بعد نجاح الثورة السورية، التي استمرت لنحو 14 عاماً، تتجه الأنظار إلى مستقبل البلاد القريب، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، إذ لن تكون هذه المرحلة سهلة على السوريين، في ظل التغيير المفاجئ الذي حصل، حيث انتقلت البلاد من حكم الحزب الواحد، إلى الحرية التي سعى إليها معظم الشعب السوري.
عهد الأسد؛ الأب والابن، على مدار 54 عاما، كرَّس الطائفية في المجتمع للبقاء بالحكم، وهو كان السبيل الوحيد بنظره للحفاظ على وجوده في سدة السلطة، وهذا كان واضحا في الهيمنة على مفاصل المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد، إلى جانب مشاركة أقلية من المجتمع السوري.
لذلك فإن إعادة بناء سوريا من جديد والاحساس بالأمان لن يكون بإطلاق الشعارات والتصريحات، إنما يحتاج إلى عمل على أرض الواقع، خاصة في ظل خطابات طائفية تخرج بين الحين والآخر، من بعض رجالات الأسد وماكينته الإعلامية، بينما تحاول إيران عبر أذرعها، إثارة الفوضى في البلاد، بعد أن خسرت مشروعها في المنطقة.
المطلوب من السوريين
بالنسبة للداخل السوري، فإن أهم ما يجب العمل عليه، هو انتظار انتهاء المرحلة الحالية، التي يتم التركيز فيها على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة وترميم ما دمره النظام السابق، حيث ينصب الجهد الآن على تأمين الخدمات الأساسية بالحد المعقول، لكن هذه المهمة ليست سهلة، بعدما دمرت آلة الحرب على مدار أكثر من عقد، البنى التحتية في معظم المحافظات السورية.

إذ لا يمكن الحديث عن فترة انتقالية حقيقية من دون أن يشعر السوريون بالاستقرار أولاً، حيث تتطلب هذه المرحلة النهوض بالاقتصاد السوري، إذ أصدرت حكومة تصريف الأعمال، التي يقودها محمد البشير، جملة قرارات، لتحسين الأجواء الاقتصادية وتيسيرها، بينما يشهد الواقع الاقتصادي السوري تشويهاً، نتيجة ممارسات نظام الأسد.
الحالة السورية، تتطلب طرح خطاب سياسي ديموقراطي شامل، يركز على الوحدة الوطنية واحترام التعددية، وإطلاق حوارات داخلية بين مكونات الشعب السوري، على مستوى المحافظات في البداية، وصولا إلى حوار وطني يشمل الجميع، حيث يتم الاتفاق على رؤية واضحة لشكل الدولة والحكم.
هذا الحوار الوطني، الذي يجب أن يكون على مراحل، يهدف إلى تجاوز الانقسامات وتعزيز الانتماء الوطني، ومن شأنه دعم التعايش بين مكونات المجتمع السوري، الذي هدمه نظام الأسد، خلال سنوات حكمه، خاصة في السنوات الأخيرة.
لذلك، يجب تفعيل ورشات السّلم الأهلي، وهي أولوية في هذه المرحلة، لتقليل الفجوة بين مكونات المجتمع السوري، الذي شهد بطبيعة الحال سياسات تفرقة في السابق، إلى جانب من هجّرهم النظام من مناطقهم واستولى على ممتلكاتهم، بهدف التغيير الديموغرافي وقمع الثورة.
بينما يحتاج السوريون إلى توعية فكرية لنشر معنى المواطنة وكيفية استخدام حرية التعبير والرأي بمفهومها الصحيح بعيدا عن سياسة نبذ الآخر، وتكريس الديموقراطية والتنمية الشاملة وأهمية الوطن، الذي يضمن الحرية والكرامة للجميع ويشكل الأساس للاستقرار، من دون استثناءات.
المسؤولية تقع على عاتق جميع السوريين، من حيث تحمل المسؤولية ونشر الوعي، بدلا من تناقل الشائعات والأخبار وبعض المقاطع المصورة، التي من شأنها حرف البوصلة عن اتجاهها الصحيح وإثارة الفتن، وترك محاسبة مرتكبي الانتهاكات لمؤسسات الدولة والمحاكم، وعلينا تحمل الوقت، إلى حين وضع الأطر القانونية، التي تتيح محاسبة مرتكبي الجرائم وفق القانون.
أهمية الأطر القانونية
الأطر القانونية الواضحة تمثل فرصة للمجتمع السوري لصياغة هوية جديدة لدولته ومستقبله، على أسس تعكس تطلعات جميع مكوناته، وفق المختص بالقانون الدولي وعمليات التحقيق، ياسر شالاتي.

وأضاف أن وجود إطار قانوني يضمن أن تكون القرارات المتخذة في هذه المرحلة قابلة للاعتراف بها قانونياً ودولياً، وأن عدم وجودها يجعل كل هذه العملية متأرجحة، إذ توفر خارطة طريق واضحة تحدد آليات المشاركة الشعبية، مما يمنع تحول العملية إلى ممارسات فردية أو انتقائية تُقصي أطرافاً من المشهد الوطني.
الأطر القانونية تمثل الركيزة الأساسية لمحاسبة جميع الأطراف المسؤولة عن الجرائم، سواء ارتكبها النظام السابق أو الفصائل المسلحة الأخرى، مما يرسخ العدالة ويعزز المصالحة الوطنية، بحسب حديث شالاتي لـ “الحل نت”.
حول عملية نزع السلاح وحفظ الأمن، اعتبر أن وجود إطار قانوني ينظم هذه العمليات ويعزز شرعيتها وفاعليتها. كما أنه يخلق بيئة من الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة، مما يسهم في استقرار المرحلة الانتقالية.
وأشار إلى أن غياب التأطير القانوني قد يؤدي إلى اتخاذ التزامات دولية غير مدروسة أو مشوّهة، في حين أن وجود هذا التأطير، يضمن دراسة هذه الالتزامات بمسؤولية وبالتنسيق مع الشعب السوري.
بحسب شالاتي، فإن سوريا بحاجة إلى مرحلة انتقالية تُبنى على الشفافية والمشاركة، لا على الغموض. إذ أوضح أن التحول الحقيقي لا يتحقق بالشعارات الرنانة أو الترويج لشخصيات معينة، بل عبر عمل جماعي مدروس، يُؤطر قانونياً ويُنفذ بمشاركة السوريين، لضمان مستقبل يتسع للجميع.
المطلوب رسمياً
بالنسبة للسلطة القائمة حالياً، عليها الخروج بخطاب وطني شامل، يدعو السوريين إلى تحمّل واجباتهم الكاملة، وتوضيح ما سيتم العمل عليه وهذا من شأنه أن يدعم الاستقرار في البلاد وتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية، بدلا من استغلال بعض الدول، على رأسها إيران، لسوداوية رؤية بعض السوريين وتحريضهم، نتيجة تخوفهم من القادم، رغم أنه لا أساس له.

على رأس القيادة، المتمثلة بـ أحمد الشرع، أن يتوجه الآن بخطاب للشعب السوري عبر الإذاعة الوطنية ويشاركه بفرحه وآلامه ويتحدث عن توجهه ورؤيته، إذ كان لابد من القيام بذلك منذ البداية وقبل استقبال الوفود، كونه الآن يتصدر القيادة في سوريا، وفق شالاتي.
وأضاف أنه لا يمكن الاكتفاء بتصريحات حول القيام بالمحاسبة والمساءلة، إذ يجب تبيان هذه الآلية؛ مشيراً إلى أن المحاسبة خارج التأطير القانوني، تتحول إلى جريمة.
“يجب على حكومة تصريف الأعمال بناء آلية واضحة، ممكن هيئة تسمى هيئة المساءلة والمحاسبة، تعمل على التنسيق ما بين المنظمات السورية المختصة بالتوثيق والتحقيق وما بين المنظمات الدولية ولجان التحقيق الدولية”، وفق شالاتي.
وأوضح أن الهيئة تعمل على حفظ الأدلة والمستندات، التي يجب جمعها وأرشفتها وتجهيزها، بينما تنسِّق الهيئة عمل لجان التحقيق وتزودهم بالمستندات المطلوبة وجلب الشهود والمتهمين للتحقيق معهم.
وأكد أن تحقيق السلم الأهلي لا يمكن أن يتم إلا بالبدء بملف العدالة الانتقالية، الذي يحقق التوازن بين جميع الأطراف، إذ أرجع شالاتي وجود حالات انتقام فردية إلى غياب المساءلة والمحاسبة بشكل واضح.
مفهوم العدالة الانتقالية يقوم على وجود منظومة يتم تطبيقها في فترة زمنية خاصة وبظروفٍ استثنائية لتمثل مقاربة مُعيّنة لتحقيق العدالة اللازمة كي يتعافى المجتمع ككل عبر التعمُّق في جذور الانتهاكات بمفهومها الواسع، وذلك بهدف الانتقال بأمان إلى مستقبل جديد بعد مواجهة جريئة للماضي وتصفيته، ولذلك فإن العدالة الانتقالية من المنظومات المعقّدة وغير البسيطة ولا يجب التعامل معها بشكل سطحي وتعميمي، وفق “مركز الحوار السوري”.
وتشكل المرحلة الانتقاليَّة في سوريا فرصة محورية لإعادة بناء الدولة؛ حيث تتطلب تحديد أولويات واضحةٍ تشمل تحقيق الاستقرار، وتعزيز الحوار الوطني، وإرساء أسس العدالة والتنمية المستدامة.
أخيرا، فإن الانتقال بسوريا إلى مرحلة ما بعد الأسد، يتطلب البدء بمشروع العدالة الانتقالية للحفاظ على السلم الأهلي، إضافة إلى إطلاق حوار وطني يجمع القوى السياسية والعسكرية، إلى جانب ممثلين عن المجتمع السوري بكافة مكوناته وأطيافه، للتوافق على مستقبل البلاد.
وتعمل السلطة السورية الحالية، على تنظيم حوار وطني، لكنها لم تعلن ذلك بشكل رسمي، بل إنها لم توضح بعد زمان عقد هذا المؤتمر وآلية اختيار الشخصيات المشاركة، وما الذي سيتمخض عن هذا الحوار، الذي يفترض أن يخرج بتوافق بينهم على آلية سير المرحلة الانتقالية وشكلها.
- الهلال الأحمر الكُردي يجهز قافلة مساعدات لأهالي الساحل السوري
- أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع
- ليس هناك شيك على بياض للسلطات الجديدة في دمشق
- هل يساعدنا التحليل النفسي على فهم السياسة السورية؟ نور حريري وسامي الكيال
- مظاهرة أمام البيت الأبيض تضامناً مع ضحايا أحداث الساحل السوري
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع

إطلاق نار على متظاهرين بدرعا: هل يعيد الشرع سوريا إلى 2011؟

بالأول قبضونا.. كيف علق السوريون على منحة الشرع لـ عيد الفطر؟

تواصل مباشر بين الجيش الأميركي ومكتب الشرع.. والعقوبات لن ترفع قريبا أو تُعلّق
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول في العمق

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع

سوريا الجديدة تبدأ من الشمال الشرقي: مسار تكتيكي أم اتفاق تاريخي؟

تهريب الأسلحة من إيران إلى القرن الإفريقي: توظيف “الحوثيين” لدعم تنظيم “القاعدة”

ضباط الأسد في موسكو: هروب تكتيكي أم مناورة روسية؟

اضطرابات الساحل السوري: صراع نفوذ إقليمي أم محاولات لبعث الفوضى؟

مجازر الساحل السوري.. مصير قاتم بين دوامة العنف والطائفية

مجازر الساحل السوري.. شهادات مروعة وأرقام مأساوية لـ “الحل نت”
