هناك شريحة لا يُستهان بها، ترى أن حركة “حماس” لا تقيم وزناً لقيمة الأرواح البشرية التي تُزهق كل لحظة نتيجة هجومها غير المدروس على المواقع الإسرائيلية، فقد أوعزت لها إيران بالقيام بهذا الهجوم وقدّمت لها من معسول الكلام ما يفيد بأنها ستكون داعمة لها؛ ولكن ما أن بدأت الهجوم على القطاع كردّ فعل إسرائيلية حتى نفضت إيران يدها من كل الضمانات والمساعدات، وتركت غزة مسرحاً لمشاهد القتل والدمار والخراب الإنساني. 

فـ”حماس” بنظرهم لا تعرف إلا الموت ولا تؤمن بشيء من قداسة الحياة، ولا تهتم بسلامة الأرواح البشرية من مواطنيها، كل ما تبحث عنه هو إرضاء غرورها السياسي المصطنع بإراقة الدماء الفلسطينية.

في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، شنّ مقاتلو “حماس” هجوماً مفاجئاً على جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1300 مدني واحتجاز 150 رهينة. وردّاً على ذلك، شنّت إسرائيل هجوماً وحشياً غير مسبوق على قطاع غزة أدى إلى مقتل أكثر من 16 ألف فلسطيني، 35 ألف مصاب ووصل عدد المفقودينَ في أحداث القطاع ستة آلاف مفقود، من بينهم 1700 طفل. 

ليس ذلك فحسب، بل إن 56 ألف وحدة سكنية دُمّرت تدميراً كاملاً، و240 ألف بيت دُمّر تدميراً جزئياً، و60 بالمئة من البنية التحتية جرى تدميرها، بما في ذلك شبكة الاتصالات، مما تسبب في انقطاع الإنترنت وعزل سكان القطاع عن العالم الخارجي. 

عودة الحرب

إثر استمرار الحرب على غزة بات الأمر واضحا لا يقبل مجالا للشك، بأن الوضع في غزة والضفة الغربية يأخذ منحى خطيرا، مما ينذر بأزمة سياسية وأمنية كبرى في الشرق الأوسط، في حين تستمر الكارثة الإنسانية وجرائم الحرب ضد المدنيين بقطاع غزة في الظهور.

يصل الفلسطينيون المصابون في غارة جوية إسرائيلية على ظهر شاحنة إلى مستشفى ناصر الطبي في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2023 في خان يونس بغزة. (تصوير أحمد حسب الله/ غيتي)

فمع انتهاء الهدنة بين إسرائيل وحركة “حماس” صباح الجمعة الفائت، واستئناف العمليات العسكرية، بدأ الفلسطينيون من رجال ونساء وأطفال الفرار مجددا بأعداد غفيرة. حيث استأنفت إسرائيل في تمام الساعة السابعة بالتوقيت المحلي عمليات القصف التي شنّتها بصورة متواصلة على مدى سبعة أسابيع قبل الهدنة.

استئناف الأعمال القتالية في غزة أمرٌ كارثي”، وحثّ جميع الأطراف والدول التي لها تأثير على مضاعفة الجهود، على الفور، لضمان وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وحقوق الإنسان. 

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك

وفي مناشدة لوقفٍ دائم لإطلاق النار، وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التقاعس عن التحرك بشأن غزة بأنه موافقة على قتل الأطفال، وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم الـ “يونيسف” للصحافيين عبر رابط فيديو من غزة: “يجب تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار”.

“حماس” مسؤولة عن الوضع الكارثي؟

إن حالة الحرب والمعاناة التي تعيشها غزة الآن تراها الشريحة الأكبر التي حاورها “الحل نت”، تقع على عاتق “حماس” بلا منازع، لهذا يجب على “حماس” البحث عن سُبلٍ لإنهاء الحرب في غزة لعديد من الأسباب التي باتت تدلّ على أنه يجب إنهاء الحرب في الوقت القريب. 

الفلسطينيون ينظرون إلى الأشخاص المصابين خلال القصف الإسرائيلي يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 5 ديسمبر 2023، وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة حماس. (تصوير محمود همس / وكالة فرانس برس)

يؤكد نبيل كروم، رئيس مركز “الرباط للدراسات والأبحاث الاستراتيجية”، في تصريحه لـ “الحل نت”، أنه يجب على “حماس” السعي للحصول على هدنة طويلة الأجل، وذلك لعدة أسباب أصبحت مُلحّة منها:

أولا: تحقيق الاستقرار، فهدف الحصول على هدنة طويلة الأجل يمكن أن يكون لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتقليل مستوى التوتر والعنف. 

ثانيا: تحسين ظروف الحياة، وهنا قد يكون لديهم رغبة في تحسين ظروف حياة السكان في قطاع غزة عبر تحقيق هدنة تسمح بتنفيذ مشاريع إعمار وتطوير. 

ثالثا: من أجل الحوار والتسوية، فقد تكون هدنة طويلة الأجل جزءا من جهودٍ لبدء عملية حوار مع الأطراف الأخرى والتّوصل إلى تسوية سياسية. 

رابعا: إن ضمانات الهدنة تعتمد على الاتفاقيات المحتملة والشروط التي يتم التفاوض حولها، ومن بين الضمانات التي قد يطلبها أطراف النزاع، مراقبة دولية، حيث إن وجود مراقبة دولية قد يوفّر آلية لمراقبة وضمان تنفيذ الاتفاق. 

خامسا: تحسين حياة السكان، حيث يشترط تحسين ظروف الحياة للمدنيين كشرط أساسي للهدنة.

سادسا: وقف العقوبات إذ يمكن أن يكون جزءا من الاتفاق تحديد شروط لرفع العقوبات الدولية أو تخفيفها عن المنطقة. 

سابعا: المحادثات السياسية، وهنا الإشارة إلى أن الاتفاق على بدء محادثات سياسية لحلّ القضايا الجذرية جزءا من الضمانات. 

تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 1.8 مليون شخص في غزة، أو ما يقرب من 80 بالمئة من السكان، أصبحوا نازحين داخلياً. ومع ذلك، فإن الحصول على إحصاء دقيق يمثّل تحدّياً؛ بسبب الصعوبات في تتبّع النازحين المقيمين مع العائلات المضيفة وأولئك الذين عادوا إلى منازلهم خلال فترة التوقف ولكنهم ظلوا مسجّلينَ في “الأونروا” والملاجئ الأخرى. 

وعلى المستوى الصحي وبسبب الاكتظاظ وسوء الظروف الصحية في ملاجئ “الأونروا” في الجنوب، فقد حدثت زيادات كبيرة في بعض الأمراض والحالات المُعدية مثل الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي الحادة والتهابات الجلد والحالات المرتبطة بالنظافة، وهناك أيضاً تقارير أولية عن تفشّي الأمراض، بما في ذلك التهاب الكبد.

الحرب هدف بنيامين نتنياهو

من ناحية أخرى، على “حماس” أن تعلم أن استمرار الحرب يرفع من فُرص نجاة الحكومة الحالية في إسرائيل، حيث يحمّل المجتمع الإسرائيلي، نتنياهو، مسؤولية الحرب على غزة لأن هذه الحرب نتيجة سياسة انتهجتها حكومته التي عملت على ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتقوية حركة “حماس”، عبر إدارة الصراع معها وغض الطرف عن نشاطها، وبالمقابل إضعاف السلطة الفلسطينية بهدف منع إقامة دولة فلسطينية.

دبابات عسكرية إسرائيلية تتقدم بالقرب من الحدود مع قطاع غزة في 5 ديسمبر 2023، وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة حماس. (تصوير مناحيم كهانا / وكالة الصحافة الفرنسية)

كما أن استمرار الحرب يصبّ في مصلحة نتنياهو؛ لأن الحرب هي وسيلته للهروب من المحاكاة، فيربط خبراء بين الأزمة التي يواجهها حزب “الليكود” الحاكم في إسرائيل، وبين احتمال إطالة أمد الحرب الجارية في غزة “عمدا”؛ لإنقاذ زعيم الحزب، بنيامين نتنياهو، من المحاسبة على “أخطائه” السياسية.

كما يُرجع محلّلون سياسيون في إسرائيل والولايات المتحدة، تدهور شعبية حزب “الليكود” وتهديد مستقبله السياسي بشكل أكبر؛ نتيجة طموحات نتنياهو، التي قالوا إنها دفعته لإقصاء كلّ مَن يحلم بأن يصبح رئيسا للوزراء خلفا له؛ ما أدى لتفريغ الحزب من “الوارثينَ” الملائمينَ للفوز في انتخابات قادمة. 

لهذا فإن الساحة السياسية الإسرائيلية ستبحث عن كبش فداء نظراً لأنها لا تستطيع محاسبة المؤسسة العسكرية عبر تحميلها مسؤولية الفشل رغم كونه فشلا عسكريا، لذلك نتنياهو وجزء كبير من حكومته سيكونون كبش الفداء لإرضاء الشعب. 

استطلاع للرأي أجراه باحثون في جامعة “بار إيلان”، سأل الإسرائيليين عن الثقة في المعلومات واتخاذ القرار فيما يتعلق بالحرب في غزة، وعليه تظهر النتائج أن أقل من 4 بالمئة يثقون بنتنياهو؛ ولذلك فإن الاستمرار في الحرب يخلق نوعاً من تهدئه الوضع داخل إسرائيل ويعمل على إطالة حكومة نتنياهو في مقابل خسارة فادحة في الأرواح البشرية الفلسطينية.

الفلسطينيون لا يثقون بـ”حماس”

إن ما حدث في قطاع غزة سيؤدي بشكل قاطع إلى القضاء على بقايا شعبية “حماس” لدى الفلسطينيين؛ لأن ما يُقدر بنحو 1.4 مليون شخص في غزة باتوا نازحين داخليا، مع ما يقارب 629 ألف شخص يلتمسون اللجوء في 150 ملجأ طارئ لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). 

تحت وهج الصواريخ حماس تكتب قصة الموت والخراب في غزة؟ (7)
ألقى اللفتنانت جنرال (احتياط) غادي أيزنكوت (يسار)، وزير الكنيست ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، وأوفير أكونيس (يمين)، وزير الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي، كلمة على قبر العقيد عساف حمامي، قائد اللواء الجنوبي في فرقة غزة، خلال جنازته في مقبرة كريات شاؤول في 04 ديسمبر 2023 في تل أبيب، إسرائيل. (تصوير أليكسي ج. روزنفيلد/ غيتي)

كما أفادت “الأونروا”، أن 67 من موظفي الأمم المتحدة لقوا حتفهم نتيجة القصف الإسرائيلي في غزة، وقال الخبراء الأمميون: “لقد عانى الشعب الفلسطيني في غزة، وخاصة النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب وكبار السّن لعقود من المشقّة والحرمان، بسبب أفعال حماس المتهورة والتي لا تسعى إلا من أجل البقاء في السلطة”. 

في هذا السياق يلفت كروم إلى أنه على الرغم مما خلّفه ما وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من الصعب الحكم بدقة على آراء الشعب الفلسطيني بأكمله، فبعض الفلسطينيين قد يكونون راضين عن سياسة “حماس” ويرونها كجهدٍ للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، لكن هناك أيضا فلسطينيون يختلفون في وجهات نظرهم حول السياسات والتكتيكات التي تتّبعها “حماس”. 

في حين  خلُصت الباحثة الأميركية الفلسطينية أماني جمال، الأستاذة في جامعة “برينستون”، أن ثلثي سكان قطاع غزة الذين يخضعون منذ 2007 لحصار فرضته إسرائيل بعد سيطرة “حماس” على القطاع، لا يثقون في قدرة حركة “حماس” التي يتّهمونها بـ”التّسلط” و”الفساد” على تحسين مصيرهم. 

في استطلاع الرأي الذي قامت به الباحثة أماني جمال، مع زميلها مايكل روبينز، في مشروع “البارومتر العربي” الذي يجري تحقيقاتٍ اجتماعية واستطلاعات رأي عن مدى رأي الفلسطينيين الحقيقي في حماس”، تبيّن أنه قبل هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان 67 بالمئة من فلسطينيي غزة لا يثقون أو قلّما يثقون بـ “حماس”.

تغيير المواقف الدولية

مسؤولية “حماس” لا تنتهي عند حدود الوضع الكارثي في غزة، وإنما تمتد أيضًا حتى تصل إلى تغيير مواقف السياسة الدولية تجاه ما يحدث في فلسطين وخاصة بعد ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. 

أصدقاء وأقارب الإسرائيلي عيدان شتيفي، المحتجز كرهينة لدى حماس في قطاع غزة منذ هجمات 7 أكتوبر، يشاركون في موكب في 5 ديسمبر 2023، للمطالبة بالإفراج عن جميع السجناء ولا يزال الرهائن في الأسر وسط المعارك المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس. (تصوير جون ماكدوجال / وكالة الصحافة الفرنسية)

طرح استطلاع القضايا الحرجة الذي أجرته جامعة “ميريلاند” بالتعاون مع شركة “إبسوس” عدة أسئلة ركّزت على دور الولايات المتحدة وتصوّر إدارة بايدن من غزة، عليه ظهر أن الرأي العام بشأن السياسة الأميركية في التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية ظل منقسماً على أُسس حزبية.

لكن ارتفاع عدد مستوى الدعم لإسرائيل من 13.7 بالمئة في حزيران/يونيو الفائت إلى 30.9 بالمئة في أكتوبر وبالتحديد بعد عملية “طوفان الأقصى”. 

ومن ناحية أخرى، استمرار الحرب في غزة يمثّل عاملاً من العوامل الفعّالة في الانتخابات الأميركية المقبِلة، فقد تبنّت إدارة بايدن السردية الإسرائيلية فيما يتعلق بأحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر على أنها تواجه تهديدا وجوديا وإرهابا داعشيا من الفصائل الفلسطينية الذين قاموا بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء. 

رغم أن إدارة بايدن عدّلت من خطابها السياسي نحو أهمية حماية المدنيين واحترام القانون الإنساني، وضرورة التّوصل إلى هدنة إنسانية لإدخال المساعدات، وخروج المصابين ومزدوجي الجنسية وإطلاق سراح الرهائن، إلا أنه يأتي في إطار محاولة استيعاب الضغوط المتزايدة عليها بسبب الوضع الإنساني الكارثي في غزة.

ولهذا ربما تصبّ الحرب في مصلحة الحكومة الإسرائيلية الحالية، ومصلحة أطراف عديدة في السياسة الدولية مثلا إيران التي تحاول القيام بدور وهمي كاذب، ولكنها ليست في مصلحة المواطنين الفلسطينيين وليست في مصلحة القيادات في “حماس”.

ولهذا يعتقد عددٌ لا بأس به من نازحي غزة أن على قادة “حماس” التّحرك لإيقاف هذه الحرب التي ستكون أحد الأسباب التي ستؤدي إلى القضاء عليها، لا سيما وأن التعويل على إيران ومحورها بات من المنسيات بعد 60 يوما من الحرب، والذي أدى بدوره إلى إقصاء المشروع العربي الذي كان يخدم القضية الفلسطينية دون المتاجرة بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات