في ظل الصراع الدائر في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي بين “الجيش السوداني” بقيادة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه، الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، تسعى العديد من الدول إلى بذل جهود إقليمية ودولية لإنهاء هذا الصراع من خلال اتخاذ خطوات لحل الأزمة ووقف إراقة دماء الشعب السوداني.

آخر هذه المساعي، تلك التي أعلنتها مصر، يوم أمس الأحد، بشأن استضافة مؤتمر دول جوار السودان، لبحث سبل النزاع الحالي هناك. ومن المقرر أن يُعقد الاجتماع يوم الخميس المقبل في القاهرة. من هنا تبرز عدة تساؤلات حول التوقعات بشأن هذه القمة لأجل إنهاء الصراع الدائر في السودان، وما إذا كان يمكن القول إن مصر قد شعرت بمدى خطورة هذا النزاع وبالتالي بدأت تتحرك لأجل حلّه قبل دخوله إلى حرب واسعة النطاق، فضلا عن تساؤلات حول فرص توصّل هذه القمة إلى تسوية ما بخصوص الصراع السوداني، والعقبات التي تقف أمام ذلك وتداعيات تعثّر كل الجهود الإقليمية والدولية.

“حرب أهلية” في السودان

نحو ذلك، قالت الرئاسة المصرية يوم أمس الأحد، إن مصر ستستضيف قمة لدول جوار السودان الخميس المقبل لبحث سبل إنهاء الصراع في البلاد والتداعيات السلبية له على دول الجوار، مضيفة في بيان رسمي أن القمة تهدف إلى وضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة.

الصراع المستمر في الخرطوم، السودان – “فرانس برس”

البيان المصري لفت إلى أن ذلك يأتي بالتزامن مع استمرار الأزمة الراهنة في السودان، وحرصا من الرئيس عبد الفتاح السيسي على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان، واتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدّراتها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل.

في هذا الصدد يقول الأكاديمي وخبير حفظ السلام الدولي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، إن الحرب الأهلية في السودان قد بدأت حقا ومنذ نيسان/أبريل الفائت، فالحرب الأهلية تعني نزاعا مسلحا غير دولي في إقليم الدولة بين جيشها الوطني ضد جماعة أو جماعات مسلحة متمردة على الدولة، وهذا ما يحصل في السودان على ما يبدو.

لذلك فإن الحروب الأهلية هي دائما الأصعب في التسوية مقارنة بالنزاعات المسلحة الدولية، أي الحروب بين الدول ذات السيادة، والصراع في السودان واحدٌ من أعنف الحروب الأهلية في العالم، منذ انهيار “الاتحاد السوفيتي”، بحسب وجهة نظر سلامة لموقع “الحل نت”.

الجنرالان المتعاركين؛ البرهان وحميدتي، يعتقد كل منهما أن الصراع المسلح بينهما هو صراع من أجل البقاء والوجود والحياة، وبالتالي فإن مصلحة السودان لا تطغى كغيرها من الحروب الأهلية التي جرت في السابق، بل يريد كل منهما تحقيق أهدافه ومآربه، كما يحلله سلامة.

كما أن مقاطعة وفد الجيش السوداني، الاجتماع في أديس أبابا، حيث تجري المفاوضات الجارية بقيادة إثيوبيا و”الإيغاد” و”الاتحاد الإفريقي”، تعني أن البرهان يعتقد أنه يستطيع أن يحسم المعركة لصالحه، وفق سلامة.

هذا وطرحت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “إيغاد” مبادرة لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حلّ جذري للأزمة السودانية. تحتضن العاصمة الإثيوبية، اليوم الإثنين، قمة “إيغاد” لبحث الأزمة السودانية، ويشارك في القمة وفدان عن الجيش السوداني و”الدعم السريع” اللذَيْن دعتهما وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها إلى إنهاء القتال على الفور والعودة إلى الثكنات، كما جددت الولايات المتحدة نداءها لدول المنطقة لمنع أي تدخل خارجي ودعم عسكري، لافتة إلى أن ذلك لن يؤدي إلا لتكثيف الصراع وإطالة أمده، وفق تقرير لقناة “العربية“.

“وزارة الخارجية السودانية”، قالت إن وصول وفد الحكومة إلى أديس أبابا يؤكد جديتها في المشاركة باجتماع لجنة “إيغاد”، وشددت على أن مقاطعة اجتماع لجنة “إيغاد” الرباعية تأتي بسبب عدم تغيير رئاسة كينيا رغم مطالبة الحكومة السودانية ومجلس السيادة السوداني بذلك قبل أكثر من شهر.

الخارجية السودانية أردفت أن مطالبها بتغيير رئاسة كينيا للجنة لم يتم تنفيذها حتى اللحظة مشيرة إلى أن الرئيس الكيني وليام روتو لم يكن محايدا في الأزمة القائمة. وأكدت أن وفد الحكومة السودانية سيظل في أديس أبابا للاستجابة لمطالبه.

يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية إلى أديس أبابا. كما دعت وزارة الخارجية الأميركية طرفي الصراع في السودان لإنهاء القتال والعودة إلى الثكنات، وأكدت على ضرورة منع أي تدخل خارجي في السودان، معتبرة أنه لا حل عسكريا للصراع.

فرص نجاح التسوية المصرية

في إطار فرص نجاح الوساطة المصرية، يرى الخبير الدولي في حفظ السلام أن التسويات في الحروب الأهلية هي دائما أقل من فرص النجاح السلمي في النزاعات الدولية، ففي الحروب الدولية ثمة وسائل كثيرة للتوصل إلى تسوية ما، سواء عبر آليات التوفيق أو التحقيق، وحتى أطراف النزاع الدولي قد يلجؤون إلى التحكيم الدولي أو “محكمة العدل الدولية”، وأنجع الوسائل، هي المفاوضات والوساطة.

العاصمة المصرية، القاهرة- KHALED DESOUKI/AFP via Getty Images

لكن في حالة الحروب الأهلية والتي تشبه حالة السودان اليوم، لا تتوفر كل هذه الآليات. فلا يمكن لأطراف النزاع، على سبيل المثال، اللجوء إلى التحكيم الدولي، ولم يحدث في الماضي في الحروب الأهلية إنشاء أو تشكيل لجنة للتوفيق أو التحقيق بين طرفي النزاع، وفق ما يوضحه سلامة.

سلامة يرى أنه يجب أن تلعب مصر دورا رئيسيا في هذه الأزمة، فهي دولة مجاورة وتربطها علاقات تاريخية وجغرافية ومصالح استراتيجية بالسودان، بالإضافة إلى أن الأمن القومي المصري يتأثر بشكل كبير بالسودان كونه دولة على تماس بمصر. ومنذ بداية الصراع في السودان، تتواصل القاهرة مع طرفي الصراع لإنهائه، ومصر لا تفرّق بين أيّ منهما، وهدفها وقف إراقة الدماء في تلك البلاد.

مع ذلك، لا يعتقد سلامة أن المؤتمر الذي ستستضيفه القاهرة أو الذي يجري اليوم الإثنين في أديس أبابا سينجح في إنهاء هذا النزاع المسلح بهذه السهولة والسلاسة، نظرا لأن الهدف الأول والأساسي يجب أن يكون التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مستدام وصامد، وليس فقط للأغراض الإنسانية، ولكن أيضا من أجل تهيئة الظروف الملائمة والمناسبة لتحقيق التسوية السياسية النهائية فيما بعد. وهذا ما يجب أن تعمل عليه مصر.

هذا ويهدد القتال، الذي لم تنجح جهود الوساطة في وقفه حتى الآن، بجر البلاد إلى حرب أهلية أوسع نطاقا، ولكن الخبراء يرون أن السودان قد انزلق بالفعل إلى حرب أهلية ولكنها في إطار محدود وفي بداياتها، وخاصة بعد تدخل بعض الجهات الخارجية مثل قوات “فاغنر” الروسية في الدولة الواقعة بين القرن الإفريقي ومنطقة الساحل والبحر الأحمر في شرق إفريقيا.

ما العمل؟

حدّة التصدعات بين طرفي النزاع في السودان تصاعدت في الأشهر التي سبقت الحرب، بسبب الخلاف على الشكل الذي سيبدو عليه التسلسل القيادي العسكري بعد تشكيل حكومة مدنية، بالإضافة إلى مسألة دمج قوات “الدعم السريع” في الجيش.

يبدو أن التوصل إلى تسوية للصراع في السودان تصطدم بحالة من التعقيد، إذ تحتاج إلى وسيط قوي يدفع نحو إطار الحل السياسي بشكل مستدام، الأمر الذي يبدو مرتبطا بمبدأ التنحي لا سيما من قبل “حميدتي” والبرهان وباقي العناصر في القيادات باللجنة الأمنية المرتبطة بنظام حكم عمر البشير السابق.

على الرغم من الوساطات والمساعي التي جرت خلال الفترات الماضية في مدينة جدة السعودية واليوم في “إيغاد” وبعد أيام في القاهرة، ثمة بارقة أمل لدى الأوساط السودانية والإقليمية والدولية حول نجاح هذه المفاوضات بين طرفي النزاع وإن كانت الاحتمالات ضعيفة، لكنها قد تكون خطوة صغيرة ومدخلا للحل السياسي وانفراجة تامة بواسطة جيش واحد موحد غير منقسم.

بالعودة إلى سلامة، فإنه يقول إن مصر لا تغفل عن وجوب التواصل مع الأطراف والحركات المدنية النشطة في السودان، إذ لديها خبرة في التفاعل مع هذه المكونات المدنية، منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير، وهذا التواصل يمهّد لتأسيس فترة انتقالية رشيدة تحكمها أطر التحول والعدالة الانتقالية.

مصر ستستلهم دروس الفشل في الاستبعاد وستعمل على الوصول إلى هدنة أولية، أي وقف إطلاق النار كخطوة أولية في مسار التسوية السياسية النهائية لاحقا، وفي النهاية الوساطة المصرية ترتهن على قبول وشروط طرفي النزاع المسلح، وطرفا الصراع وحدها من تستطيع التوصل إلى أي اتفاق، وكلما حصلت مصر على المعلومات حول هذا النزاع وفهم طبيعته، سيكون ذلك عاملا مهما في نجاح الوساطة المصرية، على حد قول سلامة.

رغبة كل طرف في الانتصار على الآخر، تُعد إحدى عوامل الفشل في أي وساطة إقليمية أو دولية، لذلك فإن القضية معقدة، بالنظر إلى أن الصراع هو صراع وجودي لحيازة أو الانفراد بالسلطة والثروة ووجود أطراف خارجية تغذّي تنامي الصراع.

قائد “الجيش السوداني” الفريق أول عبد الفتاح البرهان- “إنترنت”

بالتالي فإن التوصل إلى تسوية ما أو مقاربة سياسية مرنة بين أطراف النزاع قد يكون مدخلا مهما لتحقيق السياقات أو المقدمات التي تبعث بالاستقرار في السودان. وأي اتفاق لا يتحدث بشكل مباشر عن أن يكون هناك مراجعة للرتب والانتماءات والهويات لقوات “الدعم السريع” ثم إصلاح المؤسسة العسكرية لن يتم التوصل لنتيجة سياسية مُرضية وتسوية لحلحلة الصراع هناك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التوصل إلى حلّ نهائي بشأن إحلال السلام في السودان من خلال هذه الأطراف المتصارعة لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل لتحقيق الاستقرار الشامل في البلاد أو حل أزمات البلاد جميعها. وهذا يتطلب تكاملا وانخراطا للقوى المدنية والأحزاب المستقلة أيضا، بما يضمن حقوق جميع الفئات، وهو ما يجب على مصر أن تعمل عليه في الفترات القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات