بعد اللغط الذي حصل حول اغتيال قادة الميليشيات الإيرانية في سوريا، واتهام صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية جهات روسية وسورية خاصة أجهزة الأمن في دمشق وراء تسريب المعلومات عن التابعينَ لطهران من مستشارينَ عسكريينَ وفصائل مسلحة ساعدت على استهداف المسؤولينَ الإيرانيينَ، فُسّر حضور وزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، بإنه رسالة غضب وإصرار إيراني على البقاء.

منذ طرح عودة سوريا إلى “الجامعة” العربية وانخراط الرئيس السوري ووزير خارجيته بسلسلة من الاجتماعات مع دول عربية ضمن مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، كانت دمشق قد وافقت عليها، ترى إيران أن السلطة السياسية السورية باتت تتصرف بعيدا عنها، لا سيما وأن حرب “حماس” مع إسرائيل كشفت عدم رغبة دمشق في الدخول عسكريا مع محور “المقاومة” الإيراني.

سلسلة من الأحداث العسكرية التي أصابت أذرع طهران في سوريا ولبنان، جعلت من النظام الإيراني يسّعر حملة لا هوادة فيها ضد دمشق، بداية من الذراع الناعم والسلطة الرابعة، مرورا بتنشيط خلايا “الحرس الثوري” في سوريا ومع الحدود الأردنية، ونهاية برسائل مباشرة قُدّمت للأسد وجهاً لوجه.

“حتى لا يُسيطر عليها العرب”

صحيفة “القدس” الإيرانية المقرّبة من “الحرس الثوري” الإيراني، الذي يسيطر على جزء كبير من سوريا، كتبت مقالا الأحد الفائت، بعنوان “يجب تطوير علاقات إيران الثقافية مع سوريا حتى لا يُسيطر عليها العرب”، وهو ما يبرهن خوف طهران من فلتان خيوط اللعبة من أيديها.

تسريبات كيف باتت دمشق اليد الخفية لسقوط الأردن بيد إيران؟ (4)
استقبل وفد الحكومة السورية رسميًا وفد الحكومة الإيرانية في القصر الرئاسي السوري في 03 مايو 2023 في دمشق، سوريا. (متين قاسمي/ غيتي)

تقول كاتبة المقال الإيرانية، زينب أصغريان: “بما أن الشعب السوري يتحدث العربية فإنّ الدول العربية تقوم بإرسال الكتب والمنتجات الثقافية العربية وهذا سيؤدي مستقبلاً إلى إيجاد تعارض في الهوية لدى السوريين وسيتسّبب بالضرر للإيرانيين، وإذا لم يكن لدى الناس تقارب فكري وثقافي مع الدولة الحليفة فإن عملية التعاون ستتّخذ منحى تنازلي، ونظراً لخلو الميدان في سوريا فإن إيران تستطيع تطوير علاقاتها الثقافية بجانب الدبلوماسية الاقتصادية”.

برأي الصحيفة، فالسوريون ليسوا عرباً بل “يتحدثون العربية” ونظرتها بأن المنتجات الثقافية العربية ستخلق “تعارضاً في الهوية لدى السوريين”، حيث جاء هذا المقال بعد ساعات من الإعلان عن ندوة مغلقة عُقدت بالبحر الميت جنوب العاصمة الأردنية عمّان، تواجد فيها خبراء ومحلّلون من  الأردن وسوريا وإيران وتركيا ولبنان والعراق وألمانيا والسويد، وخلصوا إلى أن “دمشق تدافع عن عروبتها ولا تقبل أن يكون بُعدها الإستراتيجي فارسي”.

طبقا للمجتمعينَ في عمّان، فإن دمشق دولة الممانعة رفضت طلب حلفائها ليست بصدد اتخاذ قرار بمساندة عسكرية وأمنية لفصائل “المقاومة” والدخول بمعركة ولثلاثة أسباب رئيسية أهمها، أن المصالحة مع حركة “حماس” لم تنضج بعد ولم تنتهِ؛ ولأنها لا ترى الحرب في مصلحة معادلة استقرارها، ولم تقبل فتح جبهة ولا بنظرية “وحدة الساحات”. 

هذا المنعرج الخطير، يبدو أنه جاء ليكون موضع زيارة عبداللهيان إلى دمشق، فبعد لقائه الأسد وتسليمه دعوة لزيارة طهران تحت عنوان متابعة الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين وهي الورقة التي دائما ما تلوّح بها طهران أمام الأسد عندما يخرج عن سياقها، التقى الوزير الإيراني بقادة الفصائل الفلسطينية.

لقاء عبد اللهيان في دمشق نحو 15 مسؤولًا من مختلف الفصائل الفلسطينية لم يكن يعلمه أحد لولا تسريبه من وكالة “إرنا” الرسمية، حيث أغفلته دمشق كلّيا، وهو ما يظهر جلّيا أن طهران وقيادة “الحرس الثوري” على قناعة بتورّط ضباط من الجيش السوري بتسريب إحداثيات سهّلت استهداف قادة “الثوري” الإيراني في سوريا.

من الانتصار إلى التفكك والانهيار

وفقا لما نقله “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن الاستخبارات العسكرية التابعة للأمن السوري نفّذت خلال الساعات التي تلت استهداف المبنى في منطقة المزة بدمشق خلال كانون الثاني/يناير الماضي، حملة أمنية واسعة في حي المزة فيلات غربية، أدت إلى اعتقال أشخاص بينهم عسكري برتبة ضابط صف، مؤكداً حينها أن الحملة لا تزال مستمرة حتى الآن.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (يسار) يعقد مؤتمرا صحفيا بحضور نظيره السوري فيصل مقداد في العاصمة دمشق في 23 مارس 2022. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

ما تلعب عليه طهران حاليا وفقا للمدوّن السوري، جهاد الحوراني، هو تعزيز سيطرة أمراء الحرب سواء في الجيش السوري أو في مؤسساته الأمنية، إذ باتوا بعد تراشق التخوين بين طهران ودمشق يتصرّفون من تلقاء أنفسهم ويحاربون بعضهم دون العودة إلى قيادة مشتركة. 

بل وصل الحد بهم للتنافس على العناصر لتعزيز القوة والنفوذ، وفي مناطق أخرى لتدبير حوادث تسمم جماعي للمنافسينَ، وهو ما برز في الأشهر القليلة الماضية، حيث شهدت سوريا عدد هجمات مجهولة ومعارك دموية بين ميليشيات تتبع لإيران والجيش السوري.

وعلى الرغم من أن عودة السفير الإماراتي وفتح السفارة السعودية في دمشق، والتي تتضمن نوعاً من الدعم السياسي لدمشق، إلا أنها بحسب الحوراني، خالية من أي قيمة فعلية، وبوجود قوانين “قيصر” وإلغاء الاستثناءات على المساعدات الإنسانية المقدّمة لدمشق بحجة توزيعها على مناطقه، تلعب طهران بهذه الورقة لتدمير صفوف الأسد وحاضنته التي تعتاش منذ عقود على الموارد الإيرانية.

سوريا بدعم من موسكو تتجه لمزيد من الاتزان والبراغماتية خاصة في تعاملها مع الدول العربية والغربية

لكن ما يثير الريبة، هو انخفاض حدّة لهجة التهديدات الإيرانية حول نيّة إسرائيل شنّ حرب على جنوب لبنان، إذ وفقاً للتحليلات، ربما ستكون الحملة الإسرائيلية على لبنان الضربة القاضية للسلطة السياسية في دمشق حيث إن الترابط الهشّ للقوات النظامية السورية والميليشيات الرديفة والإيرانية يشرف عليها قيادات من “حزب الله”، وبالفعل قُتل العديد من هذه القيادات حتى قبل أن تبدأ الحملة.

الانطباع العام وفق ندوة البحر الميت، أن سوريا بدعم من موسكو تتجه لمزيد من الاتزان والبراغماتية خاصة في تعاملها مع الدول العربية والغربية وهذا ما يقلق النظام الإيراني، فوفقاً لمركز “الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية” العراقي، هناك رأي إيراني آخر يعتقد باختراق روسي لعمل الجهات الأمنية الإيرانية في محاولة للانفراد بالساحة السورية، وتحقيق مصالح موسكو بعيداً من طهران وسط تعقيدات المشهد الإقليمي في المنطقة بعد اندلاع الأحداث في غزة، وتحديد المعلومات الدقيقة عن الأهداف الإيرانية ومعرفة عدد المستهدفينَ وأماكن اجتماعاتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات