ستبقى سوريا تمر بحالة حرجة وصعبة، إلى أن يتم تحقيق الاستقرار الأمني في كافة الأراضي السورية، الذي لن يتم الوصول إليه إلا بعد حل الفصائل العسكرية وتشكيل جيش سوري تحت مظلة وزارة الدفاع، الأمر الذي سيعطي الإدارة السورية الفرصة للالتفات بشكل أكبر إلى باقي الأولويات.

إذ تتمثل هذه الأولويات بتشكيل حكومة انتقالية تتواءم مع الواقع السوري، والتي ستنهي الجدل حول “اللون الواحد” في حكومة تصريف الأعمال، الذي برره، أحمد الشرع، بأنه ضرورة المرحلة، مما يتيح للإدارة السورية العمل بشكل أوسع على ملفات أخرى ذات أولوية، بعد وضع رؤية لقيادة البلاد.

وألقت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، الضوء على التحديات التي ربما تواجه الإدارة الانتقالية، بينما ذكرت أنه “مع تبلور حكومة جديدة في دمشق، يشعر السوريون والمراقبون الأجانب على حد سواء بالقلق بشأن مدى شموليتها وتمثيلها”.

أثبت قدرته على التكيف

المجلة رأت أن السقوط المفاجئ والصادم لنظام الأسد على يد “هيئة تحرير الشام” أثار ابتهاج السوريين الذين عانوا 13 عاماً من ويلات “الحرب الأهلية” وعقوداً أخرى من الحكم القمعي. بينما أشارت إلى أن هناك مخاوف من أن التوترات التي لم يتم حلها بين الجماعات العرقية والدينية في سوريا يمكن أن تعرقل جهود، قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، لتوحيد البلاد وتوطيد حكمه.

الاحتفالات بـ مهرجان النصر في مدينة درعا، جنوبي سوريا 26 كانون أول/ديسمبر 2024 - الحل نت
الاحتفالات بـ مهرجان النصر في مدينة درعا، جنوبي سوريا 26 كانون أول/ديسمبر 2024 – الحل نت

واعتبرت أن الخيارات التي ستتخذها الولايات المتحدة على المدى القريب ستؤثر على قدرة الإدارة الجديدة على بسط سلطتها بجميع أنحاء سوريا وإعادة الإعمار.

“هناك أسباباً تدعو إلى منح القادة الجدد في سوريا ميزة الشك. أحدها الحالة المزرية للبلد الذي مزقته الحرب: فأكثر من 70 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 60 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار منذ عام 2011، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة الإعمار 400 مليار دولار”، بحسب “فورين أفيرز”.

وقالت المجلة، إن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع أثبت أيضاً قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة، فبعد استيلائه على محافظة إدلب السورية عام 2017، مضى في بناء دولة أولية من الصفر، وطرد العديد من المقاتلين الأجانب من “هيئة تحرير الشام” لتبني أجندة وطنية سورية.

وتبرأ الشرع من الطموحات السابقة، “الأمر الذي مكن الهيئة من الزحف نحو دمشق في نهاية المطاف. كما تواصل الشرع مع المجتمعات المسيحية والدرزية الصغيرة… وتبنى تعليم المرأة، وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية”.

أفضل سيناريو لسوريا

بحسب مجلة “فورين أفيرز”، فإن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن هو أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا تحققت إلى حد كبير، فحكم الأسد انتهى وانسحبت القوات الإيرانية والروسية من البلاد، إذ إن التغيير الذي شهدته سوريا خسارة كبيرة بالنسبة لإيران، على وجه الخصوص.

أحمد الشرع (وسط) مع الفصائل العسكرية ومعه مرهف أبو قصرة وزير الدفاع الجديد (يمين) (مواقع التواصل الاجتماعي)

وقالت إن خسارة حكومة صديقة في سوريا تشكل ضربة كبيرة، فقد خسرت طهران طريقها الرئيس لنقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، وبالتالي خسرت طريقها لإعادة بناء “محور المقاومة” الذي أضعفته بشدة.

وعددت المجلة الأسباب التي ربما تفسر موقف واشنطن وعدم حاجتها إلى الإبقاء على وجودها العسكري أو العقوبات الساحقة التي كانت تهدف في البداية إلى إضعاف نظام الأسد، فتحدثت عن إلحاق القوات الأميركية و”قوات سوريا الديمقراطية” الكردية المدعومة من الولايات المتحدة أضراراً بالغة بتنظيم “داعش” في شمال سوريا.

في ظل مخاوف وجدل أثارته قرارات وتصريحات لمسؤولين في الإدارة الجديدة في سوريا خلال أسابيع قليلة من توليها زمام الأمور، رأت المجلة الأميركية أن أفضل سيناريو لسوريا الجديدة وجيرانها هو قيام “دولة موحدة ومتماسكة يمكنها التفاوض على اتفاقات دبلوماسية تعزز الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل”.

وحذرت من أن البديل هو سوريا ضعيفة ومنقسمة ومعرضة للصراع، وهي نتيجة قد تتطلب وجوداً عسكرياً أميركياً طويل الأمد ومكلفاً بشكل متزايد في المنطقة، وتخلق مشكلات لتركيا (حليفة الولايات المتحدة)، وتعرّض عملية إعادة البناء الحساسة في العراق للخطر، وينجم عنها موجة أخرى من الهجرة السورية.

لتجنب هذا السيناريو ترى المجلة أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، وعليها أن تسحب قواتها من البلاد، مما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرقي سوريا.

مع ذلك، فإن واشنطن تحتاج أولاً إلى ضمانات بأن لدى الشرع القدرة والإرادة لإبقاء “داعش” تحت السيطرة، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة أكراد سوريا ودمجهم، وإذا لزم الأمر تنأى بنفسها عن أنقرة للقيام بذلك.

وقالت المجلة إن رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة سيسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات