صحيح أنه لا يوجد شيء يصعب على السوريين وسط الأوضاع الاقتصادية المتردية، لكن ارتباكهم سيزداد كثيرا وسيواجهون الكثير من الصعوبات والمتاعب حتى يتم حلّ الوضع السوري، رغم غياب أي بصيص أمل في أن تنتهي مأساتهم على المدى القصير أو حتى المتوسط، وسط تتالي الأزمات الاقتصادية التي تعصف بهم.

كما أن متطلبات الحياة اليومية أصبحت مرهقة جدا بالنسبة للمواطنين في سوريا، حيث باتوا غير قادرين على شراء ما يحتاجون إليه، بسبب موجة الغلاء الجامحة، وبالتالي التساؤل الأبرز هنا، كيف سيؤمنون مستلزمات الشتاء “المونة”، خاصة أن بعض السوريين، حتى قبل الحرب، كانوا يستغنون عن بعض مستلزمات “المونة”، فكيف بعد الحرب وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق الآن.

تكلفة المونة غالية

خلال العامين الماضيين، حلَّ موسم المؤونة الشتوية ضيفا ثقيلا على العديد من العائلات في سوريا، ويبدو أن الأمر سيتكرر ولكن بشكل أكبر هذا العام، نتيجة الارتفاعات القياسية في الأسعار التي باتت أكبر من القدرة الشرائية للكثيرين من مجاراتها، وهذا سيدفع البعض إما إلى إلغاء صناعة “المونة” نهائيا، أو تقليص مخصصاتهم منها وجعلها ضئيلة جدا، لتقتصر على تموين أهم المواد، مثل “المكدوس والجبنة”.

أحد الأسواق السورية- “صحيقة تشرين”

هذا وينطلق موسم المؤونة منذ منتصف شهر آب/أغسطس من كل عام، نظرا لكثرة المنتجات الزراعية اللازمة، وتعد هذه الفترة من العام غنية بمثل هذه المنتجات كالباذنجان والفليفلة والبندورة الملوخية والبامياء، غير أن موسم المؤونة لا يبدو على ما يرام هذا العام، فحديث الأسعار وشد الأحزمة يبدو هو السائد ولا يعلو عليه حديث آخر، حسبما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية يوم الإثنين الماضي.

في الصدد، تقول إحدى السيدات إن أسعار مستلزمات المؤونة هذا العام غير مسبوقة، وخصوصا “المكدوس” الذي يتصدر سُلّم الأولويات حيث بات القليل منه يحتاج إلى ميزانية مستقلة لتجهيزه، لافتة إلى أن الأمر لا يتعلق بأسعار الباذنجان والفليفلة فقط وإنما يتعداه إلى أسعار الجوز حيث تجاوز ثمن الكيلو منه الـ 125 ألف ليرة سورية، وكذلك لتر الزيت الأبيض والذي بات أكثر من 30 ألف ليرة، والثوم بـ 30 ألفا، ما يعني أضعاف ما كانت عليه الأسعار في العام الماضي.

بالتالي فإن فاتورة تجهيز مؤونة “المكدوس” لوحدها وعلى أصولها وبكميات كافية قد تصل إلى المليون ليرة تقريبا، “إذاً فعن أي مؤونة نتحدث” تضيف السيدة للصحيفة المحلية.

كما لا يقتصر الحديث عن صنفٍ دون غيره فارتفاع الأسعار ينسحب أيضا على أصناف عديدة من المؤونة، كالبرغل الذي تجاوز سعره الـ 10 آلاف ليرة والبامياء 8000 والكشكة التي يحتاج تجهيزها إلى اللبن والذي وصل سعره إلى 7000 ليرة والملوخية بـ 25 ألفا، وغيرها الكثير من الأصناف التي اعتادت الأُسر تجهيزها في مواسمها كمؤونة للشتاء.

على الرغم من الزيادة التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد، ليل الثلاثاء – الأربعاء على رواتب الموظفين، إلا أن  قائمة المؤن المتعلقة بموسم الشتاء تُعد تحديا بسبب تأثير الارتفاع الجارف للأسعار على القدرة الشرائية والحياة اليومية للمواطن البسيط.

سُلّم رواتب الموظفين الحكوميين الجديد والعلاوات السنوية، لا تكفي لصناعة كيلو واحد من طبق “المكدوس” السوري، حتى أن بعض الأطباق الشعبية أيضا مثل اللبنة باتت تتفوق في بعض الأحيان على رواتب الموظفين الحكوميين، حيث أصبح تكلفة عمل 10 كيلو لبنة للمونة الشتوية لأسرة مكونة من 5 أشخاص يتجاوز 600 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل سعرها قيمة رواتب الموظف لمدة 3 أشهر وقد يتجاوزها أحيانا.

لذلك، فإن تكلفة مؤونة الشتاء، بعد ارتفاع الأسعار والرواتب، باتت تكلف أكثر من 4 ملايين، وسط تراوح رواتب الموظفين ما بين 200-260 ألف ليرة سورية. ولهذا يبدو أن القادرينَ على تأمين هذه الإمدادات الغذائية الشتوية هم إما الأغنياء والميسورين، أو أولئك الذين يحصلون على حوالات خارجية من أقاربهم أو أصدقائهم في الخارج، على أمل أن يتم إنقاذ موسم مخزونهم الغذائي الشتوي، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتدهور الليرة المستمرَّين، لذلك لا يُستبعد أن ترتفع الأسعار خلال فصل الشتاء عدة مرات عما هي عليه الآن.

كما نسبة كبيرة من الأسر السورية يبدو أنها ستحرم من صناعة المونة في منازلها هذه السنة، نتيجة غلاء الأسعار وتدني الرواتب، وبالتالي سيواجهون أعباء معيشية قاسية خلال فصل الشتاء، وسيضطرون إلى تقنين احتياجاتهم قدر المستطاع.

الكهرباء تفسد “المونة”

في ظل ارتفاع الأسعار وطول ساعات التقنين الكهربائي، الأمر الذي ضيَّق الخناق على الخيارات هذا العام وأبقاها في حدودها الدنيا، نظرا لأن العوائل لم تعد بمقدورها تخزين المواد مثل “البازلاء والفول والجبنة” وغيرها من المواد في البرادات، خاصة وأن البعض جرب ذلك من قبل ولكن ساعات التقنين الجائرة أفسدت مخزونهم الغذائي في ظرف ساعات قليلة، مما كبّدهم خسائر كبيرة.

المونة جزء أساسي من الثقافة السورية- “إنترنت”

غير أن بعض العائلات نجحت في تخزين بعض أصناف “المونة” التي يمكن تخزينها بشكل لا تحتاج فيه إلى درجات حرارة منخفضة كدبس الفليفلة. ويعبّر السوريون عن استيائهم من تعرّض المواد الغذائية في المنازل للتلف، بسبب عدم القدرة على تشغيل البرادات، حيث أكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن الكهرباء قد تغيب لست ساعات متواصلة مقابل التغذية مدة نصف ساعة لا غير، أي بمعدل ساعتين يوميا فقط.

رغم أن “المونة” تشكل جزءا مهما من ثقافة الادخار لدى العائلات، إذ تتم الاستعانة بها في أيام الشتاء الطويلة لتقليل النفقات، حيث توصف بصمام أمانٍ في البيوت، ويسمى المكان الذي يتم حفظ المواد الغذائية بداخله بهدف التخزين، “بيت المونة”. والتموين في المنازل السورية ثقافة قديمة، تتعلق بأنواع من المأكولات المرتبطة بالتراث السوري، وتقوم على تخزين مواد غذائية موسمية بكميات كبيرة بهدف استخدامها خلال فترات أخرى من السنة.

 فيما بات الكثيرون يخشون من أن تتعرض هذه الثقافة للانقراض تباعا بعد أن بدأت تتناقص عاما بعد آخر وتتراجع من على سلّم الأولويات، فيما يُعدّ الانقطاع الطويل للكهرباء سببا رئيسا في تخلي البعض عن ثقافة المؤونة، وخصوصا المنتجات التي تحتاج إلى تفريز، وهذا ما دفع البعض لاعتماد سياسة التجفيف بالنسبة للخضار ولكن بكميات محدودة.

تراجع الإقبال على “المونة”

التموين في سوريا، تراجع بشكل كبير خلال الأعوام السابقة وهذا العام بشكل أكبر كما رصده “الحل نت”، لارتباطه بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي، وتأثّره بتراجع الإنتاج الزراعي، وضعف الاستيراد والتصدير وحركة التجارة.

تؤشّر معدلات التموين للعائلة السورية، على المستوى الاقتصادي الفردي، الذي تدهور بشكل كبير ليصل بـ 90 بالمئة، من السوريين إلى خط الفقر، وذلك وفق دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة “الأسكوا”، ونشرتها في أيلول/سبتمبر الماضي.

من جانبه أكد أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، أن الإقبال على شراء المواد المكوّنة لـ “المكدوس” من باذنجان وفليفلة في أدنى حدوده.

موضحا في تصريحات صحفية سابقة، بأنه من خلال الجولات على الأسواق والحديث مع الناس فقد أكدت النسبة الكبيرة منهم بأنهم لن يموّنوا “المكدوس” إلا كنوع من “الشهوة” بمعدل بضع كيلوغرامات فقط.

من المواد الأساسية التي يتم استهلاكها بشكل أساسي في المنازل السورية وشهدت ارتفاعات متتالية خلال الفترة الماضية، زيت الزيتون الذي أصبح استهلاكه يشكّل عبئا ثقيلا على العائلات السورية، إلا أنها لم تتجه إلى الاستغناء عن هذه المادة، كونها مكون رئيسي في العديد من وجباتهم اليومية، خاصة وأنهم استغنوا عن مواد كثيرة في السابق واستبدلوها بزيت الزيتون، فقد وصل سعر عبوة الزيت إلى نحو 1.2 مليون ليرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات