التموضع الإقليمي والدولي الجديد للرئيس السوري بشار لأسد، وما إذا كانت روسيا تدفع الأسد في ثلاثة اتجاهات، وكيف سيدير الأسد تحالفاته الجديدة مع إيران وروسيا، وهل سيكون حزب “البعث” كطعم لكل الطبقات في البلاد، هذا ما يتم تداوله مؤخرا بعد الإعلان عن عقد اجتماع مهم لحزب “البعث” برئاسة الأسد، أمس الأربعاء.

يبدو أن طاولة مفاوضات الاقتصاد مقابل الأمن هو واقع بشار الأسد الجديد، واللامركزية كحل للشمال والجنوب السوري سيكون الشغل الشاغل للحكومة التي ستشكل حديثا، لكن هل سينجح الأسد في اتباع المسار الذي رسمته روسيا. إلا أنه في ظل التقلبات والمنعطفات المفاجئة في تموضع الأسد الإقليمي والدولي الجديد، ما مدى قدرة الرئيس السوري على المناورة في هذه اللعبة الجيوسياسية المعقدة؟

“البعث”.. لحلة جديدة

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، يجد الرئيس السوري بشار الأسد نفسه أمام تحدٍ كبير يتمثل في إعادة تموضع سوريا على الساحة الإقليمية والدولية. هذا التحدي يأتي في ظل مخاطر التصادم الإقليمي المتزايدة، والتي تفرض على الأسد ضرورة إعادة النظر في تحالفاته وعلاقاته الدبلوماسية.

بشار الأسد خلال خطابه في مجلس الشعب السوري – إنترنت

الصحفي والمحلل السياسي السوري، أيمن عبد النور، والذي كان قياديا سابقا في حزب “البعث” الحاكم في سوريا، كان قد لفت  – تعليقا على اجتماع الأسد باللجنة المركزية لحزب البعث – إلى أن هناك خطة تطوير، وإصلاح لهيكل العمل السياسي لدى حكومة دمشق ، وضمن تنفيذ جزء من الخطة جاء اجتماع أمس الأربعاء. 

وفق قراءة عبد النور، فإن الاجتماع أقر وضع نظام داخلي خاص باللجنة المركزية للحزب يحدد دورها ومهامها وعلاقتها بالقيادة المركزية (لتصبح كهيئة عامة للقيادة تحاسب وتفصل أعضاء) وبكافة البنى الحزبية، وناقش الاجتماع دور كتلة الحزب في مجلس الشعب لتطوير النظام الداخلي للمجلس.

كما ناقش الاجتماع أيضاً وقوف الحزب عبر كتلته داخل مجلس الشعب إلى جانب (استقلالية القضاء) المنصوص عليها بالدستور، وذلك في كل ما يرد من السلطة القضائية إلى المجلس، صوناً لحقوق الدولة والأفراد وتكريساً لمبدأ العدالة.

وأقر الاجتماع ضرورة وضع (نظامٍ مالي للحزب يكون مقدمة لفصل موارد الحزب واعتماده على موازنة الدولة) يضمن الشفافية والمسؤولية المالية لجهة موارد حزب “البعث” وميزانيته.

التحليلات الستة

في هذا المقال سنقدم تحليلاً صحفياً مفصلاً حول الموضوعات المطروح، مع مناقشة سياسية للمحاور التي تداولت بعد اجتماع الأسد مع القيادة المركزية لحزب “البعث”، وسنقسمها لستة أقسام رئيسية لتسهيل القراءة والفهم.

1. إعادة التموضع وفق المتطلبات الإقليمية والدولية:

يواجه بشار الأسد تحدياً كبيراً في إعادة تموضع سوريا على الخريطة السياسية الإقليمية والدولية. هذا التحدي ينبع من عدة عوامل:

أ. تغير موازين القوى الإقليمية: فمع تنامي دور دول الخليج وتركيا في المنطقة، أصبح من الضروري للأسد إعادة النظر في علاقاته مع هذه الدول.

ب. الضغوط الدولية: لا تزال سوريا تخضع لعقوبات دولية، مما يجعل من الضروري للأسد البحث عن سبل لتخفيف هذه العقوبات وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي.

ج. الأزمات الداخلية: يواجه النظام السوري تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة، مما يدفعه للبحث عن حلفاء جدد وموارد إضافية.

صور الرئيس السوري بشار الأسد (إلى اليمين) والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يقفان بينما يجلس الفلسطينيون عند مدخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، أثناء تسليم مساعدات إنسانية مقدمة من إيران في إطار شهر رمضان المبارك في 26 مارس/آذار 2024. (تصوير: لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

في ظل هذه التحديات، يسعى بشار الأسد إلى تبني سياسة خارجية أكثر مرونة، تسمح له بالموازنة بين مصالح حلفائه التقليديين (إيران وروسيا) وبين الفاعلين الجدد في المنطقة (دول الخليج وتركيا). هذا التوجه الجديد قد يشمل:

– محاولات لتحسين العلاقات مع الدول العربية، خاصة بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

– فتح قنوات اتصال مع تركيا، رغم التوترات التاريخية بين البلدين.

– الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا وإيران، مع محاولة تقليل الاعتماد الكامل عليهما.

2. إدارة العلاقات الجديدة في مواجهة التحالفات السابقة:

يواجه الأسد معضلة حقيقية في كيفية الموازنة بين علاقاته الجديدة المحتملة وتحالفاته السابقة. هذه المعضلة تتجلى في عدة نقاط:

أ. العلاقة مع إيران وروسيا: هاتان الدولتان كانتا الداعم الرئيسي للأسد خلال سنوات الحرب. أي تغيير في العلاقات معهما قد يؤثر سلباً على استقرار نظامه.

ب. الانفتاح على دول الخليج: قد يوفر فرصاً اقتصادية هامة لسوريا، لكنه قد يثير حفيظة إيران التي تعتبر بعض هذه الدول خصوماً إقليميين.

ج. التقارب مع تركيا: قد يساعد في حل بعض القضايا العالقة في شمال سوريا، لكنه قد يتعارض مع مصالح روسيا في المنطقة.

لإدارة هذه العلاقات المعقدة، قد يلجأ الأسد إلى استراتيجية متعددة الأوجه:

– الحفاظ على خطاب دبلوماسي متوازن يطمئن حلفاءه التقليديين مع فتح الباب للعلاقات الجديدة.

– تقديم ضمانات لروسيا وإيران بشأن مصالحهما الاستراتيجية في سوريا.

– استخدام الدبلوماسية الاقتصادية كوسيلة لتعزيز العلاقات مع الدول الخليجية دون التخلي عن التحالفات القائمة.

3. دور روسيا في إعادة تموضع الأسد:

تلعب روسيا دوراً محورياً في محاولات إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه دولياً وإقليمياً. وفقاً للمعلومات المتداولة، تدفع روسيا الأسد في ثلاثة اتجاهات رئيسية:

أ. إعادة هيكلة حزب “البعث”:

تسعى روسيا إلى تحويل حزب “البعث” إلى قاعدة جذب واسعة تشمل شرائح مختلفة من داخل النظام وخارجه. الهدف هو إجراء تغيير شكلي في الحزب يسمح بتقديمه كحزب جديد عند أي استحقاق سياسي، خاصة في إطار تنفيذ القرار الأممي 2254.

الرئيس السوري بشار الأسد، إلى اليسار، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوسط، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يراجعون وثيقة خلال اجتماعهم في سوتشي، روسيا، يوم الاثنين. التقى بوتين بالأسد قبيل انعقاد قمة بين روسيا وتركيا وإيران وجولة جديدة من محادثات السلام السورية في جنيف. (ميخائيل كليمينتيف، تجمع الكرملين عبر أسوشيتد برس)

هذه الاستراتيجية تهدف إلى:

– تجديد شرعية النظام محلياً ودولياً.

– تمكين الأسد من المشاركة في أي انتخابات مستقبلية كمرشح لحزب “جديد” بدلاً من حزب “البعث” التقليدي.

– تجاوز العقبات القانونية والسياسية التي قد تفرضها تطبيقات القرار 2254.

ب. التفاوض الإقليمي حول الاقتصاد والأمن:

تدفع روسيا باتجاه إعداد طاولة تفاوضية إقليمية تركز على مقايضة المصالح الاقتصادية بالترتيبات الأمنية. هذا النهج يهدف إلى:

– جذب استثمارات إقليمية لإعادة إعمار سوريا مقابل ضمانات أمنية.

– تخفيف العزلة الاقتصادية عن النظام السوري.

– إشراك دول المنطقة في عملية إعادة الاستقرار في سوريا، مما قد يقلل من نفوذ القوى الغربية.

ج. تطبيق اللامركزية الإدارية:

تقترح روسيا نظام لامركزية إدارية كحل للتعامل مع الواقع السياسي والأمني المعقد في شمال وجنوب سوريا. هذا النهج يهدف إلى:

– استيعاب المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة والجيش دون الحاجة لمواجهة عسكرية شاملة.

– تقديم حل وسط للقوى المحلية والإقليمية المتنافسة في هذه المناطق.

– الحفاظ على وحدة الأراضي السورية مع منح درجة من الحكم الذاتي للمناطق المختلفة.

4. تقييم فرص نجاح الاستراتيجية الروسية:

نجاح الاستراتيجية الروسية يعتمد على عدة عوامل:

أ. مدى قبول المجتمع الدولي: هل ستقبل القوى الغربية بإعادة تأهيل نظام الأسد وفق الشروط الروسية؟

ب. موقف الدول الإقليمية: مدى استعداد دول الخليج وتركيا للتعاون مع الأسد وحكومته وفق الرؤية الروسية.

ج. الوضع الداخلي في سوريا: قدرة الأسد على تنفيذ الإصلاحات المقترحة دون إثارة اضطرابات داخلية.

د. موقف إيران: مدى قبول طهران بتقليص نفوذها في سوريا لصالح ترتيبات إقليمية جديدة.

التحديات التي قد تواجه هذه الاستراتيجية تشمل:

– رفض المعارضة السورية لأي حل يبقي الأسد في السلطة.

– عدم ثقة المجتمع الدولي في إصلاحات شكلية للنظام.

– صعوبة التوفيق بين المصالح المتضاربة للقوى الإقليمية.

5. الموقف الإيراني:

إيران، كحليف استراتيجي للأسد، ستواجه تحديات كبيرة في ظل هذه التحولات:

أ. محاولات الحفاظ على النفوذ: ستسعى إيران للحفاظ على مكتسباتها في سوريا، خاصة وجودها العسكري والاقتصادي.

ب. مواجهة النفوذ الخليجي: قد تحاول إيران عرقلة أي تقارب بين سوريا ودول الخليج يهدد مصالحها.

ج. التنسيق مع روسيا: ستحاول إيران الموازنة بين مصالحها الخاصة والتنسيق مع روسيا لضمان عدم تهميشها في أي ترتيبات مستقبلية.

الإجراءات المحتملة لإيران قد تشمل:

– تعزيز وجودها الاقتصادي في سوريا لمواجهة أي نفوذ خليجي محتمل.

– استخدام نفوذها على الميليشيات المحلية للضغط على النظام السوري.

– محاولة التأثير على أي عملية إصلاح سياسي لضمان حماية مصالحها.

6. قدرة الأسد على التنفيذ العملي:

قدرة بشار الأسد على تنفيذ هذه الاستراتيجيات تعتمد على عدة عوامل:

أ. القدرة على المناورة السياسية: مدى براعة الأسد في الموازنة بين المصالح المتضاربة لحلفائه وخصومه.

ب. الوضع الاقتصادي: قدرة الحكومة السورية على تحمل تكاليف الإصلاحات المقترحة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

ج. التماسك الداخلي للنظام: مدى قدرة الأسد على إقناع الدوائر الداخلية في نظامه بضرورة التغيير.

د. الضغوط الخارجية: مدى نجاح الأسد في تخفيف العقوبات الدولية وجذب الدعم الاقتصادي.

التحديات الرئيسية أمام الأسد تشمل:

– مقاومة العناصر المتشددة داخل النظام لأي تغيير جوهري.

– صعوبة إقناع المجتمع الدولي بجدية الإصلاحات.

– التعامل مع التوقعات المتزايدة للشعب السوري في حال بدء أي عملية إصلاح.

ختاما، إن إعادة تموضع بشار الأسد وفق المتطلبات الإقليمية والدولية الجديدة تمثل تحدياً كبيراً ومعقداً. نجاح هذه العملية سيعتمد على قدرة الأسد على الموازنة بين مصالح القوى المختلفة، وتنفيذ إصلاحات حقيقية تتجاوز التغييرات الشكلية. أيضا الدور الروسي سيكون محورياً في هذه العملية، لكن نجاحها سيتطلب أيضاً تعاوناً من القوى الإقليمية والدولية الأخرى. إيران، كحليف رئيسي للأسد، ستواجه تحديات في الحفاظ على نفوذها في ظل هذه التحولات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات