دورة عنف جديدة باغتت السوريين بينما لم تباعد الأيام بينهم وبين توحش نظام بشار الأسد الذي سقط في الثامن من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي. فمع اتساع رقعة الأحداث في الساحل السوري وبعدة مناطق ومن بينها محافظتي طرطوس واللاذقية وقضى فيها نحو 340 شخصا في ظروف مختلفة، من بينها إعدامات ميدانية، خلال اليومين الماضيين، بحسب ما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، كانت مشاهد بعينها تضاعف من فداحة الأحداث وكذا أثرها العنيف معنويا إلى جانب النتائج الملموسة جراء الانتهاكات المأساوية وما راكمته من ضحايا.
ومن بين تلك المشاهد المروعة، اعتداء مسلحين تابعين للسلطة الجديدة بدمشق التي يقودها أحمد الشرع على المدنيين جسديا، وتعمد الإهانة بالضرب وتوجيه ألفاظ نابية وطائفية بغرض التحقير والإذلال على أساس الهوية والمناطقية، فضلا عن ظهور الطائرات وإلقاء القذائف من الجو، الأمر الذي يكشف عن استئناف وسائل النظام الأسدي والتماس طرق وأنماط القمع المتوحش وقد دمر مناطق وأحياء كاملة بالبراميل المتفجرة.
ومنذ ظهر يوم أمس الجمعة، تدور اشتباكات مسلحة في مدينة جبلة، وتتعرض مناطق واسعة هناك يسكنها العلويون لمداهمات وسرقات ونهب وحرق للممتلكات، ولا تزال الانتهاكات مستمرة حتى كتابة هذا التقرير، وتعرض العديد من المدنيين لإعدامات ميدانية، بحسب ما نشره الأهالي وأكده نشطاء لـ”الحل نت”، ما دفع السكان إلى النزوح إلى قاعدة حميميم العسكرية.
وفي مدينة بانياس بريف طرطوس، لا يزال الأهالي يناشدون الجهات المعنية لحمايتهم من القتل الذي يتعرضون له، وسط حالة من الخوف والهلع بين المدنيين هناك، فضلا عن أن بعص المصادر المحلية أشارت إلى أنه تم التوصل إلى تهدئة مؤقتة في منطقة دريكيش وذلك بعد تدخل الوجهاء.
وقد ذكرت وكالة “فرانس برس” في إحصائية لها ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ اندلاع أعمال العنف منذ يوم الخميس الفائت إلى أكثر من 250 شخصا. وقال مدير “المرصد السوري“، رامي عبد الرحمن، اليوم السبت، إن عمليات القتل مستمرة، وقد يتجاوز العدد الإجمالي 1000 قتيل مع استمرار توثيق الضحايا، مضيفا بالقول: “كل ساعة نكتشف مجزرة جديدة في الساحل السوري”، مؤكدا أن القتلى سقطوا نتيجة إطلاق نار مباشر من قبل المقاتلين الذين تم جلبهم إلى المنطقة، داعيا إلى تحرك عاجل لوقف العنف في الساحل السوري.
مجازر في الساحل السوري
واقع الحال، أن ما يجري خلال اليومين الماضيين، يؤشر إلى احتمالات تصعيد وعدم انحسار الوضع، كما يُفترض معه أن تندلع مجددا حوادث مماثلة في أي لحظة، حيث إن البيئة مرشحة للعنف والعنف المضاد الطائفي في ظل الفراغ السياسي الذي تعمقه السلطة الجديدة بمناخ استقطاب عنيف ومتشنج، بخاصة مع غياب المصالحة الوطنية التي ترتسم على ضوءها المرحلة الانتقالية في حيز من العدالة السياسية، وبتشاركية ليس فيها إقصاء أو تهميش لطرف على حساب الآخر.
غير أن التهميش والإقصاء وانحسار لغة السياسة في مقابل تداول مقولات لها طبيعة أمنية، يؤدي إلى تعميم العنف، وتصبح مسألة الأقليات، سواء علويين أو دروز وغيرهما، تهمة مثلما كان الحال في وقت النظام السابق، ويتم التعاطي الأمني معها، في حين يعاني الأفراد في ظل تلك السياسات أو المنظومة من نظرة سلبية والوقوع تحت تأثير خطاب استبعاد، ويلغي مواطنيته.
ولهذا، كان الاعتداء العشوائي على المدنيين، وفق مقاطع فيديو وثقت ذلك، يكشف عن قمع ممنهج قائم على الطائفية وتحقير الأقليات العلوية في رغبة انتقامية وثأرية واضحة ومباشرة، وقد رددت العناصر المسلحة: “هاد مصير اللي بيرفع راسه بوجه السنة”. يتجاوز ذلك بطبيعة الحال، ضرورة المحاسبة السياسية والمسائلة القانونية للنخبة الحاكمة، لكن في نطاق من القانون وليس بالخروج عليه، وبما يجعل طرف له الأحقية التامة في كل شئ والطرف الآخر لا يملك من سوى الطاعة والإذعان.
فيما أوضح “المرصد السوري”، في تقرير سابق أن هناك 5 مجازر متفرقة بحياة 162 مدنياً في محافظات الساحل السوري، أمس الجمعة، بينهم نساء وأطفال، وسقطت الغالبية العظمى من الضحايا في إعدامات ميدانية نفذتها عناصر تتبع لوزارة الدفاع والأمن الداخلي، في تصعيد يُضاف إلى سجل الانتهاكات ضد المدنيين.

وتابع: “يوجه المرصد نداءً إلى عاجلا إلى السلطات السورية في دمشق لمحاسبة المتورطين من عناصر الأمن والدفاع الذين نفذوا عمليات الإعدام الميداني، ويعتبر أن الإفلات من العقاب يشجع على تكرار الجرائم في المستقبل ما يهدد الاستقرار السياسي والمجتمعي في سوريا ما بعد سقوط الأسد”.
كما ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، مقتل قرابة 125 مدنيا على يد قوات الأمن في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة، مشيرة إلى أن حملات قوات الأمن تخللتها عمليات إعدام ميداني واسعة، مؤكدة أن “مسلحين موالية لنظام الأسد قتلت 100 من قوات الأمن العام و15 مدنيا”.
“عمليات انتقام واسعة”
رصد “الحل نت” شهادات متفرقة من مناطق الساحل السوري، بعضها من صحفيين ميدانيين والأخرى من مدنيين وناشطين. وغلبت على الشهادات كافة التي طالب أصحابها بالتحفظ على أسمائهم وإخفاء هوياتهم لحساسية الموقف، حالة يأس وحزن عارمة، مما جرى من أحداث مروعة بحق المدنيين بالساحل السوري خلال الساعات الماضية. فعلى إثر تنفيذ مجموعة من المسلحين من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، ووصفتها حكومة دمشق الجديدة بـ”فلول النظام” البائد، بهجوم على عناصر قوى الأمن العام وقتلوا العديد منهم، قامت السلطات السورية الجديدة بإرسال أرتال عسكرية إلى هناك، إلا أن “حمام دم”، كما وصفها شهادات لـ”الحل نت”، حدث للعديد من العوائل العلوية هناك.
ويشهد الساحل السوري، منذ الخميس الماضي، اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين يقال إنهم من “فلول الأسد”، وظهر مسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا” في بيان نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقيادة غياث دلّا العميد في الفرقة الرابعة التي كانت تتبع جيش النظام السوري البائد.
وبحسب صحفي وناشط ميداني خصّ “الحل نت” بشهادته، فقد شهد الساحل السوري ومناطق أخرى متفرقة يقطنها مواطنون من الأقلية العلوية، ما يمكن وصفه بـ “حمام دم” لكثرة المجازر الدموية التي حدثت بحق المدنيين العزّل من جهة، وضرب الرقم القياسي في أعداد الضحايا التي تقتل خلال يوم واحد، منذ سقوط نظام الأسد من جهة ثانية.
كما جاء هذا التصعيد الدموي على خلفية الهجوم المباغت الذي قامت به مجموعة من “فلول النظام” بقيادة غياث دلّا العميد السابق في الفرقة الرابعة وسيطرت من خلاله على أرياف الساحل السوري لتقوم بعده السلطة الانتقالية بهجوم معاكس لاستعادة هذه المناطق، بحسب الشهادة ذاتها.
ولفت المصدر ذاته إلى أن ما جرى في الحقيقة لم يكن مجرد هجوم معاكس لأنه تضمن عمليات انتقام واسعة من مدنيين لا ذنب لهم بالصراع المسلح.
الانتقام على أساس طائفي
وتابع: “قد بدأت سلسلة المجازر في قرية المختارية تابع لمنطقة الحفة بريف اللاذقية حيث تم قتل أكثر من ثلاثين مدنيا وتكويمهم فوق بعضهم البعض أمام أحد المنازل”. موضحا أن المجازر قد امتدت إلى ريف مصياف حيث قتل 5 في قرية البستان، حيث تم الهجوم على قرية أرزة بريف حماة التي شهدت مجزرة كبيرة قبل أقل من شهر، وتهجير كل ساكنيها العلويين، علما أنها مختلطة بين السنة والعلويين.
لكن أقسى المشاهد والمجازر حصلت في مدينة بانياس التي شهدت “قتل وذبح العشرات من بينهم عائلات كاملة. وكانت المشاهد فظيعة بكل ما في الكلمة من معنى حيث كان يتم إخراج الضحايا إلى الشارع ليتم قتلهم علناً أمام عائلاتهم وجيرانهم سواء بإطلاق الرصاص عليهم أو ذبحهم بالسكين”.
والمفارقة التي تبعث على الامتعاض، وفق الشهادة لـ”الحل نت”، أنه كان من بين الضحايا معارضون سابقون لنظام الأسد، بما يؤكد أن عماء الانتقام على أساس طائفي نزع من المعارضين استحقاقهم بالحرية لمجرد “علويتهم” بالوراثة والنسب أو الانتماء والهوية، واعتبرها تهمة بالضرورة، مثل الشاعر عبد اللطيف علي، وكذلك كان بينهم عائلات معارضين سابقين، حتى أن الروائية السورية سمر يزبك وهي معارضة علوية معروفة أكدت أن أمها وأخواتها محاصرات وأنها تخشى على مصيرها.

وقد ادّعت وزارة الدفاع أن سبب حدوث ما سمته “حالات فردية” هو المشاركة الشعبية في صد هجوم “الفلول”، وهذا غير صحيح لأن شهود العيان والعديد من مقاطع الفيديو أظهرت مشاركة عناصر الأمن العام والجيش في ارتكاب هذه المجازر، ليس هذا وحسب بل بعض المقاطع أظهرتهم وهم يغنون بعد ارتكابها وكأنه سبب يدعو للاحتفال، وفق شهادة ميدانية حصل عليها “الحل نت“.
ومن أبرز الأسباب التي دفعت إلى حدوث هذه المجازر، “الدعوة إلى النفير التي أطلقها الموالون للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد شرع في الجوامع وتسليم السلاح إلى المتطوعين لهذه المهمة علما أنهم غير مدربين”.
ويضاف لذلك، خطاب التحريض الطائفي لحث المدنيين للوقوف مع قوات الأمن، ومن المعروف أنه لا يستجيب لهذه الدعوات إلا أناس متشددون ولديهم استعداد لتجاوز كل الخطوط الحمر وعدم الانضباط والقدرة على القتل من دون الشعور بالذنب.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

هوية تُمحى.. استبدال اسم قرية مهجّرة بسوريا يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي

أم سورية تناشد لإعادة أبنائها الثلاثة المخطوفين من الساحل

اختطاف النساء في الساحل السوري و”سبيهن”.. ما القصة؟

تحقيق أميركي يكشف تفاصيل مروّعة عن مجازر الساحل السوري
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
