مع تقدم قوات المعارضة بسرعة نحو دمشق وسحب حليفيها الرئيسيين روسيا وإيران دعمهما بشكل مفاجئ، يبدو رئيس النظام السوري بشار الأسد أقرب من أي وقت مضى إلى السقوط من السلطة بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية المدمرة.
وبينما تضيق فصائل المعارضة الخناق على العاصمة وتضيق طرق هروب الأسد، تتبلور عدة سيناريوهات للمصير النهائي للديكتاتور المحاصر، ولكل منها آثار بعيدة المدى على سوريا والمنطقة، وهذه أبرزها:
1. الاستقالة والهروب إلى المنفى:
قد يختار بشار الأسد، الذي يواجه حصارًا في دمشق وتخلى عنه رعاته، التنحي عن السلطة والبحث عن ملاذ آمن في الخارج لتجنب الموت أو المحاكمة الذي حل بأسلافه مثل معمر القذافي وصدام حسين، وحسني مبارك. سيشهد هذا السيناريو إعلان الأسد تنحيه، وبعد تأمين ضمانات بالمرور، يهرب إلى المنفى، على الأرجح إلى بلد ظل صديقًا لنظامه مثل روسيا أو إيران أو بيلاروسيا أو فنزويلا.
مثل هذا الخروج، إذا تمكن الأسد من الحصول عليه، من شأنه أن يجنب رئيس النظام إذلال الاعتقال ويخفف من المخاطر على سلامته الشخصية. كما أنه يمكن أن يسهل عملية انتقال سياسي أكثر سلاسة من خلال إزالة الشخصية الأكثر ارتباطاً بالصدمة التي تعاني منها سوريا.
ومع ذلك، فقد تعهد الأسد في السابق بأن ”يعيش ويموت“ في سوريا، والتخلي عن السلطة يعني التخلي عن دولته الأمنية التي يقودها مع عائلته. كما قد ينظر إلى التنحي على أنه اعتراف بالهزيمة يثقب هالة الرجل القوي التي صاغها الأسد بعناية.
2. القتال حتى النهاية:
تماشياً مع خطابه السابق، قد يختار بشار الأسد القيام بموقف أخير متحدٍ في دمشق، وحشد الموالين له لخوض معركة حتى الموت ضد قوات المعارضة. سيكون هذا هو السيناريو الأكثر تدميراً، حيث سيؤدي إلى حمام دم في العاصمة مع اشتباك قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها في قتال شوارع مع مقاتلي المعارضة في الأحياء المكتظة بالسكان.
من خلال التشبث بالسلطة بأي ثمن، يمكن للأسد أن يأمل في كسب الوقت لتدخل دبلوماسي أو انقلاب مفاجئ في الحظ العسكري. ولكن باستثناء حدوث تحول غير متوقع في الأحداث، فإن النتيجة المرجحة إلى حد كبير ستكون القبض على الرئيس السوري أو قتله، على غرار مصير القذافي في ليبيا. ومن شأن مثل هذه الذروة أن تمثل لحظة تنفيس عن كثير من السوريين الذين عانوا من حكم الأسد، ولكنها تنطوي أيضاً على مخاطر العنف الانتقامي من قبل المتعصبين للنظام، وعلى فوضى سياسية أكثر فوضوية في مرحلة ما بعد الصراع.
3. الفرار قبل السقوط:
إذا خلص الأسد إلى أن موقفه في دمشق لا يمكن الدفاع عنه، فقد يحاول الفرار من المدينة قبل أن تتمكن قوات المعارضة من تطويقها. وهذا من شأنه أن يسمح لرئيس النظام السوري بشار الأسد بتجنب عار الفرار عند سقوط العاصمة مع الحفاظ على درجة من الفاعلية في مصيره.
يمكن للأسد أن يسعى إلى الانضمام إلى قوات صديقة في أماكن أخرى من البلاد، مثل معقل عائلته في الساحل في اللاذقية، وتنظيم عملية انتقالية أو تقسيم أكثر تنظيماً. وبدلاً من ذلك، قد يقامر باندفاعة مجنونة عبر الحدود إلى لبنان، حيث يحتفظ ببعض الحلفاء، أو إلى العراق، على أمل الفوز بالحماية من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
أيضا من المرجح أن يستخدم رئيس النظام السوري المعتقلين الأجانب الورقة الرابحة التي أخفاها وكان ينكر وجودها طيلة عقود ماضية، كورقة مساومة وضغط للقبول بالذهاب للمنفى الذي يقترحه. وتتوقف قابلية هذا السيناريو على تقدير الأسد للحظة التخلي عن دمشق وفشل قوات المعارضة في قطع جميع شرايين الهروب بسرعة.
4. دسائس القصر:
مع انهيار حظوظه، يمكن أن يقع الأسد ضحية خيانة قاتلة من داخل دائرته الضيقة من المقربين من عشيرته وقادة الأمن. فمع انهيار النظام، قد يقرر أحد مساعديه المقربين التودد إلى المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لها من خلال اغتيال الأسد وتسهيل تسليم السلطة. وقد يستنتج المقربون أيضاً أن القضاء على الأسد يوفر أفضل أمل لتجنب مصيرهم على أيدي المعارضة.
ومن شأن مثل هذا التحول في الأحداث أن يحاكي الإطاحة بالديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو الذي أعدمه جنوده. سيمثل ذلك خاتمة مكيافيلية ملائمة لنظام بني على روح ”اقتل أو تقتل“. ولكن من شأنه أيضًا أن يثير تساؤلات مقلقة حول تدبير الحادث، كما أنه قد يؤدي إلى انقسام المعارضة إذا سعى القاتل إلى تحقيق مكاسب سياسية من فعلته.
5. تمرد الضباط
بدلاً من مؤامرة من القصر، يمكن أن تأتي الإطاحة بالأسد من خلال تمرد وانقلاب عسكري أوسع نطاقاً، حيث يتجمع كبار قادة الجيش السوري معاً للتخلّص من الرئيس المعزول والتفاوض على صفقة انتقالية مع قوات المعارضة. فبعد أن قاتلوا ونزفوا من أجل الأسد لسنوات، فقط بعد أن تخلت عنهم روسيا وإيران وتركوا يشاهدون هزيمة شبه مؤكدة، قد يحسب الضباط أن التضحية بالأسد ضرورية لإنقاذ مكانتهم وامتيازاتهم في نظام جديد.
وهنا سيكون النموذج هو حادثة الدردنيل في عام 2016، حيث قامت عناصر من الجيش التركي بانقلاب فاشل ضد الرئيس التركي أردوغان. ومن شأن انتفاضة ضباط سوريين أن تشكل قوساً مقنعاً للخلاص، حيث يصبح ضباط الأسد أنفسهم وكلاء لنظام جديد. لكنها قد تمهد أيضاً الطريق أمام طغمة عسكرية غير مستقرة وتترك سوريا ما بعد الأسد أكثر عرضة للتهديدات الاستبدادية الجديدة.
6. التراجع إلى الجبال:
في حال سقوط دمشق قبل أن يتمكن من الفرار إلى الخارج، يمكن أن يكون الحل البديل لـ بشار لأسد هو الانسحاب إلى معقل العلويين في أرياف اللاذقية واللجوء إلى معاقلها الجبلية الوعرة. ومن هذا الموقع، يمكنه أن يأمل في حشد ما تبقى من قوات الأمن وربما إقامة دويلة أو قيادة تمرد ضد المعارضة المنتصرة.
وقد يطمح الأسد إلى محاكاة قادة مثل أصلان بزانيا في أبخازيا أو حليفه المقتول حسن نصرالله في “حزب الله”، مستفيداً من سيطرته على الأرض وولاءاته الطائفية في تحقيق أهمية دائمة. ومع ذلك، فإن تحصن الأسد في المناطق النائية قد يؤخر ببساطة ما لا مفر منه، ويدعو إلى شن هجمات عقابية من قبل المعارضة على مسقط رأس الأسد.
نهاية محتومة
أي من هذه السيناريوهات سيتوقف على حسابات رئيس النظام السوري بشار الأسد وزمرته ساعة بساعة بينما تواجه دمشق لحظة الحقيقة. ربما تكون النتيجة الأكثر ترجيحًا هي الهروب في اللحظة الأخيرة إلى أرض أجنبية صديقة، حيث يسعى الأسد إلى إنقاذ رقبته إن لم يكن حكمه. ولكن تبقى الخاتمة الأخيرة المريرة أو تصفية الحسابات داخل النظام خاتمة بديلة معقولة جداً لحكمه الديكتاتوري.
وبغض النظر عن خروج الأسد بالتحديد، فإن طرده الذي يلوح في الأفق من العاصمة السورية بعد فترة حكم كارثية سيشكل نقطة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فالدولة التي حطّمتها قسوة الأسد ستواجه مهمة محفوفة بالمخاطر تتمثل في إعادة بناء نظامها السياسي والمجتمع. ستتم إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة من خلال إضعاف محور إيران وصعود المعارضة السورية وداعميها العرب.
وسيكون سقوط بشار الأسد بمثابة قصة للآخرين في تلك الحقبة، مما يدل على مخاطر القمع الدائم وفقدان رعاية القوى العظمى. ومع إسدال الستار على المأساة السورية، فإن آخر عمل للأسد يعد بأن يكون مصيريًا بقدر ما هو دراماتيكي. سيراقب العالم ليرى ما إذا كان الأسد سينحني كمنفي مستسلم، أو سينتهي في موقف أخير متحدٍ، أو سيولي هارباً من أولئك الذين عذبهم. وبغض النظر عن نهايته، فإن إرث الأسد من الحكم سيكون إرث شعب في حالة خراب ومنطقة مشتعلة.
- إيقاف الرحلات الجوية من وإلى دولة الإمارات والسبب؟
- تأمين الخدمات الأساسية في سوريا: بين الواقع والمأمول
- وزير التربية السوري لـ”الحل نت”: خطة لتغيير النهج التعليمي بالكامل وبرامج لإعادة المتسرّبين
- تصريحات أوروبية “إيجابية”.. هل ثمة انفراجة قريبة بشأن العقوبات على سوريا؟
- مصدر حكومي يكشف.. هل كان النظام المخلوع قادرا على إنهاء الأزمات؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.