وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء 4 أيلول/سبتمبر الجاري، إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه السلطة عام 2014، تلبية لدعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد أكثر من عقد من القطيعة والتوترات التي وصلت إلى حد “العداء” بين البلدين.

ونظراً لأن هذه الزيارة تأتي وسط العديد من التوترات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة، فإن التهدئة لإدارة المصالح السياسية والإقليمية يبدو أنها أصبحت حاجة ملحة بين القاهرة وأنقرة، خاصة وأن التقارب التركي المصري تسارع في الآونة الأخيرة، تحديداً عندما زار أردوغان القاهرة في 14 شباط/فبراير الماضي، والتي كانت الأولى له منذ 12 عاماً، بعد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.

السيسي في تركيا.. تهدئة سياسية

قبل زيارة السيسي لتركيا، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان القاهرة، والتقى الرئيس المصري ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، وركزت المناقشات بين الجانبين على كيفية تحقيق نتائج مثمرة من زيارة السيسي المتوقعة إلى تركيا.

وبحسب بيان صادر عن “الرئاسة التركية”، فإن زيارة السيسي، غير المسبوقة، تأتي “رداً” على زيارة أردوغان لمصر في منتصف شباط/فبراير الماضي.

جانب من استقبال أردوغان للسيسي يوم 4 أيلول/سبتمبر 2024- “الرئاسة التركية”

وأكد السيسي وأردوغان خلال تلك الزيارة رغبتهما في فتح “صفحة جديدة” في العلاقات بين البلدين، فضلاً عن عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسي البلدين، وذلك لـ”تأسيس مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين”، وفق ما أعلنت بيانات رسمية صادرة عن رئاسة البلدين.

من جانبه، أعرب السيسي في منشور على حسابه الرسمي بموقع “فيسبوك” عن سعادته بزيارته الأولى إلى تركيا. وقال: “لعل زيارتي اليوم، ومن قبلها زيارة فخامة الرئيس أردوغان للقاهرة، تعكس الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين مصر وتركيا، استناداً لدورهما المحوري في محيطهما الإقليمي والدولي، وبما يلبي طموحات وتطلعات شعبينا الشقيقين”.

وبعد سنوات من القطيعة، تحسنت العلاقات بين البلدين منذ حوالي سنتين، مع تقارب مصالحهما في العديد من الملفات الإقليمية، خاصة الحرب القائمة في قطاع غزة. وأثناء زيارة أردوغان للقاهرة، وقع الرئيسان عدة اتفاقات، ودعا إلى تكثيف المبادلات التجارية الثنائية وإلى تعاون دبلوماسي في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي المصري، سامح مهدي، أن زيارة السيسي لتركيا تأتي في إطار تلبية دعوة أردوغان كنوع من البروتوكول أولاً، ومن ثم الاتفاق على العديد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، خاصة ملف غاز البحر الأبيض المتوسط، والعديد من القضايا في قارة إفريقيا، ولا سيما السودان وليبيا والأزمة المندلعة حديثاً بين الصومال وإثيوبيا، فضلاً عن قضية جماعة “الإخوان المسلمين”، ولا نغفل ملفات الاقتصاد وتعزيز التجارة بينهما.

وهذه الزيارة تمثل نوعاً من التهدئة السياسية والإقليمية لا سيما في الملفات الشائكة التي تسببت في تباعد العلاقات بين الطرفين وامتدت لنحو عقد، وقد فرضت التداعيات الخارجية الدولية محاولة إيجاد ثمة فرص جديد لتلاقي كل طرف عند “أرضية للتفاهم المشترك، وإدارة الملفات بينهما عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية، بعيداً عن التنابذ والخصومة. فما يحدث في غزة مثلاً، أو بليبيا، وإفريقيا، فرض حتماً رغبة في أن يكون هناك تقارب وتنسيق بين البلدين سياسياً وتخفيف حدة أي ضغوطات”، يضيف المحلل السياسي المصري لـ”الحل نت”.

وحول ذلك، قال السفير أحمد فهمي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، إن زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، التي تأتي تلبية للدعوة المقدمة من نظيره التركي، “تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وللبناء على زيارة الرئيس أردوغان التاريخية لمصر في شباط/فبراير الماضي، وتأسيساً لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين، سواء ثنائياً أو على مستوى الإقليم”.

“صحيح أن إصلاح العلاقات مع القاهرة هو جزء من استراتيجية أردوغان الأوسع (سياسة صفر مشاكل) لإصلاح علاقاته مع دول المنطقة، لكن أردوغان لن يغير جلده، فتخليه عن الجماعات الإسلاموية، أمر مؤقت وكمون تكتيكي لأغراض براغماتية”.

الأكاديمي والمحلل السياسي المصري، سامح مهدي لـ”الحل نت”

وأوضح فهمي أنه من المنتظر أن تشهد الزيارة محادثات معمقة بين السيسي وأردوغان، إضافة إلى “رئاسة الرئيسين للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا، أعيد تشكيله وفقاً للإعلان المشترك الموقع خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة في 14 شباط/فبراير الماضي، الذي من المقرر أن يتناول سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات، إضافة إلى تبادل الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود وقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنهاء المأساة الإنسانية بالقطاع، وخفض التصعيد في الشرق الأوسط”، كما سيشهد الرئيسان التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين حكومتي الدولتين في مختلف مجالات التعاون.

فيما قال مكتب الاتصال بالرئاسة التركية في بيان أمس الثلاثاء، إنه “سيتم استعراض العلاقات التركية- المصرية في جميع جوانبها ومناقشة الخطوات المشتركة الممكنة في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون الثنائي بين البلدين”.

وأردف البيان “إضافة إلى العلاقات الثنائية، سيجري تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والعالمية الراهنة، وبخاصة الهجمات الإسرائيلية على غزة…”.

ماذا عن جماعة “الإخوان”؟

بحسب بعض التقارير الصحفية، فقد أصدرت السلطات التركية تعليمات مشددة لـ”جبهة إسطنبول” الإخوانية بعدم مهاجمة الزيارة أو انتقادها، سواء على القنوات الفضائية التابعة للجماعة والتي تبث من إسطنبول أو منصات التواصل الاجتماعي.

جانب من استقبال أردوغان للسيسي في أنقرة 4 أيلول/سبتمبر 2024-“الرئاسة التركية”

كما طالبت السلطات التركية العناصر الإخوانية بعدم الحديث من قريب أو بعيد عن ملفات متصلة بشؤون الجماعة أو علاقتها بمصر، محذرة المخالفين لتعليماتها بعقوبات كبيرة قد تصل للترحيل.

إزاء ذلك، يلفت الكاتب في صحيفة “أفرنسال”، يوسف كاراداش، إلى أن ملف “الإخوان المسلمين” لن يكون مطروحاً في مباحثات السيسي وأردوغان.

وقال إنه من التطورات اللافتة قبل زيارة السيسي، إعلان نائب القائم بأعمال المرشد العام لـ”الإخوان المسلمين”، في لندن، حلمي الجزار، مبادرة جديدة للدولة المصرية للعفو والإفراج عن أعضائها المسجونين، مقابل توقفها عن أنشطتها السياسية، وهو ما رفضته جبهتهم في إسطنبول، ما أدى إلى إثارة الجدل داخل التنظيم الإسلاموي.

وأردف كاراداش أن الانقسام داخل جماعة “الإخوان” لا يسمح، في الواقع، لأردوغان -وهو أكبر مؤيد للجماعة- بالتفاوض مع السيسي بشأن قضيتهم، وإن موقف أردوغان والسيسي من “الإخوان” يُظهر أن حلم ما كان يسمى “الربيع العربي” قد انتهى.

ونوّه كاراداش إلى أن “الصورة التي أمامنا تفسر أيضاً لماذا تسعى حكومة أردوغان التي سعت بالأمس إلى تحقيق طموحات القيادة الإقليمية ووقعت في فخ أحلام (العثمانية الجديدة) من خلال العلاقات والتعاون الذي أقامته مع (الإخوان) وقوى الإسلام السياسي الأخرى، إلى البحث عن (التطبيع)، بدءاً من الإمارات إلى السعودية، واستمراراً إلى مصر وسوريا”.

وخلص تحليله إلى أن “زيارة السيسي بهذه الحالة تصبح ذات معنى بالنسبة لحكومة أردوغان؛ لأنها تعني خطوة نحو القضاء على جماعة (الإخوان المسلمين) من التداول، والتحول الحتمي لتركيا نحو خط سياسي في المنطقة أكثر توافقاً مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) والمتعاونين الإقليميين”.

وبالعودة إلى المحلل السياسي المصري، سامح مهدي، فيقول في هذا الصدد: “صحيح أن إصلاح العلاقات مع القاهرة هو جزء من استراتيجية أردوغان الأوسع (سياسة صفر مشاكل) لإصلاح علاقاته مع دول المنطقة، لكن أردوغان لن يغير جلده، فتخليه عن الجماعات الإسلاموية، أمر مؤقت وكمون تكتيكي لأغراض براغماتية، حيث إن التوقف عن دعم (الإخوان) في هذه المرحلة أصبح ضرورياً، خاصة وأن مصر هي أحد اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وبالتالي لا يمكنه تجاهلها إذا كان يريد تعزيز حضور بلاده الإقليمي وحماية مصالحها في العديد من القضايا الحيوية بالمنطقة”.

ويبدو أن الانتقال بين التيارات الإسلاموية “براغماتياً”، بما يكشف عن إمكانية التخفيف من تلك العلاقة الضرورية لغرض التهدئة من دون التضحية التامة، وهو أمرٌ يألفه هذا التيار الديني الذي يشهد انقسامات داخلية للأسباب ذاتها، بل وتحالفات أساسها سياسي ولحسابات الربح والخسارة بغض النظر عن الصِلات الأيديولوجية والعقائدية.

تعزيز التعاون

في سياق آخر متصل، فإنه من المقرر توقيع نحو 20 اتفاقية بين مصر وتركيا في مجالات الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة خلال اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وفق وكالة “الأناضول”.

أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن مصر تبدي اهتماماً باقتناء المُسيَّرات التركية المسلحة-“موقع الصناعات الدفاعية التركي”

وتهدف مصر وتركيا بهذه الاتفاقيات إلى زيادة حجم التجارة بينهما البالغ 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار في الخطة الأولى. وصدَّرت تركيا لمصر ما قيمته 3 مليارات دولار العام الماضي، بينما بلغت وارداتها من مصر 3.1 مليار دولار.

كذلك يتضمن جدول الأعمال، تنفيذ مشروعات مشتركة في الصناعات الدفاعية مع مصر، التي قامت باستثمارات كبيرة بهذا القطاع، والتعاون في مجال الطاقة الذي يوفر فرصاً مختلفة للبلدين، لا سيما في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والمتجددة.

وقال موقع “الصناعات الدفاعية” التركي، إن مصر مهتمة باقتناء المُسيَّرات التركية المسلحة، وسيكون هذا أحد أهم بنود جدول الأعمال خلال زيارة السيسي إلى تركيا، وفق ما نقلته “الشرق الأوسط”.

يمكن القول إن أردوغان سيظل مناوراً حتى مع انفتاحه على مصر لضرورات مُلحّة تتصل بتداعيات الحرب في قطاع غزة، وأهمية التنسيق مع القاهرة لغاية تحقيق أي هدف، فضلاً عن طموحها الآخر في غاز شرق المتوسط، والعديد من الملفات في إفريقيا، وإحداث خرق في الاصطفاف المصري الإسرائيلي اليوناني، والأمر ذاته مع الخليج.

وذكر الموقع -في تقرير حول زيارة السيسي؛ لا سيما فيما يتعلق بالتعاون الدفاعي- إن العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين تركيا ومصر تنعكس أيضاً في صناعة الدفاع. وبدءاً من نهاية عام 2023، كان هناك تكثيف في الاتصالات بين البلدين بشأن صناعة الدفاع.

ونوّه الموقع في تقريره إلى إعلان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان “بوضوح” عن اهتمام مصر بالطائرات التركية المسلحة من دون طيار؛ لكن لا يزال من غير الواضح ما هي الطائرات التي ترغب مصر في اقتنائها، من بين: “بيرقدار تي بي 2″، و”أنكا”، و”أكسونغور”، و”أكينجي”.

ولفت إلى أن شركة “بايكار”، المنتجة لمُسيَّرات “بيرقدار” ومؤسسة صناعة الطيران والفضاء (توساش)، تشاركان بشكل مكثف في معرض مصر الدولي للطيران الذي انطلق الاثنين ويختتم الخميس، في حين شاركت مؤسسة صناعة الطيران التركية (تاي) بعروض طيران لطائرة التدريب والقتال الخفيف “حر جيت” إلى جانب مشاركة القوات الجوية التركية وشركات مثل “أسيلسان” و”تيمسان” وغيرهما.

“خطوات مدروسة”

في ضوء كل ذلك، يبدو أن خطوات مصر تجاه علاقاتها وتعاونها مع تركيا ستبقى في نطاق الحذر والدراسة الطويلة والمدروسة بدقة والبحث عن المشتركات وبناء سياسة التعاون والتوافق مع دول المنطقة، وعدم الدخول في أي عداوة أو خصومة، فسياسة القاهرة دفاعية وتحمي مرتكزاتها ومصالحها الجيواستراتيجية حتى النهاية دون تنازلات أو حتى قبول بضغوط، على عكس الطرف الآخر (تركيا) الذي يتبع سياسة “براغماتية” طوال الوقت مع الدول الأخرى.

ضباط مصريون تفقدوا طائرة التدريب التركية «حرجيت» خلال زيارة رئيس الأركان السابق لتركيا أواخر أبريل الماضي-“أرشيفية/الشرق الأوسط”

ومن هنا يمكن القول مرة أخرى كما ذكر العديد من المحللين السياسيين في موقع “الحل نت”، إن أردوغان سيظل مناوراً حتى مع انفتاحه على مصر لضرورات مُلحّة تتصل بتداعيات الحرب في قطاع غزة، وأهمية التنسيق مع القاهرة لغاية تحقيق أي هدف، فضلاً عن طموحها الآخر في غاز شرق المتوسط، والعديد من الملفات في إفريقيا، وإحداث خرق في الاصطفاف المصري الإسرائيلي اليوناني، والأمر ذاته مع الخليج، تحديداً دولة الإمارات التي تحدثت عن استثماراتٍ في تركيا بنحو 10 مليارات دولار، وقبلت بمبادلة عملة بقيمة 5 مليارات دولار، بما يرمم احتياطيات الدولة وخزانتها التي فقدت العملة الأجنبية.

هذا بالإضافة إلى السعودية، والتي دعمت أنقرة اقتصادياً وتجارياً. وهنا، أكدت صحيفة “نورديك مونيتور” قبل أشهر، أن أردوغان لا يزال ملتزماً بالحفاظ على انتمائه لجماعة “الإخوان” على الرغم من التقارب مع مصر، وتوقّع الدعم المالي من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكل منهما يتطلع إلى الجماعة بأنها تهديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات