ثمة مساع لا تتوقف بهدف وضع أفق سياسي للوضع في سوريا، وفك أي احتمالات للاشتباك أو التعقيد، وذلك من قبل القوى السياسية الكُردية السورية التي تسعى نحو إجراء لقاءات واتصالات فيما بينها بغية احتواء الخلافات، وتشكيل “وفد مفاوض موحد” لتمثيل مصالح سكان شمال وشرق سوريا في دمشق.

الوفد الكُردي الموحد يتحرك لجهة عمل إطار سياسي يكون بمقدوره الوقوف لمجابهة اللحظة السياسية الحساسة والدقيقة بسوريا والمنطقة، فضلا عن تحدياتها، بل يكون ممثلا للقضايا الملحة سواء في ما يخص الكُرد بسوريا ومحاولات إقصائهم أو وضعهم تحت ضغوط الصراع مع تركيا والاقتتال داخليا بمواجهة الفصائل الموالية لأنقرة. إذ إن المبادرات الكُردية التي انطلقت من أطراف عديدة، والتشكلات التي تتم على مهل، إنما تؤكد حيوية ومرونة القوى السياسية السورية الكُردية لتكون ضمن الحيز الوطني السوري والذي يضمن حقوقها عبر الحوار والتفاوض والشراكة السياسية وفي الحكم. ذلك ما سبق وعبرت عنه القيادية الكُردية إلهام أحمد بأن “ضمان حقوق الكُرد في دمشق وليس في أنقرة”.

سوريا.. اجتماع بين الأطراف الكُردية

وعقد خلال الأيام الماضية، اجتماع بين المجلس الوطني الكُردي (ENKS) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حضره مسؤولون من (التحالف الدولي) بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”. وكان الهدف من هذا اللقاء مناقشة الخلافات الداخلية العالقة بين طرفي الحركة السياسية الكُردية، بحيث يتم تشكيل “وفد موحد” للتفاوض مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق.

منذ عام 2012، تخضع مناطق شمال وشرق سوريا لسيطرة “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا- “وكالات”

و”المجلس الوطني الكُردي” هو تحالف آخر للأحزاب الكُردية في سوريا التي تعارض حكم “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، التي أعلنها “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكُردي وأحزاب حليفة بداية عام 2014. ويعتبر “المجلس الكُردي” الكيان السياسي الكُردي الوحيد المنضوي في صفوف هيئات “المعارضة السورية”، كما ولديه علاقات جيدة مع تركيا و”الحزب الديمقراطي الكُردستاني”، الحزب الحاكم في إقليم كُردستان العراق.

وأكدت تقارير صحفية أن مبعوثا الولايات المتحدة وفرنسا كثفوا اجتماعاتهم مع قيادات أحزاب الحركة الكُردية، وعقدوا ثلاثة اجتماعات منفصلة مع كل طرف. وركزت واشنطن وباريس خلال هذه اللقاءات على تسريع الدخول في حوارات مباشرة بين طرفي “المجلس الكُردي” وحزب الوحدة الوطنية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكُردي، والتوصل إلى اتفاق سياسي، وحل الخلافات الداخلية، وتشكيل وفد مشترك للتفاوض مع دمشق بصوت واحد.

وبحسب التقارير ذاتها، فإن الوسيطين الأميركي والفرنسي يعملان على نزع فتيل الحرب مع تركيا، بعد تصاعد تهديداتها، والوصول إلى حالة من الاستقرار للتوجه إلى العاصمة دمشق، والتفاوض مع القيادة السورية الجديدة، من أجل التوصل إلى تفاهمات لإدارة المرحلة الانتقالية.

وبحسب مصادر محلية، فإن قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التقى الأسبوع الماضي بأعضاء من “المجلس الوطني الكُردي”، وناقشوا “الوحدة الكُردية”، أكد خلالها أنه سيدعم آراء الأحزاب السياسية الكُردية.

الكُرد يسعون إلى “تمثيل موحد”

وقد أعلنت “قسد” الأسبوع الفائت في بيان، عن التوصل إلى اتفاق مع “المجلس الوطني الكُردي” في سوريا، وعلى استمرار اللقاءات بهدف تسريع حل القضايا الخلافية وتعزيز وحدة الموقف الكُردي، وتذليل العقبات لضمان دور فعّال للكُرد في العملية السياسية السورية.

هذا ومنذ عام 2012، تخضع مناطق شمال وشرق سوريا لسيطرة “الإدارة الذاتية” وجسمها العسكري قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي شريك رئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.

تظل المسألة الكُردية داخل الحيز السياسي السوري الوطني مطلبا ملحا ليس فقط من قبل السلطة الجديدة في دمشق، إنما على المستوى الكُردي ذاته.

في حين تنظر تركيا إلى هذه الجماعات باعتبارها امتدادا لـ”حزب العمال الكُردستاني”. وتعهدت تركيا، وهي جهة فاعلة رئيسية في سوريا ما بعد سقوط بشار الأسد، بالقضاء على هذه الجماعات الكُردية إذا رفضت تسليم سلاحها، رغم تقديم “قسد” تنازلات جديدة ووجهت نداءات عديدة إلى السلطة الجديدة في دمشق، كما بعثت برسائل تطمينية لمختلف القوى الداخلية والإقليمية، منها تركيا، ومفادها انفتاحها على ضرورة البناء السياسي عبر الحوار والتشاركية، فضلا عن تبديد المخاوف المختلفة، مثل الارتباط بـ”حزب العمال الكُردستاني”، ثم القبول حتما بأن تكون القوات الكُردية ضمن الجيش السوري.

ويرى محللون سياسيون أنه إذا لم يتم حل الخلافات البينية بين الأطراف الكُردية في سوريا (المجلس الكُردي والإدارة الذاتية)، فإن الذهاب إلى دمشق سيكون “منقوصا” وسيفشل بالتبعية، خاصة وأن الأطراف الدولية يريدون “وفد كُردي موحد”، ولهذا السبب تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى دفع الأطراف الكُردية للتوصل إلى اتفاق قريبا.

ويقول الدكتور زارا صالح، الباحث السياسي الكُردي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في “جامعة كوفنتري” ببريطانيا: “إن القوى الدولية لديها إصرار على حماية حقوق جميع الفئات في سوريا سواء القومية أو الدينية والطائفية بشكل لا يسمح بنزاعات اجتماعية تضر بالسلم الأهلي، وسوريا الآن أمام لحظة دقيقة وأمام مفترق طرق، وبالتالي على الأطراف الكُردية توحيد صفوفهم والتوجه إلى دمشق، حيث إن تشتيت الصف الكُردي قد يضيع المطالب الكُردية ويتسبب في فراغ تلعب عليه أطراف خارجية لتوجيه دفة الأحداث لصالحها، ويجعل التفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق من دون جدوى أو يباعد بين الطرفين، خاصة مع مساعي أنقرة في القضاء على الكُرد ومشروعهم”.

ضرورة “الانتقال من دائرة الهامش”

ولفت الباحث السياسي الكُردي السوري لـ”الحل نت”، إلى ضرورة أن يكون للكُرد رؤية سياسية ومقاربة يمكن التعبير عنهما في خطاب سياسي متجانس وموحد، ويحمل أهدافهم المطلبية وطموحهم، وذلك ما يمكن أن يتحقق في ظل مشاركة القوى السياسية الكُردية، فضلا عن النخبة المثقفة والشخصيات الوازنة والمعتدلة، وقادة المجتمع المدني، وهذه الأطراف مجتمعة بما تمثله من خبرات ومرونة ستكون قادرة على عمل ديناميات سياسية تحقق نجاحات عملية، ومع وجود جسم سياسي كُردي بهذه الحمولة سيكون الوصول لدمشق أمرا مهما ولافتا، ومن المتوقع أن يحصد نتائج إيجابية، ويمكن لوفد كهذا يتوجه إلى دمشق، يكون برعاية أو دعم من قبل واشنطن.

مظاهرة في قامشلو/ القامشلي مناطق سيطرة “قسد” تطالب بوحدة سوريا- “أ ف ب”

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، سلط المسؤولون الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون الضوء على الحاجة إلى حماية حقوق الأقليات العرقية والدينية في سوريا، بما في ذلك الأكراد.

وإلى ذلك، تظل المسألة الكُردية داخل الحيز السياسي السوري الوطني مطلبا ملحا ليس فقط من قبل السلطة الجديدة في دمشق، إنما على المستوى الكُردي ذاته، حيث إن الأخير بحاجة إلى بناء قدراته وإمكاناته وصياغة خطاب على مستوى اللحظة التاريخية المفصلية، ومع تطوير الخطاب السياسي وبعث رسائل محلية وخارجية، يتعين عليه الاحتماء بقواعده الاجتماعية ليس فقط من القوى الاجتماعية الكُردية بل بالفئات المتنوعة التي حظيت بتمثيل سياسي يقبل بالتعدد والتنوع داخل مناطق “الإدارة الذاتية” خلال السنوات الماضية. 

هذه الحوامل الاجتماعية تكون الرديف السياسي والمجتمعي للوجود الكُردي الذي إذ يتحرك إلى دمشق، فيكون بنداء سوري موحد وليس بالمعنى الضيق الأقلوي الطائفي المحدود.

والانتقال من دائرة الهامش مسألة ينبغي أن تكون استراتيجية في العقل السياسي الكُردي مع توجهه للسلطة الجديدة في دمشق، لا سيما مع تجربة الإدارة الممتدة لأكثر من عشرة أعوام، ونجحت في أن تكون على أرض صلبة وأفق وطني، بداية من محاربة تنظيم “داعش” والتنظيمات المتطرفة والجهادية المسلحة، مرورا بتوفير بيئة اجتماعية آمنة ومستقرة نسبيا مقارنة بمحيطها التي شهدت أوضاعا صعبة اقتصادية واجتماعية وتنموية فضلا عن الاقتتال العنيف طائفيا، وحتى الحقوق المكتسبة للفئات الضعيفة كالمرأة وغيرها. 

وهذه المكتسبات السياسية والمجتمعية بالمحصلة من الضروري أن تكون توطئة لخطاب عملي تتماسك عليه القوى الكُردية وتضطلع بمهامها المرحلية والتاريخية لبناء وجود سوري كُردي قائم على التشاركية والتعدد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة