تبدو العلاقات الروسية الإيرانية ذات أفق مرتفع منذ سنوات بعيدة، واتخذت نمطاً تصاعدياً كمياً ونوعياً نتيجة الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2011 والأعوام التي تلتها في الأراضي السورية، وتحديداً التدخل لدعم الرئيس السوري، بشار الأسد ونظامه، فضلاً عن التعاون العسكري الذي نشط عميقاً على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وتبادل الخبرات والأسلحة فيما بين روسيا وإيران عبر النقاط الساخنة.
نحو ذلك، أفاد مصدر عسكري مطلع لـ”الحل نت” أن الجانبين الروسي والإيراني بصدد تمرير صفقة طائرات سوخوي-35 لإيران مقابل تقديم الأخيرة صواريخ باليستية لروسيا، وأن الجانب الأوكراني يترقب ذلك جيداً نظراً إلى أن إبرام تلك الصفقة والدخول في مرحلة التنفيذ يعني بالضرورة تغيراً نوعياً في موقف بعض الدول من الحرب في أوكرانيا، مما يفيد موقف كييف السياسي الذي ينظر بتمعن وحذر إلى منسوب التعاون الإيراني الروسي وتقاطعاته مع الجانب الميداني للحرب.
روسيا وإيران ضد أوكرانيا
في هذا السياق، أعلن أندريه كوستين، المدعي العام الأوكراني، في تغريدة على منصة “إكس/تويتر”، عن فتح قضية ضد عميد في “الحرس الثوري الإيراني”، يدعى عباس موسوي شريفي ملا سرائي، بشأن اتهامه بدعم روسيا في عمليات ميدانية تستهدف بلاده وارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الأوكراني.
وبحسب المدعي العام الأوكراني، فقد أظهر تحقيق النيابة العامة أنه بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2022، توصل ممثلون عن الجيش الروسي إلى اتفاق مع ممثلين إيرانيين بشأن شراء طائرات مسيّرة هجومية من طراز “شاهد-136″ و”مهاجر-6” الإيرانية.
وأشار المدعي العام الأوكراني إلى أنه بعد توقيع العقد بين الطرفين، قام خبراء إيرانيون بتدريب جنود روس على استخدام هذه الطائرات المسيّرة في العمليات القتالية ضد أوكرانيا، وفق ما نقله موقع “إيران انترناشيونال“.
وأضاف، أنه في الفترة من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2022، استخدمت مجموعة من المدربين العسكريين الإيرانيين ما لا يقل عن 20 طائرة مسيّرة هجومية في منطقتي دنيبرو وميكوليف في أوكرانيا، مما أدى إلى تدمير وإلحاق أضرار بالبنية التحتية المدنية.
وأكد مكتب المدعي العام في أوكرانيا أن عميد “الحرس الثوري الإيراني” هذا متهم بموجب القوانين الجنائية للبلاد “بالمساعدة في حرب عدوانية مخططة مسبقاً ضد أوكرانيا، وانتهاك قوانين وأنظمة الحرب، وجرائم حرب”، طبقاً للموقع الإيراني.
“إيران طرف مشارك بالحرب الأوكرانية”
وبعد يوم واحد من إعلان المدعي العام الأوكراني هذا الخبر، صرح يوري بيلوسوف، رئيس قسم جرائم الحرب في مكتب المدعي العام الأوكراني، في برنامج تلفزيوني، بأن إعادة فتح القضية الجنائية تعني أن أوكرانيا تصف إيران بأنها طرف مشارك في الحرب على أراضيها.
وأضاف بيلوسوف: “بالفعل، أوكرانيا أعلنت للعالم أجمع، وقدمت أدلة على تورط عناصر عسكرية إيرانية في الهجوم الروسي على أوكرانيا”.
وكان جهاز الأمن الأوكراني قد أعلن في وقت سابق أن عميد “الحرس الثوري”، شريفي ملا سرائي، ساعد بشكل مباشر قيادة المجموعات المحتلة التابعة للاتحاد الروسي في الهجمات على أوكرانيا، وقام بتنظيم تدريب للقوات الروسية.
وبحسب جهاز الأمن الأوكراني، كان شريفي ملا سرائي مسؤولاً عن فريق من مدربي الطائرات المسيّرة الإيرانيين، الذين سافروا إلى جزيرة القرم الواقعة تحت سيطرة روسيا، عام 2022.
وقد اتهمت وزارة الخارجية الأوكرانية، النظام الإيراني بتقديم الأسلحة لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا، وذلك في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022.
وبحسب التقارير المنشورة، منذ خريف عام 2022، استخدمت روسيا الاتحادية طائرات “شهيد 136 و131″ بدون طيار الانتحارية و”مهاجر- 6” بدون طيار متعددة الأغراض من صنع إيران في الحرب ضد أوكرانيا.
بينما نفت الحكومة الإيرانية في البداية تسليم طائراتها المسيّرة للجيش الروسي، لكنها أكدت هذه المسألة لاحقًا، رغم أنها أعلنت أن هذه الطائرات سُلمت إلى ذلك البلد قبل بدء حرب روسيا ضد أوكرانيا.
تصرفات إيران تهدد المنطقة والعالم أجمع، كما تشكل تصرفات روسيا خطر تصعيد الحرب وتدمير النظام العالمي. إن “التعاون الواضح والمفتوح بين النظامين الروسي والإيراني في نشر الدمار يجب أن يواجه رد فعل حاسم وموحد من العالم”.
المتحدث باسم السفارة الأوكرانية بالأمارات العربية المتحدة فيتالي فيديانين لـ”الحل نت”
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، حذّر البيت الأبيض أيضاً من أن الحكومة الإيرانية تستعد لتقديم الصواريخ الباليستية إلى روسيا، كما وذكرت وكالة “رويترز” للأنباء، في وقت لاحق، أن إيران أرسلت بالفعل مئات الصواريخ الباليستية إلى روسيا وفقاً لتقرير موقع “إيران انترناشونال“.
في هذا السياق يشير المتحدث باسم السفارة الأوكرانية بالأمارات العربية المتحدة فيتالي فيديانين بقوله “للأسف الشديد، تشارك إيران بشكل مباشر في جريمة العدوان الروسي الشامل على أوكرانيا منذ بدايته”.
وتابع فيتالي فيديانين في حديثه الخاص مع “الحل نت” أن طهران قررت تزويد روسيا بطائرات مسيّرة انتحارية من نوع “شاهد-136/131” وطائرات مسيّرة من نوع “مهاجر-6” التي تستخدمها روسيا لقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية الأوكرانية بانتظام.
قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران
واستطرد المتحدث باسم السفارة الأوكرانية بالأمارات قائلاً: “تستخدم روسيا الأسلحة الإيرانية لارتكاب جرائم الحرب وجرائم إرهابية مفتوحة ضد الشعب الأوكراني”.
إذاً وبحسب المصدر ذاته تجاوزت إيران الخط الفاصل منذ فترة بعيدة، وقدمت وزارة الخارجية الأوكرانية مقترحاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وأن الاقتراح مطروح وموجود على طاولة الرئيس، ويمكنه اتخاذ هذا القرار في أي لحظة بناء على خطوات إيرانية تالية.
وقال المتحدث باسم السفارة الأوكرانية في الإمارات لـ”الحل نت” إن “موقفنا وإشاراتنا إلى إيران بسيطة وواضحة للغاية، إذ نؤكد ونشدد على أن النتائج والآثار السلبية لتزويد روسيا بالأسلحة المستخدمة لقتل الأوكرانيين ستتجاوز أي فوائد مزعومة لما يسمى بالتعاون مع روسيا”.
يتابع المتحدث باسم السفارة الأوكرانية بالأمارات، فيتالي فيديانين، حديثه أن “أوكرانيا لديها أدلة قاطعة ودامغة حول مشاركة إيران المباشرة في الجرائم الروسية ضد الاوكرانيين. لقد أسقطت قوات الدفاع الجوي الأوكرانية العشرات من الطائرات المسيّرة الإيرانية ويمكننا حتى تنظيم معارض كاملة لهذه الطائرات التي تطلقها روسيا ضد أوكرانيا. علاوة على ذلك، يقوم الحرس الثوري الإيراني بتدريب القوات الروسية على استخدام هذه المسيّرات الإيرانية”.
وبناء على الأدلة وجه جهاز الأمن الأوكراني ومكتب المدعي العام اتهاماً للجنرال الإيراني، القيادي في “الحرس الثوري الإيراني”، عباس موسوي شريفي ملا سرائي، الذي قام شخصياً بتدريب القوات الروسية على استخدام الطائرات الإيرانية المسيّرة في شبه جزيرة القرم المحتلة مؤقتاً، وفقاً للمصدر نفسه.
ويختتم فيتالي فيديانين تصريحاته لـ “الحل نت” بالتأكيد على أن تصرفات إيران تهدد المنطقة والعالم أجمع، كما تشكل تصرفات روسيا خطر تصعيد الحرب وتدمير النظام العالمي. إن “التعاون الواضح والمفتوح بين النظامين الروسي والإيراني في نشر الدمار والخراب والإرهاب يجب أن يواجه رد فعل حاسم وموحد من العالم”.
هذا وقد نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، صحة تقرير وكالة “بلومبرغ” حول حضور القيادي في “الحرس الثوري الإيراني، عباس موسوي شريفي ملا سرائي، في شبه جزيرة القرم، لتدريب القوات الروسية على استخدام الطائرات الإيرانية المسيّرة.
إيران تكثف دعمها العسكري لروسيا
في الإطار ذاته، يشير الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، إلى أنه منذ السابع من أيار/مايو من العام الجاري، تم نقل البرنامج التدريبي للمسيّرات الإيرانية في سوريا للقوات الروسية إلى إيران كخطوة أولى لتجنب الضربات الإسرائيلية ضد الميلشيات الإيرانية، خاصة أن هذا النشاط لا يندرج في نطاق التحركات الروسية في سوريا.
وبالتالي ثمة تخوف حقيقي من جانب روسيا من إمكانية استهداف من يقومون بالتدريب أو التدرب على قيادة الطائرات المسيّرة، وبالتالي أصبحت الجغرافيا الإيرانية هي الموطن الآمن لتدريب الطيارين على هذه الطائرات المسيّرة، بما في ذلك مسيّرات “المهاجر6″ و”شاهد 136″ وغيرها من الطائرات المسيّرة أحادية الاتجاه، والتي تُستخدم في الغالبية العظمى من الضربات التي كانت توجه من قبل القوات الروسية باتجاه الجغرافيا الأوكرانية، وخاصة الضربة الأخيرة ضد العاصمة الأوكرانية كييف، يضيف النعيمي لـ”الحل نت”.
وفي الحقيقة لا يمكن إخفاء هذه الحقائق، فهناك مشاريع مشتركة بين روسيا وإيران والحكومة في دمشق، للتدريب على الطائرات المسيّرة، وهناك قواعد أساسية لهذا البرنامج، حيث يعتبر مطار دير الزور من أهم المراكز التي يتم فيها التدريب. بالإضافة إلى مطار الشعيرات في محافظة حمص، والذي كان له دور كبير في تدريب العاملين ضمن برنامج المسيّرات الروسية مع إيران في الأراضي السورية. وتعتبر هذه المنطقة خاضعة للنفوذ الجوي الروسي، لذا تحاول روسيا من خلال هذه المشاريع إبعاد شبح تلك الضربات الإسرائيلية والأميركية، على حد قول الباحث بالشأن الإيراني، مصطفى النعيمي.
لكن يشير النعيمي لـ”الحل نت” إلى أن هناك الكثير ممن تدربوا في سوريا، ولا يمكن إنكارهم، وقد أثبتت ذلك تقارير عديدة أبرزها تقارير لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”. وعليه، يقدّر النعيمي بأن الوضع يتجه نحو تصعيد أكبر، خاصة بعد هذه البرامج المشتركة بين روسيا وإيران لما يخص مسألة التدريب على المسيّرات سواء كانت عبر القواعد الجوية. وخلص النعيمي حديثه بالقول: “وهنا أتحدث عن طائرات هجومية ثنائية الاتجاه أو حتى عبر منصات إطلاق المسيّرة المتنقلة، وأبرزها شاهد 136، التي باتت السلاح الأكثر انتشاراً في مهاجمة خصوم روسيا، والتي حققت تقدماً كبيراً للقوات الروسية في اشتباكاتها مع القوات الأوكرانية”.
- العملية البرية بجنوب لبنان.. هل نزع سلاح “حزب الله” يقابله رد إيران كبير؟
- كيف تساند أميركا التوغل البري الإسرائيلي في لبنان؟
- “تل أبيب تعلن واليونيفيل تنفي”.. هل توغلت إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية؟
- إسرائيل تبدأ اجتياح بري لجنوب لبنان
- الأزمة اللبنانية تلقي بظلالها على الاقتصاد السوري.. ما التأثيرات؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.