في خطوة جديدة ضمن مسار تطبيع العلاقات بين البلدين، وصل وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو القاهرة السبت الفائت، وذلك في زيارة غير مسبوقة منذ نحو أحد عشر عاما من توتر شاب علاقة البلدين، الأمر الذي عدته مصر بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين.

الزيارة مثّلت مؤشرا جديدا للمضي قدما باتجاه إصلاح العلاقات بين البلدين، لاسيما فيما عكسته المحادثات بين وزيري خارجية الدولتين، التي كانت صريحة ومتعمقة وشفافة، وفق تعبير الوزير المصري سامح شكري، الذي أكد على عزم البلدين على إعادة الدفء إلى العلاقة بينهما وتطويرها على المستويات كافة.

خطوة تركيا تجاه مصر، جاءت بعد زيارة أجراها شكري إلى تركيا الشهر الماضي بعد 10 أعوام من أخر زيارة له، بهدف إظهار تضامن بلاده مع أنقرة في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وأدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين، وبعد أن توترت العلاقات بين مصر وتركيا عقب وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة في العام 2013 إثر إطاحته بالرئيس الأسبق محمد مرسي الذي كانت أنقرة من أبرز داعميه.

مرسي الذي توفي سنة 2019 كان عضوا بارزا في جماعة “الإخوان المسلمين”، وحظي بدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزب “العدالة والتنمية” التركي ذي المرجعية الإسلامية الذي ينتمي إليه.

مؤشرات عودة العلاقات بين تركيا ومصر

قبل ذلك، لم تكن زيارة وزير الخارجية التركي أمرا مفاجئا، إذ ظهرت مؤخرا إشارات على زيادة التقارب بين تركيا ومصر، بعد أن صافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي أردوغان خلال مونديال كأس العالم لكرة القدم الذي أقيم في قطر العام الماضي، وفي أعقاب ذلك تحدث الرئيسان عبر الهاتف على خلفية الزلزال الذي ضرب تركيا الشهر الماضي.

على ما يبدو، أن مسار العلاقات المصرية التركية لن يتوقف عند هذا المستوى، خصوصا بعد ما تحدث به تشاوش أوغلو أثناء تفقده للمناطق المنكوبة بالزلزال بأن لقاءا بين أردوغان والسيسي، قد يحدث بعد زيارته للقاهرة، وسيكون ذلك إما في تركيا أو في مصر، وذلك بعد أن كان وزير الخارجية التركي قد أصدر إشارة سابقة حول سعي بلاده إلى إعادة التوازن في علاقاتها مع مصر، عندما قال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إن تركيا قد تعيد سفيرها إلى القاهرة في الأشهر المقبلة.

اقرأ/ي أيضا: انتخابات المحافظات وقانون الموازنة.. مسار السوداني للاستئثار بسلطة العراق؟

وسط ذلك، زيارة تشاوش أوغلو إلى القاهرة فتحت الطريق أمام انطلاق قطار تطبيع العلاقات إلى محطة جديدة بعد فترة طويلة من المشاورات السياسية والأمنية المتقطعة، لكنها مهّدت الأجواء للإيحاء بأن المصالحة الشاملة بين البلدين باتت أقرب من أي وقت مضى، وكان لقاء السيسي وأردوغان في قطر قد أذاب الجليد بينهما وأعطى دفعا للمصالحة.

منذ سنوات يسود التوتر والخصام علاقات مصر وتركيا، لاسيما وأن قائمة الخلافات والمنافسة بين القاهرة وأنقرة طويلة، وتعود إلى عام 2013 حين أعلنت تركيا أكثر من مرة؛ أن إطاحة الجيش بمحمد مرس، غير شرعية، ووصف أردوغان السيسي بـ “الانقلابي”. وبعد أن حظرت مصر جماعة “الإخوان المسلمين” وصنفتها كتنظيم إرهابي، وفّرت تركيا الملاذ والحماية للكثير من أعضاء الجماعة.

ردا على ذلك اتهمت مصر تركيا بدعم التنظيمات الإسلامية وخاصة “الإخوان المسلمين”، وبقيت العلاقة بعد ذلك لأعوام متوترة بين البلدين، وفي عام 2019 أعلن أردوغان أنه ليست لديه نية للمصالحة مع السيسي، وقال حينها أنا أرفض اللقاء مع شخص مناهض للديمقراطية، حكم على مرسي ورفاقه بالسجن.

للوقوف على تداعيات زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر، تحدث موقع “الحل نت”، مع الخبير في العلاقات الدولية رعد العزاوي، الذي قال إن ظروف المصالحة لم تنضج بشكل كامل بعد، على الرغم من تحسن مستوى التواصل بين البلدين، والذي وصل إلى حد وزراء الخارجية، ما يعكس تعافيا جيدا منذ الشروع بمحادثات إصلاح العلاقات قبل نحو عامين من الآن.

تركيا ومصر في سياق تصفير الخلافات 

لكن ما يدعو إلى التفاؤل اليوم في مسار عودة العلاقات بين مصر وتركيا، وتجاوز الخلافات بينهما، هو ما يؤكد عليه الجانبان من وجود إرادة حقيقة للمواصلة في جهود إصلاح العلاقات من خلال الحوار بغية تسوية الخلافات العالقة، بحسب العزاوي. الذي أشار إلى أن الظروف الإقليمية والدولية السابقة التي أدت إلى توتر العلاقات بين الجانبين، عادت نفسها اليوم لتدفع الطرفين إلى التصالح، وهو ما بدا جلّيا بخطوات أنقرة في ترميم علاقاتها مع خصومها مثل السعودية وإسرائيل والإمارات.

الإمارات التي عملت في السابق على تعقيد الأزمة التركية المصرية، تحوّلت الآن إلى عامل مُساعد للمصالحة. بدأت تركيا منذ عامين انعطافة في سياستها الإقليمية وأصلحت علاقاتها مع حلفاء مصر كالإمارات والسعودية وإسرائيل وقيّدت نشاط جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية على أراضيها. كما أحدثت تحوّلا في موقفها من الحكومة السورية.

العزاوي لفت إلى أن، منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا كبيرا على مستوى تسوية الخلافات وتجاوز العقبات بين الدول، وهو ما ظهر في عودة العلاقات بين ألد عدوين وهما السعودية وإيران، ما يؤكد أن المنطقة قد استشعرت حالة الاستقطاب والتدافع التي يشهدها العالم لاسيما ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولذلك تحاول دولتا تركيا ومصر اللحاق بركب المتصالحين، وإغلاق الجبهات التي لا فائدة منها على المستوى الاستراتيجي.

اقرأ/ي أيضا: أوقات الاضطراب الاقتصادي تقترب.. هل توفر العملات التقليدية ملاذا أمنا؟

البلدان تصارعا وتنافسا سياسيا واقتصاديا في الحرب الأهلية الليبية، ففي حين دعمت مصر رجل ليبيا القوي خليفة حفتر، وساعدته لمنع تشكيل حكومة يشارك فيها الإسلاميون؛ وقفت تركيا إلى جانب فايز السراج، رئيس الحكومة السابقة المعترف بها دوليا، وفي عام 2019 وقّعت تركيا مع السراج على اتفاقية تم بموجبها تحديد المياه الإقليمية للبلدين من جديد، وبموجب هذه الاتفاقية التي تعرضت لانتقادات دولية، وسّعت تركيا مياهها الإقليمية إلى قرب جزيرة كريت اليونانية، حيث تعتقد تركيا أن هناك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في تلك المنطقة.

أما مصر فوقفت حتى الآن إلى جانب اليونان في خلافها مع تركيا حول موارد الغاز في البحر المتوسط. وفي صيف عام 2020 وقّعت مصر واليونان اتفاقية تم بموجبها تحديد المنطقة الاقتصادية لكلا البلدين في شرقي المتوسط. وانتقدت تركيا الاتفاقية وقالت إنها “اتفاقية قراصنة”.

قبل ذلك، كانت مصر وتركيا قد عقدتا في أيار/مايو 2021، جولتين من المحادثات الاستكشافية لتطبيع العلاقات، إلا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري أعلن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أنه لم يتم استئناف مسار المحادثات الاستكشافية مع تركيا؛ لأنه لم تطرأ تغيرات على ممارساتها، وأن الأمر يرجع مرة أخرى إلى ضرورة الالتزام بالمعايير والقواعد الدولية، لافتا إلى أنه من الأمور المثيرة للقلق عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف، وذلك يبرهن على أن المجتمع الدولي يعمل لتحقيق المصالح وليس لاعتماد مبادئ يجب أن تكون راسخة في إدارة العلاقات الدولية.

تأكيدات مصرية تركية على إعادة العلاقات 

لكن خلاف ذلك، جاءت زيارة تشاوش أوغلو لمصر، لتفتح المجال بشكل جَدّي لإعادة العلاقات بين البلدين، حيث أكد وزير الخارجية المصري ونظيره التركي، سعي بلديهما إلى تطبيع العلاقات بينهما، وبدء مرحلة جديدة من التعاون، وقال شكري، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أوغلو بالقاهرة، إن بلاده تعمل من أجل تطبيع العلاقات مع تركيا وبدء مرحلة جديدة من التعاون المشترك.

إذ سيجري العمل، بحسب شكري، على إعادة تبادل السفراء خلال الفترة المقبلة، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي من جانبه، قائلا إن بلاده ستعمل على إعادة تبادل السفراء مع مصر خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى وجود إرادة سياسية جادة من أجل تطوير العلاقات.

في المقابل، وصف شكري المباحثات مع نظيره التركي بالمهمة والشفافة، قائلا إنه، لدينا أرضية صلبة ونحن على ثقة بأننا سنستعيد العلاقات مع تركيا بشكل قوي، مبيّنا أن هناك رغبة لتطوير العلاقات واستعادة زخمها على كل المستويات السياسية والاقتصادية، بحيث أن كل المجالات مفتوحة في إطار الإرادة المشتركة لتنمية العلاقات وتطويرها مع تركيا.

كذلك أكد شكري في السياق على العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا ومكانتها المهمة رغم الفتور الذي مرّ بالعلاقات الثنائية، في حين أشار وزير الخارجية التركي، إلى أنه جرى خلال اللقاء بحث التعاون في قضايا الاقتصاد والطاقة والمجال العسكري، والتأكيد على التضامن وعدم الرجوع إلى فترة التوتر في العلاقات، مبينا أن الرئيسين التركي والمصري، رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي، تعهدا خلال لقائهما بالدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بتطوير العلاقات بين بلديهما.

هذا وتناولت محادثات الوزيرين، وفق شكري، الأوضاع الإقليمية المتصلة بفلسطين وسوريا وليبيا والعراق والاتفاق الإيراني السعودي، فيما ذكر وزير الخارجية التركي أنهما تطرقا إلى القضية الفلسطينية مع اقتراب شهر رمضان، مرحّبا بجهود مصر والأردن لخفض التوتر.

بناء على ذلك، فإن الحديث عن عودة العلاقات المصرية التركية بات تحصيل حاصل، وذلك لما أظهره البلدان من تفاهم عالي المستوى، بجانب مستوى الإدراك للمخاطر الدولية والإقليمية التي تحيط بهما، لاسيما وأن البلدين يعيشان أزمات داخلية متعددة على رأسها تدهور الاقتصاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.