في السنوات الأخيرة، تزايدت المؤشرات على تقارب متزايد بين إيران وحركة الشباب الصومالية، إذ تطمح إيران إلى توسيع نفوذها وأنشطتها في مختلف أنحاء منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر من خلال تعزيز علاقاتها بالحركات والمنظمات الناشئة، مثل “الحوثيين” في اليمن و”حركة الشباب” في الصومال، واستخدام هذه الجماعات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وخلق توازن جديد بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة.
طهران تحاول جاهدة تعويض خسائرها السياسية والعسكرية في لبنان وسوريا بالتواجد المكثف في اليمن من خلال علاقاتها بدول القرن الإفريقي التي تستغلها في تقديم الدعم المادي والعسكري (السلاح والإرهاب) لـ “الحوثيين”. ولكن كيف هي خريطة تهريب هذه الأسلحة؟
كشف مخطط جديد لإيران
كشف مجند (أحمد سليمان أحمد هاملي رزيق) في “بحرية مليشيا الحوثي” عن مخطط إيراني يهدف إلى توسيع دائرة تهديدات الملاحة الدولية، وصولًا إلى المحيط الهادئ، عبر استغلال “حركة الشباب” الصومالية في القرن الإفريقي.

وكان ذلك من خلال اعتراف جديد بثه الإعلام العسكري في الساحل الغربي، جاء ذلك بعد أن وقع المجند في قبضة الأمن في الحديدة. وقد أشار المجند إلى أنه انضم إلى صفوف “الحوثيين” في نهاية العام 2023، بعد تجنيده من قبل شخص يُدعى (أحمد محمد حلص بشارة) من محافظة الحديدة.
وذكر أنه خضع لتدريب قتالي لمدة شهر و20 يومًا، بالإضافة إلى دورة بحرية استغرقت شهرًا وعشرة أيام، قبل أن يتم تكليفه بالعمل ضمن شبكة تهريب أسلحة بين “الحوثيين” و”حركة الشباب” الصومالية المرتبطة بتنظيم “القاعدة”.
كما ذكر المجند أنه قام بتنفيذ خمس عمليات تهريب للأسلحة والمعدات لصالح “حركة الشباب” في أواخر عام 2024، عبر السواحل الشرقية في محافظتي المهرة وشبوة، وأكد أنه كان يشارك أيضًا في تهريب عناصر إرهابية سواء من الصومال أو اليمن إلى داخل الأراضي اليمنية.
هذه الاعترافات تعتبر تعزيزًا للاتهامات التي وجهتها لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة لإيران بتورطها في دعم جماعات مسلحة إرهابية في الصومال عبر “الحوثيين” في اليمن، كما تسلط الضوء على محاولات إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، عبر تعزيز قواتها في اليمن ودعم الميليشيات في القرن الإفريقي.
رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات، صالح أبو عوذل، في حديثه مع “الحل نت” قال: “خلال العقد الماضي، جند الحوثيون عشرات المهاجرين من القرن الأفريقي، سواء من إثيوبيا أو من الصومال، واعتراف الحوثيون بمقتل العشرات منهم خلال القتال ضد القوات الحكومية. ومع اندلاع الحرب في قطاع غزة، استغلت هذه الجماعات (الشيعية والسنية) الوضع لتجنيد المزيد من المقاتلين وتعزيز صفوفها”.
هناك تحالف واضح بين جماعة “الحوثيين” الموالية لإيران وجماعات مثل تنظيم “القاعدة” و”حركة الشباب” الصومالية، وقد كشف قوات مكافحة الإرهاب في محافظة أبين جنوبي اليمن عن العثور علي أسلحة ومتفجرات إيرانية الصنع، بالإضافة إلي استخدام تنظيم “القاعدة” للطيران المسير لأول مرة ضد أهداف حكومية.
تدفق الأسلحة من طهران
تصل الأسلحة الإيرانية عن طريق البحر إلى “الحوثيين” المدعومين من إيران. وبحسب العديد من التقارير، فإن السفن تدخل الموانئ التي يسيطر عليها “الحوثيون” في اليمن دون تفتيش. وقد ذكرت التقارير “حديثًا متجددًا عن تدفق أسلحة إيرانية إلى ميناء الحديدة”.

الحكومة الشرعية في اليمن، وليس “الحوثيين”، أكدت ورصدت “تحرك السفن الإيرانية مباشرة من ميناء بندر عباس إلى ميناء الحديدة مؤخرًا، فيما وثقت الحكومة البريطانية دخول 500 سفينة خلال الأشهر الثمانية الماضية، ولأول مرة منذ عام 2016، إلى موانئ يسيطر عليها الحوثيون دون الخضوع لآلية التفتيش الأممية”.
محافظ الحديدة في الحكومة المعترف بها دوليًا، الحسن طاهر، أكد أن السفن القادمة من إيران، وعلى متنها كميات مختلفة من الأسلحة، وصلت بالفعل إلى الميناء الحيوي الذي تسيطر عليه مليشيات “الحوثي” دون أن تخضع للتفتيش من قبل آلية الأمم المتحدة، وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة “العين”.
وذكر المحافظ أن السفن الإيرانية محملة بالأسلحة وتصل بشكل خطير إلى الحديدة في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.
فالأسلحة تتدفق إلى “حزب الله” فيما سبق، و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني، كما أنها تشق طريقها إلى سوريا والميليشيات العراقية. إلا أنه في الوقت ذاته تُكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها جهودهم للحد من تهريب الأسلحة الإيرانية إلى “الحوثيين”؛ فقد هدفت إعادة تصنيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ”الحوثيين” كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) في اليوم الثالث من رئاسته جنبًا إلى جنب مع إعادة فرض سياسة العقوبات والضغط الأقصى ضد إيران وأماكن تواجدها العسكري.
يقول الخبراء إن ترسانة “الحوثيين” تضم صواريخ باليستية يتراوح مداها بين 1600 و1900 كيلومتر، وطائرات بدون طيار إيرانية الصنع يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 2000 كيلومتر. وهنا يرى أبو عوذل أن تدفق الأسلحة يرجع إلى الانقسامات الحادة في الحكومة الشرعية نتيجة تقاطع المصالح بين حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن) – الذي يشارك في سلطة مجلس القيادة الرئاسي والحوثيين – حيث ترى جماعة “الإخوان” أنها قد تكون الهدف المقبل بعد القضاء على “الحوثيين”، مما دفعها إلى عرقلة العديد من الجهود العسكرية لتحرير العاصمة صنعاء، خاصة في عام 2020.
ويضيف أبو عوذل أنه يمكن للولايات المتحدة والدول الغربية بذل جهود واسعة، لكن المشكلة تكمن في ضعف الحاضنة المحلية لهذا الدعم، أي الحكومة اليمنية الشرعية.
المنافع المتبادلة
بالنسبة لإيران، فإن العمل مع جهات فاعلة غير حكومية مثل “حركة الشباب” و”الحوثيين” يشكل جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية، بهدف توسيع نفوذها الجيوسياسي في جميع أنحاء المنطقة. فقد طورت طهران تحالفًا غير معلن مع “حركة الشباب” بهدف إنشاء شبكة استخبارات سرية تسمح لها بتحقيق أهدافها ودعم مصالحها في الشرق الأوسط وإفريقيا.

ودائمًا ما كانت المصالحة السياسية فوق أي خلافات دينية؛ إذ قد تختار إيران و”حركة الشباب” وضع خلافاتهما الإيديولوجية والعقائدية جانبًا والعمل معًا بشكل عملي لتحقيق أهداف متبادلة، تمامًا كما تمكنت إيران من تهريب السلاح لـ “الحوثيين” ومن خلال تطوير علاقات مباشرة مع “حركة الشباب”، ممثلي تنظيم “القاعدة” في منطقة القرن الإفريقي، تتمكن إيران من تهديد المصالح الأميركية في البحر الأحمر وإفريقيا بشكل مباشر، على سبيل المثال من خلال استخدام “حركة الشباب” لنقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى مناطق الصراع في إفريقيا ومناطق الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، تربط إيران و”حركة الشباب” علاقة متبادلة المنفعة؛ ففي حين تزود طهران الحركة بالدعم المادي واللوجستي، تزود “حركة الشباب” إيران باليورانيوم من المناجم الخاضعة لسيطرتها لاستخدامه في برنامجها النووي.
كما يمكن لإيران استخدام “حركة الشباب” لتهديد وتعطيل الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر. وعليه يبيّن أبو عوذل: أن “إيران لجأت إلى القرن الإفريقي لتعويض خسارتها في السيطرة على باب المندب والساحل الغربي، باستثناء ميناء الحديدة، وتستخدم إيران القرن الإفريقي كنقطة عبور لتهريب الأسلحة إلى اليمن بواسطة قوارب صغيرة. ولا شك أن طهران تستفيد من حركة الشباب الصومالية كقاعدة لتخزين الأسلحة أو تمريرها إلى الحوثيين”.
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ عام 2017، أكد أن إيران ترسل شحنات أسلحة إلى الصومال، وتحديدًا إلى “حركة الشباب”، مقابل كميات كبيرة من اليورانيوم. وتُعَدّ بونتلاند نقطة الدخول الرئيسية للأسلحة غير المشروعة إلى الصومال، وقد أفادت مجموعة مراقبة الأمم المتحدة بشأن الصومال أن الأسلحة تُهرّب إلى بونتلاند إما على متن سفن كبيرة تسافر من مكران في إيران عبر المحيط الهندي، أو في قوارب أصغر من اليمن.
وبالتالي فإن القرن الإفريقي يعمل كنقطة اتصال بين إيران والصومال واليمن، وقد أرسلت طهران كميات متزايدة من الأسلحة المصنعة في إيران عبر الصومال إلى اليمن وإلى بعض المنظمات الإرهابية في إفريقيا.
تجارة السلاح العابرة
إن “الحوثيين” يصعدون إلى دور أكثر بروزًا داخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها، ويرجع ذلك إلى ضرباتهم المتتالية على الشحن البحري الدولي، فضلاً عن تضاؤل نفوذ (حزب الله وحماس) بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية المتتالية على القيادات العليا والبنية التحتية الحيوية. وبالتالي، ينبغي النظر إلى العلاقة بين “الحوثيين” وإيران باعتبارها جانبًا واحدًا من جهد استراتيجي أكبر بين خصوم الولايات المتحدة.
إيران تسعى إلى إنشاء تحالفات موازية مع الجماعات المسلحة السنية والشيعية في المنطقة (وخاصة حركة الشباب والحوثيين) لتعزيز نفوذها هناك. ومن خلال تطوير جناحين عسكريين في المنطقة، سيكون الوجود الإيراني قادرًا على تحمل أي ضغوط تواجهه، على عكس أي من القوى الإقليمية الأخرى. وتأمل إيران في توسيع نفوذها من الصحراء الكبرى إلى الساحل الصومالي، عبر خليج عدن ومضيق باب المندب، حيث سيوفر هذا طريق نقل مهم لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى المنظمات المسلحة والحكومات في إفريقيا، وسيسمح لإيران بزيادة وجودها في المناطق البحرية المهمة مثل البحر الأحمر.
مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية في يوليو/تموز 2024، قالوا إن “حركة الشباب” نجحت في عكس كل المكاسب التي حققها الجيش الوطني الصومالي في وسط الصومال على مدى العامين الماضيين، وأنها تعمل الآن مع المتمردين “الحوثيين” لتوسيع قدراتهم.
وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، إن المتمردين “الحوثيين” في اليمن ينظرون إلى هذا التعاون “الناشئ” مع “حركة الشباب” باعتباره وسيلة “يجب أخذها على محمل الجد” في محاولتهم تشكيل تهديد للسفن الأميركية والبريطانية خارج البحر الأحمر.
وفي منطقة البحر الأحمر، لم يعد الأمر مقتصرًا على تهريب الأسلحة فحسب، بل أصبح “الحوثيون”، بدعم من إيران، الطرف الذي يحرك هذه التجارة. والواقع أن تصاعد حالة عدم الاستقرار على ضفتي البحر الأحمر (اليمن والسودان والصومال)، مع تطوير الجماعات المسلحة غير الحكومية لقدرات هجومية متزايدة، يجعل مهمة الحد من تهريب الأسلحة أكثر إلحاحًا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، ويبدأ الأمر بملاحقة مصادر التمويل.
منذ أواخر عام 2023، سمحت هجمات “الحوثيين” ضد الشحن وإسرائيل للجماعة بزيادة ظهورها ونفوذها وتشكيل تحالفات جديدة في البحر الأحمر. وفي حين تشكل الأسلحة التي تقدمها إيران مفتاحًا لهذه التحالفات التكتيكية، فإن الحوثيين يستخدمون هذه التحالفات لإنشاء شبكة من التمويل والإمداد والدعم مستقلة عن طهران.
وعليه، من المرجح أن تظل منطقة القرن الإفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية فيما يتصل بأجندة الأمن الإيراني، وواحدة من ساحات المعارك الرئيسية التي يمكن لإيران مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبالتالي، سوف تحرص طهران على مواصلة تشكيل تحالفات إقليمية من شأنها أن تفيد مصالحها الاستراتيجية وتعزز نفوذها في المنطقة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

خيارات بغداد الصعبة.. كيف تتحرك واشنطن لتطويق إيران من العراق؟

عصى ترامب تجلد “الحوثيين”: هل تخلت طهران عن حليفها الأخير؟

اضطرابات الساحل السوري: صراع نفوذ إقليمي أم محاولات لبعث الفوضى؟

بدء المرحلة الثانية من العملية العسكرية في الساحل.. وألمانيا ترفض محاولات زعزعة الاستقرار
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول في العمق

خيارات بغداد الصعبة.. كيف تتحرك واشنطن لتطويق إيران من العراق؟

عصى ترامب تجلد “الحوثيين”: هل تخلت طهران عن حليفها الأخير؟

أحداث الساحل ومشاركة دمشق بمؤتمر بروكسل.. خطوة غربية للوراء لتحديد مسار سلطة الشرع

سوريا الجديدة تبدأ من الشمال الشرقي: مسار تكتيكي أم اتفاق تاريخي؟

تهريب الأسلحة من إيران إلى القرن الإفريقي: توظيف “الحوثيين” لدعم تنظيم “القاعدة”

ضباط الأسد في موسكو: هروب تكتيكي أم مناورة روسية؟

اضطرابات الساحل السوري: صراع نفوذ إقليمي أم محاولات لبعث الفوضى؟
