غضب غير اعتيادي تشهده منصات التواصل الاجتماعي في العراق منذ ليلة البارحة. البنزين هو التريند العراقي حاليا، والسبب هو قرار حكومي مفاجئ برفع أسعار الوقود، فهل يدق البنزين المسمار في نعش الحكومة ويحرق “إصلاحاتها”، كما تزعم؟ 

مساء أمس الثلاثاء، أعلنت الحكومة العراقية، عن قرارٍ برفع سعر البنزين بنوعيه المحسّن والسوبر، وتطبيقه يتم اعتبارا من بداية أيار/ مايو المقبل، الأمر الذي تسبّب بغضب شعبي كبير في العراق.

الحكومة العراقية أصدرت عدّة قرارات، من بينها رفع سعر البنزين المحسّن إلى 850 دينارا للتر الواحد، والسوبر إلى 1250 دينارا للتر الواحد، اعتبارا من تاريخ 1 أيار/ مايو 2024.

الشارع العراقي أعرب عن غضبه الشديد من هذا القرار، خاصة وأنه جاء بشكل مفاجئ، وعدم وجود أزمة اقتصادية خانقة من الممكن أن تدفع لاتخاذ مثل هذا القرار، بحسب تعبيرهم في تدوينات وتغريدات عديدة تابعها “الحل نت”. 

هذا القرار ستكون تداعياته كبيرة ومؤثرة على مستقبل حكومة محمد شياع السوداني التي تبنّت مصطلح “حكومة الخدمات والإنجازات والإصلاحات”، على حد قول المحللة السياسية ريم الجاف في حديث مع “الحل نت”؛ لأنه ببساطة يمس أهم مفصل في حياة الناس، وهو النقل. 

لماذا لجأت الحكومة لهذا القرار؟

القرار الأخير، جاء بعد سلسلة قرارات اعتبرتها الحكومة العراقية “إصلاحية”، أصدرتها مؤخرا، منها، تفعيل الغرامات المرورية الذكية عبر نصب الكاميرات الذكية، في ظل عدم اكتمال حزم الأعمار وطرق نقل رصينة، وأزمة تقسيم أوقات الدوام الرسمي لتخفيف الزخم المروري، إضافة إلى التحول المباشر من الدفع النقدي إلى الدفع الإلكتروني، دون سابق إنذار وبلا أي توعية للمواطنين ممن لم يواكبوا التحول الرقمي بعد. 

كل تلك القرارات لم تواجه بردة فعل صادمة مثل قرار رفع سعر البنزين المحسّن والسوبر، إذ يحذّر محلّلون وخبراء من تداعيات خطيرة قد تزلزل الاستقرار السياسي الذي تعيشه الحكومة الحالية منذ عام ونصف وحتى الآن، إذا لم تتراجع عن هذا القرار. 

يبرّر مدونون مقرّبون من الحكومة العراقية، أن القرار جاء للتخفيف عن الازدحامات الخانقة التي تشهدها المدن العراقية، لا سيما العاصمة بغداد، وبالتالي دفع المواطنين لركوب المواصلات العامة، علما أنه يوجد في بغداد وحدها نحو 5 ملايين سيارة، وتشهد ازدحامات شديدة طيلة أيام السنة.

اقتصاديا، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش في حديث مع “الحل نت”، أن قرار رفع سعر البنزين المحسّن والسوبر، جاء لأن الحكومة أصلا تستورده، وبيعه بسعره السابق قبل قرار الرفع يتسبّب لها بخسارة كبيرة، لذا أقدمت على هذا القرار. 

هذا القرار يمكن قبوله بشروط بحسب حنتوش، منها أن الحكومة مقبلة على تشغيل مصطفى كربلاء كليا، وهو ينتج نحو 30 بالمئة من المشتقات النفطية من البنزين المحسّن، ولكن عند وصول إنتاح المصطفى لنسبة كاملة، يجب إلغاء هذا القرار، محذرا من قرارات أخرى قد تقدم عليها الحكومة العراقية. 

لجم التخريجات الداعمة للقرار

يجب ألاّ تفكر الحكومة بعد هذا القرار بإجراءات ضريبية أو غيرها، يقول حنتوش، الذي يردف، أن هناك استقراءات بأن الحكومة قد تلحأ إلى سلسلة من الضرائب. هذا الأمر يدمر الاقتصاد العراقي؛ لأن السوق العراقية في حالة شلل ولا يوجد أي زيادة في الإيرادات، بالتالي فإن إقرار سياسات ضريبية بأي شكل لأجل تجميع إيرادات لزيادة الإنفاق، أمر غير مقبول؛ لأن المواطن العراقي ليس لديه أي زيادة بإيراداته منذ سنوات.

مراقبون سخروا من التخريجة التي صدّرها مدونون مقربون من الحكومة، بأن قرار رفع سعر البنزين جاء لتقليل الزخم المروري، قائلين، إن مثل هذا القرار قد ينفع لو كانت هناك وسائل نقل حديثة موجودة، فبغداد المختنقة مروريا، لا يوجد فيها ولا مترو واحد على الأقل كي يقلّل من الازدحامات، ناهيك عن رؤية صاحب هذه التغريدة.

حينما ام تنفع هذه التخريجة بإقناع الناس، خرجت آراء سياسية، بأن المواطن الفقير لن يتأثر بقرار سعر البنزين، لأنه يشتري البنزين العادي، والقرار يخص البنزين المحسّن والسوبر فقط، لكن هذه الطروحات هي الأخرى تم لجمها من قبل العراقيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومنها هذه التغريدة.

يقول المدونون، إنه مع حلول فصل الصيف اللاهب جدا في بلد مثل العراق، فإن سياراتهم “العادية” لن ينفع معها البنزين العادي، ولن يضخ فيها التبريد بشكل جيد، بل على العكس، البنزين العادي يضر بمحرّكات سياراتهم في الصيف، ولا حل لهم إلا بالتزوّد بالبنزين المحسّن، وبالتالي هم الأكثر تأثرا؛ لأن أصحاب السيارات الفارهة لا يهمهم سعر البنزين مهما ارتفع. 

ما لم تتراجع الحكومة عن قرارها هذا، فإن البنزين سيحرق إصلاحاتها التي تزعم بها، خاصة وأن هناك تحركات للجهة السياسية المعارضة لها وهي “التيار الصدري” الغائبة عن المشهد، بنيتها العودة للساحة، ناهيك عن الحديث المتكرر مؤخرا بإمكانية إجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي كل هذه الظروف قد تجتمع معا عبر البنزين، ما قد يسفر عن الإطاحة بمستقبل الحكومة، تقول ريم الجاف مُختتِمَة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات