بعد قطيعةٍ دامت لسنوات طويلة ما بين مصر وتركيا، نتيجة قيام الأخيرة بشنّ حرب إعلامية ضد القاهرة ثم توفير ملاذات آمنة لقيادات جماعة “الإخوان” المصنّفة إرهابية في مصر كما في عدّة دول عربية، بدأت العلاقات بين البلدين تتّجه نحو المصالحة والتقارب خلال الأشهر الماضية.

ومن الواضح أن تركيا تحاول استعادة علاقاتها مع مصر الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث يستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لزيارة رسمية لمصر في 14 شباط/ فبراير الجاري.

لكن اللافت أن أنقرة وافقت على تسليم مسيّرات قتالية إلى مصر، في خطوة يمكن اعتبارها، من جهة، تودّداً تركياً للجانب المصري، ومن جهة أخرى، قد تكون مؤشراً على استكمال المصالحة بين البلدين، بحسب ما أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمس الأحد.

تودّد تركيا لمصر

بحسب “فرانس برس”، أكد هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية، أن “عملية التطبيع اكتملت بشكل كبير. العلاقات بين البلدين مهمّة للأمن والتجارة في المنطقة”.

وأردف فيدان، “لقد اتفقنا على تزويدهم بمسيّرات”، مؤكداً أنه “يجب أن تربطنا علاقات جدّية بمصر من أجل الأمن في البحر الأبيض المتوسط”. وتأكيد الوزير التركي هنا على ضرورة استعادة علاقات جدّية مع الجانب المصري، يشير إلى مدى حاجة تركيا لاستعادة علاقاتها الإقليمية بعد سنوات من العِدائية تجاه العديد من دول المنطقة، وخاصة بعد تتالي الأزمات التي عصفت بتركيا ولا سيما الأزمة الاقتصادية.

لقاء سابق ما بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان-” الصورة من الإنترنت”

ومن المتوقع أن يلتقي الرئيس التركي في 14 شباط/ فبراير نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان أردوغان وصفه بـ”الانقلابي”، وفق وكالة أنباء “أنكا” التركية، أي بعد اثني عشر عاماً من القطيعة بين الزعيمَين.

وتعود آخر زيارة لأردوغان إلى القاهرة إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، عندما كان رئيساً للوزراء، للقاء الرئيس آنذاك، محمد مرسي.

واستدعى البلدان سفيريهما بعد تولّي عبد الفتاح السيسي الحُكم إثر إطاحته في 2013 الرئيس الإسلامي مرسي، الذي كانت أنقرة من أبرز داعميه.

واستأنف الرئيسان التواصل، حيث تصافحا في نوفمبر 2022 على هامش بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر. وفي فبراير/ شباط 2023، تواصل أردوغان والسيسي عبر الهاتف بعد وقت قصير من وقوع زلزال مدمّر ضرب تركيا وسوريا، وأودى بعشرات الآلاف. وفي تموز/ يوليو 2023، أعلن البلدان إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.

أفق التقارب المصري التركي

القطيعة التي حصلت بين مصر وتركيا، كانت نتيجة توفير الأخيرة لملاذات آمنة لعدد من الشخصيات المنتمية إلى تيار الإسلام السياسي، والذين تورّط بعضهم في حوادث عنف واغتيالات، بالإضافة لاحتواء جماعة “الإخوان”.

لكن يبدو أن العلاقات بين البلدين تتّجه نحو التقارب من جديد وربما طيّ صفحة الخلافات، وذلك إذا ما تمّ التوصل إلى تفاهم وتسوية بينهما حول عدد من القضايا والأمور سواء في ملف “الإخوان المسلمين” أو ليبيا أو الغاز المستكشف في البحر الأبيض المتوسط.

وربما تبدو تهدئة أو محاولة لإيجاد مقاربة سياسية جديدة ومغايرة، من خلال فتح قنوات دبلوماسية لإدارة العلاقات التي شهدت درجة قصوى من التأزم بين القاهرة وأنقرة، حيث انخرطت القاهرة وأنقرة في محادثات، منتصف العام الماضي، بينما عاود التواصل من نوع آخر، وهو زيارة أردوغان لمصر وموافقة تركيا على تسليم القاهرة مسيّرات قتالية، بات يفرض نفسه على العلاقات.

وتشير التقديرات إلى أن زيارة أردوغان لمصر واتفاق بلاده على تسليم طائرات مسيّرة مقاتلة لمصر، مؤشرٌ على تقارب جدّي بين البلدين، وسط عدم معرفة كيف يمكن أن تسير العلاقات فيما يتعلق بإدارة صراعات المنطقة، سواء في ليبيا، أو غاز البحر المتوسط، أو حتى سوريا، وحل الخلافات العالقة بين البلدين.

يبدو أن العلاقات بين مصر وتركيا قطعت شوطاً كبيراً على صعيد التقدم بعد حل بعض القضايا الخلافية، والاستعداد لزيادة مستوى التبادل التجاري بينهما.

وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين تبدو أنها قطعت شوطاً كبيراً على صعيد التّقدم بعد حلّ بعض القضايا الخلافية، والاستعداد لزيادة مستوى التبادل التجاري بينهما، لكن مسألة حلّ “الإخوان” تظلّ إحدى أبرز العقبات أمام عودة العلاقات بين مصر وتركيا، رغم من استجابة القنوات المحسوبة على جماعة “الإخوان” للتعليمات لتخفيف حدّة الانتقادات الموجّهة للحكومة والنظام في مصر. حتى أن إحدى هذه القنوات توقّفت عن البثّ بشكل كامل من الأراضي التركية. لكن القاهرة لها مطالب مباشرة بتسليم العناصر المتورّطة في الاغتيالات، وهو ما لا يمكن التعويل عليه كثيراً، وإن سياسة تركيا تجاه التعامل مع ملف دعم الإخوان، قد تغيرت مؤخراً.

وذلك لأن أنقرة قد تمارس سياسة مصالحات براغماتية مؤقتة تخضع للظروف المباشرة ولغة الأرقام. لكن في العموم، يبدو أن العلاقات بين البلدين صار في مراحل متقدمة من التقارب والمصالحة وإن كانت غير كاملة، خاصة وأن هذا التقارب يأتي في ظل جملة من الأزمات والأوضاع المرتبكة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتزامن الأزمة الاقتصادية في مصر مع أزمات أخرى في الداخل التركي، وهو ما يحاول نظام أردوغان التعاطي معها عبر العودة إلى انتهاج استراتيجية صفر مشكلات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات