في خضم الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة “حماس” الإسلامية في قطاع غزة، يبدو أن أسد أو سلطان “السُّنة”، رجب طيب أردوغان، اختار الأساليب الشعبوية مثل خطاباته المعتادة لتبرير موقفه الضعيف في الدفاع عن غزة والفلسطينيين.

وبحسب تقارير صحفية، فإن هذا الأسلوب يكمن في عرض المسلسل التلفزيوني التركي “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي” بالتزامن مع أحداث غزة، الأمر الذي يعكس الماضي على الحاضر، مستفيدا من زخمه وأهميته للتخفيف من محدودية دور أنقرة اليوم في حرب غزة.

وقد بدأ التلفزيون التركي، يوم أمس الإثنين، بعرض مسلسل “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي”، من إنتاجه. ويتناول المسلسل تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي وهو من إخراج سادات إينجي، ويعرض على القناة الأولى في التلفزيون التركي “تي آر تي 1”.

أردوغان والاستعانة بصلاح الدين!

في هذا السياق، قال تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية، إن كتّاب السيناريو يركزون على شخصية صلاح الدين كزعيم إسلامي دون التطرق إلى أصله الكُردي، حتى لا يؤثر ذلك على هدف الاستثمار في إظهار الدور التركي في حملته لفتح القدس بإعطاء مساحة أكبر لتسليط الضوء على فكرة أن العديد من جيشه كانوا أمراء وجنود أتراك ورثهم من سلطنة الأمير التركي نور الدين زنكي، سلطان دمشق وحلب.

المسلسلات التركية تحكي التاريخ بطريقة تناسب مصالح أردوغان أكثر من رواية الحقائق- “إنترنت”

هذا فضلا عن مراهنة المسؤولين الأتراك على أن المسلسلات التاريخية تساعد بشكل أفضل من المواقف السياسية المباشرة في نقل وجهة نظر بلادهم وترسيخها في أذهان جمهور واسع من محبّي المسلسلات في العالم الإسلامي، خاصة أنها مترجمة إلى العديد من اللغات. ويتم بثّها بشكل متزامن ولفترات طويلة، مما يسمح بالارتباط مع أبطال المسلسلات التي تروّج لصورة تركيا.

ويقول التقرير، إن مسلسل “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي” سيكون بمثابة أداة وظيفية مهمة لأردوغان، على اعتبار أن بثّه يتزامن، على الأرجح بشكل مقصود، مع التصعيد في غزة لإظهار أن تركيا لها ميراث في نصرة الفلسطينيين، وكان لأمراء وجنود القبائل التركية دور مؤثر في فتح القدس وهزيمة الصليبيين.

خاصة وأن تركيا تبدو بالوقت الراهن في أمسّ الحاجة إلى تمجيد الماضي بهدف التغطية على الدور المحدود للرئيس أردوغان في نجدة الفلسطينيين. ويعرف الرئيس التركي أن السقوط في اختبار الملف الفلسطيني لا يمكنه لاحقا إصلاحه لدى الشارع العربي والإسلامي.

ومنذ اندلاع الصراع في غزة، وتركيا تتحرك على خيط رفيع جدا، أي أنها تحاول خلق نوع من التوازن بين الطرفين، ومن ثم لعب دور الوسيط، من أجل تحقيق مكاسب سياسية براغماتية. ولا يتوقف أردوغان، عن استغلال أي ظرف أو حرب تحدُث في المنطقة من أجل مصالحه، إضافة إلى أنه لا يريد أن يخسر أي طرف على حساب الآخر، خاصة مع إسرائيل، وسط إطلاق تصريحات شعبوية رنّانة حديثا.

ويبدو أن أردوغان اليوم في وضع حرِج جدا، إذ لا يستطيع الانحياز إلى طرف دون الآخر، وهنا، وبعد تداول أنباء عن اهتزاز علاقته وأعضاء حزبه مع “حماس”، خرج ليُثبت بطريقة غير مباشرة، إنه غير منحازٍ تماما لتل أبيب، عبر إطلاق تصريحات شعبوية قد اعتاد عليها في السابق، حيث قال إن “حركة حماس ليست منظمة إرهابية، بل هي جماعة تحرير تخوض معركة للدفاع عن أرضها”.

بمعنى آخر، يريد هذا الرجل المعروف بمواقفه الانتهازية، الاستفادة من علاقاته واتصالاته الجيدة مع طرفي الصراع في غزة، فضلا عن استثمار علاقاته مع الأطراف الخارجية الفاعلة في الملف الفلسطيني، فضلا عن استغلال المشهد العام بإطلاق عدّة عبارات تعبوية، إلى جانب المظاهرة المليونية بقيادته في إسطنبول، واليوم عبر بثّ مسلسل “صلاح الدين الأيوبي”، وكل ذلك بغية تحقيق مصالحه أولا وأخيرا على حساب ما يجري حاليا في المنطقة. وذلك باتباع سياسات براغماتية بحتة.

مصالح أردوغان

من ناحية أخرى، سعت المسلسلات التاريخية إلى تقديم صورة لتركيا كإمبراطورية مترامية الأطراف حقّقت العديد من النجاحات، وهيمنت على العالم الإسلامي لعدة قرون، وخلقت شخصيات موحدة. وتضمنت معظمها اقتراحات وإشارات خفية إلى ضرورة إحياء تلك الإمبراطورية “السلطنة العثمانية” واستعادة تلك الشخصيات، وهو ما يمثل جهدا واضحا لخدمة صورة أردوغان وحلمه بقيادة المنطقة واستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية المزعومة.

قال أردوغان قبل نحو عامين، إن “من يشرعن الاحتلال الإسرائيلي، ويوافق على خطة ضمها للقدس والأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بحق إخوتنا الفلسطينيين، يهين صلاح الدين الأيوبي”!

وبينما تسرد المسلسلات التركية التاريخ بما يتناسب مع المصالح السياسية لسلطة أردوغان بشكل يمجّد التاريخ العثماني، تشير العديد من الدراسات التاريخية إلى أن الحُكم العثماني لم يكن كما صورته المسلسلات التركية عنصر توحيد، وإن العثمانيين ارتكبوا مجازر في بلاد المسلمين شرقا وغربا، وأنهم ظلموا وأفقروا الشعوب التي حكموها في البلاد. وقد أصبحت المسلسلات التاريخية عنصرا من عناصر القوة الناعمة التركية، وفي الوقت نفسه مصدرا لعائدات مالية ضخمة.

تدعيما للفرضية التي نتحدث عنها هنا، قال أردوغان قبل نحو عامين، إن “من يشرعن الاحتلال الإسرائيلي، ويوافق على خطة ضمها للقدس والأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بحق إخوتنا الفلسطينيين، يهين صلاح الدين الأيوبي”. وجاء ذلك في رسالة من أردوغان آنذاك إلى “ندوة صلاح الدين الأيوبي” بالعاصمة أنقرة.

ووصف أردوغان، صلاح الدين الأيوبي، بأنه “قائد عاشق للقدس، وأن مكانته كبيرة ليس في قلوب المسلمين فحسب، بل حتى عند أعدائه”، مؤكدا أن “الأمانة الأكبر التي تركها لنا صلاح الدين الأيوبي، هي القدس القبلة الثانية للمسلمين، بعد تحريرها من الصليبيين وإحلال السلام فيها”.

كما وأشار سلطان “السُّنة” حينذاك إلى أن “نصرة القدس، وإجلالها والغيرة عليها، واجب على كل مسلم”، مشددا على أهمية عقد ندوة “باسم صلاح الدين الأيوبي، حول القدس، في فترة كثُرت فيها خطوات التطبيع مع إسرائيل”، وفق وكالة “الأناضول” التركية.

تفاصيل المسلسل

من جانب آخر، أفاد أمره قونوق، منتج مسلسل “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي”، أن تحضيرات العمل استغرقت نحو عامين، مضيفا أنه جرى إعداد ديكورات تحاكي تلك الحقبة التاريخية، على مساحة 60 دونما من أجل تصوير العمل.

وأشار قونوق إلى مكانة القدس الهامة لدى المسلمين، وقضيتها الحاضرة في مختلف الفترات، منوّها أن إنتاج عمل يروي سيرة صلاح الدين الأيوبي كان بمثابة حلمٌ بعيد بالنسبة لهم، وتحقق في هذا الوقت، لافتا إلى تزامن عرض مسلسل صلاح الدين الأيوبي مع الأحداث التي تشهدها غزة حاليا.

ويعتبر مسلسل “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي”، واحدا من بين أهم الإنتاجات التركية، وذلك لأهمية الشخصية التاريخية والأحداث التي سيتم تناولها فيها، وضخامة الإنتاج، وطاقم العمل الكبير.

ووفق ما نشرته وكالة “الأناضول” التركية، فإن المسلسل هو إنتاج تركي باكستاني مشترك، من خلال كل من شركة “أكلي” التركية و”أنصاري شاه” الباكستانية لإنتاج الأفلام والمسلسلات. إذ تم الاتفاق على التحضير للمسلسل منذ سنة 2021، بعد أن تحدد تصويره في تركيا، وبمشاركة ممثلين أبرزهم من تركيا، وبعضهم من باكستان، وسيعرض على ثلاثة أجزاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات