تعزز الزيارة التي أجراها رئيس “المرحلة الانتقالية” في سوريا أحمد الشرع، الأحد، إلى المملكة العربية السعودية، والتي أجرى خلالها محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ملفات التعاون بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وفق ما قدَّر خبراء. 

وتمثل الزيارة التي أجراها الرئيس الشرع إلى المملكة، نقطة تحوّل في مسار العلاقات العربية السورية، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي. 

أهمية كبيرة

المملكة السعودية، كانت أول زيارة خارجية للرئيس الشرع بعد تنصيبه، والتي كان لها أهمية كبيرة، خاصة أن الرياض تتمتع بنفوذ سياسي وتأثير واسع بالمنطقة. 

كما أن الزيارة ليست الأولى من نوعها على الصعيد الدبلوماسي بين الجانبين، حيث أجرى وزير الخارجية السوري أول زيارة إلى السعودية في كانون الثاني/يناير الماضي، كما زار وزير الخارجية السعودي دمشق في نهاية الشهر نفسه. 

ووفق بيان له عقب الزيارة، قال الرئيس السوري أحمد الشرع، إن الحكومة السورية عملت على رفع مستوى التواصل والتعاون مع السعودية في كل المجالات. وأضاف: “ناقشنا مع السعودية خططاً مستقبلية في مجالات الطاقة والتقنية والتعليم والصحة”. 

وبيّن أن بلاده لمست رغبة سعودية حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها، مردفًا: “عملنا على رفع مستوى التواصل والتعاون مع السعودية في كل المجالات”. 

ضرورة حيوية 

من جهته ثمّن المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، أهمية الزيارة التي أجراها الرئيس السوري إلى السعودية، خاصة في ظل عمل المملكة الدؤوب من أجل رفع العقوبات عن سوريا، منذ سقوط نظام بشار الأسد. 

وأوضح عبر فيديو نشره على صفحته بموقع التواصل “فيسوك” أن السعودية لديها قدرة على ممارسة الضغط الدولي عبر القنوات السياسية والدبلوماسية من أجل رفع العقوبات الغربية، وهو ما يمثل ضرورة حيوية من أجل دخول الاستثمارات السورية والعربية والغربية للبلاد. 

القيادة السعودية تساعد “الإدارة السورية الجديدة” على تأكيد سيادتها على كامل الأراضي السورية خاصة الثروات النفطية، بما يمثل أهمية كبيرة ليس فقط من أجل عودة السوريين واستقرارهم في الشمال الشرقي، أيضًا حماية الثروات النفطية وتحقيق الاكتفاء من النفط والغاز. 

المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي

وأشار إلى أن هناك ثلاث مطالب وصفها بأحلام يتطلع لها السوريون أن تحققها المملكة العربية السعودية، الأول منها يتمثل دعم السعودية “مشروع مارشال” على غرار المشروع الأوروبي منذ ثمانين عامًا من أجل إحياء وتعافي أوروبا، مؤكدًا أن سوريا تحتاج إلى مشروع “الملك سلمان” للتعافي السوري. 

تطلعات سورية 

أما عن التطلع الثاني، فأوضح المستشار الاقتصادي هو أن تكون سوريا جزء من الخط الجديد بين السعودية والهند، والذي يمر بالمملكة إلى أوروبا، ويرتبط برؤية 2030 السعودية، والانفتاح الاقتصادي إلى غرب آسيا. 

وأشار إلى أنه يمكن مدّ هذا الممر التجاري من خلال السكك الحديدية عبر منطقة الحديثة السعودية إلى دمشق بمسافة 750 كيلو مترًا، موضحًا أنه حال مرور قطار بسرعة 350 كيلو متر بساعتين فقط يرتبط ذلك الخط الحيوي، الذي تقدر تكلفته بما يقارب 600 مليار دولار، إلى سوريا ليعود خط التجارة الدولي وتسرع في معدلات النمو الاقتصادي وعجلة التنمية التجارية. 

وعن تطلعه الثالث والأخير، عبّر المستشار الاقتصادي عن أمله الشديد لأن يتم إحياء “سكة الحجاز” من جديد، موضحًا أنها في حاجة إلى كثير من الإصلاحات والتطوير بإدخال التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى إعادة التأسيس لسكة قطار حقيقية بسرعة 350 كيلو متر بالساعة، بحيث تكون المسافة 1300 من دمشق إلى المدينة المنورة بالمملكة عبر هذا الخط أي حوالي أربع ساعات. 

وأكد أن خط الحجاز له بُعد تاريخي بين البلدين، إضافة إلى ذلك فإن من شأنه حيال إعادته أن يعجّل ويسرّع من معدلات النمو الاقتصادي والتجارة بين البلدين، مشددًا على أن الرئيس الشرع يُصلح ما أفسده نظام الأسد البائد، الذي أفسد العلاقات مع السعودية والدول العربية. 

خطوة محورية 

فيما رأى وزير الاقتصاد السوري الأسبق، الدكتور نضال الشعار، أن الزيارة مثّلت خطوة محورية نحو استعادة الشرعية الإقليمية والدولية لسوريا، ما يفتح الباب أمام إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادي مع الدول العربية.  

وأشار الوزير الأسبق، خلال مداخلة له على “قناة الشرق”، إلى أن هذه الزيارة مهمة جداً وترسم ملامح علاقة جديدة بين سوريا والمملكة العربية السعودية وباقي أجزاء العالم، مشيرًا إلى أن السعودية ليست مجرد لاعب إقليمي على الساحة، بل لاعب دولي مؤثر ومتوازن اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي فـ “الإدارة السياسية” في سوريا تعتمد على المملكة العربية السعودية لتسهل عملية إعادة الانضمام والتموضع مع المجتمع الدولي الذي خسرته خلال الـ 15 عاماً الماضية. 

الوضع السوري حالياً “بائس” جداً فمؤسسات الدولة منهارة، والاقتصاد منهار، وبالتالي البدء من أي مكان هو أمر جيد ولا يمكن تحديد نقطة عينة للبدء، فيجب أن يتم البناء من كل الأمكنة داخلياً وخارجياً، سوريا بحاجة كل شيء ممكن من دعم وتسهيلات ومساعدات، والمهم الدعم المعنوي أيضاً. 

وزير الاقتصاد السوري الأسبق، الدكتور نضال الشعار

وحول ما تنتظره سوريا من السعودية، قال الشعار إن السعودية أصبحت مركز اقتصادي مهم فكل المشاريع التكنولوجيا المهمة بدأت تتوطنن بها، حتى الذكاء الاصطناعي، كما أن رؤية المملكة 2030 تتضمن كل عناصر التطور الاقتصادي بكل معانيه وأبعاده، وبالتالي العلاقة بين سوريا والسعودية ستكون معنية باجتزاء هذه المفاهيم والتطورات ونقله إلى سوريا للاستفادة منها. 

حلول اقتصادية إسعافية 

بالإضافة إلى ذلك تعزيز العمل مع المملكة سواء من ناحية رأس المال أو العمالة أو حتى التطور التكنولوجي أو نقل الخبرة ليعم هذا التطور كل المنطقة. 

وتوقع الشعار أن يكون هناك قنوات تكنولوجية واقتصادية مهمة جداً مع المملكة العربية السعودية، والتي تحتاج إلى شركاء بالمنطقة كما تحتاج سوريا إلى شركاء، مشيراً إلى المكانة التجارية والصناعية المهمة في المنطقة لسوريا، وبالتالي تبادل الخبرات والاستعانة بالخبرات التي تم تطويرها في السعودية ونقلها إلى سوريا هو أمر مهم جداً للسوريين. 

وبشأن مساهمة السعودية في رفع العقوبات عن سوريا رأى الشعار أن رفع العقوبات من المنظور التاريخي أمرٌ صعب ومعقد للغاية، فمثلاً ليبيا لا تزال تحت العقوبات، والعراق لا يزال أيضاً تحت العقوبات رغم تغير أنظمة الحكم فيها، وبالتالي فيمكن لسوريا الاستفادة من العلاقات الدولية التي نسجتها السعودية لتخفيف العقوبات، واستخدام موضوع الاستثناءات والرخص لمزاولة أعمال تجارية أو صناعية معينة في الفترة الحالية ومن ثم القفز إلى موضوع رفع العقوبات النهائي. 

وأوضح الشعار أن سوريا حالياً بحاجة إلى حلول اقتصادية إسعافية، مثل الانضمام إلى نظام الدفع العالمي “سويفت” أو غيره، وهو الأمر الممكن توفيره حالياً من خلال حكومات الاتحاد الأوروبي وحتى الحكومة الأميركية، وبالتالي تُعتبر السعودية المرشح الأقوى للقيام بهذا الموضوع حالياً. 

“الشرع” والدعم المالي السعودي

يشار إلى أن الرئيس الشرع صرح خلال لقاء أجرته مع مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، أنه يحاول قدر الإمكان ألا تعيش سوريا على المساعدات والدعم، بل أن تبني اقتصادها.  

وأكد الشرع أن سوريا لديها فرصة كبيرة للاستثمار، وأن دول الخليج تستطيع من خلال صناديقها السيادية أن تستثمر بشكل واسع فيها في ظل وجود فرص كثيرة لها. 

السعودية وقطر دولتان تحبان سوريا كثيراً، وسارعتا إلى دعم الشعب السوري منذ اللحظة الأولى، ويتم مناقشة إقامة مشاريع استثمارية كبيرة تبني البنية التحتية وتخلق فرص عمل، وفي نفس الوقت تعود عليهما بالفائدة من خلال العائد الاستثماري للمشاريع التي تنفذانها. 

الرئيس السوري أحمد الشرع

ووفق تحليل أجرته وحدة التحليل المالي في صحيفة “الاقتصادية” السعودية، فإن من المتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين السعودية وسوريا نموًا ملحوظا خلال المرحلة المقبلة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سوريا بعد تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد والمُضي في عمليات إعادة الإعمار. 

قفزة مرتقبة في التجارة والاستثمار

حجم التجارة بين السعودية وسوريا بلغ 9.1 مليار ريال (نحو 2.4 مليار دولار) خلال العشرة الأعوام الماضية بفائض الميزان التجاري لصالح سوريا 6.8 مليار ريال (نحو 1.8 مليار دولار)، بحسب الهيئة العامة للإحصاء. 

ووفقا للصحيفة السعودية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال 2024 حتى شهر نوفمبر 1.2 مليار ريال (نحو 320 مليون دولار) بفائض تجاري لصالح سوريا بـ 135 مليون ريال (نحو 36 مليون دولار). 

ورجح تقرير “الاقتصادية” زيادة مضطردة في حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، بالتزامن مع الانفتاح الذي تنتهجه الحكومة السورية نحو الاقتصاد الحر ورغبتها في تطوير تعاونها مع محيطها العربي . 

وذكر التقرير أن حجم صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بين السعودية وسوريا بلغ نحو 3.5 مليار ريال خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينما بلغ حجم صافي الاستثمار خلال 2023 نحو مليار ريال ليشكل ثلث الإجمالي تقريبا بمعدل 28%. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة