جاء التطور الأخير في بلدة مجدل شمس بالجولان والذي يبدو أن “حزب الله” متورط في أحداثه، ليواصل بذلك خروقاته وانتهاكاته العديدة فضلاً عن التزاماته المطلوبة والضرورية تجاه القرارات الدولية، بينما يسعى نحو التصعيد وتهديد الإقليم بحرب تتسع لما هو أبعد من غزة، ويتسبب في أن تكون لبنان شرارة البداية التي تمسك في أطراف إقليمية أخرى. 

غير أن التصعيد في المنطقة الدرزية تحديداً، له أبعاد طائفية، بما يرجح ارتباط حزب “الولي الفقيه” بها، وذلك بغرض تهديد تلك القوى المجتمعية التي تعاني التهميش وتعيش تحت وطأة ظروف قاسية، تفاقمها التفلت الأمني والعسكري. ولطالما سعت أطراف سياسية ودينية من الطائفة الدرزية إلى تحييد نفسها عن الصراع، أي صراع، وبخاصة مع وجود نسبة درزية لبنانية في إسرائيل.

“حزب الله” واللعب بالورقة الطائفية

لكن الحزب المدعوم من إيران في لبنان، لا يكف عن ضغوطه الطائفية، واللعب بالورقة المناطقية والمذهبية، لإدامة الصراع، من ناحية، وجعلها ورقة لتفجير الأزمات، من ناحية أخرى. وعلى ما يبدو أن لبنان منذ ذلك الحادث، الذي قضى فيه 12 طفلاً، سيكون أمام متغيرات عملياتية مهمة ومؤثرة. 

وبحسب مصادر خاصة متطابقة، فإن هناك انعطافة أمنية وعسكرية في التعاطي مع لبنان غيرت الحسابات القديمة و”لن نقول قواعد الاشتباك القديمة، طالما لم يحدث الرد المتوقع والوشيك”.

وتوضح المصادر لـ”الحل نت” أن “الوسطاء في لبنان تم إبلاغهم برد إسرائيل لكسر الإرادة العسكرية لحزب الله، ولن يكون الرد فقط لاستهداف البنية العسكرية إنما سيشمل عدة مناطق بالعمق الجنوبي والذي سترتد أصداؤه في العاصمة بيروت”، كما تم التلميح بخطورة ما يقوم به “حزب الله” والذي “يعمد لإفشال عمليات التهديد ويباعد بين محاولات تجنب الحرب الشاملة منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي”، وقد ألمحت المصادر إلى أن واشنطن “لا ترغب في حرب موسعة لكنها في الوقت ذاته، لن تسمح بتهديدات حزب الله، ومماطلته في التسوية فيما يخص جنوب نهر الليطاني والخط الأزرق”.

ضغوط إيرانية على دمشق!

ويوضح الباحث المختص في العلوم السياسية، الدكتور سامح مهدي، أن ما جرى في مجدل شمس له طبيعة أخرى من زاوية استهداف “حزب الله” للمنطقة ذات الأغلبية الدرزية، تتمثل في الضغط على الحكومة السورية بدمشق التي تم تحييدها عن الصراع، ورفضت الانخراط أو الاصطفاف ضمن ما يسمى بـ “محور المقاومة” وتتحول إلى إحدى جبهات الإسناد وتخفيف حدة الحرب في غزة (أيّ مساندة حركة حماس وباقي محور المقاومة، مثلما تستخدم المقاومة الإسلامية بالعراق والحوثيين في البحر الأحمر) أو تنطلق من داخل جغرافيتها أي هجمات ضد إسرائيل.

من الواضح أن “الأسد” لن ينخرط في هذا الصراع، وبيان حكومة دمشق حول حادثة مجدل شمس يؤشر إلى أنها تريد البقاء بعيداً- “إنترنت”

فيما لفت مهدي لـ”الحل نت”، إلى أن الحكومة السورية قد بلغتها رسائل عديد من دول عربية كما من إسرائيل تحذرها وتحثها على أن لا تكون أراضيها منصة إطلاق هجمات ضد إسرائيل، الأمر الذي بلغ ذروته مع استهداف القنصيلية الإيرانية، حيث رغبت طهران في استخدام جبهة الجولان، لكن الرئيس السوري بشار الأسد رفض وقد كانت الرسائل التحذيرية بلغت حداً أن هددته شخصياً بأنه في حال استجاب للطرف الإيراني ورغباته العسكرية من سوريا سيكون هو هدف قائم ومحتمل. 

وعليه، تبدو عملية “حزب الله” في مجدل شمس تقع ضمن إطار الضغوط الإيرانية عبر أذرعها الميلشياوية لإنهاء تحييد الحكومة السورية وإرباك علاقته بالدروز وتحريك هذه الطائفة لجعل الأسد يتورط في الحرب رغماً عنه وبعيداً عن إرادته.

ففي ظل امتناع “الأسد” عن الانخراط في حرب غزة، فإن هذا الأمر قد أعاد خلافاته مع “حماس” مجدداً، وفاقم من أزماته مع إيران وخفف من ارتباطاته بها كأحد حلفائه في الأزمة بسوريا، كما باعد بين فرص المصالحة وتعديل موقف “الجماعة الإسلامية” بلبنان و”الأسد”، حيث تبدو التوترات بينهما تظهر بين الحين والآخر.

ومن الواضح أن “الأسد” لن ينخرط في هذا الصراع، وبيان حكومة دمشق حول حادثة مجدل شمس يؤشر إلى أنها تريد البقاء بعيداً عن هذه الحرب، والاكتفاء بالاصطفاف السياسي فقط. 

وقد اتهمت دمشق إسرائيل بـ”اختلاق الذرائع لتوسيع دائرة عدوانها” وحمّلتها المسؤولية “كاملة” عن تصعيد “الوضع الخطير في المنطقة”، وذلك عبر إصدار بيان يوم الأحد الماضي، عن وزارة الخارجية السورية، أدانت فيه قصف بلدة مجدل شمس ذات الغالبية الدرزية.

كما أن استهداف “حزب الله” في مجدل شمس يبدو وكأنه مثل “نيران صديقة” تهدف إلى نقل عدوى الصراع لسوريا أكثر من كونها تسفر عن توسيع الحرب، وتعميق الأزمة في لبنان على طريقة ما جرى في عام 2006. فالأطراف الإقليمية والدولية كافة حتى اللحظة ناجحة في تشكيل ضمانات لمنع أن تتأثر العاصمة بيروت أو غير مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع المؤيدة لإيران في الجنوب، ولا تذهب الحرب أبعد من غزة حتى لا تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للمضي في عمق الصراع بالشرق الأوسط.

“حزب الله” متورطة في الحادثة

وشن الطيران الإسرائيلي مساء أمس الأحد، عدة غارات في مدينة صور جنوبي لبنان، وتحديداً في منطقة “برج الشمالي”، وقال أفيخاي أدرعي، الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، على حسابه في منصة “إكس” (تويتر سابقاً): إن “المؤشرات الميدانية تشير إلى قيام حزب الله بإطلاق صاروخ من نوع فلق 1 نحو منطقة مجدل شمس”، وتابع: “لا يوجد أي تنظيم إرهابي آخر في لبنان يمتلك هذا النوع من الصواريخ. حزب الله هو المسؤول عن المجزرة في مجدل شمس ومقتل الأطفال والشبان في ملعب كرة القدم. أستطيع أن أكشف النقاب عن هوية القائد الميداني في حزب الله الذي وجّه عملية إطلاق القذيفة الصاروخية نحو مجدل شمس وهو المدعو علي محمد يحيى قائد مجمع الإطلاق في منطقة شبعا. من تحليل الأنظمة العملياتية في جيش الدفاع يتبين أن إطلاق القذيفة الصاروخية باتجاه وسط مجدل شمس تم من منطقة تقع شمال قرية شبعا في جنوب لبنان. وفقاً للمعلومات الاستخباراتية الموثوقة التي يمتلكها جيش الدفاع فإن حزب الله الإرهابي يقف وراء عملية الإطلاق”.

إثر الهجوم أكد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاغاري ضلوع الحزب في الهجوم، بينما نفى الأخير علاقته بالحادث، وقال إن ما حدث في مجدل شمس يعد “الاستهداف الأكثر خطورة” للمدنيين الإسرائيليين. 

تستبعد المصادر الخاصة لـ”الحل نت” أن تكون الضربات الموجهة والمحتملة على لبنان تطاول بيروت، إنما ستندرج في مناطق الحزب الجنوبية، وذلك حتى يتم تفادي التصعيد للدرجة التي تؤدي لحرب شاملة وإقليمية.

كما أوضح في إطار تأكيده أو بالأحرى إثبات الضلوع في الحادث، حيث إن الصاروخ الذي استخدم في الاستهداف من طراز “فلق-1” برأس حربي يزن مئة رطل وهو من صنع إيراني. كما يبدو أن هناك حالة من الارتباك في صفوف “حزب الله” من جراء الحادث، وذلك بعد اتهام الجيش الإسرائيلي. وقال هاغاري إن “طائراتنا شنت غارات على نحو 35 هدفاً وبنى تحتية في قطاع غزة”.

وقال الحزب المدعوم من إيران في بيان: “تنفي المقاومة في لبنان نفياً قاطعاً الادعاءات التي أوردتها بعض وسائل ‏إعلام العدو ومنصات إعلامية مختلفة عن استهداف مجدل شمس، وتؤكد أن لا علاقة ‏للمقاومة بالحادث على الإطلاق، وتنفي نفياً قاطعاً كل الادعاءات الكاذبة بهذا ‏الخصوص”.

ومن جهته، قال الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن طهران تحذر من أي “مغامرة” جديدة لتهديد الوضع في لبنان، وتؤدي إلى “تداعيات غير متوقعة”. بل هدد بأن أي تحرك يعبر عن “جهل إسرائيلي” على حد تعبيره قد يسفر عن حرب إقليمية شاملة وبعث التوتر والقلق والحرب بالمنطقة. واستمرت لهجة المسؤول الإيرانية تصعيدية واستفزازية واعتبر الرد الإسرائيلي بأنه سيكون تصرف “أحمق” وحمّله خطورة وتداعيات ما بعد ذلك.

ارتدادات صعبة على لبنان

ليس ثمة شك، أن “حزب الله” بهذا التصعيد الخطير قد تجاوز الخطوط الحمراء، بل إنه منح الشرعية كاملة للرد الإسرائيلي من دون قدرة أطراف الوساطة استئناف جهود التهدئة، الأمر الذي تبدو ارتداداته صعبة على اللبنانيين في مناطق عديدة، لا سيما الخاضعة لسيطرة “حزب الله”، وفي جنوب لبنان، الذي يتعرض لعدة غارات إسرائيلية، في ظل احتماء الحزب بمناطق المدنيين وتحويلهم رهائن ويدفعون إثر ذلك أثماناً باهظة. 

ووفق شهادات ميدانية لـ”الحل نت”، فإن الحادث الذي جرى في مجدل شمس بالجولان وتزامن مع أيام العطل بلبنان ألقى بظلاله على اللبنانيين في عدة مناطق، حيث تفادى كثيرون الخروج والتجوال في العاصمة بيروت وغيرها، خشية من حدوث رد إسرائيلي، بينما تسيد الخوف والترقب الأجواء العامة.

بالعودة إلى المصادر التي تحدثت لـ”الحل نت”، فإن الهجوم المحتمل على ما قام به “حزب الله”، “لن يتأخر كثيراً وفي غضون اليومين المقبلين قبل نهاية تموز/ يوليو، وذلك بعد حصول الجيش على قبول من مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي والذي بالفعل ترك المجال مفتوحاً بداية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للرد”.

فيما تستبعد المصادر أن تكون الضربات الموجهة والمحتملة على لبنان تطاول بيروت، إنما ستندرج في مناطق الحزب الجنوبية، وذلك حتى يتم تفادي التصعيد للدرجة التي تؤدي لحرب شاملة وإقليمية.

كما اجتمع في روما الأحد الماضي رئيس المخابرات المصرية عباس كامل ونظيره الإسرائيلي ديفيد برنيا ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لمتابعة الوضع في لبنان، وثمة اتجاه متفق عليه بين الأطراف كافة ومنهم الولايات المتحدة بأن لا تصل الأمور لحرب إقليمية. غير أن الحزب بحسب المصادر يتخوف من الرد الإسرائيلي وقد برز ذلك مع تموضع عسكري في الجنوب والمناطق الحدودية وتحريك منظومة الصاروخية. كما نقلت وكالة “فرانس برس”، عن مصدر مقرب من الحزب بأنه قد “أخلى الحزب مواقع له في الجنوب والبقاع يعتقد أنها قد تكون هدفاً طبيعياً لإسرائيل”.

صورة من تشييع ضحايا بلدة مجدل شمس في الجولان – “وكالات”

وفي سوريا، قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن تنظيمات ميلشياوية تابعة لطهران “أخلت نقاطاً كانت تتمركز فيها في منطقة السيدة زينب في جنوب العاصمة دمشق”، فضلاً عن نقاط جغرافية أخرى بالقنيطرة المتاخمة للحدود الإسرائيلية. وقال المرصد: “تحسباً لأي ضربات جوية إسرائيلية محتملة على الأراضي السورية خلال الفترة المقبلة، عمدت المجموعات إلى محاولة التخفي”.

تتوقع المصادر أن تشمل الضربة إحداث “ردع استراتيجي” في مناطق “مركزية” للحزب، وتشمل تلك المناطق التي يعتمد عليها الحزب أمنيا وعسكريا، ولها نفوذ وتأثير كبيرين على وضع الأمني والعملياتي، فضلا عن كونها نوعا ما تعتبر آمنة لجهة النازحين والفارين من الحرب، لإرباك حواضن حزب الله، وتشكيل ضغط على الحكومة أن “تستنفر ضد امتلاك القرار الإيراني وتأزيم السيادة الإيرانية لهذا الحد”، بالتالي، سيكون الجنوب ومناطق كالبقاع والبرج الشمالي ضمن تلك النقاط المستهدفة، ومن المرجح قطع طريق إمدادات تهريب السلاح التي يعتمد عليها الحزب مع إيران عبر سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات