بالأمس، نفّذ “حزب الله” اللبناني عدّة هجمات على شمال إسرائيل، مما أدى إلى إصابة خمسة جنود، وأسقطت الدفاعات الجوية الإسرائيلية ما بدا أنها طائرة بدون طيار عبرت الحدود من لبنان، وردّ جيش الدفاع الإسرائيلي بغارات جوية متعددة على مواقع الحزب. 

في غضون ذلك، بدأت تل أبيب يوم الأحد الفائت عملية سحب وحداتها من غزة، ربما استعداداً للتصعيد على طول الحدود الشمالية. فالجماعة الإرهابية المدعومة من إيران أفضل تدريبا وتجهيزا من “حماس”، ولديها شبكة أكثر اتساعا وتطوّرا من الأنفاق، وبعضها مصمم لشنّ هجمات عبر الحدود.

هذا التطور، كلّف نائب أمين عام “حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، إعلان الحرب والمواجهة مع إسرائيل، أمس الاثنين، مؤكداً أن على الأخيرة أن تُوقف الحرب على غزة لإيقافها في لبنان.

مواجهة بنظرية التناسب

في السادس من كانون الأول/ديسمبر الفائت، علّقت الخارجية الأميركية في إحاطة صحفية لمتحدّثها ماثيو ميلر، على دعوى اثنين من رؤساء البلديات ورؤساء المجالس الموجودين على الحدود مع لبنان، أنه لن تتم إعادتهم إلى ديارهم حتى يتم طرد “حزب الله” شمال نهر الليطاني، وأن الخيار الأفضل لإسرائيل هو التّوصل إلى حلّ أو ترتيب دبلوماسي. وإذا لم ينجح ذلك، فسوف تعمل إسرائيل بكل الوسائل المتاحة لها لدفع “حزب الله” عن طريق العمليات العسكرية.

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (3)
مقاتلو حزب الله يحضرون جنازة رفيقهم الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في مركبا في 21 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

وبيّن ميلر أن أحد الأشياء التي أوضحتها الولايات المتحدة منذ البداية، هو أنها لا تريد أن ترى هذا الصراع يتوسع، وهذا يشمل التوسع إلى شمال إسرائيل. أيضا لا تريد واشنطن أن ترى نشاطاً عسكرياً متزايداً بين إسرائيل و”حزب الله” في شمال إسرائيل. 

وفق المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فإنه لا تزال هناك مشكلة حقيقية للغاية، مشكلة أمنية، يواجهها الشعب الإسرائيلي، ولا يشعرون بالأمان بسبب الهجمات الصاروخية المستمرة، ناهيك عن أحداث تشرين الأول/أكتوبر. 

“حزب الله” وفي أحدث تصريح له عبر نائب أمينه العام، أعلن أنه اتخذ قرارا بأن يكون في حالة حرب ومواجهة على جبهة الجنوب في مواجهة إسرائيل، لكن بتناسبٍ ينسجم مع متطلبات المعركة، وإذا ما تمادت إسرائيل فسيكون الردّ عليها أقوى، حسب وصفه.

وأضاف قاسم، و”أمَّا أن تهدد إسرائيل فلا قيمة للتهديدات لدينا؛ لأننا سنكون جاهزين وحاضرين، ونحن لم نخض هذه المعركة نزهة أو عن عبث، بل خضناها لأنها واجبة”.

السنوار غاضب من “حزب الله”

كشفت معلومات جديدة عن عملية “طوفان الأقصى”، حيث أظهر تقرير نشرته صحيفة “”لوفيغارو” الفرنسية يوم الأربعاء الماضي، أن فكرة هذه العملية كانت قائمة منذ عامين على الأقل، وفقاً لتأكيد مصدر مقرّب من قيادة “حماس” في الأردن. وأفاد المصدر للصحيفة بقوله: “كانت هذه الفكرة تلوح في الأفق لأول مرة في عام 2021”.

صور لأعضاء حزب الله الذين قُتلوا في جنوب لبنان وسط التوترات المستمرة عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله، يتم عرضها خلال جنازة في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 ديسمبر. (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

ونقلت “لوفيغارو” عن أسامة حمدان، القيادي في “حماس” في بيروت، أنه علِم بالهجوم المخطط في 7 تشرين الأول/أكتوبر من خلال الاستماع إلى الأخبار، وأن الشخص الوحيد الذي تم إبلاغه قبل تنفيذ العملية كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، حيث تلقى الأخير اتصالا هاتفيا من يحيى السنوار، طالبه فيه بـ”إخبار” الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، بالعملية قبل نصف ساعة من تنفيذها.

قبل بدء الهجوم، قام يحيى السنوار ومحمد الضيف بتنظيم بعض استعداداتهم بعناية، حيث قام السنوار بتعيين قادة جدد في قيادة معظم كتائب “القسام”، الذين حلّوا محلّ القادة المعروفين لإسرائيل. ومن أجل التمويه، تم الاحتفاظ بالقادة القدماء في مواقعهم، وقبل نحو شهر ونصف من العملية، فرضت “حماس” السّرية على قادتها العسكريين الرئيسيين وطلبت منهم تقليل اتصالاتهم المتبادلة.

وأكدت الصحيفة أيضاً أن زعيم “حزب الله” غضب بسبب عدم إطلاع إيران على خطة “حماس”، وأن يحيى السنوار ومحمد ضيف كانا غاضبين لعدم استخدام نصرالله القوة الكاملة لـ”حزب الله” بعد الهجوم. وفي هذا السياق، أرسلا رسالة غاضبة، حتى أن رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، قام بزيارة إلى طهران لحثّ المرشد الأعلى علي خامنئي على المشاركة في الحرب، لكن المرشد رفض الطلب.

هذه الأحدث تدلّ على أن تصريحات “حزب الله” ووضعه لشرط المعركة في كل مرة، ما هي إلا إبر تخدير لمريديه وأهالي عناصره الذين يُقتَلون بالصواريخ الإسرائيلية بشكل يومي سواء بجنوب لبنان أو في سوريا حيث وصل عددهم إلى 137 قتيل، وما الحرب سوى ورقة من أجل تحقيق شروط ضمن صفقة تنفيذ القرار “1701”.

معضلات “حزب الله”

يشير الكاتب اللبناني أسعد أبو خليل، في حديثه عن معضلات الردّ على أنواعه من قِبل “حزب الله”، إلى أن الحسابات السياسية والعسكرية التي تواجه الحزب في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل و”حماس”، لن تؤدّي إلى فتح جبهة جديدة جنوب لبنان، لأن ذلك سيهدد استراتيجية عمل الحزب من العراق حتى لبنان.

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (4)
صورة مأخوذة من قرية طير حرفا بجنوب لبنان، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، تظهر الدخان يتصاعد بالقرب من موقع إسرائيلي من الصواريخ التي أطلقها حزب الله في 15 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

أما عن احتمالات تدخّل “حزب الله” بالتحام مباشر مع إسرائيل، يلفت المحلل العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الحزب بات يخاف أولا وأخيرا من العقوبات الأميركية على تجّاره ورؤوس أمواله في العالم، لا سيما أنه كافح من أجل خلق نظام مالي يدعمه بعد انهيار الاقتصاد اللبناني.

نصرالله، وفق حلاوة، يعي تماما أن دخوله في حرب مباشرة هو عودة الحزب 20 عاما إلى الوراء، وهذا يفسّر ربطه إعلان الحرب بشروط، وهذا عسكريا يعني ألّا نيّة لهذا الطرف في تحقيق تهديده، ولكن الإعلان ليس سوى كبسولة إعلامية يُراد بها إيصال رسالة لطرفين.

الرسالة الأولى: هي للطرف المناصر للحزب بأنه لا يزال يقف عند وعوده وأنه ليس كما يهاجم عبر وسائل الإعلام. أما الرسالة الثانية: فهي تطمين للطرف المقابل، بأن المفاوضات قائمة وأن الإعلان عن حرب لن يكون إلا إذا انتهت الحلول،وهي الأهم وفق حلاوة.

لكن هل تستدرج إسرائيل “حزب الله” إلى حرب جديدة، هنا ينفي حلاوة أن تكون إسرائيل تريد فتح معركة مع “حزب الله” في هذا التوقيت، ويعزو ذلك إلى الأزمات الثلاث التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويقول إن الحزب يتحكم في وتيرة التصعيد والتهدئة على الحدود اللبنانية.

بالتالي، فإن قيادة “حزب الله” تتحكم كلّيا في عدم التصعيد على الحدود، وتتبع استراتيجية التناسب، أي أنها لا تريد التصعيد بمقدار ما تراه مناسباً لمتطلبات المعركة، وتفضّل الحفاظ على الصمت والغموض حول خططها ونواياه من المفاوضات الجارية بما يخدم مصلحتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات