تتفاوت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل بيئة “حزب الله” في لبنان، فهناك قادةٌ ومقاتلون وأنصار، ولكل فئة وضعها المعيشي، وحتماً القادة وأبناؤهم يعيشون بمستوى مختلف عن المستوى الذي يعيشه المقاتلون وأنصار “الحزب”.

كانت أولى الدلائل ثورة 17 تشرين الأول/نوفمبر عام 2019 في لبنان التي شهدت تظاهرات من البيئة نفسها استهدفت بيوت بعض مسؤولي “الحزب”، فاضحة نمط حياة هؤلاء الذين يعيشون برفاهية وثراء فيما البيئة تعاني غالبيتُها من الفقر والبؤس، وبدأت تطرح علامات استفهام عن “طوباوية” هذه “المقاومة” التي انتهى دورها فعلياً بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، لذلك تعامَلَ “الحزب” بقساوة مع المتظاهرين، وكان له اليد الطولى في قمع الثورة و إفشالها.

صهر قاسم سليماني: خائن؟!

لا شك في أن أخباراً عديدة تمّ كشفها في الإعلام عن تورّط بعض قادة “الحزب” وأفراد عائلاتهم، ومسؤولين عسكريين بتجارة المخدرات والممنوعات وتبييض الأموال وحتى العمالة لإسرائيل. 

أبناء قادة حزب الله بين السلاح والعمالة وتجارة المخدرات! (1)
رجل ينظر إلى صور زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله (على اليمين) والقائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، اللواء قاسم سليماني (في الوسط)، والشيخ أحمد ياسين، وهو فلسطيني سياسي ومؤسس حركة حماس (يسار) في 04 يناير 2024. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

إلا أن الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم مؤخرا، كان له صدى غير مسبوق لا سيما أن الهدف هو أحد أبرز الموجودين حاليا في الصورة العامة للحزب وله نسب مع أكبر رأس في “الحرس الثوري” الإيراني.

خبرٌ منذ أيام قليلة انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدّث عن توقيف هشام هاشم صفي الدين، ابن رئيس المجلس التنفيذي لـ”الحزب” بتهمة التعامل مع إسرائيل على أثر اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري، وفسّر البعض بأن المسؤول الذي كان في مكتب العاروري وغادره كان هاشم صفي الدين، علماً أن هشام متزوج من ابنة القائد السابق لـ “فيلق القدس”، قاسم سليماني.

رغم عدم تأكيده رسمياً من “حزب الله”، ينظر “الحزب” نفسه بقلق بالغ إلى الاختراق الإسرائيلي الخطير لمربّعه الأمني في قلب الضاحية الجنوبية، من خلال اغتيال العاروري، وبهذه الطريقة التي ما كانت لتحصل، لولا وجود من سهّل لإسرائيل فعلتها، وهو ليس شخصاً عادياً في “الحزب” إنما يحتل مكانة مهمة ومقرّب من القيادات، جعلته مطّلعاً على تحركات العاروري والمسؤولين الحزبيين. 

هذا ما يخضع لتحقيق موسّع، وفق ما أفادت به مصادر مقرّبة من داخل بيئة “الحزب” لـ”الحل نت”، لمعرفة كافة التفاصيل المتصل بهذا الخرق البالغ الخطورة.

الاعتقال بالنسبة للبعض كان كشفا حقيقيا وصادما، مما يشير إلى أزمة خطيرة وانقسام داخل “حزب الله” وصفوفه، وتزايد السخط وخيبة الأمل بين الجيل الأصغر من أنصار الحزب وأعضائه.

رائحة فساد في أبناء قادة “حزب الله”

من المؤكّد أن انتشار العمالة في بيئة “الحزب” لها أسبابها وخصوصاً في صفوف المسؤولين السياسيين والعسكريين وأبنائهم. فالبعض من هؤلاء اعتادوا العيش بإسراف وترف، فهؤلاء يعملون في الملعب الخلفي لأنشطة “حزب الله” المشبوهة في نقل الأسلحة وتجارة المخدرات وأهمها “الكبتاغون” وتبييض الأموال، وقد فضحت العقوبات الأميركية الكثير من هؤلاء.

أبناء قادة حزب الله بين السلاح والعمالة وتجارة المخدرات! (6)
شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

تشير بعض التقارير إلى أن أبناء بعض القادة والمسؤولين في “الحزب” يقتنون أحدث السيارات وآخر موديلات الهواتف المحمولة، وأهم ماركات العالمية في ملابسهم، وبعضهم تخلوا عن التعاليم الدينية ونمط الحياة الذي تقتضيه رسالة “المقاومة” وعقيدة ولي الفقيه.

ولا تكتفي هذه التقارير بالعموميات، بل تدخل في التفاصيل وتفجّر فضائح بعض هؤلاء المسؤولين في “الحزب”، وأهمها ابن شقيق وزير في “الحزب” تمّ القبض عليه عام 2017 بتهمة التجارة في المخدرات في منطقة الشويفات والضاحية الجنوبية.

هنا الحديث عن ابن شقيق وزير الصناعة في لبنان، حسين الحاج حسن، وهو أحد الوزراء المحسوبين على “حزب الله”، فما كانت من عائلة الوزير إلا إصدار بيان كشفت فيه تورّط مسؤولين آخرين، محاولة أن تبرّئ ابنها من الموضوع. 

العائلة اعتبرت أن نائب الأمين العام لـ”الحزب” ونجله نصبا 27 مليون دولار في القضية نفسها! كما فضحت أحد قياديي الحزب ويدعى حسين نصرالله، قائلة إنه “سرق أموال اليتامى فيما النائب حسين الموسوي تاجر وصاحب معامل كبتاغون، وحسن النمر سارق أموال”.

ليس ذلك فحسب، بل تداولت المواقع الإلكترونية اللبنانية عام 2019 خبر تورّط مسؤول اللجنة الأمنية في “الحزب” بإنشاء وإدارة شبكة دعارة في بعلبك. 

أما العمالة لإسرائيل فتبدو بيئة “حزب الله” الأكثر انغماساً فيها، ولا نتحدث عن اغتيال العاروري فقط، إنما يتم القبض على شبكات من داخل “الحزب” تتبوأ مناصب عسكرية رفيعة تقدّم المعلومات لإسرائيل مقابل مبالغ كبيرة، وما كان الجيش الإسرائيلي لينجح باستهداف 6 عناصر من كتيبة “الرضوان” منذ شهر ومن بينهم إبن النائب محمد رعد؛ لولا وجود خرق من الداخل يراقب بدقة.

وهذا أمرٌ بأت مألوفاً، ففي عام 2022 تمكّن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني من إلقاء القبض على ابن قيادي في “الحزب” حسين حسان بتهمة التعامل مع إسرائيل، وهو قاتل عشرة أعوام في صفوف “الحزب”، قبل أن يُستدرج لإقامة علاقة عاطفية وتصويره في أوضاع حميمية وابتزازه للعمل لمصلحة “الموساد” مقابل آلاف الدولارات!

أبناء “حزب الله”.. خروج المُرفّهين في حرب البقاء

من الواضح أن ما أوردناه هو غيض من فيض، فهناك أخبار أخرى بقيت طي الكتمان، إضافة إلى قضايا الفساد المالي الكبرى التي حصلت داخل “الحزب”، ناهيك عن ثروات جمعها الكثيرون من قادته بشكلٍ نجهل مصدره أو طريقته، ومشاركة هائلة في قضايا فساد داخلية مثل حماية “الحشيش” وزراعته وحماية تصنيع “الكبتاغون” والأدوية المغشوشة، ما فتح أعين بعض الحزبيين الذين ذهبوا إلى أماكن أخرى.

شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، كمال حبيب، في حديثه لـ”الحل نت”، قال إن ما كشف عنه اعتقال صفي الدين، هو التباين والتناقض بين حياة واختيارات أبناء قيادات “الحزب”، وحياة وتضحيات شباب “الحزب” المسلحين. 

ففي حين يتمتع الأول بأسلوب حياة متميز وفاخر، ولديه خيار متابعة التعليم أو العمل أو الترفيه، يتم تجنيد الأخير وتعبئته للقتال والموت من أجل قضية “الحزب”، في لبنان والخارج. وفي حين يتمتع الأول بالحرية والفرصة لاستكشاف أيديولوجيات وانتماءات مختلفة، يتم تلقين الأخيرين والتزامهم بعقيدة “الحزب” وولاءه.

كما كشف اعتقال صفي الدين وفق حبيب، عن التحديات والضغوط التي يواجهها “حزب الله” في الحفاظ على تماسكه ونفوذه، في مواجهة الديناميكيات الإقليمية والدولية المتغيرة، وارتفاع مطالب وتوقعات الشعب اللبناني. 

إن اعتقال ابن رئيس المجلس التنفيذي لـ”حزب الله”، حدثٌ مهم وغير مسبوق، وله دلالات وتبعات على “الحزب” نفسه ومستقبله. ليس من الواضح ما إذا كان الاعتقال حقيقة أم كذبة، وهل هو علامة قوة أم ضعف، وحدة أم انقسام، ولاء أم خيانة، استمرارية أم تغيير، لـ “حزب الله” ودوره في لبنان والمنطقة.

أما الواقع الآخر المزري في بيئة “الحزب” فيتمثّل بالمقاتلين الشباب بين 18 و25 عاماً الذين يُقتلون على الجبهات إرضاء لطموحات إيران ومصالحها، فهؤلاء يُنتزَعون من عوائلهم، ليضعهم “الحزب” على خط النار، علماً أن ظروفهم المعيشية صعبة، وأهاليهم يفتقرون لأبسط الخدمات الأساسية، وخصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان.

من دون مبالغة يعيش ما لا يقل عن 90 بالمئة من الطائفة الشيعية تحت خط الفقر! هذا ما يُسبّب حالة من التململ الداخلي في بيئة “الحزب” وبعض العائلات المرتاحة نسبياً تحاول أن تُرحّل أبناءها إلى أوروبا أو دول أخرى. 

ولعل تفاوت الحالات المادية بين القيادة وأتباع “الحزب” قد يؤدي إلى زيادة الاحتقان وقد يولّد ذلك ثورة داخلية من الأعضاء الذين يشعرون بالظلم وعدم المساواة.

والمفارقة أن “الحزب” يلجأ إلى استخدام “شمّاعة” المؤامرة ضد الشيعة وضد سلاحه، كلّما شعر بغضب بيئته، علماً أن ما يقلقه دائماً هو خروج هذه البيئة عن طاعته، كي لا تتحوّل أشبه بكرة ثلج تكبر يومياً، خصوصاً أن المزاج الشيعي يتغيّر. واللافت أن ما يعيشه أبناء قادة “حزب الله” من تفاوت اجتماعي ومعيشي ومقاتليه وبيئته، تعيشه كل الأذرع العسكرية التابعة لإيران، مثل “الحوثيين” و”الحشد الشعبي” و”حماس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات