وسط طقس بارد وهيمنة صوت الأغلبية الصامتة وهواجس الخوف والإحباط على الكثيرين، تمت الانتخابات البرلمانية و”مجلس خبراء القيادة” في إيران، خلال يوم الجمعة الأول من شهر آذار/ مارس الجاري. 

ويُعد مشهد الانتخابات وتدني المشاركة، ترجمة لوضع النظام السياسي الذي بات منبوذاً وتطوّقه معارضة شعبية ومجتمعية في ظل الضغوط العنيفة التي يواجهها الإيرانيون تحت تأثير القمع والعصا الأمنية فضلاً عن ظروف التضخم وتراجع أوضاع المعيشة للحدود الدنيا. 

وأمام كل ذلك يواصل الإيرانيين مغامراتهم الخارجية عسكرياً وتدفق النفقات العسكرية من دون توقف على الميليشيات، بينما تتعرض البيئة المحلية للعنف والقمع.

أقل مشاركة في تاريخ البلاد

أعلنت لجنة الإشراف على الانتخابات في إيران بعد ظهر يوم الأحد الثالث من آذار/مارس الجاري، النتائج الأخيرة لفرز أصوات الدورة 12 لمجلس الشورى (البرلمان) والدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة، حيث تُعدّ الأقل مشاركة على الإطلاق نظرا لعدم فوز المرشحين في 16 محافظة من أصل 31 أي أكثر من نصف محافظات البلاد.

عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية محدودا للغاية، ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة – إنترنت

ووفقا لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، فإن الانتخابات في 21 دائرة انتخابية في 15 محافظة، بالإضافة إلى العاصمة طهران لم تحسم فيها النتائج وستجري فيها عمليات الاقتراع للجولة الثانية. وهذا يعني أن في هذه الدوائر الانتخابية لم ينل أي مرشح نسبة 20 بالمئة التي تمنحه حق الالتحاق بالبرلمان. 

فتحت مراكز الاقتراع أبوابها أمام أكثر من 61 مليون ناخب لاختيار 290 عضواً في البرلمان و88 عضواً في “مجلس خبراء القيادة”. وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية في بيان رسمي أن عدد المرشحين بلغ 15 ألفاً و200 مرشح للانتخابات البرلمانية و144 مرشحاً لانتخابات مجلس خبراء القيادة.

في حين دعا المرشد الإيراني، علي خامنئي، الشعب إلى المشاركة “بأعمال جيدة” مشدداً على أن “العالم ينظر إلينا ليرى ماذا ستفضي إليه الانتخابات وأرجو أن نُسعد الأصدقاء ونُحبط مآرب العدو”. ذهبت المؤشرات إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات لنحو 41 بالمئة من أصل 61 مليون إيراني يحقّ لهم التصويت شاركوا في الانتخابات التشريعية الثانية عشرة والدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة.

بدورها ذكرت وكالة “فارس” التابعة لـ “الحرس الثوري”، أن المشاركة أكثر من 40 بالمئة، الأمر الذي يعكس مدى فعالية هذه الانتخابات للنظام الإيراني، خاصة في ظل تراجع نسبة المشاركة في الاستحقاقات الفائتة، وازدياد التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تواجهها البلاد وارتفاع منسوب الصراع في الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في قطاع غزة، وامتداد الصراع في نقاط جغرافية أخرى خاصة في لبنان والعراق والبحر الأحمر عبر الميليشيات والجماعات الوظيفية المنضوية تحت لواء “الحرس الثوري”.

المتشددون يحكمون إيران

نحو ذلك، تشير تقارير المعارضة الإيرانية إلى قيام أجهزة الدولة العميقة في إيران بتنفيذ مناورات دعائية لإخفاء مقاطعة الشعب للانتخابات، وتمرير بعض مؤشرات النتائج المزيفة خاصة وأن كافة المتابعات تذهب لانخفاض نسب المشاركة بشكل كبير خلال ساعات يوم الانتخاب – الجمعة – الأول من آذار/ مارس، بحيث كان الإقبال وحتى الساعة الخامسة مساء، ورغم مرور تسع ساعات على بدء التصويت، لا يزال محدوداً للغاية ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة ملموسة.

إيران برلمان جديد يهيمن عليه المتشددون وإعلان العداء للعالم! (4)
عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية محدودا للغاية، ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة – إنترنت

وبحسب تقارير الهيئة الاجتماعية لـ “مجاهدي خلق” داخل البلاد وبحسب تقارير شهود عيان وصحفيين، فإن نسبة المشاركة في العاصمة طهران أقل بكثير مما كانت عليه في انتخابات العام 2018.

وفي السياق ذاته، أعلن المدعي العام في مرودشت بعد ظهر الجمعة الماضية: “لقد اعتقلنا شخصا بتهمة بيع وشراء الأصوات بالإضافة إلى 200 مليون تومان نقدا”. وقال يوسف زاده المدير العام لقسم الرياضة الشبابية بمدينة ري، إن “المنافقين والأعداء والمستكبرين يحاولون مقاطعة الانتخابات وعدم السماح لأحد بالمشاركة”.

وفي الوقت نفسه، أعلن المركز الإلكتروني التابع لمنظمة الاستخبارات التابعة لقيادة شرطة خراسان الرضوية، أنه “تم تحديد 11 صفحة على إنستغرام كانت تحاول إزعاج الرأي العام والدعاية ضد النظام ومقاطعة الانتخابات. وبالإضافة إلى الحذف والحجب تم أيضاً اتخاذ إجراءات قضائية ضد مديرها”. ثم تم اعتقال العشرات من الأشخاص بجريمة الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.

ربما، من المرجح أن تأتي النتائج محسومة لصالح التيار الأصولي كون المنافسة بالأصل دارت بشكل أساسي بين مرشحي معسكر التيار المحافظ المتشدد مع إبعاد المرشحين الأساسيين للتيار الإصلاحي والمعتدل من المنافسة.

وقد أظهرت النتائج الأولى في العاصمة طهران سيطرة المحافظين المتشددين خصوصاً جماعة “صبح إيران” المتشددة. ومن بين المتقدمين، كبير جماعة “بايداري” النائب مرتضى آقا طهراني، و محمود نبويان، والمتشدد حميد رسائي، والقيادي في “الحرس الثوري” إسماعيل كوثري. وجاء في التالية رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وحليفه المحافظ وزير الخارجية السابق، منوشهر متقي.

ولا تتضمن قائمة المتقدمين اسم المرشح المعتدل علي مطهري، الذي أعلن عن قائمة من المرشحين غير المعروفين، لكسر هيمنة المحافظين في طهران. وقالت مواقع إيرانية إن مطهري ليس في قائمة 60 مرشحاً من طهران. فيما تشير مواقع إخبارية متطابقة عن فشل أغلب حلفاء قاليباف من نواب طهران الحاليين في الوصول إلى البرلمان رغم مؤشرات تقدّمه في السباق الانتخابي وتباينت التقارير حول عدد الأصوات التي حصل عليها قاليباف نفسه.

وقال موقع “خبر أونلاين”، المقرّب من رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، إن “قاليباف الذي فاز بمليون صوت في أدنى مشاركة، بعد 4 سنوات، لم يصل عدد أصواته إلى 200 ألف”، واصفاً ذلك بـ”الهزيمة الكبيرة والثقيلة” وأضاف: “الانتخابات عودة للوراء الفوز بالانتخابات مع أدنى مشاركة”.

إيران تواجه أزمة شرعية

الاستطلاع الذي أجراه التلفزيون الحكومي، كان قد أشار إلى أن نحو 41 بالمئة فقط من الإيرانيين الذين لهم حقّ التصويت سيشاركون.

عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية محدودا للغاية، ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة - إنترنت
عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية محدودا للغاية، ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة – إنترنت

في هذا السياق، يشير عمار تاسائي، المحلل السياسي المختص في الشأن الإيراني بقوله إنه فيما يخص السياسة الخارجية التي سوف ينتهجها النظام الإيراني خلال الفترة القادمة وعلى خلفية ما ستنتجه الانتخابات نجد إن ذلك يرتبط بثلاث قضايا ينبغي أخذها بنظر الاعتبار. 

ويتابع المحلل السياسي حديثه لـ”الحل نت”، أن الاعتبار الأول سيضحى متّصلا بنتيجة الانتخابات النهائية والتي تميل فيها النتائج لوصول القوى المتشددة والمحافظة واستمرار نفس السياسات المحلية والإقليمية.

يمتد ذلك بمسألة لافتة وهي الانتخابات التي تمثّل مساراً حقيقياً لوصول المتشددين والمتطرفين، خاصة أن الذين حصلوا على الأصوات؛ هم الجناح المتطرف. ويلفت المصدر أن “الجناح المتطرف الوسطي أو المحافظين الوسطيين لم يساندوا النظام في الاستحقاق الانتخابي، وهذا يعني أنه البرلمان الإيراني سوف يضحى صوت المتشددين الذين يمسكون بزمام الأمور”. 

تبعا لذلك، سوف ينتهج النظام سياسة خارجية متطرفة أكثر كثيراً، ومن خلال ذلك سوف يعزّز دعمه للجماعات الوظيفية الموجودة في دول الشرق الأوسط.

يضيف عمار تاسائي، نقطة أخرى في سياق رؤيته للمشهد الانتخابي من خلال كون نظام طهران والمشهد السياسي الداخلي في إيران ما زال تحت تأثير الاحتجاجات الأخيرة- ثورة المرأة الحياة الحرية- التي حدثت قبل عام والشارع الإيراني لم يتعافَ منها بعد. الشعوب الإيرانية لم تتعافَ بعد من هذه الصدمة والمئات الذين قتلهم النظام جراء ذلك.

إذاً، يرجّح المصدر أن النظام يواجه بالأساس أزمة شرعية. ولذا كان يخشى كثيراً من تدني نسب المشاركة التي تشير بعض الإحصائيات أنها نحو 24 بالمئة من الشعوب الإيرانية، شاركت في الانتخابات مما يجعل النظام في حالة ارتباك، ويدفعه نحو التوجه للموالين له كثيراً. 

الموالون للنظام في هذه المرحلة هم الجناح المحافظ المتطرّف ووصولهم للمقاعد النيابية لا يعني سوى انتهاج سياسة أشدّ تطرفاً وأكثر راديكالية من السابق. فضلاً عن مجلس الخبراء ومن سيخلف خامنئي في الفترة القادمة. وبالتالي تم هندسة مجلس خبراء القيادة تبعا لهذا الهدف المحدد وأيضاً ذلك سيرتبط بالسياسة الخارجية لطهران.

على أي حال، يختم عمار تاسائي حديثه لـ”الحل نت”، أن النظام الإيراني وجناحه المتطرف الذي سيكون خلال الفترة القادمة طرفا فاعلا في المشهد السياسي سيعمل حثيثا على تصدير كافة أزمات الداخل سيما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي نحو جبهات التوتر في الشرق الأوسط.

نهاية الأمل في التغيير

وفقا لما تم ذكره سابقا، يذهب السياسي الأميركي، توم حرب، إلى أن المشهد الانتخابي في إيران تم صياغة ملامحه منذ الوهلة الأولى وبما يرتبط بهندسة الشخصيات التي يحقّ لها الدخول في هذا السباق ومنع شخصيات بعينها من المشاركة، الأمر الذي يعني بالتبعية رغبة النظام في توجّهات متّسقة مع أهدافه خلال تلك الفترة ليدعم سياساته وأهدافه سواء داخلياً أو إقليماً وكذلك دولياً.

عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية محدودا للغاية، ولم تصل النداءات والالتماسات المتكررة لخامنئي وغيره من قادة النظام إلى أي مكان أو نتيجة – إنترنت

ويتابع حرب في سياق تصريحاته لـ”الحل نت”، بقوله إن مؤشرات المشاركة في الانتخابات تعكس مدى الأزمة المجتمعية التي يعاني منها المواطن الإيراني، وتحرك النظام لمواجهة ذلك وسعيه لتبيان تفاعل المواطنين مع المشهد الانتخابي بشكل مغاير للحقيقة، مما يعني أن الصمت الانتخابي الذي نفذه الكثير من المواطنين يحمل رسالة غضب من النظام وتوجهاته القمعية.

يضيف حرب، أن نظام طهران عبر هذا المشهد الانتخابي يدفع بصورة للمجتمع الدولي وكأنه يمارس الديمقراطية وآلياته عبر صندوق الانتخابات. بيد أن الحقيقة الواضحة انه خائف من حراك الأغلبية الصامتة التي عبرت عن ذلك من خلال غيابها عن صندوق الانتخابات.

وعلى ذلك، فمن المؤكد بنظر حرب، أن نظام طهران سيعمل بالتأكيد على تقديم كافة صور الدعم لـ”الحرس الثوري”، ومن يتبعه من جماعات وظيفية في الشرق الأوسط بهدف تقديم تحركاته بالشكل الإيجابي على المستوى السياسي الإقليمي ويضغط من خلال ذلك على الدول الغربية وأميركا لحصد المكاسب.

من الصعوبة صياغة محددات مختلفة للسياسة الخارجية الخاصة بنظام إيران تبعاً لمؤشرات النتائج، خاصة وأنها تتقاطع بالأصل مع كافة التحولات في المشهد الإقليمي والدولي. فضلاً عن ثقل وهيمنة قبضة المرشد على كل ما يخصّ السياسة الخارجية.

نحو ذلك يتفق الأكاديمي اللبناني، هيثم فرحان مع ذلك، ويذهب نحو أن نتائج الانتخابات لن تضيف جديداً على شكل سياسات طهران الخارجية ويتابع تصريحاته لـ”الحل نت”، أن الواقع الدولي وما يرتبط به من مشهد دولي سيدفع طهران نحو تفعيل ذات الآليات ارتباطاً بسيطرة الولي الفقيه على البلاد وتوجهاتها تماما.

ويلفت أستاذ العلوم السياسية، أن ذلك الهامش الذي بدا مع وجود الإصلاحيين أيام روحاني سيختفي بغيابهم. بيد أن العامل الرئيس والفاعل في كل القرارات يرتبط مباشرة بالمرشد وتوجهاته وما يتصل به من أجهزة، سيما أن حضور إبراهيم رئيسي كأحد أبرز وجوه التشدد لن يجعل سيناريوهات التغيير محل نظر أو ترقّب.

إذاً وبحسب المصدر ذاته، من المرجّح أن تكون الساحات المفتوحة لصالح توجّهات طهران وأهدافها الاستراتيجية بنفس السيولة وذات التوجهات خلال الشهور الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات