بعد ساعات من تلقي الرئيس السوري أحمد الشرع اتصالات هاتفيا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتبادل مفصل للآراء حول الوضع الحالي في سوريا، وتأكيده على موقفه المبدئي الداعم لوحدة وسيادة وسلامة أراضي الدولة السورية، شن الطيران الروسي غارات على جبال اللاذقية.
بحسب مصادر محلية، انطلق الطيران الروسي من قاعدة “حميميم” العسكرية متجهًا نحو شمال اللاذقية لاستهداف تجمعات لفلول النظام السابق، بعد أن استهدفت هذه الفلول، وفقًا للمصادر، القاعدة الروسية بأعيرة نارية.
طبقا لتصريحات سابقة، فقد أعلنت الإدارة السورية الجديدة أنها أوقفت تحركات جميع القوات الروسية داخل البلاد وحصرت تواجدها داخل القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. لكن المفاجئ في الأمر هو تحرك هذه القوات لضرب أفراد يواجهون الإدارة الجديدة، ما يفتح باب التساؤل حول: اتفاق الشرع مع بوتين لضبط الساحل السوري؟ وهل نحن على مشارف إعادة تحالف جديد مع بوتين كما فعل النظام السابق بقيادة بشار الأسد؟
علاقات ودية!
بالعودة إلى ساعات ما قبل الاتصال، صدرت تصريحات من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ردًا على سؤال طرحه الصحفي الكويتي عمار تقي في “قمة الحكومات العالمية” بمدينة دبي حول “العلاقات الروسية الإيرانية مع الإدارة الجديدة”. الشيباني أقر بوجود بعض الإشارات “الإيجابية” من موسكو وطهران دون تقديم تفاصيل إضافية.

الشيباني أشار إلى أن علاقات سوريا مع إيران وروسيا تظل جرحًا مفتوحًا لشعبها، بعد أن دعمت هاتان الدولتان رئيس النظام السابق بشار الأسد خلال الحرب الطويلة، مضيفًا: “الحكومة الجديدة تسعى لكسب أصدقاء جدد على الساحة الدولية، وهذه فترة جديدة من السلام وبناء السلام”.
في الفترة السابقة، غازلت موسكو الإدارة الجديدة في دمشق عدة مرات، إذ أرسلت نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على رأس وفد رسمي لمقابلة الشرع، كما دعا الشيباني إلى زيارة موسكو. بدروه بوتين أعاد خلال اتصاله مع الشرع يوم الأربعاء دعوته للزيارة وتطرق إلى ما تصبو إليه حكومة تصريف الأعمال في دمشق، من رفع العقوبات عن سوريا.
ورقة لا تقدم إضافة
حتى الآن، لم يصدر قرار رسمي بخصوص القواعد الروسية في سوريا، كما لا توجد تفاصيل حول وضعها القانوني والسيادي؛ سواء كان هناك توجه رسمي لإنهاء الصفقة التي أبرمها النظام السابق مع روسيا، أم أن الإدارة الجديدة تسعى نحو بلورة الاتفاق القديم بآخر حديث لكن بشروط جديدة.

الكثير يقال عن أن التقارب مع موسكو وعدم اتخاذ قرار جدي حول وجود القوات الروسية في سوريا من قبل الرئيس السوري الحالي وإدارته، هو التفاف سياسي لتشكيل بطاقات ضغط على دول الغرب المتحدة ضد “الكرملين”.
فالمتداول، أن هذه الورقة تُستَخدم حتى لا تكون “ايدي السوريين فارغة” عند التفاوض مع واشنطن لإزالة العقوبات، وهي نظرية يراها البعض “فشل سياسي ” خصوصا أن الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، تخلى عن أوروبا ويحارب الآن سياسيا كندا والمكسيك – أكبر شركاء واشنطن – ودمشق تذهب بورقتها لـ”لوي ذراعه بروسيا”.
بل يشير بعض متابعي الشأن الأميركي، إلى أن ترامب ليس لديه مشكلة مع روسيا، وفي الغالب سيسعى نحو تفاوض مع بوتين بل وإيران. وهنا يُستَشرف بأن واشنطن ربما تطلب وضع دمشق تحت الوصاية الروسية الإيرانية.
حتى الآن تُعد جبهة الساحل الأكثر خللاً ولم تستطع الإدارة الجديدة ضبطها كليًا، نظرًا لأن الكتلة العسكرية الحالية لا تكفي للسيطرة على كامل البلاد. ويُفسر تحرك القوات الروسية نحو استهداف فلول النظام ذلك، خاصةً وأن وزارة الدفاع لم تستطع حتى الآن لم شمل الفصائل تحت قبتها، بحسب تصريح القيادي العسكري السابق في فصائل المعارضة العميد عبد الله حلاوة لـ “الحل نت”.
تناقض مقصود؟
سؤال تقي لوزير الخارجية السوري، الشيباني، تخلله جملة “كيف ستكون العلاقة مع روسيا وإيران مع السلطة الجديدة”، ليجيب الشيباني بأمرين متناقضين، أولهما بأن “تحسين العلاقات مع روسيا وإيران يستدعي التزامهما بعدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية كما كان الحال في السابق”، ثم يردف: “منطلقنا من الشعب، ولإعادة العلاقة يجب أن يشعر الشعب بارتياح ولا نريد أن نفرض عليه علاقة جديدة لا يشعر بالاطمئنان باتجاه هذه العلاقة”.

حتى قبل أيام، أجرى “الحل نت” استطلاعا في مدينة إدلب، وهي كانت الحاضنة الأخيرة لجميع السوريين اللذين عارضوا الأسد خلال الفترة السابقة، بعد تدخل روسيا عسكريا مع الأسد عام 2015، وساهمت في إعادة الأسد ونظامه بالسيطرة على أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة سابقا.
الاستطلاع الذي كان مفاده حول رأيهم عن إعادة العلاقات مع روسيا، خلص إلى أن روسيا هي من دعمت النظام السوري البائد، ولولاها لسقط نظام “آل الأسد” منذ ما يقرب من عشر سنوات. وبذلك أكدوا رفضهم إعادة العلاقات مع موسكو التي دمرت مناطق واسعة من سوريا وقتلت الآلاف وشردت الآلاف في المخيمات، إضافة إلى أنها ساعدت الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على الفرار ومنحته حق اللجوء.
آفاق التحالف مع روسيا
تثير هذه الوقائع والبيانات العديد من التساؤلات حول توجه الإدارة السورية الجديدة نحو روسيا، وما إذا كان هذا التقارب يمثل إعادةً لتحالف قديم أو محاولة لاستغلال بطاقة خارجية في مفاوضات الضغط الدولي. فمن جهة، يبدو أن التواصل المباشر بين الشرع وبوتين وخطوات الطيران الروسي يشيران إلى رغبة من الجانب الروسي في تأكيد نفوذه في المشهد السوري، خاصةً على جبهة الساحل التي تعد نقطة استراتيجية مهمة. إلا أنه من المهم النظر بعمق في الدوافع والمصالح الحقيقية وراء هذه التحركات.

بحسب حديث الخبير في الشؤون السياسية، محمد عبيد، لـ”الحل نت”، فإنه يُمكن اعتبار هذه الخطوات جزءاً من استراتيجية سياسية تسعى إلى استغلال وجود روسيا كوسيلة ضغط على الدول الغربية، وخاصة في سياق رفع العقوبات عن سوريا. إذ يُلاحظ أن الإدارة الجديدة تحاول تجميع أوراقها الدولية وعدم ترك “إيدي السوريين فارغة” عند التفاوض مع واشنطن، مما يُظهر جانبًا من المرونة والبحث عن توازن سياسي يعتمد على دعم خارجي. لكن هذا النهج يحمل مخاطرة كبيرة، إذ أن الاعتماد على شريك خارجي مثل روسيا، الذي تاريخه حافل بالتدخلات العسكرية والسياسية التي أدت إلى دمار واسع وخسائر بشرية فادحة، قد يؤثر سلبًا على سيادة الدولة واستقلالية قراراتها الداخلية.
أيضا، فإن ذكر الوزير الشيباني لعلاقة “جرح مفتوح” مع موسكو وإيران يؤكد إلى وجود خلافات تاريخية وألم شعبي متأصل، نتيجة الدعم الواضح للنظام السابق الذي ساهم في معاناة الشعب السوري. وبالرغم من محاولة الإدارة الجديدة تقديم العلاقة مع روسيا كفترة جديدة من السلام وبناء الثقة، يبقى السؤال قائمًا حول مدى إمكانية نسيان التاريخ الذي ربط روسيا بدماء السوريين وإطالة أمد الصراع. فالشعب السوري الذي لا يزال يعيش آثار التدخلات العسكرية لنظام الأسد قد لا يرى في التقارب مع موسكو ضمانًا لاستقراره، بل قد يعتبره استمرارًا لنفس السياسات التي أدت إلى الكوارث الإنسانية.
وهنا، يستخلص عبيد من هذه التطورات، أن تحرك القوات الروسية لاستهداف فلول النظام السابق يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الإدارة الجديدة عن مصالح “الكرملين”. إذ أن استمرار وجود القوات الروسية ضمن الأراضي السورية، سواء داخل القواعد العسكرية أو خارجها، قد يعني استمرار نفوذ جهة خارجية تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة، بعيدًا عن تحقيق مصالح الشعب السوري أو استعادة سيادة الدولة. وهذا يثير قلقًا كبيرًا بين فئات عدة، لا سيما السكان في المناطق التي شهدت معاناة كبيرة جراء التدخل الروسي المباشر.
وعليه يرى الخبير في الشؤون السياسية، أنه يجب النظر إلى أن السياسة الخارجية لأي دولة يجب أن ترتكز على تحقيق الاستقلالية وتأكيد القدرة على اتخاذ قرارات تخدم مصالحها الوطنية دون تردد أمام ضغوط خارجية. وفي هذا السياق، فإن التقارب مع موسكو قد يُفسر على أنه محاولة لملء فراغ سياسي وأمني، إلا أنه يحمل في طياته خطر الاستمرار في الاعتماد على دعم أجنبي لا يأتي إلا بمقابل باهظ من حيث التضحية بالسيادة والسيطرة على الشؤون الداخلية.
في الختام، يُعد التحالف المحتمل مع روسيا على جبهة الساحل خطوة تحمل تناقضات عدة، حيث يظهر مزيج من التنازل السياسي ومحاولة الاستفادة من بطاقة خارجية لمواجهة العقبات الدولية، إلا أنها في نفس الوقت تفتح الباب أمام استمرار التدخلات التي طالما كانت سببًا في معاناة الشعب السوري. وعلى ضوء ذلك، يبدو من الضروري إعادة النظر في هذه الخطوة وموازنة المصالح الوطنية مع المخاطر الجيوسياسية المصاحبة لعلاقة وثيقة مع جهة ذات سجل تاريخي معقد، ما يدعو إلى تبني مسار يضمن استعادة السيادة الحقيقية وتحرير سوريا من أي اعتماد خارجي يؤثر سلبًا على مستقبلها السياسي والاقتصادي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

شرعي سابق بـ”تحرير الشام” يدعو لتوطين “المجاهدين” في الساحل السوري

وسط صمت حكومي.. قتلى وجرحى بغارات إسرائيلية على درعا

تغييب بنود عن الدستور الجديد وتمييع حقوق السوريين تثير انتقادات واحتجاجات

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول في العمق

التوافق الكردي-الكردي واتفاق إدماج قسد خطى نحو تسوية سورية؟

خيارات بغداد الصعبة.. كيف تتحرك واشنطن لتطويق إيران من العراق؟

عصى ترامب تجلد “الحوثيين”: هل تخلت طهران عن حليفها الأخير؟

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع

سوريا الجديدة تبدأ من الشمال الشرقي: مسار تكتيكي أم اتفاق تاريخي؟

تهريب الأسلحة من إيران إلى القرن الإفريقي: توظيف “الحوثيين” لدعم تنظيم “القاعدة”

ضباط الأسد في موسكو: هروب تكتيكي أم مناورة روسية؟
