في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، أصدرت الحكومة البنغالية تعميماً بإلغاء جميع الحصص الوظيفية، البالغة 56 بالمئة في الخدمة العامة، في أعقاب احتجاجات في الشوارع من قبل طلاب الجامعات العامة والباحثين عن عمل، مطالبين بإصلاح نظام الحصص الذي تم تطبيقه في البلاد منذ العام 1972.

وكان ما يقترب من 56 بالمئة من جميع الوظائف الحكومية، محجوزة للمرشحين بموجب حصص مختلفة، فعلى سبيل المثال: 30 بالمئة لأبناء وأحفاد المحاربين القدماء في حرب الاستقلال، و10 بالمئة للنساء، و10 بالمئة لساكني المناطق المتخلفة، و5 بالمئة للأقليات القومية، و1 بالمئة للأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية.

ومع إلغاء قرار الحكومة السابق، انفجرت الاحتجاجات الطلابية في أنحاء البلاد، خاصّة بعد أن رفضت دائرة الاستئناف وقف حكم المحكمة العليا، الذي طلب من الحكومة في 5 حزيران/ يونيو إعادة حصة الــ 30 بالمئة لأبناء وأحفاد المقاتلين من أجل الاستقلال.

وتشهد البلاد في هذه الأثناء، إضراباً بين صفوف المعلمين والموظفين، لأجل غير مسمى، بدأ منذ الأول من تموز/ يوليو الجاري، وشمل معظم الجامعات الحكومية في البلاد؛ للمطالبة بإلغاء قرار المحكمة.

“الجماعة الإسلامية” تستغل الاضطرابات

تتجه الأحداث في بنغلاديش نحو المزيد من التصعيد، جراء تحركات “الجماعة الإسلامية” البنغالية، الذراع السياسية “للإخوان المسلمين”، بالتحالف مع “الحزب الوطني البنغالي” (BNP)، حيث حرض الطرفان على جملة من الاحتجاجات الطلابية العنيفة، في جميع أنحاء البلاد للمطالبة، بإلغاء نظام الحصص في الوظائف العامة.

بدورها، حذرت وكالات إنفاذ القانون ممّا وصفته بالمؤامرة العميقة الجذور ضد الحكومة، وقالت مصادر في أجهزة المخابرات، إن عناصر “الجماعة الإسلامية”، يحاولون الصيد في المياه العكرة، من خلال محاولة توجيه الاحتجاجات الطلابية، وإسقاط الأجندة الإخوانية عليها.

وبحسب تقارير محلية، تنشط عناصر تابعة “للجماعة الإسلامية”، بين أساتذة الجامعات، لدفعهم نحو قيادة الحراك الطلابي، لخلق حالة من عدم الاستقرار في المؤسسات التعليمية، باسم الاحتجاجات ضد نظام التقاعد الشامل الذي قدمته الحكومة مؤخراً. وقال ضابط كبير في وكالة الاستخبارات، إن “الجماعة الإسلامية” تحيك مؤامرة للاستفادة من الاحتجاجات المتزايدة ضد نظام الخدمات العامة ونظام التقاعد الشامل.

وتحاول “الجماعة الإسلامية” تكثيف الحركة، التي يشارك فيها آلاف الطلاب والمدرسين بشكل مباشر، وتحمليه جملة من المطالب السياسية الأخرى؛ بحيث يشتعل الحرم الجامعي، لتأتي المرحلة الثانية، إذا اتخذت الحكومة أي موقف متشدّد ضدّ الاحتجاجات الطلابية؛ بدفع أولياء أمور الطلاب الغاضبين إلى الشوارع، في جميع أنحاء البلاد.

وبحسب التقارير الواردة من بنغلاديش، يواصل المعلمون التابعون “للإخوان”، التحريض على الاحتجاجات في مختلف الجامعات العامة؛ لتحويل الاحتجاج إلى حركة عنيفة حتى يضطر القائمون على إنفاذ القانون إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ المتظاهرين، ومن ثمّ تشتعل البلاد.

من جهتها، سارعت الحكومة البنغالية تجاه قطع الطريق على “الإخوان”، حيث طلب كبار المسؤولين الحكوميين من الشرطة ورجال الحزب الحاكم، التزام الهدوء والسكينة، على الرغم من الاستفزازات المتزايدة من جانب المتظاهرين، خاصّة المحسوبين على التيار الإسلامي. كما أمر صناع القرار في رابطة عوامي الحاكم، الجبهة الطلابية التابعة للحزب، بالامتناع عن أي اشتباك مع الطلاب المتظاهرين.

التظاهرات ضد من؟

أعلنت الحكومة البنغالية، في العام 2018، عن إلغاء نظام الحصص في الوظائف العامة، من أجل أن يحصل الجميع على فرص متساوية في العمل، لكن المحكمة العليا ألغت مؤخراً قرار الحكومة، وأعادت نظام الحصص السابق، وهو ما أدّى إلى انفجار التظاهرات؛ الأمر الذي يعني بحسب مازارول كبير شايون، رئيس وحدة جامعة دكا في رابطة شاترا البنغالية (BCL)، أن هذه الحركة الاحتجاجية ليست مناهضة للحكومة، بل على العكس تطالب الاحتجاجات بإعادة الإعلان السابق للحكومة. وقال أيضاً: “للطلاب الحق في تنظيم الاحتجاجات، ونحن نقوم بأنشطتنا اليومية. وأولئك الذين يريدون المشاركة في الحركة، يمكنهم القيام بذلك. نحن لا نجبر أحدا في هذا الصدد”. 

وبهذا المنطق، الذي تناولته تقارير متعددة، تبدو التظاهرات في مواجهة المحكمة العليا، والتي ترفض حتى اللحظة الخضوع لضغوط الحكومة، من أجل العودة في قرارها، الأمر الذي يشي بصراع حاد بين المؤسسات في بنغلاديش.

“الجماعة الإسلامية” تتحرك من وراء الكواليس

ترفض “الجماعة الإسلامية” المنطق القائل بأن المحكمة العليا هي من يتحمل تبعات الأمر، وتحاول جاهدة توجيه دفة التظاهرات نحو مطالبها السياسية، مع الإيحاء من وراء الكواليس، برغبتها في الحل السياسي للأزمة. وفي هذا السياق، دعا الأمين العام “للجماعة الإسلامية”، ميا غلام بروار، حكومة رابطة عوامي، إلى إيجاد حل عادل لاضطرابات معلمي الجامعات العامة الذين يطالبون بسحب نظام التقاعد العام، وتظاهرات الطلالب ضدّ نظام الحصص في الوظائف الحكومية.

قامت عناصر من “الجماعة الإسلامية”، بحشد عدد من العاطلين عن العمل، وتوجيههم للتظاهر أمام مختلف المصالح الحكومية، من أجل توجيه دفة الاحتجاجات نحو قضايا اجتماعية أكبر- “الصورة إرشيفية من تظاهرات سابقة في بنغلاديش- إنترنت”

الجماعة أصدرت بياناً قالت فيه، إن “المجتمع الطلابي في البلاد يواصل الحراك العام للمطالبة بإلغاء نظام الحصص الخاصة في الوظائف الحكومية، وسحب نظام التقاعد العام من قبل أساتذة الجامعات الحكومية. ونتيجة لحركة الطلاب والأساتذة، يتم تعطيل دراسة الطلاب والطالبات في جميع جامعات البلاد، وهناك مبرر لمطالب الطلاب وأساتذة الجامعات العامة”. مضيفاً: “نلاحظ بقلق أن الحكومة تواصل تجاهل مطالب الطلاب والأساتذة، ونرى أن الانفعالات يجب أن تنتهي بلقاء طلاب وأساتذة الجامعات الحكومية، والقبول بمطالبهم العادلة”.

بروار طالب الحكومة بإجراء محادثات فورية مع الطلاب وأساتذة الجامعات الحكومية في البلاد، وقبول مطالبهم العادلة، ووضع حد للاضطرابات.

وعلى الجانب الآخر، مارست العناصر الميدانية التابعة “للجماعة الإسلامية”، تحريضاً واسع النطاق، كما اندست بين صفوف المتظاهرين، حيث قامت بأعمال شغب واسعة، الأمر الذي دفع الشرطة في بنغلاديش إلى اعتقال سبعة من قادة ونشطاء “الجماعة الإسلامية” في محافظة بندربان، في ٢٧ حزيران/ يونيو الفائت، حيث احتجزتهم الشرطة في مركز الشرطة لمدة يومين وليلتين، قبل أن ترسلهم إلى المحكمة بموجب قانون الصلاحيات الخاص بمكافحة الإرهاب.

الجماعة استقر لديها العمل في خطين متوازيين؛ الأول هو استمرار المشاركة في الحراك والتحريض على أعمال العنف، والتنسيق مع الحزب الوطني البنغالي، لمواصلة الضغط على الحكومة، أمّا الثاني؛ فهو الدعوة إلى حوار سياسي هادئ بين الأطراف المختلفة.

بنغلاديش تشتعل

وفي الوقت الذي تتواصل فيه ضغوط الحكومة على المحكمة العليا، قام مئات الطلاب، مرة أخرى، بإغلاق تقاطع شاهباغ في العاصمة دكا، بعد ظهر السبت الفائت، مطالبين بإلغاء نظام الحصص في الوظائف العامة. كما قاموا بإغلاق تقاطع شاهباغ من حوالي الساعة 4:15 مساءً حتى 5:30 مساءً، مما تسبب في ازدحام مروري شديد. قبل أن يقوموا في اليوم التالي، بقطع الطرق أمام جميع المؤسسات التعليمية في بنغلاديش أثناء حركتهم الاحتجاجية.

وبحسب مراقبين، قامت عناصر من “الجماعة الإسلامية”، بحشد عدد من العاطلين عن العمل، وتوجيههم للتظاهر أمام مختلف المصالح الحكومية، من أجل توجيه دفة الاحتجاجات نحو قضايا اجتماعية أكبر، وتفجير الموقف في وجه الجميع.

من جهة أخرى، قام الآلاف من الطلاب من جامعة راجشاهي، وجامعة مولانا بهاشاني للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة بيجوم رقية، بإغلاق الطرق السريعة بين دكا-راجشاهي، ودكا-تانجيل، ودكا-رانجبور لفترة وجيزة، احتجاجًا على إعادة نظام الحصص في الوظائف الحكومية. كما قام طلاب جامعة مولانا بهاشاني للعلوم والتكنولوجيا، بإغلاق طريق دكا-تانجيل السريع؛ للضغط من أجل نفس الطلب.

من ناحية أخرى، قام طلاب من جامعة بيجوم رقية في رانجبور، بإغلاق منطقة العبور الحديثة على طريق دكا-رانجبور السريع، ممّا تسبب في اضطراب شديد في حركة المرور.

ولا تزال الأمور مرتبكة للغاية، في بلد مثخن بجملة من المشكلات الاجتماعية والسياسية والطائفية، وهو الأمر الذي منح “الإخوان” الفرصة، للعودة إلى المشهد السياسي من جديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات