فعليا، لا يمكن إنكار توجه الصين الكبير تجاه القارة الأفريقية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وهذا الأمر ليس مؤخرا بل منذ أكثر من 3 عقود، لكنه ازداد بشكل لافت في السنوات الأخيرة، والهدف هو اقتحام دول أفريقيا وبسط النفوذ عليها، فكيف يتم شراء ولاء الأفارقة من قبل بكين؟

مع مطلع هذا العام، عاودت الصين روتينها الثابت، بالبدء بجولة مكوكية إلى أفريقيا، إذ زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي، دول مصر وتونس وتوغو وكوت ديفوار للفترة بين 13 و18 كانون الثاني/ يناير الجاري، وبعدها قام بزيارو جنوب أفريقيا. 

جدول أعمال جولة وزير الخارجية الصيني، تضمن بالإضافة إلى أزمة الشرق الأوسط، التعاون الاقتصادي والتبادل بين المجتمع المدني، وهذا هو الهدف الأبرز بالطبع، إذ تسعى الصين إلى السيطرة على دول القارة السمراء من خلال الاقتصاد. 

بداية توجه الصين إلى أفريقيا

واقعيا، أتت الزيارة في إطار عرف سنوي دأبت عليه الصين منذ عام 1991، إذ تحرص بكين على افتتاح أولى جولاتها الدبلوماسية كل عام بزيارة القارة الأفريقية.

في كانون الثاني/ يناير من عام 1991، قام وزير الخارجية الصيني آنذاك تشيان تشى تشن، بزيارة رسمية إلى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا، ومنذ ذلك الحين، دأب وزراء الخارجية الصينيون المتعاقبون على زيارة القارة الأفريقية في بداية كل عام.

بحسب موقع “دويتشه فيله” الألماني، فإنه بالنسبة للصين المتعطشة للطاقة والمواد الأولية، تلعب أفريقيا دورا يزداد أهمية، فبعد الحرب العالمية الثانية أقامت الصين علاقات وثيقة مع هذه القارة، ومن منطلق أيديولوجي تحالفت الصين مع الدول التي تعرف اليوم بـ “الجنوب العالمي” وقدمت نفسها كمتحدث باسمها.

“منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين قبل 45 عاما، كانت أفريقيا موردا موثوقا به للمعادن والمواد الخام. وفي المقابل استثمرت الصين في البنية التحتية والمجال الاجتماعي مثل التعليم والصحة في تلك البلدان”. 

الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل وزير الخارجية الصيني في قصر قرطاج – من صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك

يقول الموقع الألماني في تقرير له، إن بكين موّلت في سبعينيات القرن الماضي، سكة الحديد التي يبلغ طولها 1860 كيلومترا بين ميناء دار السلام في تنزانيا ومدينة كابيري مبوشي في زامبيا. 

تمر هذه السكة الحديدية عبر أهم مناجم النحاس في أفريقيا، وهكذا حصلت الصين على النحاس من زامبيا عبر شبكة سكة الحديد التي أقامتها الصين، واليوم هناك العديد من مشاريع البنية التحتية الأخرى التي أقامتها بكين في أفريقيا على غرار سكة الحديد الرائدة هذه قبل نحو نصف قرن.

كيف يتم الدعم السياسي الأفريقي للصين؟

السؤال الذي يبرز هنا، هو كيف تشتري الصين ولاء الأفارقة لها؟ والإجابة ببساطة هي من خلال سخائها الكبير عبر استثماراتها الضخمة في القارة السمراء، لذا وعبر تلك الطريقة تكتسب بكين ولاء الدول الأفريقية لها، وهذا ما اتضح أكثر خلال جولة وزير خارجيتها الأخيرة فيما يتعلق بالموقف السياسي لتلك الدول من تايوان.

عقب الانتخابات الرئاسية في تايوان التي جرت مطلع هذا الشهر، والتي فاز بها المرشح الديمقراطي الذي يدعم فكرة استقلال تايوان، لاي تشينغ تي، والتي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها، تلقى وزير الخارجية الصيني خلال جولته الأفريقية عبارات التضامن السياسي. 

الرئيس التونسي قيس سعيد مثلا، قال إن “تونس ملتزمة بشكل واضح بمبدأ الصين الواحدة”، فيما قال رئيس وزراء توغو، فيكتوار توميغا دوغه، إن بلاده “تؤيد إعادة توحيد الصين”، أما رئيس كوت ديفوار، الحسن وتار، فقال: “هناك صين واحدة فقط في العالم. تايوان جزء لا يتجزأ من الصين”، وكل هذا وفّر لبكين الدعم الدولي الذي تحتاجه ضد تايوان.

تقول مارينا رودياك من معهد علوم شرق آسيا في “جامعة هايدلبرغ” الألمانية بحسب تقرير “دويتشه فيله“، إن التعاون الصيني الأفريقي متبادل بين الطرفين. “تحصل الدول الأفريقية من الصين على الدعم من خلال الاستثمارات والتجارة ومساعدات التنمية، وفي المقابل تحصل الصين على الدعم السياسي، مثل التصويت لصالحها في الأمم المتحدة حين يتعلق الأمر بقضايا مهمة بالنسبة للصين”.

اقتصاديا، شهد العام الماضي نموا في حجم التبادل التجاري بين الصين ودول أفريقيا بنسبة 7.4 بالمئة على أساس سنوي، كما بلغ التبادل التجاري بينهما 1.14 تريليون يوان صيني أي قرابة 160 مليار دولار أميركي، وذلك فقط خلال النصف الأول من عام 2023.

حسب دراسة لمؤسسة “فريدريش ناومان”، شيدت أو رممت الصين مباني أكثر من 15 برلمان في أفريقيا، ومن خلال صيانتها مباني هذه البرلمانات على المدى الطويل، تصل الصين إلى صناع القرار والمشرعين من مختلف الأحزاب وقد “أصبحت الصين لاعبا حاسما في إعادة تشكيل المؤسسات السياسية في أفريقيا”، وفق الدراسة.

المساعدات مقابل الولاء

في إطار العلاقات مع أفريقيا، فإن ما يجب ذكره، أن كل ثلاث سنوات تعقد قمة صينية أفريقية يشارك فيها قادة الدول الأفريقية، والمعروفة باسم “منتدى التعاون الصيني الأفريقي”، والقمة الأخيرة كانت عام 2021 في السنغال. 

في تلك القمة، قال الرئيس الصيني في رسالته عبر الفيديو، إن العلاقات الصينية الأفريقية مثال يحتذى للمجتمع الدولي، لأن “الطرفين أقاما علاقات صداقة وأخوة لا تتزعزع في الكفاح ضد الإمبريالية والاستعمار”.

العلم الصيني والخارطة الأفريقية

هنا وبحسب الباحث السياسي في جامعة فورتسبورغ في ألمانيا، فيليب جيغ، فإن الصين تتبع مبادئ معيارية أخرى مختلفة. “تقول الصين: نحن لا نقول ما يجب عليكم فعله. المساعدات لأفريقيا يتم تحديدها بشكل عقلاني حسب دوافعها الخاصة، وهذا ما يقال بشكل علني، فحين تتحدث الصين عن الربح المتبادل، فإن ذلك يعني الربح لأفريقيا وللصين أيضا”.

وفي إطار مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ ومشروع الحزام والطريق والذي يعرف باسم طريق الحرير الجديد، تم تكثيف التعاون الاقتصادي مع أفريقيا وفق تقرير موقع “دويتشه فيله”، إذ يمر طريق الحرير البحري عبر سواحل شرق أفريقيا على المحيط الهندي، لذا تجد بكين أقامت في عام 2016 في جيبوتي أولى قواعدها العسكرية فيما وراء البحار.

“من الواضح أن الأمر بالنسبة للصين يتعلق بتكوين رأسمال سياسي أيضا”، تقول خبيرة الشؤون الصينية مارينا رودياك وفق تقرير الموقع الألماني، وفي نفس الوقت تحمي الصين نفسها من الانتقادات الغربية بأنها تراعي تحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة فقط. 

بالمجمل، فإن ولاء الأفارقة إلى الصين هو نتيجة حتمية ولا مفر منه قبالة الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية التي تنالها من بكين، فالأخيرة تستغل أزمات الدول الأفريقية الاقتصادية فتتوجه لها بالاستثمارات مقابل كسب دعمها السياسي لها، وبسط نفوذها في أراضيها أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات