معركة شرسة تواجهها الإدارة السورية بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أمام الموقف الأميركي الغامض والضبابي تجاهها وتجاه العقوبات المفروضة على البلاد منذ عهد نظام الأسد السابق، فتتزايد يوميًّا المؤشرات حول موقفٍ قد يكون سلبيًّا تجاه إدارة أحمد الشرع. 

وعلى الرغم من الرسائل الإيجابية والتطمينات التي بعثت بها الإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والتي لاقت صدى إيجابيا إقليميا وأوروبيا، إلا أن أميركا لا زالت غير راضية عن تلك الإدارة على ما يبدو. 

موقف أميركي حذر 

تتخذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفًا حذرًا ومشككًا في السلطة الجديدة التي تحكم سوريا حاليًّا، حيث ترى أنه تم استبدال قوة مُزعزعة للاستقرار تمثلت في حكم الأسد ونظامه الذي ارتكب جرائم في حقّ السوريين على مدار أكثر من عقد، واستبدالها بقوة مماثلة أخرى متمثلة بـ أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام” ذات الأصول الجهادية.   

وتواصل واشنطن إجراءاتها الأحادية الجانب بشأن سوريا بموجب “قانون قيصر”، بما له من تأثير مُنهك على الانخراط الاقتصادي، فمواصلة تلك السياسات التي تستهدف بالأساس نظام الأسد وتنظيم “داعش” الإرهابي يعرّض سوريا أن تستمر كبلد ضعيف. 

مع استمرار العقوبات الأميركية، فإنّ الشركات الأجنبية ستظلّ تواجه تحدّيات كبيرة في إقامة علاقات اقتصادية مع سوريا، وسط المخاوف من الوقوع في فخّ العقوبات الامريكية

وتجلى الموقف الأميركي مؤخرًا، خلال تأكيد أميركا على “عدم الاعتراف” حالياً بأي كيان “كحكومة في سوريا”، مؤكدة أنه “لا تغيير طرأ” على امتيازات أو حصانات الدبلوماسيين السوريين في نيويورك، ذلك بعد أن قامت إدارة ترامب بتغيير تصنيف التأشيرات الخاصة بالدبلوماسيين العاملين لدى البعثة السورية في الأمم المتحدة، وهو ما يعني أنها لا تعترف رسمياً بالحكومة التي شكّلها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع. 

شروط تعكس الحذر الأميركي 

سلّمت الولايات المتحدة سوريا، في آذار/ مارس الماضي، قائمة شروط تريد من دمشق تنفيذها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، بما في ذلك ضمان عدم تولي أجانب مناصب حكومية عليا. 

وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز” من بين الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة تدمير سوريا لأي مخازن أسلحة كيميائية متبقية والتعاون في “مكافحة الإرهاب”، إضافة إلى التأكد من عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية في الهيكل الحاكم في سوريا. 

عيّنت سوريا بالفعل بعض المُتمردين والمقاتلين الأجانب السابقين كمسؤولين في وزارة الدفاع، بما في ذلك الأيغوري والأردني والتركي، وهي الخطوة التي أثارت قلقًا لدى الحكومات الأجنبية خاصة الإدارة الأميركية. 

لكن إدراج واشنطن شرطا مُتعلقا بإبعاد هؤلاء المقاتلين الأجانب عن هياكل الحكم في سوريا أعاد تسليط الضوء على أهمية هذا الملف بالنسبة للولايات المتحدة، والقلق الغربي من تأثير التيارات الجهادية على السلطات السورية الجديدة.

وطلبت واشنطن من سوريا أيضا تعيين ضابط اتصال لمساعدة الجهود الأميركية للعثور على أوستن تايس، الصحفي الأميركي الذي اختفى في سوريا قبل أكثر من عقد. 

تخفيف جزئي للعقوبات 

أفادت وكالة الأنباء ذاتها، بأن في مقابل تلبية جميع المطالب، ستُقدم واشنطن تخفيفًا جزئيًا للعقوبات، ولم تُحدد بعد نوع التخفيف المُقدم، كما لم تُحدد جدولًا زمنيًا مُحددًا لتلبية هذه الشروط. 

قبل ذلك، وتحديدا في “مؤتمر باريس” الخاص بسوريا، رفض ممثل الولايات المتحدة في المؤتمر، وهو رئيس مكتب الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية، التوقيع على “الإعلان” الذي وقّعه جميع المشاركين، والسبب في ذلك وفقًا لرعاة المؤتمر هو تحفظ واشنطن إزاء “هيئة تحرير الشام” التي تدير سوريا راهنًا، عبر رئيسها أحمد الشرع والهيئات التي تشكلت منذ سقوط نظام بشار الأسد في الـ 8 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي. 

يرتبط تحديد موقف الولايات المتحدة تجاه سوريا، بسياسات دمشق الداخلية ومدى وفائها بالوعود التي قدمتها للعالم من قبيل السير بعملية سياسية شاملة وتمثيل جميع السوريين فيها، كما أن هناك مخاوف من أن يكون الموقف الأميركي مرتبطًا بممارسة سياسة الضغط أو المساومات الإقليمية المرتبطة بموقع سوريا الجيوسياسي وعلاقتها مع حلفاء واشنطن وأعدائها في المنطقة كإسرائيل وتركيا وإيران. 

من جهتها أرسلت مؤخرًا إدارة الشرع إلى الإدارة الأميركية رسالة تتضمن الرّد الرسمي على شروط رفع العقوبات، ولم تعلن بشكل رسمي تفاصيل ما جاء في الرسالة. 

تفاصيل الرّد السوري على الشروط الأميركية 

بحسب المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، خلال حديث خاص مع موقع “الحل نت”، فإن الإدارة الأميركية سلمت الحكومة السورية مجموعة من الطلبات منذ عدة أسابيع، وأتى الرّد الرسمي السوري منذ يومين، لكنه غير جيد وقد يعرقل أي تقدم في المفاوضات. 

الرد الرسمي السوري تطرق إلى بعض الأمور بشكل مُباشر، لكن هناك نقاط شائكة لا تزال عالقة ومحل خلاف على الرغم من أنها أساسية وجاءت على رأس الطلبات بالنسبة للإدارة الأميركية، مما يعقّد إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين، منها انخراط المقاتلين الأجانب بمناصب في الحكومة الانتقالية، وضمنها مؤسسة الجيش تحديدًا، كما لم تقدم الإدارة السورية شيئًا جديدا فيما يخصّ الصحفي الأميركي. 

المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا

وأشار إلى أنه فيما يخصّ مخازن الأسلحة الكيماوية جاء الرّد إيجابيًا، وكذلك بالنسبة للملف الإيراني، مضيفًا أنه لا يوجد حتى الآن بوادر تغير ملموس بموقف الإدارة الأميركية تجاه إدارة الشرع في سوريا، وهذا يحتاج إلى المزيد من الطرف السوري وإجراء العمل عليه، خاصة وأن الأمر تفاوضي هناك أخذ ورد فيه.

وبيّن أن هناك إشكالية في أن الوضع الاقتصادي في سوريا لا يحتمل التأجيل، وهناك حاجة آنية لحلول اقتصادية ومسألة رفع العقوبات تأتي على رأس هذه الحلول، لذا هناك ضرورة لأن تنخرط الإدارة السورية في حوار مباشر مع الإدارة الأميركية لإيجاد حلول في أسرع وقت ممكن.

ونبّه إلى أن استثناء تخفيف العقوبات الذي يطلق عليه استثناء 2024 للعقوبات، بات في طور الانتهاء قريبًا، وهو ما يحتاج على الأقل للتجديد لهذا الاستثناء، منوهًا أن لا بوادر لأن يحصل استثناءات إضافية خلال وقت قريب.

شخصيات أجنبية ضمن الحكومة السورية

كانت أعلنت الولايات المتحدة في 6 كانون الثاني/ يناير الماضي، تخفيف قيود مالية مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، اعتباراً من 8/ كانون الأول ديسمبر 2024، يوم سقوط بشار، ولمدة 6 أشهر، وقالت إنها “ستواصل مراقبة التطورات على الأرض”.

وأكد المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، أن هناك حاجة لمزيد من المرونة من قبل الإدارة السورية، خاصة وأن وجود شخصيات أجنبية ضمن الحكومة السورية وفي مناصب قيادية يؤرق الولايات المتحدة بسبب خلفياتهم الجهادية، فكل هؤلاء المقاتلين الأجانب خلفيتهم ليست عسكرية، ومبرر وجودهم هو أنهم ساندوا الشعب السوري بشكل أو بآخر خلال معركته ضد نظام الأسد، مستطردًا بأن من غير المنطقي أن يكون لهؤلاء دورًا عسكريًا بالبلاد إلى ما لا نهاية، لذا هناك ضرورة لدراسة كيف يمكن أن ينخرطوا في أمور أخرى ليست عسكرية.

وأفاد بأن، الحكومة الأميركية تريد أن ترى توجه عام للحكومة السورية الجديدة، خاصة وأنه غير واضح حتى الآن، فمن غير الواضح أين تتجه الحكومة الجديدة خصوصا فيما يتعلق بمواضيع هامة وشائكة تهم الأمن الأميركي وأمن المنطقة.

وقال إن هناك تخوف أميركي من أن تتحول سوريا إلى دولة تُصدر الإرهاب مرة أخرى، فالنظام السوري السابق كان مُصدر للإرهاب وهناك خوف أن يكون المستقبل السوري مشابه للماضي، وهو تخوف مشروع بسبب تاريخ سوريا، مضيفًا أن التعقيدات تتعلق بجهات استلمت الحكم اليوم، لكن هناك حاجة إلى وضوح وحوار وشفافية بين الطرفين نحو الوصول إلى تفهم يرضي الولايات المتحدة ومنطقي بالنسبة للشارع السوري والحكومة الجديدة.

هل تتنازل الإدارة الأميركية؟ 

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة، في تصريحات خاصة لموقع “الحل نت“، أن الإدارة الأميركية لن تتنازل عن استمرار تطبيق العقوبات ضد سوريا، لذلك لها مطالب من الحكومة السورية قبل أن تبدأ بإعادة العلاقات الاقتصادية معها. 

وأوضح أن تخفيف العقوبات بعض الشيء ليس له أي تأثير يُذكر على الاقتصاد السوري، لذلك تسعى الإدارة الجديدة في سوريا لأن تزيل كل العقوبات، والانفتاح باتجاه الغرب والولايات المتحدة الأميركية، مؤكدًا أن لدى إدارة الشرع دافع كبير للانفتاح الاقتصادي. 

وبيّن الكاتب والمحلل السوري أن العقوبات الاقتصادية على سوريا كان لها تأثيرًا كبيرًا على اقتصاد البلاد وإرهاقه، مؤكدًا أن استمرارها يضرّ بالاقتصاد السوري، وكلما تأخرت عملية اندماج سوريا الجديدة بالمجتمع الدولي لن تستطيع أن يكون لديها أي إمكانية للنهوض، فالتأخير والرفض والتّعنت تجاهها سيكلف البلاد خسائر جدّية ومستمرة. 

وأكد أن الاقتصاد السوري لن يستطيع أن يتجاوز محنته حال استمرار العقوبات الأميركية والغربية، وأن الجهد الاقتصادي يجب أن يكون كبيرًا ويجب أن تحصل سوريا على مساعدات من أوروبا ودول الخليج وصندوق النقد الدولي حتى تستطيع أن تنهض بالواقع الاقتصادي الذي تمر به. 

أميركا تضع الحكومة السورية في حرج 

أشار الكاتب والمحلل السياسي، إلى أن الانفتاح الأميركي تجاه الإدارة السورية جاء بشكل ضعيف، وأن أميركا تتعمد ألا تمنح إدارة الشرع ما يريد، وتربط انفتاح تلك الإدارة وإعادة العلاقات الاقتصادية معها ببعض المطالب، مؤكدًا أن المطالب الأميركية ليست سهلة وتضع الحكومة السورية في حرج شديد. 

من بين المطالب الأميركية إبعاد المُسلحين الأجانب وخروجهم من سوريا، الأمر الذي يتوقف على قدرة الإدارة السورية على لفظ هؤلاء الأشخاص، لكن الأمر يمثل إشكالية كبيرة، والتوصل إلى حلّ ليس بالأمر السهل وقد تواجه أميركا معضلة وكذلك الحكومة السورية معضلة أكبر، خاصة وأن الوضع الاقتصادي في سوريا غير جيد حتى هذه اللحظة. 

الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة

وقال إن الحكومة الانتقالية والإدارة السورية ما تزال في بداية الطريق، وهناك انفتاح أميركي بطيء “بالقطارة”، حيث إنه إذا نفذت الإدارة السورية خطوة، تقدم الإدارة الأميركية مقابل لها، وبالتالي هي عملية ليست سهلة على الإدارة الجديدة. 

العقوبات الأميركية على سوريا

تتنوع العقوبات الأميركية التي لا تزال مفروضة على سوريا بين تشريعات أقرها الكونجرس، وأوامر تنفيذية أصدرها الرئيس، وعقوبات أصدرتها وزارة الخزانة بالتشاور مع وزارة الخارجية، وعقوبات تحظر التجارة لأغراض غير إنسانية بين سوريا والولايات المتحدة، فضلاً عن عقوبات أخرى تهدف إلى منع بلدان ثالثة من ممارسة أعمال تجارية مع سوريا.

وتختلف العقوبات من حيث الصادرة ضدهم، بين أفراد، وكيانات، ومؤسسات حكومية، وتعود بعض هذه العقوبات إلى ما قبل 011.

بحسب الخارجية الأميركية، فإن سوريا لا تزال مُصنفة كدولة راعية للإرهاب في الولايات المتحدة منذ ديسمبر 1979، عقب الاحتلال السوري للبنان وما اعتبرته واشنطن “دعماً للجماعات الإرهابية”.

ولا تزال العقوبات والقيود التي أضافتها الولايات المتحدة في 5 مايو 2004 بالأمر التنفيذي رقم 13338، سارية.

ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، بدأت الحكومة الأميركية توسيع العقوبات على دمشق بهدف حرمان حكومة بشار الأسد من الموارد التي تحتاجها لمواصلة العنف ضد المدنيين، وللضغط على النظام السوري حتى يسمح بانتقال ديمقراطي تماشياً مع مطالب الشعب السوري.

يتخذ البيت الأبيض موقفا متشددًا في التعامل مع سوريا، نظرًا إلى الروابط السابقة لقيادة سوريا الجديدة بتنظيم القاعدة ما يتسبب في تقليص الانخراط الأميركي مع تلك الإدارة الجديدة.

ومن المُرجح أن يستمر الغموض حول الرؤية الأميركية للملف السوري لمدة من الوقت ريثما تنضج المحادثات غير المُعلنة بين الجانبين السوري والأميركي، كما يتوقف ذلك على ما ستقدمه إدارة الشرع من تنازلات وتحقيق الشروط المطالبة بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات