في تطور جديد يُنذر بتصعيد خطير في الأزمة اليمنية، شنت الولايات المتحدة ضربات وعقوبات متعددة على “الحوثيين” في اليمن، وذلك ردًا على هجماتهم المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي تهدد حرية الملاحة الدولية.
جاء هذا التصعيد بشكل تدريجي، فمع حلول الأول من مارس/آذار 2025، ومع بداية إدارة ترامب، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف جماعة “الحوثي” كـ “منظمة إرهابية أجنبية”، وهو ما اعتبره وزير الخارجية، ماركو روبيو، إحدى الوعود الأولى التي قطعها الرئيس ترامب عند توليه منصبه.
وما هي إلا أيام قليلة حتى أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية سبعة من كبار قادة جماعة “الحوثيين” على قائمة العقوبات، بتهمة تورطهم في عمليات تهريب الأسلحة وشرائها من روسيا لدعم العمليات العسكرية لـ “الحوثيين” في اليمن. وهنا صرح وزير الخزانة الأميركية، سكوت بيسنت، قائلاً: “ستستخدم الولايات المتحدة كل الأدوات المتاحة لتعطيل الأنشطة الإرهابية للحوثيين، والحد من قدرتهم على تهديد أمن الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، فضلاً عن تعريض التجارة البحرية العالمية للخطر”.
ونظرًا للتوترات المتصاعدة، حذرت إيران ميليشيا “الحوثي” من اقتراب موعد توقف واردات الوقود عبر ميناء الحديدة، الذي يُعتبر الشريان الرئيسي لإمدادات الميليشيا بالوقود، إذ تسعى الإدارة الأميركية إلى تجفيف منابع تمويل “الحوثيين” واستنزاف مواردهم. وبين العقوبات والتحذيرات، استمرت الحملة العسكرية الأميركية على المواقع التابعة للجماعة اليمنية.
معقل “الحوثيين” يدك
شنت الإدارة الأميركية الجديدة ضربات عسكرية واسعة النطاق ضد “الحوثيين” في اليمن، مما أسفر عن مقتل 31 شخصاً على الأقل وإصابة 101 آخرين، وفقاً للمتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة “الحوثي”، أنيس الأصبحي، وذلك في بداية حملة يُتوقع أن تستمر عدة أيام.

ويرى الصحفي اليمني سلمان المقرمي، في حديثه مع موقع “الحل نت”: أن “الجديد في الغارات الأميركية أنها للمرة الأولى تستهدف قيادات الحوثيين، فالغارات الأمريكية السابقة في عهد إدارة بايدن لم تكن تستهدف القيادات الحوثية، وإنما كانت تستهدف مواقع عسكرية فقط”.
أما الآن، ومنذ الأمس، فقد شهدت اليمن هذه الغارات، ومن خلال خطاب الرئيس ترامب قال إنه سيستهدف القيادات “الحوثية”، وهذا أسلوب جديد في الضربات الأميركية للقضاء على جماعة “الحوثي”؛ حيث استهدفت منازل القيادات “الحوثية” في حي القَرَف شمال صنعاء، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، والنقطة التي انطلقوا منها لاحتلال صنعاء في عام 2014.
أما الأكاديمي اليمني ورئيس حملة “#لن_نصمت”، الدكتور عبد القادر الخراز، فيرى في حديثه مع “الحل نت”، أن هذه الضربات الجوية ما هي إلا شكل من أشكال العقوبات الأميركية، والتي سيكون لها بالتأكيد تأثير سلبي على الجماعة؛ ولهذا تحاول الجماعة التحايل على هذه العقوبات في محاولة منها للتملص من نتائجها السلبية عليها.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية غير مكتفية بالعقوبات فقط، لأنها تعلم بوجود عمليات تحايل وتملص منها؛ ولذلك وضعت الإدارة الأميركية جميع مصادر تمويل “الحوثيين” تحت المراقبة الدقيقة، ولهذا نفذت عملية عسكرية. وما دفعها إلى هذه العملية هو إعلان ميليشيا “الحوثي” قبل عشرة أيام أنها ستعيد إيقاف حركة السفن التابعة لإسرائيل في حال عدم فك الحصار عن غزة. وانتهى هذا الموعد يوم الأربعاء الماضي، وأعلنت الجماعة بالفعل أنها ستُعيد وقف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وبناءً على ذلك تحركت الولايات المتحدة الأميركية لحماية الملاحة الدولية، لا سيما ما يتعلق بالبحر الأحمر، فهدف الولايات المتحدة الأميركية هو تجفيف منابع “الحوثيين”.
التحذير لإيران
مع بداية الضربات العسكرية الأميركية على “الحوثيين”، ظهر سؤال حول موقف إيران من هذه الأحداث، خاصة وأن جماعة “الحوثي” باتت هي الأقرب لإيران بعد خسارتها لـ “حزب الله” في لبنان والأسد في سوريا. ولهذا حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران، الداعم الرئيسي لـ “الحوثيين”، من ضرورة وقف دعمها للجماعة فورًا، مؤكداً أنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة، “فستتم محاسبتها بالكامل، ولن نتهاون في ذلك”.

من جانبه، قال قائد “الحرس الثوري” الإيراني، حسين سلامي، يوم الأحد، إن “الحوثيين” مستقلون ويتخذون قراراتهم الاستراتيجية والعملياتية بأنفسهم، مضيفاً في تصريح لوسائل الإعلام الرسمية: “نحذر أعداءنا من أن إيران سترد بشكل حاسم ومدمر إذا نفذوا تهديداتهم». كما أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن الحكومة الأميركية “ليس لديها أي سلطة أو عمل في إملاء السياسة الخارجية الإيرانية”.
وفي هذا السياق، ومع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، يطرح السؤال حول إمكانية تخلي إيران عن الحوثيين كما سبق لها التخلي عن الأسد و”حماس” و”حزب الله”؟
الدكتور يوسف مرعي، الباحث المختص في الشأن اليمني يجيب في حديثه مع “الحل نت”: “أعتقد أن إيران تعيش لحظات نكساتها الإقليمية، خصوصاً بعد هزيمتها في دمشق، وهي ليست في وضع مناسب ولا في حالة ترف لتستبدل واحدة من أهم ركائز نفوذها الإقليمي في المنطقة كالحركة الحوثية في اليمن، التي لطالما اعتبرتها طهران عنصراً راسخاً في معادلة نفوذها في المنطقة”.
بل إن الحرب الأخيرة والمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة أظهرت لطهران قيمة “الحوثيين” بالنظر إلى الأدوار التي قامت بها الحركة في تعطيل الملاحة الدولية عند واحد من أهم شرايين التجارة الدولية، والتسبب في أضرار اقتصادية للغرب وارتفاع أسعار الطاقة. هذه الأدوار، من وجهة نظر طهران، أرست ديناميكية جديدة لزعزعة الاستقرار في واحدة من أهم المناطق الحيوية بالنسبة لعولمة الاقتصاد والتجارة، وهو ما ضاعف من أهمية هذه الجماعة بالنسبة لحسابات طهران التي تبحث عن متنفس للتفاوض مع إدارة ترامب.
وبالتالي، يشير مرعي إلى أن عودة الجماعة لاستئناف عملياتها في البحر الأحمر قد تأتي في سياق جس نبض طهران لإدارة ترامب ومحاولة استكشاف ملامح صفقة أساسها أن تضمن طهران ممارسة ضغوط على الحوثيين لإيقاف التصعيد في البحر الأحمر، بالنظر إلى الدوافع الاقتصادية والتجارية لإدارة ترامب. فضمان استقرار أسعار الطاقة والحد من التضخم يمكن أن تقدمه طهران كثمن لواشنطن حتى تعود للتفاوض حول الملف النووي. وبالتالي ضمان استقرار البحر الأحمر عرض تفاوضي لإيران مقابل حزمة تنازلات دولية وتخفيف العقوبات”.
الضربات الجزئية
وصفت القيادة المركزية للجيش الأميركي، التي تُشرف على القوات في الشرق الأوسط، ضربات يوم السبت بأنها بداية عملية واسعة النطاق في جميع أنحاء اليمن. وقال مسؤولون إن الضربات التي نُفِّذت يوم السبت تمّت جزئيًّا بواسطة طائرات مقاتلة من حاملة الطائرات “هاري إس ترومان”، الموجودة في البحر الأحمر.
وكتب وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث على حسابه الشخصي: “لن يتم التسامح مع هجمات الحوثيين على السفن والطائرات الأمريكية (وعلى قواتنا!)، وإيران – راعية الحوثيين – على عِلم بذلك”.
وفي هذا السياق، يضيف المقرمي قائلًا: “مما لا شك فيه أن هذه الحملات سيكون لها نتائج فعالة، خاصة إذا وقع عدد كبير من القتلى في صفوف القيادات الحوثية، وستكون مؤثرة أيضًا إذا استهدفت الرادارات ومنصات إطلاق الصواريخ الحوثية، وإذا شملت مخازن الأسلحة؛ وهذا ما حدث بالأمس من تفجير مخازن الأسلحة، لأن ذلك سيؤدي إلى نقص في المخزون العسكري لدى الحوثيين”.
ويتابع قائلًا: “حتى تكون هذه الضربات شاملةً وأكثر فاعلية يجب قطع طرق التهريب والإمداد، وإلّا فلن يكون لها ذلك التأثير القوي. صحيح أنها ستحدُّ من عمليات الحوثيين، لكنها لن تقضي بشكل نهائي على العمليات التخريبية ما لم يتم القضاء على طرق تهريب الأسلحة؛ فطرق التهريب في اليمن واسعة ومتعددة وكثيرة. لذلك، حتى تكون هذه الغارات فاعلة ومؤثرة، لا بد أن ترتكز على نقطتين رئيسيتين؛ النقطة الأولى هي استهداف القيادات كما أعلنت الإدارة الأمريكية، والنقطة الثانية هي قطع طرق الإمدادات المتعلقة بتهريب السلاح”.
“الحوثيون” يعانون الآن من تصدّع الخدمات في مناطق سيطرتهم؛ فالجماعة “الحوثية” لا تُقدّم أي خدمات أو دعم، حتى لأنصارها، والموظفون لا يحصلون على رواتبهم، ما أدى إلى حالة عامة من السخط وأحيانًا إلى المظاهرات. لذلك، إذا شعر اليمنيون أن الأميركيين ليسوا مع بقاء “الحوثيين” في صنعاء، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد الحملات الشعبية وزيادة الرفض للوجود الحوثي داخل اليمن.
وعليه، مع ارتفاع وتيرة العقوبات والضربات والتحذيرات الدولية واستهداف القيادات الحوثية، ربما تواجه جماعة “الحوثي” المصير ذاته الذي واجهه “حزب الله” وقياداته فيما سبق.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

طهران ترفض تصريحات واشنطن حول دورها في سوريا

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

شحنة نفط روسي تصل إلى سوريا خلال أسبوع.. هل أصبحت موسكو بديلًا لإيران؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
