مخاوف من السقوط العنيف لليرة أمام الدولار.. هل يتجه اقتصاد سوريا نحو السيناريو الأسوأ؟

تشهد سوق الصرف السورية حالة غير مسبوقة من الفوضى وعدم الاستقرار لسعر الليرة أمام الدولار، بسبب التفاوت الكبير بين التسعيرة الرسمية لـ”مصرف سوريا المركزي” وأسعار “السوق الموازي”، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية خانقة.

وعلى الرغم من التحسّن الملحوظ الذي تشهده العملة السورية مقابل الدولار الأميركي، إلا أن مع كل انخفاض في سعر الدولار يقابله تزايد بالمخاوف من السقوط العنيف لليرة أمام الدولار، ليطرح سؤالًا مُلحّاً عما سيصل له سعر الليرة وما سيحدث حال سقوطها أمام الدولار من جديد. 

تطور سعر الليرة أمام الدولار

خلاف ما تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية عادة غداة سقوط أي نظام سياسي واستبداله بآخر، إلا أن الليرة السورية كان لها موقف مختلف، فمنذ أن سقط نظام الأسد البائد تحسنت بشكل تدريجي، وارتفعت يومًا بعد يوم تجاه الدولار الأميركي. 

وفي بداية الأزمة السورية والثورة الشعبية ضد نظام الأسد البائد، كان سعر الدولار يعادل 47 ليرة سورية، لكن مع تصاعد الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، بدأت الليرة تشهد تدهوراً كبيراً، ووصلت إلى قاع غير مسبوق، لتصل إلى أكثر من 22,000 مقابل الدولار في فجر يوم الأحد الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024. 

والآن يشهد سعر الدولار بالسوق الرسمي استقرارًا، بعد أن حدد “مصرف سوريا المركزي” سعر الدولار عند 13,000 ألف ليرة سورية للشراء، و13,130 للمبيع، والوسطي بـ13,065.  

أما بالنسبة للسوق الموازي، فمنذ الخميس الماضي، شهد السوق زلزالًا بعد الهبوط القياسي لسعر صرف الدولار أمام الليرة، حيث بدأت رحلة الهبوط بوصول الدولار إلى نحو 9,900 ليرة، حتى وصل أمس سعره إلى 7600 ليرة. 

وعاود سعر الليرة السورية للتراجع أمام الدولار، اليوم الأربعاء، حيث وصل الدولار الواحد مقابل 9,700 ليرة للمبيع، بينما الشراء 9,500 ليرة، وفق بيانات موقع “الليرة اليوم” الاقتصادي. 

عوامل دفعت الليرة نحو التحسن 

البعض ربط هذا الارتفاع بقيمة الليرة السورية أمام الدولار، بالتطورات الداخلية بتنصيب الرئيس أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا للبلاد، إضافة إلى التطورات بالعلاقات الدولية ومواقف الدول تجاه دمشق، والاعتراف بالرئيس الحالي إضافة إلى تعليق بعض العقوبات المفروضة على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية السورية. 

تتزايد بالأوساط السورية المخاوف من تقلبات العملة وحدوث سقوط عنيف لليرة أمام الدولار وهو من شأنه أن يدمر جميع أنواع التجارة، كما يؤدي إلى فقدان الثقة بالليرة السورية كوسيلة للتداول والادخار، في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة. 

وبحسب “الأمم المتحدة”، شهد الاقتصاد السوري انكماشاً حاداً بنسبة تقارب الثلثين، مع استمرار تراجع العملة. 

وقالت “الأمم المتحدة” في بيان صحفي لها، الشهر الماضي، إن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفض بنسبة 64% منذ بدء النزاع عام 2011، كما فقدت الليرة السورية حوالي ثلثي قيمتها خلال عام 2023 وحده، مما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40% عام 2024. 

سوء إدارة “المركزي” 

في هذا الصدد، رأى الخبير الاقتصادي، جورج خزام، أن الصرافين قاموا باستغلال فرصة سوء إدارة “المصرف المركزي”، الذي اتهمه بالتورط بتجفيف السيولة من الليرة بالأسواق. 

وأوضح في حديث خاص لـ”الحل نت” أن المركزي صَرف كمية كبيرة من الدولار بهدف زيادة تجفيف وسحب الليرة السورية من الأسواق، وهو ما تزامن مع زيادة المعروض من الدولار مع تراجع الطلب عليه، بقصد الاستيراد بسبب انهيار الدخل وتراجع الاستهلاك المحلي. 

مصرف سوريا المركزي - الحل نت
مصرف سوريا المركزي – الحل نت

واستطرد بأن تجفيف السيولة أدى إلى تراجع سعر صرف الدولار إلى حوالي 7,000 ليرة، بعد أن كان سعر صرف الدولار 13,000 ليرة، ويباع كل 100 دولار بمبلغ 1,300,000 ليرة، سيتم شراؤها بمبلغ 650,000 ليرة عندما يصبح سعر صرف الدولار 6,500 ليرة، لتحقيق أرباح خيالية تصل إلى 100% مع البيع التدريج.  

وتوقع بعد تحقيق هذه المكاسب الخيالية، أن يكون هناك زيادة كبيرة للعرض من الليرة السورية المتوفرة بطبيعة الحال لدى الصرافين، وهو ما سيتبعه ارتفاعًا في سعر صرف الدولار لأكثر من 13,000 ليرة بسعر المركزي، ما وصفه بأنه “تدمير قاسي” ومخطط للعملة السورية والاقتصاد الوطني، ولجميع التجار والصناعيين. 

ورجّح أن يكون هناك تراجعًا في قيمة الاحتياطي من الليرة السورية لدى “المصرف المركزي“، في ظل حرمان المصرف من فرصة شراء الدولار بسعر منخفض، مستدلًا على ذلك بأن المركزي يرفض شراء الدولار بسعر النشرة 13,000 ليرة، محذرا من النتائج الكارثية على الأسواق التي تعتبر إدارة المصرف المركزي هي المسبب الرئيسي لتلك الأزمة. 

السيناريو الأسوأ 

استعرض الخبير الاقتصادي خلال حديثه، بعض تلك النتائج الكارثية لتلك الأزمة الحالية في سوق الصرف، وأوضح: 

إضعاف التجار والصناعيين بالأسواق من أجل سهولة إحلال المستوردات بدلاً من المنتج الوطني.  

دخول المستوردات على الأسواق من دون منافسة. 

 انهيار قطاعات مثل الصناعة والزراعة والتجارة، وهو ما سيترافق مع تسريح العمال وتراجع كبير بالإنتاج.  

خسارة المواطنين لمدخراتهم بالبيع بسعر منخفض للدولار ومعه إفقارهم وتجويعهم 

زيادة قوة الصرافين مالياً في الداخل والخارج مقابل إضعاف أكبر للاقتصاد الوطني، من أجل تكرار تلك الأزمة مستقبلاً لجني المزيد من الأرباح بسرعة على حساب انهيار الليرة السورية. 

تجنبًا للوصول إلى أي نتائج كارثية، هناك ضرورة لصرف رواتب الموظفين في أسرع وقت مع الزيادة الموعودة بقيمة 400%، وذلك حتى يعود للسوق ما فقده من تجفيف السيولة النقدية بالليرة السورية بحسب السياسة الهدامة للمصرف المركزي التي ألحقت أضرار جسيمة بالاقتصاد السوري.

الخبير الاقتصادي، جورج خزام،

وشدد على ضرورة إعادة الأموال المحتجزة في منصة تمويل المستوردات بالمركزي بغير وجه حق للتجار والصناعيين والمواطنين، مشيرًا إلى أنها تقدر بمئات المليارات والتي كانت السبب الأكثر أهمية بتجفيف السيولة من الأسواق بالليرة السورية. 

علاج اقتصادي قاسي 

فيما رأى الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة، أن هبوط سعر الدولار في سوريا ليس أمرٌ طبيعي أو عادي، وهو هبوط مفاجئ بالنسبة للسوريين فلم يكن هناك توقع بالوصول لهذا السعر. 

وأكد أن هذا الهبوط يؤثر على قيمة الليرة السورية والاقتصاد السوري، ما يجعل هناك ضرورة أن يكون هناك علاج اقتصادي قاسي للسيطرة على الهبوط والصعود المفاجئ للدولار وحماية العملة الوطنية.

وبيّن أنه بعد أن وصل الدولار إلى هذا المستوى، توقف غالبية التجار والصناعيين عن أعمالهم، لأن سعر الدولار يهبط ويرتفع بسرعة كبيرة وهو ما يؤدي إلى حدوث خسائر كبيرة. 

وعن السيناريو الأقرب للحدوث، رجّح أن يكون هناك انهيار العملة السورية حال استمرار انخفاض الدولار، مردفًا: “الانهيار سيناريو من السيناريوهات، فعندما يتغير نظام سياسي إلى نظام جديد، قد يحدث انهيار للعملة، لكن يكون ذلك على مدى قصير لحين التعافي”. 

وحذر من استمرار الأزمة والخسائر المتتالية لوقت أطول، مستطردًا: “الوضع الاقتصادي للبلاد سيصبح كارثيًا”، مشددًا على ضرورة أن تقوم الإدارة السورية باتخاذ اتخاذ إجراءات حازمة استباقًا لحدوث ذلك. 

تلاعب أذرع نظام “الأسد” 

رجّح شحادة، أن تكون أذرع نظام الرئيس الهارب خارج البلاد بشار الأسد، هي من تتلاعب بسوق صرف الدولار وتحبس السيولة من العملة السورية، موضحًا أن شركات تابعة له بالخارج قد تقوم بذلك، مشددًا على ضرورة تتبع تلك الشركات. 

مواضيع العملة والدولار بالنسبة لدول العالم الثالث هامة جدا لأنها تجعل الاقتصاد في هوة كبيرة، لذلك لابد من متابعة هذا الأمر في ظل المتاعب التي يعانيها الاقتصاد السوري الذي هو بحاجة إلى قوة مالية سواء خليجية أو تركية أو حتى أميركية حتى تستطيع سوريا أن تعود للوقوف على قدميها من جديد. 

الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة

ومن جهته استبعد الأستاذ في جامعة العلوم الماليزية فرع إسطنبول، الدكتور مخلص الناظر، استمرار انخفاض سعر الدولار، لكنه رأى أن عدم صعوده مرة أخرى يجعل الأزمة تمرّ بسلام دون خسائر اقتصادية كبيرة، مؤكدًا أنه سيكون إنجازًا عظيماً بمثابة سياسة نقدية فريدة. 

أما السيناريو الآخر، فأوضح خلال منشور له على صفحته بموقع التواصل “فيسبوك”، أن على الأرجح سيصعد سعر الصرف فجأة، وهو ما يُعد كارثة كبيرة على الاقتصاد والسوريين. 

وأردف قائلًا: “إن صعد سعر الصرف فجأة وهذا ما سيحدث سوف يكون قد دمرتم التجارة وخربتم بيت العباد الفقير قبل الغني”، مطالبًا “مصرف سوريا المركزي” بالخروج لمصارحة السوريين وتوضيح أزمة سعر الصرف المستمرة يوميًا، عبر بيان رسمي. 

تحسّن غير مُبرر  

أما الباحث والخبير الاقتصادي، يحيى السيد عمر، قال إن انهيار سعر الدولار غير مُبرَّر اقتصاديًّا، موضحًا أن التحسُّن الكبير في سعر الليرة والذي تجاوز 50%، لا يوجد له أيّ سبب اقتصاديّ خاصة في ظل عدم تحسن المؤشّرات الاقتصادية. 

وأكد أن التحسن الكبير في سعر الليرة، سبَّب خسائر كبيرة للأفراد والتجار، خاصةً أنه غير متوقَّع، وليس بالضرورة أن يكون مستقرًّا، ففي أيّ لحظة يمكن أن تعود الليرة للانهيار.  


وأوضح أن تحسُّن قيمة الليرة يَصُبّ في صالح الخزينة العامة؛ فالحكومة تُسعِّر وفق السعر الرسمي 13,000 ليرة للدولار، بينما سعر السوق السوداء 7,900 ليرة، وحالياً سعر لتر المازوت في سوريا بعد التخفيض 9,500 ليرة، ما يعادل 1.2 دولار، وهو أعلى من سعر الاستيراد، أمَّا على مستوى الخبز، فسعْر ربطة الخبز 80 سنتًا، وهو أعلى من سعر التكلفة. 

وأرجع الأسباب الرئيسية لتحسُّن الليرة إلى التراجُع الحادّ في كميتها في السوق، خاصةً بعد تسريح عناصر جيش النظام البائد، ما يعني خروج 250 مليار ليرة من السوق شهريًا، لذلك وفي حال تمَّ إقرار زيادة الرواتب 400%، فمن المتوقَّع أن تتدهور الليرة بشكلٍ حادّ. 

وقال إنه لا يمكن الجزم باتجاه الليرة في المستقبل القريب، لكنَّ المؤكَّد أن هذا التحسُّن قَلِق وغير مستقرّ، ولا يمكن البناء عليه في أيّ قرار استثماري، لافتًا إلى أن الأخطر في تحسُّن الليرة أنه غير مُستند إلى مُقوّمات اقتصادية، ما يرجح أن تعود العملة السورية للتدهور في أيّ لحظة، خاصةً في حال تمَّ طَرْح كميات كبيرة منها في السوق.  

ورأى أن الأفضل الاحتفاظ بالدولار، في هذا الوقت، رغم أن الرصيد بالدولار لا يُحقِّق للمُدّخر أيّ ربح في حال استمرت الليرة بالتحسُّن، إلا أنه يَحْميه من الخسارة في حال انهارت، بمعنى أنه يُحافِظ على القيمة الحقيقية للمُدَّخرات. 

‏ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات