في ظل الأحداث الدامية التي تدور في السودان وظهور “الجماعات الإسلامية” هناك، ومساعي تنظيم “القاعدة” للانتقال في السودان ليجعل منه مركزاً للإرهاب العالمي، يظهر الحديث عن زعيم صومالي لتنظيم “داعش” الإرهابي، والمطالبة بالهجرة إلى إفريقيا، مما يوحي بمطامع للجماعات المسلحة في القارة السمراء، وترتيباتها لنقل مركزيتها إلى الدول الإفريقية واستغلال الحالة المتواترة والوضع المتردي الذي تعانيها هذه الدول.

وتمثّل إفريقيا بما بها من صحراء شاسعة وفقر مدقع وترهل أمني وصراعات، بيئة جيدة للجماعات الإرهابية، وخطر كبير على المجتمع الدولي، حيث يمكن للجماعات الإرهابية السيطرة على هذه المنطقة والانطلاق منها لترتيب عمليات دولية عديدة. والأخطر من هذا تواجد جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة” بجوار تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى التابع لتنظيم “داعش” الإرهابيين.

“داعش” واستهداف إفريقيا

ذكرت وكالة “إن بي أس نيوز” الأميركية أن القيادة الأميركية في إفريقيا أصدرت بياناً في 31 أيار/ مايو قالت فيه إنها نفّذت غارة جوية ضد مسلحي “داعش” في منطقة نائية على بعد 81 كيلومترا (50 ميلاً) جنوب شرق بوساسو في الصومال، وقتلت ثلاثة مسلحين. لكن بيان “أفريكوم” لم يذكر مَن كانت الولايات المتحدة تستهدفه أو مَن قُتل، بينما ذكرت “أفريكوم” أنه لم يُقتل أي مدنيين في الضربة.

عبد القادر مؤمن زعيم تنظيم داعش في الصومال- “أ ف ب”

ونقلت الوكالة عن ثلاثة مسؤولين أميركيين في الجيش الأميركي، أن هناك عملية عسكرية نُفّذت في الصومال لاستهداف زعيم تنظيم “داعش” في الصومال، عبدالقادر مؤمن. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأميركية أن عبد القادر مؤمن، هو زعيم تنظيم “داعش” في الصومال، أكد خبيران أنه يتولى منذ العام الماضي زعامة التنظيم العالمي.

وفي تصريح للباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد سلطان، خصّ به “الحل نت” قال: إن الحديث عن زعيم تنظيم “داعش” الصومالي، هو أمر غير قابلٍ للتصديق، وهذه القصة اختلقتها قناة “فضح عباد البغدادي” في تدوينة زعمت فيها أن خليفة “داعش” الحالي أبو حفص الهاشمي القرشي وهو نفسه عبد القادر مؤمن والـي ولاية الصومال الداعشية.

وفور نشر هذه التدوينة سارع كثيرون للاحتفاء بهذا الإعلان وترويجه على نطاق واسع، دون أن يتم التحقق منه، وبدأ البعض يتحدث عن أصول عشيرة (مؤمن) وأنها عشيرة عربية ترجع جذورها لقريش وما إلى هناك، وكل هذا في الحقيقة خطأ، بل أصفه بأنه “هبد”، بالتعبير المصري الدارج، ومن العيار الثقيل أيضاً.

وقناة “فـضائح عباد البغـدادي” قناة دعائية أيضاً لا يمكن الجزم بكل ما تنشره أو النقل عنها دون إثبات- وحري بالصحفي المدقق أو الباحث الجاد أن يشك ولو لمرة في أي معلومة قبل أن يقرأها- والقناة وكذلك أفراد ومنصات أخرى كانت تتلقى جزءًا كبيراً من معلوماتها ووثائقها، من أبـو مارية القحطاني، والأخير كان يحصل على معلومات ووثائق من المداهمات التي تتم لخـلايا “داعـش” في إدلب وما حولها، فضلًا عن بعض المعلومات من التحالف- وهذه مفارقة في حد ذاتها- وبمـقـتـله خسرت القناة موردها الأهم، ولذا حريٌّ بمن يعتمدون عليها أن يعيدوا النظر في ما تورده من معلومات، بما في ذلك معلومة عبد الـقـادر مؤمن، وزعمها أن المتحدث الرسمي لـ” داعـش” أبو حـذيفة الأنـصـاري من اليمن أو يقيم فيها.

وأردف سلطان أن أبـو حـفـص الهاشمي، كنية جديدة لقيادي جهادي قديم، ولا تتوافر عنه معلومات كافية لجهات عديدة بما في ذلك أجهزة استخبارات تتابع وتتعقب التـنـظـيم، ويمكن أن يكون الإعلان الأخير ضمن محاولات التعرّف عليه بمعنى أن تسريب المعلومة نفسها متعمّد ومقصود حتى يلجأ التنظيم لكشف أي معلومة عنه وبالتالي يتم التأكد من هويته وربما استهدافه أيضاً.

هل باتت إفريقيا عاصمة للإرهاب؟

وسواء كان عبد القادر مؤمن هو الزعيم لتنظيم “داعش” بالصومال، كما أوردت قناة “فضح عباد البغدادي” وقناة “إن بس سي” أم لا، يرى أحمد سلطان، أن الوجود الإرهابي في إفريقيا ظهر في الآونة الأخيرة بشكل واضح ولا مجال للخلاف فيه، خاصة مع استمرار حرب العصابات في السودان وبدء ظهور تنظيم “القاعدة” على الساحة السودانية، في وقت تنتمي معظم الأطراف المشاركة في الحرب إلى جماعات إسلامية وذات توجّه إسلاموي.

والواقع أن ما جاءت به الأيام أثبتت مساعي تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين في زيادة النشاط في إفريقيا، ويطمحان في تحقيق ما لم يحققوه قبل ذلك، مستغلين حالات الفقر وغياب الأمن في دول إفريقيا.

حسب ما يذكر التقرير الذي تقدّمه شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية، فإن قادة “داعش” ينظرون إلى إفريقيا باعتبارها “مكاناً يجب عليهم الاستثمار فيه، خاصة في ظل التركيز الأميركي على العراق وسوريا، حيث يكونون أكثر تساهلاً وقادرين على العمل بشكل أفضل وأكثر حرية، وهم يريدون توسيع خلية داعش هناك. لذلك فقد جلبوا الخليفة إلى تلك المنطقة”، وبحسب ما نقلت الوكالة عن المسؤول الدفاعي الكبير، فإن الخلايا في جميع أنحاء إفريقيا توسّعت بسبب التوجيه الاستراتيجي من قيادة “داعش”.

وبحسب المسؤول، فإن مقاتلي “داعش” في الصومال يعملون بشكل أكثر فعالية في بعض النواحي مقارنة بالشبكات الإرهابية الأخرى العاملة في البلاد، بما في ذلك التهرّب من مكتب “التحقيقات الفيدرالي” و”الإنتربول” ومشاركة تكتيكاتهم وتقنياتهم وإجراءاتهم مع بعضهم البعض، مثل التمويل.

ووفق ما ذكر في تقرير الثامن عشر للأمم المتحدة في 31 كانون الثاني/ يناير الماضي عن التهديد الذي يمثله تنظيم “داعش” الإرهابي من تهديد على الأمن والسلام الدوليين، فإن الخلايا الإرهابية التابعة للتنظيمات الإرهابية المختلفة نشطة في إفريقيا أكثر من أي منطقة أخرى، بل إن نشاطها قليل نسبياً عما هو عليه في بلدان الشرق الأوسط، فـ “تنظيم الدولة الإسلامية” في الصحراء الكبرى التابع لتنظيم “داعش”، يتحرك بحرية نسبية في غرب إفريقيا، وقد أعربت الدول عن تخوّفها من احتمال زيادة الهجمات في المستقبل.

وأوضح التقرير أن التنظيم يعمل على بناء قاعدة اجتماعية في مالي وتعزيز قبوله بين السكان. وأن “تنظيم الدولة الإسلامية” في الصحراء الكبرى، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، اتفقا على عدم نشوب الحرب بينهما واحترام سيادة كل جماعة في المناطق التابعة لها، مما يؤشّر نحو تعاون إرهابي يوحي بخطر غير محمودة عواقبه.

ومن الملاحظات الختامية التي أنهى بها الأمين العام تقريره: “لا يزال يساورني القلق من التهديد الذي يشكّله الإرهاب في إفريقيا، ولا سيما غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، حيث يتدهور الوضع ويزداد تعقيداً. فهناك خطر من أن تخلق الجماعات الإرهابية منطقة شاسعة يسود فيها عدم الاستقرار، وربما تمتد من مالي إلى مناطق حدودية في نيجيريا، في حال استمرار إتاحة استقلالية عملياتية ومالية ولوجستية أكبر للجماعات المنتسبة لداعش”.

تمثّل إفريقيا بما بها من صحراء شاسعة وفقر مدقع وترهل أمني وصراعات، بيئة جيدة للجماعات الإرهابية، وخطر كبير على المجتمع الدولي- “أ ب”

والواقع أن ما جاءت به الأيام أثبتت مساعي تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين في زيادة النشاط في إفريقيا، ويطمحان في تحقيق ما لم يحققوه قبل ذلك، مستغلين حالات الفقر وغياب الأمن في دول إفريقيا، وخاصة غرب إفريقيا وحالات السخط الاجتماعي كما يحدث في مالي، وطغيان العنف في ظل غياب أجهزة الأمن والقوات المسلحة كما يحدث في النيجر.

ورغم غياب أي اتفاق أو معاهدة رسمية بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، إلا أن احترام كل منهما لسيادة الآخر على مناطقه، حسب ما أفضى به تقرير الأمم المتحدة يوحى بمرحلة أخرى من الإرهاب تختلف عن سابقتها، من تحالف بين أخطر تنظيمين إرهابيين، وتواجدهما في صحراء إفريقيا الشاسعة، وبيئة إفريقيا الفقيرة وغير الآمنة، والحاملة لنزوع حرب العصابات في أكثر من ناحية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة