يشكل تهريب الأسلحة من إيران إلى منطقة القرن الإفريقي وتحديدا الصومال تحدياً أمنياً متزايداً، حيث تساهم هذه الأسلحة في تأجيج الصراعات المسلحة ودعم نفوذ الجماعات المتطرفة، مما يعزز قدرتها على القيام بعمليات تخريبية وتعطيل الحياة الطبيعية للمواطنين، وتقويض جهود بناء الدول. 

وتستغل إيران شبكات تهريب معقدة لنقل الأسلحة إلى مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة، مما يهدد استقرارها ويزيد من حدة التوترات الإقليمية. فقد يوفر السلاح المهرب بيئة خصبة لانتشار العنف والجريمة، مما يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي. 

إيران تسعى بلا شك إلى خلق ودعم المزيد من الصراعات في إفريقيا، التي تخدم أغراضها الاقتصادية والسياسية، من خلال التسهيلات التي تقدمها إيران وأذرعها في تهريب الأسلحة إلى القارة الإفريقية، وخصوصاً مناطق الصراع.

القرن الإفريقي وصراع القوة

إن الهدف الاستراتيجي لإيران في منطقة القرن الإفريقي هو الوصول إلى منفذ البحر الأحمر، الذي يُعد من أهم الممرات المائية في العالم. وتتمتع منطقة القرن الإفريقي بقيمة اقتصادية وجيوسياسية وأمنية كبيرة بالنسبة لإفريقيا والعالم، فهي تقع بالقرب من ممرات مائية رئيسية حيوية للتجارة الدولية. 

ويربط مضيق باب المندب البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب في المحيط الهندي، وتمر صادرات النفط والغاز الطبيعي من الخليج العربي عبر باب المندب ومضيق هرمز في طريقها إلى قناة السويس. 

الباحث في الشأن الدولي والإقليمي، ناجح النجار، في حديثه مع “الحل نت” يقول: “نعم، لقد باتت منطقتا شرق إفريقيا والقرن الإفريقي مرشحتين لمزيد من الصراع في ظل التنافس الدولي والإقليمي، وعلى رأس هذه القوى المتنافسة تأتي إيران، التي تريد أن يكون لها موطئ قدم في منطقة القرن الإفريقي بعد تغلغلها وتدخلاتها في بعض الدول العربية”.

الباحث في الشأن الدولي والإقليمي، ناجح النجار

ولفت النجار، إلى أن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر قد أضحت الآن ساحة كبيرة للتنافس بين إيران والقوى الإقليمية، وباتت مشتعلة للغاية. فإيران تعمل على زيادة أنشطتها في إفريقيا، وهو ما يمثل أهمية بالغة بالنسبة لأوروبا والغرب. فمبيعات الأسلحة الإيرانية في إفريقيا، وخاصة في مناطق معينة، مفيدة لروسيا والصين، وتتعارض مع المصالح الغربية. 

شبكة تهريب الأسلحة الخاضعة لإيران أصبحت أكثر تعقيداً، حيث تنتقل من سوق إلى آخر اعتماداً على المشترين ومدى انتشار البيئة. وتدفع الشراكات المتزايدة بين إيران والصين وروسيا طهران إلى السعي بشكل متزايد لتحقيق مصالح جديدة في إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بموسكو وقاعدتها المقترحة في السودان. كما تسعى صناعة الشحن التجاري الإيرانية إلى زيادة قدرتها على الإبحار حول الساحل الشرقي لإفريقيا وصولاً إلى خليج غينيا، حيث تختلط الأسلحة بهذا التدفق التجاري.

هناك ثلاثة أسباب أساسية ساعدت على التواجد الإيراني في منطقة القرن الإفريقي وتهريب الأسلحة إليها:

1. ضعف الحكومات المركزية. 

2. وجود سكان مسلمين أو من السهل تحويلهم إلى الإسلام. 

3. القدرة على التنافس مع منافسين آخرين. 

في مؤشر عام 2023، تحتل الصومال المرتبة الأولى، وإثيوبيا المرتبة الحادية عشرة، وإريتريا المرتبة التاسعة عشرة، وجيبوتي المرتبة الخامسة والأربعين في قائمة الدول الأكثر ضعفاً وتفككاً. كما تحتل دول إفريقية أخرى تربطها علاقات وثيقة بإيران مراكز ضمن العشرين الأوائل في الانهيار الأمني؛ لأن ضعف الحكومات يشكل قضية ذات أهمية كبيرة للتواجد الإيراني، إذ يسهل التحرك داخل الدول دون رقابة أمنية أو مساءلة.

ولهذا أكد النجار أن منطقة شرق إفريقيا عموماً والقرن الإفريقي بصفة خاصة تُعتبر وِجهة مهمة للغاية في نظر السياسة الإيرانية ودولة المرشد، التي تهدف إلى توسيع نطاق نفوذها. وبالفعل، استطاعت طهران تحقيق بعض المكاسب في ظل تنافسها مع الغرب من خلال بيع أو تهريب السلاح بطرق شرعية وغير شرعية عبر أذرعها في الشرق الأوسط.

الأسلحة الإيرانية في الصومال

على مدى العقود الأخيرة، وصلت الأسلحة الإيرانية إلى الصومال، حيث بيعت إلى جماعات متطرفة عنيفة مثل حركة “الشباب” وتنظيم “داعش”. وكشف تقرير جديد صادر عن معهد “الدراسات الأمنية” أن شبكة تهريب الأسلحة من المرجح أن تمتد إلى جماعات مرتبطة بحركة “الشباب” في إثيوبيا وكينيا وموزمبيق، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن في منطقة القرن الإفريقي. 

ماذا يعني تهديد "الحوثي" بقطع كابلات الإنترنت البحرية؟
أشخاص يتجولون على ظهر السفينة التجارية جالاكسي ليدر، التي استولى عليها الحوثيون اليمنيون الشهر الماضي، قبالة ساحل الصليف، اليمن، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023. تصوير: خالد عبد الله – رويترز

مجلة “فورين بوليسي”، ذكرت أن الأسلحة الإيرانية تُنقل أيضاً بشكل شائع إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وتنزانيا – تتمتع الصومال بأطول خط ساحلي في القارة الإفريقية، لكن حدودها البحرية مخترقة ومتأثرة بانعدام الأمن على الأرض. 

كما أن تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات والسلع الأخرى أمر شائع نسبياً هنا. ومع ذلك، فإن انتشار الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى اليمن والتي تنتهي في الصومال يُظهر الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للجرائم البحرية في القرن الإفريقي. 

وترتبط الأسلحة والأموال الإيرانية ارتباطاً وثيقاً بالشبكة غير المشروعة التي تغذي العنف الذي تمارسه حركة “الشباب”، وهي جماعة تابعة لتنظيم “القاعدة” ومقرها في الصومال، وتنظيم (داعش-الصومال). 

وزارة الخزانة الأميركية أعلنت عن عقوبات استهدفت “عناصر أساسية في شبكة تهريب الأسلحة المتكاملة بشكل وثيق مع تنظيم داعش في الصومال”. تنتهك هذه الشبكة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الصومال. كما تعمل تجارة الأسلحة غير المشروعة على تقويض المكاسب الناجمة عن تراجع القرصنة في المنطقة. 

حول هذه النقطة، أشار النجار إلى تروسية مهمة: “وهي أن التوتر ورفض التواجد الغربي والفرنسي في دول منطقة الساحل الإفريقي ودول بعينها خلال الفترة الأخيرة مثل مالي، بوركينا فاسو، النيجر، الصومال، تلك التي شهدت ثورات وانقلابات، كلها أمور وتصرفات تغذي حدة الصراع في منطقة القرن الإفريقي في ظل توسع تجارة السلاح وتهريبه من قبل إيران وأذرعها في الشرق الأوسط من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى التي تدعم جماعات متطرفة ومسلحة في القرن الإفريقي مثل دعمها بالسلاح لانفصال إقليم “أرض الصومال”.

تورط “الحوثي” في تهريب الأسلحة

في تقرير أصدرته منصة تتبع الجريمة المنظمة وغسيل الأموال في اليمن بعنوان “تهريب الأسلحة والمقاتلين”، تم التأكيد على أن ميليشيا “الحوثي” تعتمد بشكل كبير على تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر بواسطة مهربين ومافيات إفريقية، تحت إشراف “الحرس الثوري” الإيراني. 

استولت الولايات المتحدة على “الأسلحة التقليدية المتقدمة” المهربة لجماعة الحوثي اليمنية الأسبوع الماضي بالقرب من ساحل الصومال في المياه الدولية في البحر العربي في 11 يناير 2024. (غيتي)

وأكد التقرير أن الأسلحة المهربة وصلت إلى عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر (الصومال، إريتريا، جيبوتي، السودان) قبل أن يتم تجميعها وتسليمها لـ “الحوثيين” عبر ميناء الحديدة. وعززت المنصة تقريرها بوثائق ومعلومات تفصيلية كشفت عن وجود شبكة واسعة لتهريب الأسلحة إلى بعض الدول الإفريقية عبر الحديدة، بعد وصولها من إيران؛ بهدف دعم عناصرها الاستخباراتية في تلك الدول.

يقوم بهذا النشاط بحسب التقرير، عدد من الأشخاص ضمن شبكة كبيرة يقودها “الحرس الثوري” الإيراني، وتشمل خلية التوسع الحوثية في القرن الإفريقي التي يقودها المدعو “عبد الواحد أبو راس” (الذي عيّنته الميليشيا نائباً لوزير الخارجية في حكومتها غير المعترف بها قبل أكثر من شهرين) وأجهزة الأمن والمخابرات التابعة للميليشيا، وما يسمى مكتب “الجهاد الحوثي”، الذي يعمل على تنويع مصادر الأسلحة للجماعة، والحصول عليها من الهند وباكستان، ثم تهريبها إلى اليمن. 

ويحتوي التقرير على قائمة بأسماء شخصيات يمنية تتسلم الأسلحة الإيرانية المهربة لـ “الحوثيين”، أبرزهم إبراهيم حسن حلوان الملقب بـ”أبو خليل” من محافظة صعدة، وأحمد محمد حلس من محافظة الحديدة، بالإضافة إلى فائز مصاص، وعبد الملك شعبي مشولي، ومحمد عبده مشولي الذين يعملون كبحارة، وعبد العزيز محمد قايد، وقايد محمد قايد، وعلي محمد الحلاحلي، الذي يسكن في حي هبرة بالعاصمة، بالإضافة إلى 15 آخرين يعملون كبحارة لاستلام شحنات الأسلحة القادمة من إيران وتهريبها لـ “الحوثيين” في صنعاء.

أكذوبة حياد جيبوتي

ساهمت جيبوتي، بوصفها دولة ذات أهمية استراتيجية تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، في تهريب الأسلحة من خلال دعمها لجماعات متطرفة مثل “حزب الله” و”الحوثيين”، وغيرها من الجهات المدعومة من إيران. وقد ساعدها في ذلك موقعها الاستراتيجي كطريق شحن رئيسي. 

تشير البيانات المتاحة إلى أن حوالي 10٪ من التجارة العالمية كانت تمر عبر مياهها قبل تفاقم التهديدات الأمنية. وفي الوقت الحالي، انخفضت التجارة عبر البحر الأحمر إلى أدنى مستوى تاريخي (56٪)، وهو تطور مؤسف لاقتصاد جيبوتي الذي يعتمد بشكل أساسي على أنشطة الموانئ. 

إيران من جهتها عملت على الاستفادة من موقع جيبوتي، حيث كشف التقرير المشار إليه سابقاً الصادر عن منصة “الجريمة المنظمة وغسيل الأموال” عن الدور الذي تلعبه جيبوتي، واصفاً إياها بـ”الخبيثة”، ومؤكداً ارتباطها بجهات فاعلة مثل إيران و”الحوثيين”، واتهمها بالتورط في أنشطة مختلفة في السوق السوداء، بما في ذلك غسل الأموال والتمويل غير المشروع وتهريب النفط والاتجار بالأسلحة. 

كما أصبحت نقطة عبور لتهريب الأسلحة لإيران وعملائها في اليمن والمنطقة. وأشار التقرير إلى أن المساعدات المادية التي تقدمها جهات في جيبوتي لـ “الحوثيين” تقوض ما وصفه بـ”حياد جيبوتي المزعوم” وجهودها الظاهرة لتعزيز السلام في اليمن، مستعرضاً عدداً من شحنات الأسلحة التي تم ضبطها خلال الفترة الماضية، وموقفها الرافض لإدانة الهجمات التي شنتها ميليشيا “الحوثي” على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات