جدل واسع أثارته زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو إلى طهران مطلع هذا الشهر، فهل دخلت موسكو على خط التصعيد المحتمل وإمكانية اندلاع مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ “حركة حماس”، إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية؟
واتسع الجدل حول الزيارة إلى إيران، بعد أن ألحقها شويغو بزيارة إلى أذربيجان، ما أثار التكهنات حول تحذير روسي بضرورة تجنّب باكو أي أنشطة لصالح إسرائيل فيما يتعلق بإيران في هذا التوقيت بالذات.
الزيارة المجدولة جاءت بناء على دعوة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان، قالت وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم”، فيما نفت “فورين بوليسي” الوضوح عن جدولة الزيارة أو أنها جاءت نتيجة التصعيد الطارئ في المنطقة، بينما قالت إذاعة “أوروبا الحرة”، إن زيارة المسؤول الروسي الذي شغل سابقا منصب وزير الدفاع، تثير الشكوك حول مساعي موسكو للحصول على صواريخ إيرانية.
3 رسائل أساسية حملتها الزيارة، حسب “مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية“، أولها تضامن موسكو مع طهران وتقديم المساعدة لمساندتها دفاعيا لا هجوميا، وثانيها النصح بعدم الانجرار إلى “فخ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو” الساعي لاستدراج أميركا مباشرة إلى الصراع عبر إشعال حرب إقليمية، مما يضطر موسكو حينها للتدخل، وثالثها، محاولة تحييد سوريا كساحة لهذه المواجهات، حفاظا على مصالح روسيا وقواعدها العسكرية هناك. إذ إن إشعال الجبهة السورية سيؤدي لأضرار كبيرة على دول كثيرة، وحينها ستكون موسكو مضطرة للرد.
بدورها، أشارت زميلة “مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي”، نيكول غراييفسكي، خلال حديثها مع “إذاعة أوروبا“، إلى أن “المطالب الواسعة لساحة المعركة (ساحة أوكرانية) ربما تكون قد أرهقت قدرات الإمداد في كوريا الشمالية”. لذا، ربما تسعى موسكو للحصول على صواريخ باليستية إيرانية كاستراتيجية “لتقليل اعتمادها على كوريا الشمالية”، مما سيسمح لموسكو بـ التأليب ضد بيونغ يانغ وطهران ضد بعضهما البعض، “مما قد يزيد من فوائدها الاستراتيجية”. كذلك “تتمتع الطائرات الإيرانية بدون طيار بميزة نسبية على الطائرات الروسية”، لكن مع الصواريخ الباليستية، فإن الأمر “يتعلق بالكمية وليس بالنوعية”.
تبادل المنافع
مصدران استخباراتيان أوروبيان قالا لوكالة “رويترز“، إن عشرات العسكريين الروس يتدربون في إيران على استخدام نظام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى من طراز “فاتح 360” متوقعين تسليما وشيكا لمئات الأسلحة الإيرانية الموجهة بالأقمار الصناعية إلى روسيا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا.
“إيران عازمة على الانتقال من وضع الشريك الأصغر لروسيا، وهذا أحد الأسباب التي ترجح عدم تجزئة التعاون بين البلدين في مجال الأسلحة بشأن أوكرانيا”، حسب زميل “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، بهنام طالبلو. مؤكدا أن “ناقلات التعاون هذه من المرجح أن تتعمق”.
زيارة شويغو إلى طهران زيارة مغرقة في الجدل، حسب الخبيرة الأميركية بالشؤون الدولية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، وينبغي النظر لها كتوسّع استراتيجي لعلاقات روسيا مع إيران، ليس لأن المسؤولين في طهران قالوا ذلك، بل لأن من بين أهداف الزيارة مناقشة دور روسيا الموسّع في المنطقة. حيث تلعب روسيا بالفعل دورا اقتصاديا رئيسيا فيما يتعلق بالنفط في العراق، وتعمل على إعادة دمج سوريا مع القوى الإقليمية الأخرى.
روسيا بدأت بتسليم إيران معدات دفاع جوي ورادارات متطورة، وفقا لـ “معهد بيلفور“، وهو ما أكدته مجلة “فورين بوليسي” أيضا، بحديثها عن طلب إيران لأجهزة رادار ومعدات دفاع جوي من روسيا، وأن عمليات التسليم جارية بالفعل. وفي حديثها للمجلة، قالت مديرة أوراسيا في مركز “جيمس مارتن” لدراسات منع الانتشار النووي، هانا نوت: “الإيرانيون لديهم قائمة واسعة من الرغبات من روسيا”، مشيرة إلى أن البلدين يتعاونان في الحرب الإلكترونية أيضا. وإلى استفادة موسكو من الخبرة الإيرانية بالتهرّب من العقوبات الغربية. ووفقا للمجلة، ضغطت طهران على شويغو خلال الزيارة لأجل الحصول على طائرات SU-35، والتي لم تسلّمها موسكو إلى طهران حتى الآن بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية العام الماضي.
اللافت هنا، أن غموض الزيارة لا يحجب الضوء عن التعاون الاستراتيجي المتنامي بين الدولتين، اللتان طوّرتا علاقاتهما بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وبالتالي قد تشمل النقاط الرئيسية للزيارة مناقشة علاقاتهما السياسية والأمنية، والتعاون الاقتصادي لمواجهة العقوبات الغربية، وقضايا الأمن الإقليمي، بما فيها الحرب المستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط.
فالزيارة كانت مهمة في ظل التصعيد الحاصل بمنطقة الشرق الأوسط، حسب محلل وخبير الشؤون الروسية، ديمتري بريجع. معتقدا خلال حديثه لـ “الحل نت”، بتزويد روسيا لإيران بأسلحة دفاع جوي جديدة مع تبادل الخبرات العسكرية، وهو ما كان يتم بصورة تصاعدية في السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد عام 2022 مع انطلاقة ما تسمى بـ “العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا”، حيث زاد التقارب بعدها بين روسيا وإيران، وبين روسيا والصين، وهو ما يثير هواجس الغرب، بحسب بريجع.
غزو أوكرانيا رافعة لعلاقة الدولتين
زيارات متبادلة رفيعة المستوى لمسؤولين عسكريين ودفاعيين تميزت بها الفترة اللاحقة لغزو روسيا لأوكرانيا نهاية شباط/ فبراير 2022، حسب موقع “WAR ON ROCKS“، بما فيها لجنة التعاون العسكري المشترك الثنائية، ذات الأهمية الخاصة لتعاون هيئة الأركان العامة في البلدين اللذين يتفاوضان على تجديد اتفاق استراتيجي مدّته 20 عاما و ستستأنفان المحادثات من أجل وضع اللمسات الأخيرة عليه بمجرد استقرار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وحكومته في السلطة. وتاليا، ينبغي توقّع تعاونٍ موسعٍ بينهما مع زيادة إضفاء طابع مؤسسي على علاقتهما الدفاعية، ليس على المستوى الرسمي فقط، لكن على مستوى الكيانات الأدنى التي تتطلع إلى شراء التقنيات لدعم برامجها التسليحية.
في هذا السياق، أشار “معهد دراسات الحرب” (ISW)، إلى أفكار روسية بتزويد “حركة أنصار الله” اليمنية، المعروفة أيضا بـ “الحوثيين”، بعدد غير محدد من الصواريخ والمعدات العسكرية. ورغم عدم إقدام موسكو على الخطوة، لكنها تسلّط الضوء على الشراكة العسكرية الروسية المتنامية مع إيران، بهدف الاستفادة من وكلاء إيران لمواجهة الغرب بشكل غير مباشر.
بعد اغتيال هنية، أعربت طهران عن اهتمامها الشديد بالحصول على أنظمة دفاع جوي روسي أكثر تطورا، حسب تسوكرمان. بعد اغتيال إسماعيل هنية وتعهّدت إيران بالانتقام المباشر من إسرائيل، وإذا تلقت إيران بالفعل مثل هذا النظام واستخدمته في سياق المواجهة مع إسرائيل، فإن هذا التطور سيشير إلى مستوى آخر لتوسيع وتكامل “محور المقاومة” ليشمل جهات فاعلة إضافية خارج الشرق الأوسط، بالنسبة لروسيا فإن هذا يعني توسّع النشاط المناهض للغرب على جبهة أخرى إلى جانب أوكرانيا وأوروبا وإفريقيا، وقد ينتهي الأمر بإسرائيل إلى أن تكون جزءا من حرب أكبر بالوكالة في الشرق الأوسط بين روسيا والولايات المتحدة.
موسكو تمتلك صواريخ باليستية خاصة بها، إلا أن صواريخ “فاتح 360” قد تسمح لها باستخدام المزيد من ترسانتها لأهداف خارج خط المواجهة، قال خبير عسكري لـ “المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب“. وهو ما قد يمّكن موسكو ومن استخدام الرؤوس الحربية الإيرانية لأهداف أقرب مدى. وبرأيه “سيمثّل تصعيدا دراماتيكيا في دعم إيران لروسيا بحربها على أوكرانيا”، منوّها لتحذير واشنطن “مرارا وتكرارا من تعميق الشراكة الأمنية بين روسيا وإيران منذ بداية حرب أوكرانيا”.
إلا أن مسؤولا إيرانيا فضّل طمس هويته، نفى خلال حديثه للمركز الأوربي، تزويد طهران لموسكو بصواريخ “فاتح 360” مع إقراره ببيعها لصواريخ وطائرات بدون طيار. “لا يوجد حظر قانوني على بيع طهران مثل هذه الأسلحة لروسيا”، قال المسؤول الإيراني، وأضاف، أن إيران لم تبع أسلحة لروسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا، لكن الدولتين تشتركان في شراء متبادل للأجزاء والمعدات العسكرية. و”كيفية استخدام كل دولة لهذه المعدات هو قرارها بالكامل”.
وفقا للمنظور الإيراني، تأتي زيارة شويغو واجتماعه بكبار المسؤولين الإيرانيين كجزء من تواصلٍ مهم لتعزيز تحالفها ضد الغرب، وتحديدا إسرائيل، حسب تسوكرمان. مضيفة، رغم إعراب روسيا عن دعمها لحركة “حماس”، وتعاونها مع “محور المقاومة” بشأن القرارات الدولية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، إلا أن روسيا لم تشارك بعد بشكلٍ حاسم في الإجراءات العسكرية النشطة ضد إسرائيل. لذا، فـ الاجتماع مع شويغو أوضح علامة حتى الآن على أن إيران تسعى للحصول علانية على الدعم العسكري الروسي، وليس مجرد الدعم السياسي في تحركاتها الموسّعة لمواجهة إسرائيل.
موسكو وطهران.. توافق الرؤى
الحرب المستمرة على غزة أضافت مشكلة جديدة لعلاقة إيران بالغرب، حسب حديث الدكتور حميد رضا عزيزي لمجلة “IPS“، وهو زميل زائر في قسم إفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، حيث أدت هذه التطورات لإضعاف احتمالية إحياء الاتفاق النووي الإيراني أو التوصّل إلى اتفاق جديد بين إيران والولايات المتحدة، ما قد يزيد اندفاع إيران نحو روسيا والصين. وبرأيه، توافق الروايات والتصورات بين إيران وروسيا للحرب في غزة يتجاوز سياقها المباشر نحو استراتيجية تهدف إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، تتولى فيه الدولتان، دورا أكثر وضوحا. ووفقا لـ عزيزي، اتخذت طهران من موقف موسكو تجاه الحرب على غزة كدليل على حكمة قرارها بدعم روسيا في حربها على أوكرانيا.
إلى جانب ذلك، فإن الضعف الشديد الذي طال حركة “حماس”، نتيجة استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، قد يدفع طهران نحو تطوير أسلحة نووية كرادع نهائي. وحينها ستحتاج إلى دعم موسكو. وفي حال اعتماد استراتيجية بديلة أو تكميلية، فالخيار هو تشكيل تحالف عسكري مع “القوى الصديقة” كروسيا والصين. لذا فإن تعزيز العلاقات مع روسيا يظل أمرا بالغ الأهمية لدى إيران. حيث تشير كل المؤشرات إلى ميل متزايد لدى الجانبين لإقامة شراكة عسكرية قوية، مدفوعين باحتياجاتهما العملية وتوقّعاتهما الاستراتيجية طويلة الأجل.
اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران تقترب من وضع اللمسات الأخيرة، وفق ما تورّده وسائل الإعلام الروسية، يقول بريجع، وقد تشتمل على جانب دفاع مشترك بين البلدين، تقضي بوقوف أي دولة إلى جانب الأخرى في حال تعرّضت أيٍّ منهما لاعتداء على أراضيها.
مع ذلك، لا يمكن الحديث عن تحالف شامل وكامل بين الدولتين، لتباين نهجهما. فروسيا على الملف العسكري التجاري الاقتصادي، بما فيهما من ملفات النفط والغاز في الشرق الأوسط. فيما تعتمد إيران على الملف العقائدي. ورغم وجود استثمارات اقتصادية لها، فإن صلب تركيزها منصب على ما يسمى “محور المقاومة”، الذي يضم الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا لبنان واليمن. وبحسب بريجع، كان لروسيا نهجٌ مقارب لذلك عبر شركة الخدمات الأمنية “فاغنر”، إلا أنها تخلت عن ذلك، بعد تمرّد “فاغنر” على الدولة الروسية صيف العام الماضي.
ما يقرب الدولتين حاليا، هو ابتعاد روسيا عن الغرب، مع وجهات نظر متقاربة لدى الدولتين، فليس لدى روسيا حليف آخر غير إيران والعكس صحيح. إضافة إلى نظرة طهران للفائدة المتأتية من تقاربها مع روسيا لناحية مواجهة مشاكلها الأمنية. وهذا هو صلب التحرّك الروسي تجاه إيران أيضا، قال خبير الشؤون الروسية بريجع، فيما ختمت تسوكرمان حديثها لـ “الحل نت” بالقول، إنه سابقا، كانت موسكو راضية بلعب جميع الأطراف في الشرق الأوسط لصالحها، لكنها الآن أصبحت تنظر بشكل متزايد إلى المنطقة من خلال منظور الحرب الباردة، وتنحاز علنا إلى “محور المقاومة” ضد إسرائيل، والذي يُنظر إليه الآن على أنه منخرط بالكامل في الحرب الباردة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.