في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة التي تشهدها سوريا، فإن أسعار المواد الغذائية تزداد ارتفاعا مستمرا بشكل مقلق، ما يهدد حياة الملايين من الناس الذين يعانون من الجوع والفقر. وهذه الظاهرة ليست جديدة، فقد شهدت البلاد في السنوات الماضية أزمات غذائية خطيرة، كانت سببا في اندلاع احتجاجات داخل المحافظات السورية. 

عندما تعود ذكريات الأزمات إلى الواجهة، وترتفع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، يتبادر إلى الذهن تساؤل؛ هل يعود زمن الأزمات. فتلك العبارة تبدو وكأنها إشارة لصراع ما بين الحاضر المرير وماض مؤلم، وهي بالتأكيد موضوع يستحق التحليل والتوقف عنده. ففي الوقت الحاضر، تصطف تحديات جديدة، يبدو أنها ترتبط بألوان وجوانب الأزمة التي اجتاحت العالم عام 2011.

أسعار المواد الغذائية في سوريا ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ الأربعاء الفائت، لتلقي بظلالها على ميزانيات الأسر وحياة المواطنين. وإذا كانت الذاكرة الجماعية تختزل الأزمات في الصور النمطية لأحداث العام 2011، فإن هذا الزمن يترجم الآن على شكل تحديات اقتصادية جديدة. فارتفاع أسعار الأرز، المادة الغذائية الأساسية في الشرق الأوسط، يعيد الأمور إلى الأذهان ويعزز أهمية التساؤلات؛ هل السوريون أمام مرحلة جديدة من الصراعات الاقتصادية.

سوريا بلا أرز؟

أسعار الأرز في سوريا ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من 12 عاما، حيث تأثرت بالقرارات الأخيرة للحكومة السورية وأيضا بعد حظر تصدير الأرز في الهند والظروف الجوية السيئة إثر انخفاض إنتاج وإمدادات المواد الغذائية الأساسية في آسيا، وفقا لوكالة الأغذية التابعة للأمم المتحدة.

في ذروة أزمة أسعار الغذاء ما بين عامي 2010-2012، قدر بنك “التنمية” الآسيوي أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية بنسبة 30 بالمئة في عام 2011 أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 10 بالمئة في دول آسيا النامية، وقلص 0.6 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

بحسب حديث الباحث الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإنه عندما كانت الأزمة الاقتصادية في العام 2011 تهز العالم، تمثلت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية أحد أبعادها المؤلمة. وها هو التاريخ يعيد نفسه بطريقة غير متوقعة؛ تعيد تكريس أهمية فهم التاريخ والتحليل الدقيق للأوضاع الراهنة. 

فعلى الرغم من أنّ الزمن يتقلب والسياقات تختلف، يظل التأثير والدروس التي تم استخلاصها من الأحداث الماضية يمكن أن تلقي ضوءا على مجريات الأحداث الحالية. حيث يؤكد تجار الجملة بدمشق، أن الأسواق باتت تسعر بشكل عشوائي، حيث ارتفعت 50 بالمئة مجرد أن طرحت زيادة الرواتب دون أن يقبضها الموظف، وبالتالي انعكس هذا التخبط على الأسواق في حدوث الفلتان السعري واختلاف المواد الغذائية بين تاجر وآخر.

طبقا لحديث الحمصي، فإن تعبير “سوريا مهددة بنقص الأرز” يشير إلى مشكلة خطيرة تواجهها البلاد في مجال الإمدادات الغذائية، وهو موضوع يثير قلق الكثيرين. إذ إن أزمة نقص الأرز تعد محورية في فهم تحديات سوريا الحالية وتأثيرها على حياة المواطنين.

ارتفاع جديد لأسعار المواد الغذائية المحلية

حاليا وصل سعر كيلو الأرز إلى 25 ألف ليرة سورية، حيث ارتفع بنسبة 142عن شهر آذار/مارس الفائت، كما أن الأرز ليس متواجدا في جميع المحال، حيث يعزي التجار اختفاءه لعدم قدرة المستوردين على جلب الأرز من مصر والهند بسبب سياسة منع التصدير.

ليس ذلك فحسب، بل بمجرد اتخاذ الحكومة قرارات رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية في الخامس عشر من الشهر الجاري، ارتفعت أسعار مختلف السلع في السوق بنسب كبيرة، وانتشرت في الأسواق فوضى التسعير التي انعكست إما بارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأساسيات.

فضلا عن ذلك لجأت العديد من المتاجر إلى الإقفال إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وطبقا لموقع “قاسيون” المحلي فإن تكاليف المعيشة بناء على بعض التغيرات التي طرأت على السوق السورية، وصلت بشكل وسطي للأسرة إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية.

إن نقص الأرز وارتفاع أسعار المواد الغذائية يمثل تهديدا حقيقيا للاستقرار الغذائي في سوريا بحسب الحمصي. فالأرز هي مادة غذائية أساسية ومصدر رئيسي للطاقة للكثير من السكان. وإذا لم يتم التصدي لهذا النقص بشكل فعّال، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعاره وتوفره المحدود، مما قد يؤثر سلبا على الحياة اليومية للناس ويزيد من حدة الضغوط الاقتصادية التي يواجهونها.

هناك عدة عوامل تسهم في هذا النقص المحتمل في إمدادات الأرز في سوريا. منها تأثير الظروف الجوية السيئة على إنتاج الأرز والمشاكل التي قد تحدث في عمليات الزراعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر تعقيد الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد بسبب الحكومة على توريد وتوزيع الأرز.

حقبة جديدة من الركود

بحسب ما ذكره ياسر أكريم، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، أمس الثلاثاء، فإن الأسواق الحالية تشهد وضعا مأزوما؛ إذ ارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة وأصبحت الأسواق عاجزة عن الحركة، مما أثر بشكل سلبي على النشاط التجاري. وأوضح أكريم أن هذا الوضع يعود جزئيا إلى تدهور دخل المواطنين وضعف قدرتهم على الشراء الذي لا يفي بمتطلبات وحاجات الحياة اليومية.

في سياق متصل، ذكر الخبير الاقتصادي جورج خزام، حول الوضع الاقتصادي الحالي أن الأمر يتعلق بتراكم فائض السيولة النقدية في السوق دون وجود توازن فيما يتعلق بالإنتاج. كما أن الحل الوحيد لهذا التحدي يكمن في زيادة حجم الإنتاج بنسب متساوية مع زيادة كتلة الرواتب المُصرَّفة، وذلك لضمان استيعاب هذا الفائض من السيولة النقدية بالعملة المحلية، وبالتالي تقليص تأثيرات ارتفاع سعر الدولار.

من ناحية أخرى، أشار خزام إلى أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا، حيث أصبحت كمية السلع التي يمكن للأفراد شراؤها من رواتبهم بعد الزيادة أقل من ما كانت عليه قبلها. ويُربط ذلك بتزايد تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المحروقات بنسبة أكبر من ارتفاع سعر صرف العملة. وهذا يؤكد تصاعد التحديات المالية التي يواجهها الأفراد وتزايد صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية.

طبقا للمعلومات المتواردة من المسؤولين السوريين، فإن حقبة من الركود قادمة على سوريا، حيث الأسعار مرتفعة والأسواق مشلولة، ومصابة بـالركود بسبب تدني دخل المواطن، وعدم وجود القدرة الشرائية التي تفي بالحاجيات والمتطلبات المعيشية.

بناء على الظروف والعوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأثرها المحتمل على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فإن تفاصيل الأوضاع الحالية تقارن مع تلك الفترة المؤلمة في عام 2011، والتي كان لها تأثير سلبي على نمو اقتصادات آسيا ومن ضمنها سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات