يعتزم الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إجراء أول زيارة رسمية له إلى دولة الإمارات منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وفق ما أعلنت مؤخرًا وزارة الخارجية السورية. 

تأتي تلك الزيارة المُرتقبة كمؤشر للتقارب بين الإدارة الجديدة في سوريا ودولة الإمارات، بعد أن بدت أنها غير مُرحبة بالتغيير الذي جرى في سوريا عقب نجاح الثورة الشعبية في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، قبل أن يتحول موقفها تجاه التقارب مع إدارة الشرع. 

تصالح الإمارات مع سوريا الجديدة 

عقب أسابيع من صعود “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة في سوريا، تصالحت الإمارات مع سوريا الجديدة، بعد أن كان لديها قلق شديد بشأن انتمائها للفصائل الإسلامية الجهادية وارتباطها بـ “تنظيم القاعدة”، ما أثار مخاوفها. 

جاء ذلك بعد أن خسرت الإمارات صديقها بشار الأسد، حيث كانت من أكثر الدول العربية الداعمة له وكانت تسعى لإتمام مشروع عربي للتطبيع مع نظامه، وهو ما تجلى خلال استضافتها مؤتمرات تهدف إلى حشد الدعم العربي الخليجي لإعادة إعمار سوريا. 

انعكس بدء تقبل القيادة السياسية في دولة الإمارات الإدارة الجديدة في سوريا مع إجراء وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري أسعد الشيباني، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث أكد موقف بلاده الداعم للمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة، مشددا على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا. 

وفي السادس من كانون الثاني/ يناير استقبل وزير الخارجية الإماراتي، نظيره في الحكومة السورية الانتقالية مع وفد مرافق له لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين. 

بينما في الثامن عشر من الشهر ذاته تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات اتصالا هاتفيا من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وبحثا الأمر ذاته، وبعد أن عيّن الشرع نفسه رئيسًا للبلاد في نهاية كانون الثاني/ يناير بعث له رئيس دولة الإمارات برقية تهنئة بهذه المناسبة. 

الإمارات والبحث عن دور محوري 

يبدو أن الإمارات لديها دافع لأن ترى استقرارًا ملموسًا في سوريا، خاصة وأن خطوة الزيارة المرتقبة اتخذت بعد أن تحقق العديد من الاستحقاقات منها الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة انتقالية جديدة لإدارة شؤون البلاد، ما يرسخ أنها في طريقها نحو تحقيق الاستقرار. 

في الوقت الذي تُكافح فيه سوريا تداعيات سنوات من الصراع المُطوّلة والمُعقّدة، فإن الإمارات تبحث عن مكانة للعب دورٍ محوري في تعافي البلاد، وفرص للمشاركة لتولي دور مهم في إعادة إعمار سوريا. 

وتمتلك دولة الإمارات إمكانات كبيرة تمكّنها من مساعدة سوريا في مواجهة التحديات الحرجة، بما في ذلك الحاجة الملحّة لتخفيف العقوبات، وإعادة اندماجها بالمجتمع الدولي، نظرًا لكون أبو ظبي ذات علاقات دولية متينة، إضافة إلى مهمة إعادة الإعمار الجسيمة لما تشهده من قوة اقتصادية كبيرة. 

زيارة الرئيس السوري المرتقبة إلى الإمارات خلال الأيام المقبلة تُعد تطورًا دبلوماسيًا هامًا في تطور العلاقات بين البلدين من شأنه أن يعزز التعاون بينهما، خاصة وأنها تأتي عقب فترة من التقارب التدريجي في العلاقات وتزايد التعاون الدبلوماسي.  

مجالات رئيسية 

في حين أن التحديات التي تواجه سوريا لا تزال هائلة، فإن الزيارة الرئاسية المرتقبة من شأنها أن تفضي إلى تقدم ملموس في عدة مجالات رئيسية: 

تخفيف العقوبات: تُوفر علاقات الإمارات العربية المتحدة القوية مع الدول الغربية منصة قيّمة للدعوة إلى التخفيف التدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، أو رفعها في نهاية المطاف، ومن خلال التواصل الدبلوماسي المستمر وتسليط الضوء على العواقب الإنسانية الوخيمة لهذه الإجراءات، يُمكن لها الضغط على الأطراف الرئيسية لإعادة النظر في سياساتها، مما يُسهّل تدفق المساعدات والموارد الأساسية، وقد تُتيح الزيارة الرئاسية المقبلة فرصةً لتوضيح هذا الموقف على أعلى المستويات. 

قوة اقتصادية دافعة لإعادة الإعمار: بفضل احتياطاتها المالية الضخمة وخبرتها الواسعة في تطوير البنية التحتية، تتمتع الإمارات العربية المتحدة بالقدرة على الاستثمار بشكل كبير في جهود إعادة إعمار سوريا، ويشمل ذلك إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، والإسكان، والخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل الضرورية، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي، ومن المتوقع أن يستكشف الوفد الرئاسي مشاريع استثمارية إماراتية محتملة في مختلف القطاعات. 

بعض التقديرات الأولية تشير إلى أن تكاليف إعادة الإعمار قد تتجاوز تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الدمار الذي تعرّضت له البلاد، كما تتطلب إعادة الإعمار إلى جانب الأموال استقرارًا سياسيًا وفتح قنوات التعاون الدولي. 

تعزيز التعاون 

من جانبه، قال المحلل السوري، الدكتور قصي عبيدو، في تصريحات خاصة لموقع “الحل نت“، إن الزيارة المرتقبة تأتي في سياق فتح علاقات تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل بين سوريا والإمارات وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين. 

الزيارة تأتي أيضًا في إطار مساعي سوريا لتوسط أبو ظبي لرفع العقوبات عن البلاد، والتعاون في مجالات متعددة أهمها ضمان وحدة التراب السوري والمساعدة بنهوض سوريا وعودتها لموقعها الجيوسياسي، وأيضًا العمل على الشّق الاقتصادي والتبادل التجاري لما له من تأثير إيجابي ينعكس بشكل جيد على تعافي الاقتصاد السوري الذي من شأنه تحسين الوضع المعيشي للسوريين. 

المحلل السوري، الدكتور قصي عبيدو

ورجّح أن يفتح التقارب بين سوريا والإمارات الباب لسوريا لإقامة علاقات جيدة مع باقي دول الخليج، ومن أهمها السعودية والإمارات لما لهم من وزن إقليمي ودولي. 

وبالنسبة لأبرز الملفات التي سيتم مناقشتها، رجّح المحلل السوري أن يتم مناقشة التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري والعمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في بعض المحافظات السورية والتي كان آخرها مطارَي حماه والتيفور في تدمر بمحافظة حمص. 

رفع للعقوبات وإقامة علاقات دبلوماسية 

من الملفات التي ستطرح أيضًا توقّع عبيدو، أن يتم بحث إمكانية لعب الإمارات دورًا في رفع العقوبات الغربية والأميركية عن سوريا، وتقريب وجهات النظر مع باقي الدول العربية لفتح علاقات دبلوماسية وزيارات لجذب الاستثمارات إلى سوريا. 

وتوقع أيضًا أن تشهد الفترة القادمة زيارات أخرى بنفس السياق للرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى عدة دول في المنطقة، بهدف تفعيل دور سوريا في جامعة الدول العربية، مبينًا أن الرئيس الشرع يسعى إلى تحقيق التعافي الاقتصادي في سوريا بالدرجة الأولى لما له من أهمية على الداخل السوري. 

وأكد أن العلاقات الثنائية بين سوريا والإمارات قديمة، وتربط شعوب البلدين علاقات وثيقة، وحتى على الصعيد السياسي كانت ومازالت الإمارات تقف إلى جانب سوريا بكل الظروف، متمنيًا أن تكون هذه الزيارة مفتاح الحل في سوريا لتجلب الخير لشعبها. 

اختارت أبو ظبي أن تتعامل بحذر وأن تكون على الحياد بالنسبة للمشهد السوري، منذ سقوط الأسد، لكن يبدو أنه حان الوقت لكي تتدخل وتقدم الدعم للإدارة السورية الجديدة خاصة في مسألة إعادة الإعمار. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة