القصف الإسرائيلي أمس الخميس على مطاري دمشق وحلب الدوليين، وإخراجهما عن الخدمة، يبدو أنه جاء بمثابة رسالة تحذير شديدة اللهجة للرئيس السوري بشار الأسد، من الانخراط في المواجهات الدائرة بين حركة “حماس” والقوات الإسرائيلية.

الاستهداف الإسرائيلي جاء كردّ على القصف الذي استهدف بعض المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل قبل أيام، ومصدره الأراضي السورية، حيث تم وفق ما نقلت مصادر محلية إطلاقها من منطقة حوض اليرموك وهي عبارة عن 3 قذائف، وحسب المعلومات سقطت في محيط تل الفرس في منطقة الجولان.

هذه الأحداث تطرح التساؤلات حول ما إذا كانت هناك رغبة من قبل الرئيس السوري بشار الأسد الانخراط في الحرب واستهداف القوات الإسرائيلية، أم أن الميليشيات الإيرانية هي التي تسعى لتوريط سوريا، وما هي تداعيات هذا الانخراط على الوضع الداخلي في سوريا وتأثير ذلك من الناحية الإقليمية على البلاد.

تبعات الانخراط

بالتأكيد فإن أي تحرك من قِبل القوات السورية ضد إسرائيل، سيُقابَل بردّ عنيف على غرار ما فعلته إسرائيل خلال السنوات الماضية من استهدافات مركّزة للمواقع العسكرية التابعة للجيش السوري والميليشيات الإيرانية، كذلك فإن مراقبين رأوا أن تحرّك سوريا قد يستفز كذلك حلفاء إسرائيل وأبرزهم الولايات المتحدة التي قد تعلن استهدافات مركّزة لمواقعٍ في سوريا.

وفق محللين، فإن أيّ انخراطٍ للقوات السورية في الحرب الدائرة حاليا، قد يكون ضربا من التهور لما قد يكون له من تداعيات كارثية على البلاد، كما أن هذا الانخراط لن يكون له أية نتائج مؤثرة، حيث لا تمتلك القوات السورية أيّة مقومات من شأنها التأثير في نتائج الحرب، فهل يمكن فعلا أن يدخل الرئيس السوري بشار الأسد في هذه الحرب.

عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها “حماس” قبل أيام، تجعل الموقف الإقليمي والدولي في غاية الحساسية، فالتّحركات العسكرية التي جرت على الجانب السوري قرب الحدود الإسرائيلية، يبدو أنها تمّت برعاية وتوجيه من الميليشيات الإيرانية، التي قد تكون مسؤولة عن توريط سوريا في جبهة قتالٍ مع إسرائيل.

في المقابل، فإن الأسد يبدو أنه يعلم جيدا الفاتورة التي يمكن له ولقوّاته دفعها في حال قرر الانخراط في الحرب ضد إسرائيل خلال المرحلة الراهنة، وذلك في ظل عدم وجود أيّة مقومات عسكرية وسياسية تتيح له سَلكَ هذا الطريق، لكن هناك ضغط واضح من قبل الميليشيات الإيرانية لزجّ سوريا بهذا الصراع.

قد يهمك: دور واضح لإيران.. ما هي مصالح روسيا من دعم حركة “حماس” ضد إسرائيل؟

وفقا لحديث الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، فإن هناك دوافع عديدة للرئيس السوري بشار الأسد للانخراط في المواجهة الدائرة بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية، لكن أولويات الأسد والتبعات المحتملة ستجعله بالتأكيد يتراجع عن الانخراط في هذه الحرب.

الأنظار نحو الموقف السوري

في وقت تتجه فيه الأنظار نحو الموقف السوري من الأحداث الدائرة في غزة، فإن التعليقات الرسمية من دمشق، لم توضح الموقف العسكري للقوات السورية من الحرب، فقبل أيام نشرت “رئاسة الجمهورية السورية” صورة عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، وعليها خارطة فلسطين ومن خلفها المسجد الأقصى، وهو ما اعتبرته أوساط مقرّبة منه تأييدا ضمنيا على ما حصل في غلاف غزة.

بعد ذلك نشرت “وزارة الخارجية السورية” بيانا جاء فيه، أن “فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة سجّلت سطرا جديدا على طريق إنجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتّصرف”، واعتبر البيان أن “عملية طوفان الأقصى جاءت بعد يوم واحد من ذكرى الانتصار العربي الكبير في السادس من تشرين الأول عام 1973″، داعيا “الدول العربية لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وكل المناضلين من أجل الحرية والاستقلال في العالم”.

بالعودة إلى الباحث المختص بالشأن الإيراني، فإنه أوضح خلال حديث خاص مع “الحل نت”، أن “الدوافع التي قد تدفع الأسد وحزب الله للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، تتمثل في تحسين صورة الحزب أمام الرأي العام العربي، خاصة بعد انخفاض رصيد الحزب إثر مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا، وسيطرته الكاملة على مدينة القصير السورية، حيث تمثل تلك العملية خرقا لكل المعاهدات الدولية وخرقا لنهج حزب الله في توصيفه كحركة مقاومة، للدفاع عن فلسطين والحقوق العربية”.

لكن الجيش السوري لن يتجه للمشاركة العسكرية إلى جانب “حماس”، لعدة أسباب أولها عدم امتلاكه المقومات العسكرية لتغيير موازين القوى، وثانيا التداعيات الإقليمية والداخلية لهذه المشاركة، خاصة بعد التحذيرات العربية التي جاءت من قِبل الإمارات والتي حذرت الأسد من أيّ انخراط عسكري إلى جانب “حماس”.

حول ذلك أضاف النعيمي، “ما جرى على الحدود بين سوريا وإسرائيل، يأتي في سياق ضبط التصعيد ضمن قواعد الاشتباك ولن يتطور في هذه المرحلة، وأعتقد أن الجانب المرشّح للتطور، هي الجبهة اللبنانية نظرا لأولويات المشروع الإيراني، وبعد التحذيرات العربية، دمشق لن تنخرط في المعركة خاصة في ظل عدم وضوح ما هية هذه المعركة وما ستُسفر عنه من نتائج”.

الرئيس السوري بشار الأسد، كان قد تلقّى تحذيرات من قبل الإمارات، بشأن عدم الانخراط أو التّورط في الحرب مع إسرائيل في هذه الفترة، التحذيرات التي نقلها موقع “إكسيوس” الأميركي، وذُكر في تقرير أيضا أن  “العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، تشعر بقلق بالغ من أن الحرب قد تمتد إلى لبنان أو سوريا، وتتصاعد إلى “صراع إقليمي”.

بحسب تقرير الموقع، فإن الإمارات سعت من خلال هذه التحذيرات، إلى عدم تحوّل الصراع إلى مواجهة على المستوى الإقليمي في حال انخراط لبنان وسوريا، وبالتالي إشعال المنطقة بصراع جديد غير محسوب النتائج.

خلال الفترة القادمة، قد تعلن السلطات السورية بالتأكيد دعمها للحراك العسكري في غزة على أنها “في حالة حرب وعداء دائمتين مع إسرائيل” وفق روايتها الممتدة لعقود، لكن ذلك لن يمتد لأن يصل إلى مرحلة الانخراط في الحرب، خاصة وسط حالة الاستنزاف التي تعيشها سوريا على المستويين السياسي والعسكري وفق محللين.

هل يوقف الأسد المعركة؟

على النقيض فقد ذهب البعض إلى القول، أن بشار الأسد ربما يكون له دور في تهدئة الصراع العسكري خلال الفترة القادمة، وذلك كون  قراراته في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تتأثر بعدة عوامل، وليس لكونه يمتلك تأثيرا أو وزنا دوليا.

يبدو أن الوضع الأمني في سوريا، يدفع بالأسد إلى التركيز على مواجهة المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة والقوات التركية في مناطق مختلفة من البلاد، وحاليا باتت الرؤية الشاملة لدمشق و”حزب الله”، بأن “المقاومة” انتقلت من مرحلة العنف، إلى مرحلة السلمية، لا سيما وأن الحلفاء الحاليين من الدول العربية، منخرطون مع إسرائيل ضمن اتفاقيات “أبراهام”، وهذا ما يبرر ربما عدم إعلان دمشق و”حزب الله” التأييد المطلق لـ”طوفان الأقصى” حتى الآن.

كذلك فإن الحالة الداخلية في سوريا، لا تساعد  الأسد أبدا على اتخاذ مثل هكذا قرار قد يوصف بـ”المتهور”، بالنظر إلى  الحالة الاقتصادية لمؤسسات الدولة السورية والإنسانية للشعب السوري في مناطق حكومة دمشق، والتي تعاني من تدهور شديد بسبب الحرب والعقوبات، والتي تحتاج إلى مساعدات دولية وإقليمية لتخفيف المعاناة، الأمر الذي يبعد دمشق عن اتخاذ قرار حرب جديدة؛ بل تُملي عليها هذه الحالة ربما السعي نحو التدخل لإنهاء هجمات “حماس” على إسرائيل.

الجدير ذكره، أن “طوفان الأقصى”، عملية شنّتها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هجوما برّيا وبحريا وجويا وتسلّلا إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، وأعلن عن العملية “محمد الضيف”، قائد الأركان في كتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكرية لحركة “حماس”، لتُعتبر هذه العملية أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود.

لكن منذ بدء العملية العسكرية التي شنّتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، تشهد المنطقة تصعيدا خطيرا في العنف والصراع، وفي ظل هذه الظروف، يواجه الأسد و“حزب الله” اللبناني، تحدّيا كبيرا في تحديد موقفهما المتواري ودورهما في الأزمة، وبات يتردد داخل حاضنتهما الشعبية، أنهما يلعبان على الحبلَين، بين دعم “حماس” وتجنّب الحرب مع إسرائيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات