين

في المقابل، كشف مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق محمد خير البردان، في تصريح لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء، عن أن المديرية تعمل بشكل مكثف على مراقبة الأسواق وضبط الأسعار.

البردان أشار إلى أن المديرية تقوم بجولات مشتركة مع أعضاء المكاتب التنفيذية وأعضاء مجلس المحافظة ولجان الأحياء في محافظة دمشق على الأسواق والفعاليات التجارية لمراقبة الأسواق، والتأكيد على أصحاب المحال ضرورة التقيد بنشرات الأسعار المعتمدة ووضع الأسعار بشكل واضح وتداول الفواتير.

لكن، وعلى الرغم من ادعاء مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بمراقبة الأسواق، إلا أن التجار والبائعين ما زالوا لا يلتزمون بالتسعيرة الرسمية، بل الأسعار حسب سعر الصرف، وبالتالي فإن التصريحات الحكومية ليست سوى حبر على ورق. كما يشير استمرار حالة الفوضى في الأسعار إلى مدى فساد دوريات الرقابة والتموين وتقاعسهم مع التجار، وعدم السيطرة على الأسواق حتى الآن، وانهيار الأسعار بحسب العديد من التقارير المحلية، دليل على ذلك.

كما أن انتشار السلع المغشوشة في الأسواق السورية مؤخرا، مثل منتجات الألبان والأجبان وزيت الزيتون، فضلا عن العسل المغشوش الذي يملأ الأسواق اليوم، يعود إلى ضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار بالأسواق السورية، والتصدير وسياسة تسعير التوريد التي تتّبعها الجهات المعنية في “وزارة التجارة الداخلية السورية” التي لا تأخذ كل التكاليف بعين الاعتبار ولا سيما غير المرئية.

الخبراء يرون أن الجهات الرقابية والتموينية لا تفعل شيئا سوى الإدلاء بتصريحات رنانة وتكتفي بالقول إنها تعمل بكل ما في وسعها من أجل الحد من انتشار السلع الفاسدة، ولكن في الواقع، فوضى الأسعار وتبدلاتها الساعية، بجانب انتشار المواد الرديئة والفاسدة يشي بأن الإجراءات الفعلية غائبة والحكومة تقدم وعودا نظرية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات