خلال الفترة الأخيرة، وبعد مشاورات حثيثة، توصّلت الولايات المتحدة الأميركية والجانب الإيراني إلى اتفاق بشأن السجناء الأميركيين المحتجزين في طهران. وبموجب الاتفاق، ستُفرج واشنطن عن 6 مليارات دولار كانت خاضعة للعقوبات، مقابل إطلاق طهران سراح 5 أميركيين كانوا محتجزين لديها.

لكن بعد هجوم حركة “حماس” في قطاع غزة على إسرائيل، يبدو أن هذا الاتفاق لن يُنفّذ وفق ما تم الاتفاق عليه، حيث أكدت الولايات المتحدة، أمس الخميس، أن إيران لن تتمكن في أي وقت قريب من التصرف بالمبالغ التي تم الاتفاق عليها بقيمة ستة مليارات دولار، جرى تحويلها إلى بنك قطري الشهر الماضي، في إطار تبادل أسرى، واحتفظت واشنطن بالحق في تجميد الحساب بشكل كامل، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي.

إيران في ورطة!

في السياق، قال مسؤول أميركي رفيع لوكالة “رويترز”، شريطة عدم الكشف عن هويته “لن تتمكن إيران من الحصول على الأموال في المستقبل المنظور”، وذلك في تسليط الضوء على مسألة وصول إيران إلى تلك الأموال منذ الهجوم الذي شنّته “حماس” المدعومة من طهران على إسرائيل، السبت الفائت، وفق ما نقلته قناة “الحرة“.

إيران لن تتمكن من سحب أموالها في قطر-“إنترنت”

من جانبه، ذكر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي في تل أبيب أن إيران لم تصل إلى تلك الأموال ولم تنفق أي مبلغ منها، لافتا إلى أنه “لدينا رقابة صارمة على الأموال ونحتفظ بالحق في تجميدها”، وذلك عبر وزارة الخزانة الأميركية التي تشرف على عملية إنفاق تلك الأموال لضمان استخدامها للأغراض الإنسانية فقط.

في الأثناء ذكرت عدة وسائل إعلام أميركية، الخميس، أن الولايات المتحدة وقطر، اتفقتا على منع إيران من الوصول إلى الأموال. ويأتي كل ذلك بعد توارد الأنباء عن أن إيران من تقف وراء هجوم “حماس”، رغم نفي المرشد الإيراني علي خامنئي، أو بالأحرى تراجعه عن مسألة وجود دعم إيراني لـ”حماس” في الهجوم الأخير على إسرائيل، لكن مؤشرات عديدة تؤكد ضلوع “الحرس الثوري” الإيراني، في العمليات العسكرية بالتدريب والتخطيط وحتى التنفيذ.

إذ إن ممثل “حماس” في لبنان أحمد عبد الهادي، قد أشار علانية إلى أن الحركة قامت بالتنسيق مع “حزب الله” اللبناني، وكذا فصائل أخرى ضمن مجموعات ما تسمى “المقاومة” المسلحة، موضّحا في تصريحات لمجلة “نيوزويك” الأميركية، “نسّقنا مع حزب الله ومع إيران والمحور، قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات”. وقال عبد الهادي، إن هذا التنسيق “له أبعاد عديدة؛ سياسية وعسكرية وغيرها”.

على الجانب الآخر، تأمل إيران ألا تتمكن واشنطن من التراجع عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الأموال، حيث قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، إن الحكومة الأميركية “تدرك تماما أنها لا تستطيع التراجع عن الاتفاقية الآن”، لكن المراقبين يرون عكس ذلك، إذ يعتقدون أن واشنطن بعد هجوم “حماس” على قطاع غزة، ستستخدم استراتيجية أخرى مع إيران وتحركاتها العِدائية في المنطقة من خلال حلفائها ووكلائها المحليين، وبالتالي منعُ واشنطن من سحب طهران للأموال، أمرٌ ممكنٌ جدا.

في حال تمّ ذلك، فإن طهران ستتضرر من عدم الاستفادة من هذه الأموال، لكنها في المقابل ستواصل سياستها في استغلال قضية الأسرى لمصالحها السياسية والبراغماتية مع القوى الغربية؛ حيث تُعد هذه من إحدى أدوات الضغط للمساومة والتفاوض، وقد اعتادت إيران على عمليات الابتزاز هذه، منذ أول حادثة احتجاز للرهائن الأميركيين، في أعقاب الثورة عام 1979.

هذا ورفض جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، الحديث عن المحادثات الدبلوماسية أو “التكهن.. بشأن المعاملات المستقبلية”. وقال إن الأموال كان من المقرر أن يتم توزيعها “على البائعين المعتمدين، الذين وافقنا عليهم، لشراء المواد الغذائية والأدوية والمعدّات الطبية والمنتجات الزراعية وشحنها إلى إيران مباشرة لصالح الشعب الإيراني”.

كيربي، أردف للصحفيين “كل سنتٍ من تلك الأموال لا يزال متواجدا في البنك القطري”، مشيرا إلى أن “النظام الإيراني لن يحصل على سنتٍ واحد من تلك الأموال”.

طهران توسع دائرة الصراع

يبدو جليا أن الدور الإيراني الذي يسبق هذه الأحداث الأخيرة في غزة، له عدة أهداف، منها تحقيق نفوذ سياسي لـ”حماس” والاعتراف بها والكشف عن عجز السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل الحركة تواصل استفزازاتها لإسرائيل بحيث تضطرها للدخول البري الوشيك بما يؤدي بالتبعية إلى إشراك مناطق السلطة الفلسطينية في الحرب وتبرز فعالية المقاومة أمام ضعف الرئيس محمود عباس.

ثمة أهداف أخرى تتعلق بتغييرات إقليمية جذرية منها تعطيل التقارب أو “التطبيع” مع إسرائيل تحديدا مع السعودية والتأكيد على هيمنة إيران السياسية والعسكرية على فصائل ما تسمى “المقاومة” بحيث تُصبح أي ترتيبات في المنطقة تضع في اعتبارها مصالح طهران أو عدم تهديدها الوجودي.

ما يعزز هذه الفرضية، هو حديث وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي أعلن، يوم أمس الخميس، أن فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الشرق الأوسط يعتمد على “تصرفات الدولة العبرية في قطاع غزة الذي يتعرّض لقصف مكثّف”.

وقال أمير عبداللهيان خلال لقاء مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في بغداد إن “مسؤولين في بعض الدول يسألوننا عن إمكانية فتح جبهة جديدة في المنطقة”، مردفا “قلنا لهم إن جوابنا الواضح فيما يتعلق بالاحتمالات المستقبلية هو أن كل شيء يعتمد على تصرفات إسرائيل في غزة”.

هذا وكان الوزير الإيراني ببغداد في إطار جولة في المنطقة تشمل لبنان وسوريا، لبحث آخر التطورات المتعلقة بالهجوم في غزة. فيما حذرت دولٌ غربية إيران، منذ السبت، من توسيع نطاق النزاع مع إسرائيل. وفي بيروت التي وصلها ليل الخميس، قال أمير عبد اللهيان، إن “استمرار جرائم الحرب ضد فلسطين وغزة سيلقى ردّا من قِبل باقي المحاور”، مضيفا أن إسرائيل وداعميها “سيكونون مسؤولين عن عواقب ذلك”.

لقاء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في لبنان- “وكالة إرنا” الإيرانية

وكان في استقبال الوزير الإيراني لدى وصوله إلى مطار بيروت ممثلون عن كتلتي “حزب الله وحركة أمل” البرلمانيين، وعن حركتي “حماس والجهاد الاسلامي”، الذين شكروا طهران على دعمها. لذلك يمكن القول أن ثمة سوابق تكشف عن عمق الارتباط الوثيق بين “حماس” وإيران وكذا فصائل تنتمي للإسلام السياسي في نسختها السُّنية كما هو الحال مع الجماعة الإسلامية في لبنان، ووجود ترتيبات وتنسيق سياسي وميداني بين هذه الأطراف في لبنان بما يؤشر لتحالف استراتيجي ينعكس راهنا في غزة مع التأكيد على ارتهان هذا التحالف بالقرار الإيراني.

وقد شهدت توترات على خلفية الأزمة السورية مؤقتا، والأمر ذاته مع الجماعة الإسلامية بلبنان والتي هي فرع “الإخوان المسلمين” بلبنان. لكن الجماعة الإسلامية في لبنان وفي انتخاباتها الأخيرة داخليا في آب/ أغسطس العام الماضي شهدت تصعيدا للجناح المقرّب من “حزب الله”.

وعليه، شهدت الأحداث التي جرت في مخيم “عين الحلوة” الشهر الماضي على خلفية مقتل عناصر وقيادي من حركة “فتح” نشاطا للمجموعات المسلحة السّنية التابعة لـ”حماس” وبتنسيق مع “حزب الله” والذي كان يهدف إلى تهميش “فتح” بحيث تصبح الورقة الفلسطينية والمخيمات في لبنان بيد “حماس وحزب الله”.

احتمالات واردة

بعض التقارير تشير إلى أن واشنطن تخشى من أن تُفتح جبهة جديدة في شمال إسرائيل عند الحدود مع لبنان، في حال قرّر “حزب الله” التدخّل بشكل واسع في النزاع. وحتى الآن تدخّل الحزب الذي يُعدّ الطرف العسكري والسياسي الأبرز في لبنان محدودا، حتى الساعة، لكن محللين يتوقعون أن يبادر إلى فتح جبهة جديدة في ما لو بدأت إسرائيل هجوما برّيا ضد قطاع غزة.

رغم كل ذلك يبدو بعيدا عن اتخاذ خطوة فتح جبهة لبنان في الصراع، فقد تلقّى الحزب أكثر من رسالة من الداخل وعبر أطراف سياسية وقوى إقليمية، بعدم خوض لبنان أي حرب. “حزب الله” يمتنع عن التصريح العلني بأي موقف يبشّر بتهدئة، لكن الموقف الإيراني يرى بأن الجبهة اللبنانية لا ينبغي لها أن تسقط في فخ الحرب. كما أن الموقف في سوريا ينبغي أن يظل هادئا وقد أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، السفير “الحوثي” بإخلاء ومغادرة سفارة اليمن في دمشق، هذا فضلا عن عدم رد دمشق حتى الآن على الضربات الإسرائيلية لمطارَي دمشق وحلب.

فالترتيبات القائمة حتى الآن هي المناوشات والاشتباكات التكتيكية لكن دون أي تصعيد. واشنطن بعثت لـ”حزب الله”  تحذيرات من فتح جبهة لبنان أو أي عمل في سوريا من شأنه مفاقمة الأوضاع. يتبنى “حزب الله” عدة وسائل للضغط على إسرائيل منها الهجمات على طول الخط الازرق. فضلا عن التفجيرات بواسطة أجهزة بدائية محلية الصنع في مزارع شبعا، التي يمكن لعناصر الحزب التسلل فيها لطبيعتها الجبلية الوعرة.

كما أن البيئة الحاضنة في الجنوب والضاحية ومناطق شيعية ستعرقل أي رغبة لدى “حزب الله”. حيث تخشى هذه الحواضن بل تمانع تماما مسألة دخول بلادهم في حرب خاصة مع الحالة الاقتصادية الصعبة وتعقيدات النزوح من القرى الجنوبية لبيروت. بغض النظر عن ذاكرة الحرب في 2006، فإن النزوح من القرى الحدودية غير ممكن وغير محتمل بل ينذر باحتمالات حرب أهلية وصدامات بين الأطراف وبعضها في ظل تراكمات غضب عديدة.

يحاول “حزب الله” اللبناني، وبعض الفصائل الإسلامية ومنها الفلسطينية نفي هذه الصورة من خلال حالة التعبئة في المناطق الخاضعة لسيطرته وخروج تظاهرات وبثّ أغاني ثورية من خلال الدراجات النارية. لكن المصدر يؤكد أنه بعيدٌ عن أهالي المخيمات الفلسطينية فكل مشاهد المسيرات هي عناصر تابعة للحزب وفصائل ما تسمى بـ “المقاومة”.

ويؤكد ذلك تعاطي “حزب الله” بحذر ودقة شديدين تجاه القصف التكتيكي على إسرائيل، وقد تسبب القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان بمقتل ثلاثة من أعضاء “حزب الله”، بعد أن تسلل أعضاء مسلحون من حركة “الجهاد الإسلامي” عبر الحدود.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة