في 1 آب/أغسطس 2024، عيّن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف نائبا للرئيس للشؤون الاستراتيجية ورئيسا لمركز الدراسات الاستراتيجية، حسبما ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية (إرنا)

نصّ رسالة تعيين بزشكيان يحدد أدوارًا متعددة لظريف؛ بصفته نائبًا للرئيس، سيتولى ظريف حقيبة تعادل تلك التي تشرف على الشؤون التنفيذية والبرلمانية والقانونية والسنية، أو ما شابه ذلك من مناصب مثل رؤساء منظمة الطاقة الذرية، أو منظمة الإدارة والتخطيط، أو منظمة حماية البيئة في حين أن هذه المنظمات ليست وزارات، إلا أنها تعمل على مستوى مماثل. 

في الوقت نفسه، من المتوقع أن يقدّم ظريف المشورة لرئيس السلطة التنفيذية بشأن المسائل الاستراتيجية. يتضمن دوره: “الاستفادة من الخبرة المتراكمة لكبار المديرين في البلاد على مدى العقود الماضية والخبرة الواسعة للنُّخب من مراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني”. 

في خضم التوترات المتصاعدة والعزلة الدولية المتزايدة لإيران، تلوح في الأفق عودة الدبلوماسي المخضرم جواد ظريف إلى الساحة السياسية. فهل يمكن لظريف، بخبرته الدبلوماسية وعلاقاته الدولية، أن يعيد رسم ملامح صورة إيران على الساحة العالمية؟ وما مدى قدرته على إصلاح ما أفسدته سياسات المحافظين المتشددين خلال السنوات الماضية؟ هل ستكون عودته بمثابة جسر للحوار مع الغرب، أم أنها مجرد تغيير في الوجوه دون تغيير حقيقي في السياسات؟

ما وراء ظريف؟

أشار الرئيس الإيراني في بيانه إلى أن ظريف “من المتوقع أن يراقب التطورات المحلية والدولية الرئيسية، ويقيّم النجاح في تحقيق أهداف الدستور، ووثيقة الرؤية، والسياسات العامة التي وافق عليها المرشد الأعلى، ويقدم تقاريره مباشرة إليه”. 

مركز الأبحاث الاستراتيجية الرئاسي، هو جزء من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كمركز فكري للإدارة، ويجري دراسات ومراجعات وأبحاث استراتيجية مشتركة بين المؤسسات. وهو مسؤول عن تقديم الخطط والمقترحات المتعلقة بالاستراتيجيات الوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يتماشى مع السياسات العامة للنظام

إلا أن المُلفت في هذا الإعلان هو أمرين، الأول هو عودة جواد ظريف في التوقيت بالتحديد، فهو الذي أعلن فيما سبق أنه لن يشغل منصباً في إدارة بزشكيان. فهل كانت العودة مقترنة بمزيد من الوعود المتعلقة بمنحه مساحات أكبر من حرية القرار والسعي إلى مزيدٍ من التفاوض النووي؟!! 

هل عودة جواد ظريف تصلح ما أفسده المحافظين في إيران؟ (7)
الرئيس الإيراني المنتخب حديثًا مسعود بزشكيان (يمين) ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف (يسار) يزوران مرقد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني في جنوب طهران في 6 يوليو 2024. قالت وزارة الداخلية إن بزشكيان، الذي يدعو إلى تحسين العلاقات مع الغرب، فاز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 6 يوليو ضد المحافظ المتشدد سعيد جليلي. (تصوير: أتا كيناري / أ ف ب)

والثاني، هو أن منصب مساعد للشؤون الاستراتيجية تم إنشاؤه خصيصاً لمحمد جواد ظريف، لأنه لم يكن موجوداً من قبل ضمن الهيكل التنظيمي للنظام الإيراني. ليبدو هنا السؤال منطقيّاً وملحّاً، لماذا عودة جواد ظريف؟

 إيران تغير جلدها!

إن عودة ظريف إلى مشهد السياسة الإيرانية تبدو ملفتةً؛ نظراً لموقف جواد ظريف من السياسة الإيرانية وعدم التوافق بينه وبين المتشددين في الداخل كالـ”حرس الثوري” الإيراني وبعض من “محور المقاومة”، وعدم الرضا عن منهج ظريف في إدارته لبعض الملفات الخارجية. 

هل عودة جواد ظريف تصلح ما أفسده المحافظين في إيران؟ (6)
الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان (وسط الصورة) يقف مع حسن الخميني (وسط الصورة إلى اليمين)، حفيد الزعيم الإيراني الراحل آية الله روح الله الخميني، ووزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف (وسط الصورة إلى اليسار)، خلال حفل أقيم في ضريح الخميني، في جنوب طهران، إيران، في 6 يوليو 2024. (تصوير: مرتضى نيكوبازل/نور فوتو)

إلا أن ظريف تميز بطريقته الدبلوماسية، الانسجام الظاهري بينه وبين الغرب مما جعله موضع للرفض في الداخل الإيراني. فهل السياسة الإيرانية اليوم باتت في حاجة ماسة إلى نوعٍ من المرونة التي يمثلها جواد ظريف؟ أما أن إيران مجبرة على عودة ظريف في ظل الوضع الراهن من الاختراقات الأمنية والأزمات الاقتصادية والاغتيالات السياسية؟ أما أن إيران أرادت مغازلة الغرب والمجتمع الدولي بتصدير صورة وهمية أنها مقبلة على مرحلة جديدة من التغيير والرغبة الحقيقية في التفاوض فيما يتعلق ببرنامجها النووي، فلم يكن أمامها سوى اختيار جواد ظريف لأنه مقرّبٌ من الإصلاحيين ومحسوب عليهم!!!

المختص في الشأن الإيراني بالمركز “العربي” للأبحاث والدراسات السياسية، ناجح النجار، ربط بين تعيين ظريف وبين الوضع الحالي الذي تعاني منه إيران  قائلا في تحليله لـ “الحل نت”: إن إيران دولة مخترقة ولديها خلل أمني كبير على الدوام، لاسيما من الموساد الإسرائيلي وعملائه في الداخل الإيراني، وعملية اغتيال إسماعيل هنية الأخيرة وضعت الدولة الإيرانية في مأزق كبير أمام شعبها والعالم الخارجي، وأظهرها بمظهر العاجز، وبالتالي يرى مسعود بزشكيان أن تصدير قيادات ممن لهم خبرة سياسية سابقة سيخفّف عنه كثيرا في الفترة الرئاسية. 

ويضيف النجار، بأن تقديم جواد ظريف يقدم إيران بشكل جديد للغرب وواشنطن على وجه التحديد. أي أنها محاولة لإظهار إيران في ثوب مختلف يمكنها التعلّم من أخطائها الماضية وأنها ستكون قادرة في المرحلة المقبلة على التعاطي والتعاون مع الغرب والمجتمع الدولي بشكل أكثر.

لماذا جواد ظريف؟

سبق أن وصلت الخلافات ذروتها بين جواد ظريف وبين المتشددين الإيرانيين عندما أعلن ظريف استعداد بلاده للتفاوض مع واشنطن مما تسبب في غضب المرشد الأعلى، علي خامنئي، وأعلن أن كل الذين يدعوا إلى التفاوض مع أميركا هم خونة وعملاء وليسوا رجال دولة. 

طهران، إيران – 2024/06/19: محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق، يلوح بعلامة النصر خلال اجتماع حملة مسعود بزشكيان. (تصوير: سبحان فراجوان/باسيفيك برس)

كما أن ما أشعل الخلاف أكثر فأكثر هو أن ظريف حاول توقيع اتفاقيات دولية متعلقة بملف مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، هو الأمر الذي رفضه المتشددين لأنه سيفتح الباب على معاقبة إيران دولياً بسبب دعمها لميليشيات مصنّفة دولياً بأنها إرهابية. 

ولهذا يرى الباحث المختص في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن تعيين جواد ظريف نائبا لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية يتّسق تمامًا مع النهج الذي قرر المرشد الأعلى لإيران اتخاذه في أعقاب مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، حيث إعطاء الضوء الأخضر للتيار الإصلاحي بالتواجد في المنافسة على موقع الرئاسة وذلك بعد إقصاء هذا التيار في انتخابات الرئاسة عام 2021، إذ كان يمكن لمجلس صيانة الدستور أن يقضي بعدم صلاحية مسعود بزشكيان كما حدث مرارا وتكرار معه شخصيا أو مع غيره من الوجوه الإصلاحية في انتخابات سابقة سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو حتى على عضوية أحد المجالس الحاكمة. 

وتابع الهتيمي، “رغم أن المرشد ربما قرر ذلك لتحقيق هدف ضمان مشاركة جماهيرية أوسع في العملية الانتخابية بعد المقاطعة التي شهدتها الانتخابات السابقة، إلا أن ثمة هدف أهم يتعلق برغبة القائد في تحقيق تقدم ملموس بشأن مفاوضات البرنامج النووي التي تعطلت دون أية خطوات إيجابية في ظل فترة إبراهيم رئيسي المحسوب على المحافظين وهو الدور الذي يقوم به على أكمل وجه الإصلاحيون”. 

فإذا ما حققوا تقدما حقيقيا يحسب للنظام الإيراني، وإذا أخفقوا تكون المعايرة بالطبع للتيار الإصلاحي دون التيار المحافظ الذي يتمسك بثوابت الثورة الخمينية، وبالطبع ليس أفضل من جواد ظريف ليكون ضمن تشكيلة الرئاسة التي تخطط لاستئناف فاعلية هذه المفاوضات، فهو أولا صاحب إنجاز توقيع الاتفاق النووي 2015 مع الفرقاء الأوروبيين والأميركيين، وهو ثانيا وجه مقبول لدى الأوساط الإقليمية والدولية ما يسهّل من مهمة كسر العزلة الدولية.

هل يستطيع؟

أن تعين ظريف هو محاولة من إيران لتحسين مظهرها، وتقديم إيران باعتبارها قادرة على التنازل، فإيران موجودة الآن في زاوية ضيقة وكل الأنظار عليها. فاختيار ظريف هو إشارة إيرانية واضحة على الرغبة في مخاطبة الغرب، ومحاولة من إيران للتقارب مع الولايات المتحدة، وبداية مرحلة جديدة من التفاوض حول برنامجها النووي. 

طهران، إيران – 2024/06/19: محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق، يتحدث خلال اجتماع حملة مسعود بزشكيان. (تصوير: سبحان فراجوان/باسيفيك برس)

إيران تعلم بأن إسرائيل لا تريد هذا التقارب وتعمل على إفساد أي فكرة للتواصل الإيراني الأميركي. فهل في مقدور ظريف أن يفعل شيئا في هذا الوضع الملتبس؟  ربما لا يستطيع ظريف لعب دوره القديم الذي تعوّل عليه إيران؛ لأن الأمور أصبحت على المكشوف خاص بعد تسريبات ظريف على قناة “بي بي سي” التي أكد فيها على وجود سياستين في إيران، سياسة تسعى إلى ساحة الحرب والتي تكون لها الكلمة العليا، وأخرى يسعى إليها الإصلاحيون ولا تخرج من الغرف الإيرانية. 

المختص في الشأن الإيراني بالمركز “العربي” للأبحاث والدراسات السياسية، ناجح النجار

كما أن القوة الحقيقية التي يمتلكها ظريف تتمثل في شبكات العلاقات الدولية التي تشكلت خلال وجوده على مدى عشرة سنوات في نيويورك كممثل لإيران في الأمم المتحدة وثماني سنوات كوزير للخارجية، فهذه الشبكات هي ما يحتاجها الإصلاحيون اليوم في طهران.

وأخيراً، إيران في وضع إمّا الحرب هي وأطرافها، وأما التسوية. وبالطبع هي ستقبل بالتسوية لأنها لا تملك خيار الحرب لعدم قدرتها عليه، ومن ثم ستمارس إيران كل وسائل الضغط من أجل تسويات أفضل، ولأجل الحصول على موقف قوي في التفاوض. فلا مانع من استعادة رجالها مما لديهم المرونة السياسية كـ محمد جواد ظريف طالما أن عودته ستصبّ في مصلحة المفوّض الإيراني. فالجميع في النهاية مجرد قطع شطرنج يحركها المرشد كيفما يشاء!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات