زيارات لوجهات متعددة يجريها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، سعيا منه لإعادة إحياء المبادرة الأردنية المتعلقة بحل الملف السوري، الأمر الذي يطرح التساؤلات عن مدى احتمال حدوث اجتماع مع الدول التي يزورها مؤخرا وجدوى الجهود الأردنية، والأدوات التي تمتلكها عمّان في سبيل دفع العملية السياسية في سوريا.

مدفوعة بالعديد من الملفات أبرزها انتشار المخدرات على حدودها الشمالية مع سوريا، تسعى الحكومة الأردنية إلى البحث عن توافقات مع الدول الفاعلة في الملف السوري والشرق الأوسط، وذلك بعد أن فشلت منفردة في تحقيق أي تقدم في الملف الأمني من خلال التواصل مع دمشق بشكل مباشر.

المبادرة الأردنية تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” بشكل يشبه ما كان يطرحه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسن، وتنقسم إلى ثلاث مراحل، بدءا من التركيز على الجانب الإنساني وصولا إلى الجانب العسكري الأمني وانتهاء بالجانب السياسي النهائي. وهذا النهج الشامل يهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

جولة أردنية

بعد سلسلة من الزيارات والاجتماعات التي أجراها الصفدي لنفس السبب، يجري الأخير زيارة إلى العاصمة القطرية الدوحة لمناقشة الملف السوري، حيث بدأت الزيارة الأحد الماضي والتقى خلالها نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومسؤولين قطريين.

الزيارات الأردنية شملت كذلك دمشق ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد قبل أسبوعين، كما أجرى وزير الخارجية الأردني زيارة لتركيا التقى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، محاولا جمع توافقات على المبادرة الأردنية لدفع العملية السياسية في سوريا.

تركيز الحكومة الأردنية على قطر وتركيا في زياراتها، تزيد من مستوى التساؤلات حول احتمالية أن نشهد اجتماعا خلال الفترة المقبلة بين الأردن وتركيا وقطر وسوريا برعاية الحكومة الأردنية، حيث تسعى عمّان إلى دفع العملية السياسية في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الذي يحمل رقم 2254.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إياد المجالي، رأى أن الأردن يحاول استثمار كافة أدواته السياسية لمواجهة الخطر الناتج عن الاختراق الأمني في حدوده المشتركة مع سوريا، مشيرا إلى أن توجه دول المنطقة إلى دمشق تتحكم به محددات عديدة وقد تختلف من دولة إلى أخرى تبعا للهواجس السياسية والأمنية الخاصة بكل دولة.

قد يهمك: شروط متبادلة لتعظيم المكاسب.. ما احتمال لقاء أردوغان والأسد؟

المجالي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “مع تنامي شكل التحالفات الإقليمية وعددها في مسرح الأحداث السياسية، فإن المتغيرات التي توجه صانعي القرارات في دول الإقليم، تفرض جملة مسارات على كل طرف ضمن مصالحه”.

اجتماع رباعي؟

الاجتماع الرباعي بين الأردن وقطر وتركيا ودمشق، قد يكون سببه وفق محللون في أن عمّان قد ترى أن أي تقدم في العملية السياسية السورية، مرتبط بشكل أو بآخر بوجود علاقات أو تواصل سياسي حقيقي على الأقل بين دمشق وأنقرة، وذلك بسبب التداخل التركي الكبير في الملف السوري ووجود القوات التركية على الأراضي السورية، فضلا عن استمرار دعمها ولو جزئيا للمعارضة السورية.

كذلك وباعتبار قطر حليف لتركيا وتتمتع بحضور إقليمي على الساحة السياسية، فقد يكون حضور الدوحة ذو أهمية لدعم الرؤية الأردنية للحل السياسي في سوريا، وهذا لا يعني أن الطريق نحو الوصول إلى التوافق الإقليمي بات مفتوحا نظرا للتعقيدات التي تحاوط الملف السوري.

أما عن الدور التركي لاحقا، فحتى الآن لا يعرف تحديدا مدى الدور الذي يمكن لتركيا أن تلعبه في هذه المبادرة، خاصة فيما اذا تم اللقاء الرباعي المفترض، ومع إصرار الأردن على وضع نقطة إزاحة أو تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا كونه مصدر التهديدات الأمنية، فإن موقف تركيا يبقى مبهم، في ظل عدم وجود أي رغبة تركية للاصطدام مع إيران هذه الفترة.

لا تتضمن الجداول في “المبادرة الأردنية” برنامجا زمنيا محددا للتنفيذ. ومع ذلك، تنص على خطوات محددة من المتوقع أن تقوم بها دمشق وحلفاؤها، بما في ذلك سحب جميع الممتلكات العسكرية والأمنية الإيرانية من سوريا، وانسحاب “حزب الله” والميليشيات الشيعية، في مقابل انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، وتمويل المانحين لإعمار سوريا.

تاريخ هذه المبادرة يعود إلى عام 2021، حيث قامت الحكومة الأردنية بإعداد ورقة رسمية تصوّر حلّا للأزمة السورية، وقد تمت مناقشتها ومشاركتها من قبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في اجتماعات منفصلة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتتضمن الورقة تحليلا شاملا للوضع السوري وتقديم مقاربة “خطوة مقابل خطوة” لتحقيق التسوية في هذه المرحلة.

التغيير يفرض التعديل

لكن في ظل تسارع خطوات “التطبيع” العربي الأخير وتغير الواقع في سوريا والمنطقة، قامت عمّان بتعديل ورقتها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية، حيث تم استبدال عبارة “النظام السوري” بـالحكومة السورية، وتحديد الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى بدقة.

“المبادرة الأردنية”، وهو الاسم الجديد الذي تم تبنّيه بدلا من الصيغة السابقة التي كانت تحت مسمى “اللاورقة”، تقدم نقاط محددة حول الوضع الراهن. وتُشير بحسب ما نشر صيغتها موقع “المجلة” السعودي، إلى أنه بعد انقضاء 12 عاما، لا يوجد أي أفق لحل الأزمة ولا استراتيجية شاملة لتحقيق تسوية سياسية، مع تفاقم معاناة الشعب السوري، حيث يعاني حوالي 6.7 مليون لاجئ و6.8 مليون نازح داخل سوريا، و15.3 مليون شخص يحتاجون لمساعدات إنسانية، بينما يعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر.

ضمن المساعي الأردن كان لقاء عقد قبل نحو شهر ونصف في العاصمة الأردنية، عمّان، تحت مسمى “اجتماع عمّان التشاوري” بهدف البناء على اتصالات عربية مع الحكومة السورية وفي سياق طروحاتها، والمبادرة الأردنية للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية ومسألة عودة دمشق إلى “الجامعة العربية”.

الدول العربية بالطبع تتأثر باستمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وبالتالي فإن البحث عن حلول عربية هو الحل نفسه الذي يرضي شريحة كبيرة من السوريين في البلاد، ولا يرى محللون أن ثمة خلافات بين الدول العربية فيما يتعلق بعودة دمشق إلى الحضن العربي بقدر ما هو البحث عن ضمانات حقيقة.

لذلك لا بد من إجراء مشاورات ولقاءات عدة لضمان وجود ضمانات حقيقية من قبل الحكومة السورية، من حيث قدرتها على ضبط عمليات وأنشطة تصنيع وتهريب المخدرات وعدم الإضرار بالسوريين في حال رغبة بعضهم بالعودة إلى البلاد، بالإضافة إلى مدى قدرتها على التراجع والحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية المتفلتة هناك، وعندما يتحقق ذلك سيكون هناك إجماعا على عودة دمشق للجامعة، وهذا ما يستدعي عقد جملة من المشاورات واستدعاء الأطراف من مؤسسات الدولة السورية.

إجمالا لا يمكن الجزم بأن يكتب لهذه التشاورات والزيارات العربية النجاح في وقت وجيز لعوامل عدة، لكن المتابع للتحركات الأردنية، يدرك بأن عمّان مصرة على تنفيذ مبادرتها التي تعمل عليها منذ نحو عام كامل، فهل تنجح الأردن فعلا في تحريك المياه الراكدة في الملف السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات