يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان فتح شهية حركة “حماس” لإنهاء الحرب في قطاع غزة التي باتت تفقد فيها قوتها العسكرية بشكل شبه نهائي تدريجيا دون أن تحقق أياً من أهدافها، بل وتسعى لأن يكون لها نصيب في إدارة القطاع، خاصة وأنها أدركت أن راعيتها (إيران) تريد تحقيق أهدافها الاستراتيجية على حسابها بعد إنهاء الحرب في لبنان حفاظا على أهم ميلشياتها في المنطقة وهو (حزب الله)، دون إنهاكها أو إنهائها بشكل كامل على يد إسرائيل، كما يحدث تقريبا لـ”حماس”، ولهذا سارعت الأخيرة إلى الإعلان عن استعدادها للتوصل إلى هدنة مع إسرائيل بشأن إنهاء الحرب بغزة.

ونقلت وكالة “الصحافة الفرنسية” عن مسؤول كبير في “حماس” عزم الحركة التوصل لاتفاق يفضي لإنهاء الحرب كما حدث في لبنان بين “حزب الله” وإسرائيل، وقال المسؤول للوكالة الفرنسية: “أبلغنا الوسطاء في مصر وقطر وتركيا أن (حماس) مستعدة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقات جادة لتبادل الأسرى”. 

غير أن شروط الاتفاق لوقف إطلاق النار والوصول لتسوية ما تزال مجهولة، ولم يوضح المصدر أو غيره داخل “حماس” تفاصيلها، حيث إن ثمة مبادرات عديدة لكن تهدر أو تتعطل نتيجة الاشتراطات التي يرفضها طرفا النزاع.

“حماس” جاهزة لإنهاء الحرب!

فيما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس “دعم فلسطين الكامل لاستقرار لبنان وأمنه، وضمان إعمار ما دمرته الحرب”. مشيرا إلى رغبته في أن “يسهم وقف النار في لبنان بوقف العنف وعدم الاستقرار اللذين تعانيهما المنطقة جراء السياسات الإسرائيلية التي تقود المنطقة إلى الانفجار الشامل”. 

ثمة محاولات إيرانية محمومة لا تنقطع تهدف إلى تقويض السلطة الفلسطينية وتوريطها في أزمات أمنية وسياسية، لا سيما في ظل تغذية “حماس” للاستقطاب والصراع الفلسطيني الفلسطيني.

كما جاء في بيان الرئاسة الفلسطينية، نهاية الأسبوع، التأكيد على “ضرورة الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735 الخاص بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، ومنع تهجير أبناء شعبنا من القطاع، وتمكين دولة فلسطين من مسؤولياتها كاملة هناك”.

وما بين مطالب محمود عباس باتفاق مماثل لوقف إطلاق النار في لبنان، واحتمالات التصعيد في فلسطين، سواء من جهة “حماس” والصراع مع إسرائيل، ناهيك عن الدور المشبوه الذي تواصله طهران بتعزيز نفوذ فصائلها، وتهريب السلاح لها، فإن مرحلة عض الأصابع أو بالأحرى سياسة الأرض المحروقة تقوض فرص التسوية السياسية. 

وما تزال إسرائيل بين الحين والآخر تعلن تعقبها وملاحقتها عمليات تهريب الأسلحة بين عدة محاور، بينما تتلقى هذه المحاور أو الجبهات دعمها من إيران والفصائل التابعة لها.

وقد تزامن الإعلان بخصوص وقف تهريب كمية كبيرة من الأسلحة ووصفها بيان رسمي صادر عن الجيش وجهاز الشاباك (الأمن العام) بـ”المتطورة”، مع استمرار استهداف تهريب السلاح من سوريا وعبر الأنفاق والمعابر الحدودية إلى لبنان.

إيران تهرب الأسلحة للضفة

غير أن الأسلحة “المتطورة” التي نجحت في إحباطها القوات الإسرائيلية، كانت في طريقها للضفة الغربية، حيث اضطلعت بتلك المهمة وحدة العمليات الخاصة بفيلق القدس التابعة “للحرس الثوري” الإيراني، وهي الوحدة 4000 بقيادة جواد غفاري. وذلك بغية تسليمها إلى “خلايا مسلحة” في منطقة جنين. وتتضمن تلك الأسلحة حوالي 20 قذيفة هاون و3 صواريخ من عيار 107 ملم ، وبنادق قنص من نوع “هانتر” وإم 16 فضلا عن 37 مسدسا، وفق البيان المشترك.

الأسلحة المصادرة تشمل بنادق قنض وصواريخ مضادة للدروع بالإضافة إلى عبوات ناسفة مشغلة لاسلكيا. “IDF”

ويضاف لذلك عبوات ناسفة ومتفجرات شديدة القوة من نوع “كليماغور”، مع أنظمة تشغيل لاسلكية، وقال البيان إنه تم العثور على كمية مماثلة من الأسلحة والمتفجرات مخبوءة وهي قادرة على أن “تخل بالتوازن العسكري في المنطقة”.

وفي ما يبدو أن هناك تحركات إيرانية خفية لمواصلة دعم عناصر وفصائل بالسلاح والمعدات العسكرية، رغم إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، لكن توتير الأوضاع في الضفة إنما يؤزم الأوضاع السياسية والميدانية ليس فقط مع إسرائيل، بل إنما هو تصعيد مع السلطة الفلسطينية التي سعت للنأي بنفسها عن مغامرة “حماس” العسكرية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وجعلت الإقليم على شفا حرب إقليمية شاملة، وفق ما يقوله الباحث المصري المختص في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص.

وأردف الباحث السياسي لـ”الحل نت”، إنه ثمة محاولات إيرانية محمومة لا تنقطع تهدف إلى تقويض السلطة الفلسطينية وتوريطها في أزمات أمنية وسياسية، لا سيما في ظل تغذية “حماس” للاستقطاب والصراع الفلسطيني الفلسطيني. 

ومع اليوم التالي للحرب، ستكون القوى الدولية والإقليمية بصدد البحث عن القوى التي بمقدورها الإدارة الأمنية لغزة، وتلح السلطة في الضفة على أن تكون لها اليد الطولى في ذلك وأن الممثل الشرعي الوحيد عن المسألة الفلسطينية، ولا ينازعها في ذلك أي طرف، الأمر الذي ترفضه “حماس” وترى قطاع غزة هو حيزها التي تضع قبضتها عليه وتفرض سيادتها، طبقا لحديث الباحث السياسي، عبد السلام القصاص.

ولهذا تظل العمليات التي تتم بواسطة طهران وتكشف عن قوى فصائلية وميلشيات كامنة وتعمل بخلايا نائمة في الضفة ضمن مخطط أوسع يتصل بالصراع الكبير بفلسطين، والبحث عن النفوذ، وفق تقدير القصاص.

دلالات التحركات الإيرانية

النشاط الإيراني في الضفة في هذا التوقيت له دلالة على مستوى التوقيت وحتى سياقاته السياسية والإقليمية، خاصة أن تهريب هذه الكمية الكبيرة والثقيلة والاستراتيجية من الأسلحة “المتطورة” والتي بمقدورها “إخلال التوازن العسكرية بالمنطقة”. وهنا يبدو من اللافت اشتراك عناصر من “الحرس الثوري” الإيراني ووحدات متخصصة في تهريب السلاح من طهران لفلسطين عبر سوريا بقيادة أصغر باقري المسؤول عن الوحدة 840 المعنية بإدارة هذا التهريب ضمن هذه الخريطة المناطقية.

وبالتالي، تبدو التحركات الإيرانية المتسارعة في محاورها مؤشر على احتمالات تصعيد طارئة رغم التهدئة، وتكشف عن محاولات لاستعادة نفوذ وكلائها، أو بالأحرى عدم خروجهم من حسابات المرحلة المقبلة، سياسيا وأمنيا، بما يجعل السيناريوهات كافة مفتوحة على الاحتمالات المختلفة، إذ إن حتى وقف إطلاق النار لا يعني تسوية نهائية، على حد تعبير الباحث السياسي، عبد السلام القصاص.

دمار هائل في قطاع غزة- “رويترز”

وذلك ما تؤكده بيانات أجهزة الأمن في تل أبيب والتي أكدت تضاعف عمليات “الحرس الثوري” لتهريب السلاح المتطور للضفة وفق ما رصدت خلال الشهور القليلة الماضية، وتعزيز نشاط الخلايا المسلحة. 

وجاء في البيان المشترك لقوى الأمن والجيش الإسرائيلي أن تهريب السلاح والمعدات العسكرية والذخائر هو”جزء من استراتيجية إيرانية مستمرة” لتهديد الاستقرار من الناحية الأمنية بالمنطقة، لافتا إلى أن تسليح الخلايا بالضفة يساهم في زعزعة الاستقرار الأمني، ويهدف إلى محاولة تنفيذ عمليات بحق المدنيين وقوات الجيش.

من ثم، فإن اضطلاع إيران بأدوار عديدة في اتجاه عكس التهدئة واستمرار التصعيد، أو بالأحرى تسليح وإمداد الفصائل بالسلاح، كما هو الحال في الضفة الغربية بفلسطين، يؤكد على رغبة طهران في الوقوف في مربع الأزمة وأن لا تنغلق دوائر الصراع وارتباطاتها بالميلشيات قبل أن تكون طرفا في المعادلة الإقليمية، ولا تسقط من الحسابات المقبلة، وقد راكمت خسائر مريرة في جبهاتها المختلفة التي زعمت أنها “إسناد” كما حدث في لبنان. فيما يسعى “الحرس الثوري” الإيراني إلى إعادة بناء القدرات الأمنية والعسكرية وضخ الموارد الممكنة للخلايا النشطة والخفية في مناطق جديدة مثل الضفة الغربية، خاصة وأنها تدرك انبعاث سياسة “الضغط القصوى” الجديدة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

ولهذا، تشعر السلطة الفلسطينية بقلق وتوتر كبيرين إزاء ما يجري في محيطها الفلسطيني، سواء في غزة، أو بمناطق السلطة بالضفة، وألحت على ضرورة وأهمية وقف إطلاق النار بالقطاع أسوة بالاتفاق الذي توصل إليه لبنان، لكن إسرائيل تؤكد على أن “الهدف الراهن” هو تحرير الرهائن المحتجزين لدى “حماس”، وفي المقابل بعثت الحركة إثر اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان برسائل مفادها عزمها “إنجاز الأمر في القطاع كذلك”. لكن تبقى الصيغة التوافقية والإطار المحدد فضلا عن الآليات حتى يدخل حيز التنفيذ. 

ضرورة تحييد إيران من حرب غزة

لكن تبقى إمكانية تحييد الطرف الإيراني من خلال نجاح الوسطاء في حلحلة أزمة المحتجزين والرهائن الإسرائيليين الذي يظل أمرا ملحا لدى تل أبيب، حيث أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن “الهدف الأبرز بعد وقف إطلاق النار في لبنان هو صفقة للإفراج عن الرهائن المحتجزين” وقال: “الهدف الأهم هو إعادة جميع المختطفين إلى ديارهم بأمان وبسرعة. إن نتائج الحملة في الشمال تخلق ضغوطا إضافية على (حماس) ونحن نعتزم بذل كل ما في وسعنا”. وتابع: “الجهد المبذول لتهيئة الظروف لصفقة جديدة وإعادة الجميع إلى منازلهم… هذا هو الهدف القيمي الأهم الذي نواجهه الآن، هذا هو الهدف النهائي”.

وفي السياق ذاته، أوضحت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، أن هناك تحركات عديدة إلى جانب الوساطة المصرية القطرية، لحل أزمة المحتجزين، لدرجة الإشارة إلى زيارة وصفتها بـ”السرية”، لرئيس جهاز الشاباك رونين بار لأنقرة، وهي الزيارة التي لا تحمل وساطة إنما تسير باتجاه استمالة أنقرة نحو دور يقوم بالضغط على “حماس”، لا سيما الذين انتقلوا من الدوحة إلى إسطنبول.

تؤشر بالتبعية عمليات تهريب السلاح للضفة من قبل طهران، إلى محاولات عملياتية دقيقة، تسعى إلى بناء أوراق ضغط وتعزيز نفوذ، في ظل تفكك ما يعرف بـ”وحدة الساحات”، والحصول على مرتكزات قوى جديدة لتعويض الفشل والإخفاقات التي تكبدتها طهران.

إذاً، واشنطن تلح على إنهاء الحرب في غزة، بينما تواصل دول الوساطة، مصر وقطر، العمل في الإطار ذاته. فيما ذكر الرئيس الأميركي جو بايدن، عبر تغريدة على منصة “إكس/ تويتر”، حجم الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن وإنهاء الحرب “من دون وجود حماس في السلطة”. ولهذا تتسارع الجهود المصرية مع إسرائيل للوصول إلى تسوية سياسية، وقد نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن مصدرين أمنيين في القاهرة، وصول وفد أمني مصري نهاية الأسبوع إلى إسرائيل لبحث اتفاق بشأن وقف إطلاق النار بغزة. 

وتحاول القاهرة استغلال التوقيت الذي نجحت فيه عملية وقف إطلاق النار بين “حزب الله” في لبنان وإسرائيل، وبدء اتفاق مماثل بعد بيان “حماس” الذي جاء فيه: “نعرب عن التزامنا بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ومعنيون بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنيا؛ وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة. ندعو الدول العربية والإسلامية الشقيقة وقوى العالم الحر إلى حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه الوحشي على شعبنا الفلسطيني، وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة”.

في المحصلة، يبقى الدور الإيراني الذي يتجه ظاهريا نحو الترحيب بالتهدئة ووقف إطلاق النار في لبنان، ثم يعاود الحديث عن احتفاظه “بحق الرد” على ضربات إسرائيل، محل تساؤل وتشكك كبيرين عن ما قد يحدث لاحقا، وعن نقطة التوتر التي قد تندلع بواسطة إيرانية تهدد مجددا الأمن الإقليمي، وما إذا كانت هناك خلايا بمناطق تبعث بأزمات قصوى أمنية وعسكرية، حيث إن نفوذ طهران تقلص في العام الأخير الذي شهد تصعيدا على خلفية حرب غزة، ولم يعد كما في السابق، بل إن قوتها الأساسية في جنوب لبنان، تعاني الضغط والشتات، وآخر النتائج تتمثل في الاتفاق الذي نص على الانسحاب الكامل لـ”حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني.

صورة أرشيفية لقادة حركة “حماس”، “أ ف ب”

 وفي مقابل ذلك، سيقوم الجيش اللبناني الانتشار في تلك المنطقة، وقد أزيحت الجماعة المسلحة المدعومة من إيران بنحو 30 كيلومتر عن الحدود مع إسرائيل بعدما كانت تتمترس قوات النخبة “المعروفة بـ”الحاج رضوان” بالقرب منها جنوب نهر الليطاني.

وتؤشر بالتبعية عمليات تهريب السلاح للضفة من قبل طهران، إلى محاولات عملياتية دقيقة، تسعى إلى بناء أوراق ضغط وتعزيز نفوذ، في ظل تفكك ما يعرف بـ”وحدة الساحات”، والحصول على مرتكزات قوى جديدة لتعويض الفشل والإخفاقات التي تكبدتها طهران. فما تواجهه طهران اليوم لا يتمثل في إنهاء الحرب أو الوصول لتسوية بشأن وقف إطلاق النار، إنما تفكيك “وحدة الساحات” وتقويض محور المقاومة فضلا عن شبكة الوكلاء والمنتفعين والعناصر الميلشياوية والولائية، ومنع احتمالات أن يشكل قوة تهدد الأمن الإقليمي مرة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات